مقدمة
الديمقراطية سلاح ذو حدين، وهي من حيث المعنى والمفهوم عائمة ضبابية، ومن حيث التجربة والواقع متلونة متفاوتة، وضبابية المفهوم وتفاوت التجربة سببهما بشرية المصطلح منشئا وممارسة، فالديمقراطية مصطلح يوناني مؤلف من لفظين (ديموس) ومعناه الشعب و(كراتس) ومعناه سيادة، فمعنى المصطلح إذاً سيادة الشعب أو حكم الشعب، والديمقراطية نظام سياسي اجتماعي تكون فيه السيادة لجميع المواطنين ويوفر لهم المشاركة الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة، والديمقراطية كنظام سياسي تقوم على حكم الشعب لنفسه مباشرة أو بواسطة ممثلين منتخبين بحرية كاملة[1].
وهي تفرق بين ثلاث وظائف سياسية للدولة الديمقراطية، الوظيفة التشريعية ويقصد بها وضع القوانين، والوظيفة التنفيذية ويقصد بها ضمان سير العمل في الدولة على أساس هذه القوانين، والوظيفة القضائية ويقصد بها الفصل في المنازعات على أساس القوانين الصادرة من الهيئة التشريعة كالمجلس النيابي واللوائح الصادرة من الهيئة التنفيذية[2].
والمقصود بسيادة الشعب في تعبير الديمقراطيين هو أن الشعب يمثل السلطة العليا التي لا تعلوها سلطة، وهو مركز إصدار القوانين والتشريعات، وتتصف السيادة بعدة أمور :
- القطعية، أي أنها هي الشرعية العليا ولا حدود لسلطتها في سن قوانين الدولة.
- العمومية الشاملة لجميع الأفراد والمنظمات داخل حدود الدولة.
- الدائمية، بحيث يستمر مفعول السيادة.
- اللا تجزيئية، لأن السيادة تتضمن عدم المشاركة والتقسيم، فلا يمكن أن يكون هناك أكثر من سيادة واحدة[3].
فالحكم الديمقراطي بمقتضى تعريف الديمقراطيين له يلاحظ عليه أمران أساسيان :
الأمر الأول: استبعاده حق الله عز وجل الذي له الحكم كله، وبأمره تأتي سلطة كل من له سلطة من بعده، وبسبب هذا يكون الحكم الديمقراطي مبايناً للحكم الإسلامي من حيث البعد المنهجي، لأن الحكم الإسلامي قائم على أن الأصل في الحكم إنما هو لله عز وجل وحده، بينما الحكم الديمقراطي يرى سيادة وحاكمية البشر بالأصالة.
الأمر الثاني: عدم إقرار الحكم الديمقراطي بأحكام الشرع ووجوب تنفيذها أولاً، وهي الأحكام الشاملة لأحكام الكتاب الكريم والسنة المطهرة. واستنباطات الفقهاء والمجتهدين المتخصصين الجامعين لشروط الإستنباط.
قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا)[4]. وبسبب هذا أيضاً يكون الحكم الديمقراطي مبايناً للحكم الإسلامي، فالحكم الإسلامي يفرض أولاً العمل بكل حكم شرعي ثابت بدليل قطعي، أو بدليل ظني اعتبره الدليل القطعي، بينما الحكم الديمقراطي يحكم ابتداءا بما شرعه البشر، ويجانب حكم الله عز وجل.
وفي ما يلي نسلط الضوء على مصطلح الديمقراطية من خلال استقراء مجموعة من خطب و كلمات سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ( دام ظله ).
الديمقراطية منهج أو وسلية
يرى سماحة الشيخ بأن الديمقراطية لا تمثل في حقيقتها منهجا أصيلا للحكم، لأن الحاكمية الأصيلة لله عز وجل وحده، فليس من الصحيح أن تكون الديمقراطية بنفسها غاية، بل هي مجرد وسيلة قد تكون موصلة إلى المنهج الأصيل والحاكمية الحقيقية لله عز وجل، والشعب ليس له سيادة تشريعية استقلالية، فسيادة الشعب منبثقة من إيمانه بالله عز وجل، وبشريعته السمحاء، أما إذا كان الشعب بلا قيم وبلا إيمان فهو يرسخ حكم الجاهلية لا حكم الله عز وجل.
منهج الله عز وجل لا منهج الديمقراطية
مشكلات الأرض يحلها المنهج العليم، والجهاز الصالح المؤمن به، والتربية على القيم. والمنهج العليم الدقيق الأمين هو منهج الله عز وجل، والجهاز الصالح المؤمن به لا يكون إلا من إعداده، والتربية على القيم لا تكون إلا من صنعه وفي ضوء ركائزه[5].
الديمقراطية وسيلة وليست غاية
إن الديمقراطية نفسها لا تحل المشكلة وإنما يحلّها ما قد تعتمده من منهج إلهي صحيح، وهي طريق فحسب للتمكين لهذا المنهج ولحكومة من صنعه[6].
شعب بلا قيم وفرد بلا قيم
كثيراً ما نتحدث عن حكم الشعب أو الفرد، وحكم الشعب بلا قيم لا ينقذ، وحكم الفرد بلا قيم لا ينقذ. حكم الفرد الاستبدادي كارثة، وحكم الشعب بلا قيم لا ينقذ، إذ أن شعبا بلا قيم هو مجموعة حيوانات عدوانية مفترسة كاسرة متغالبة، وسافلة ساقطة، فلا تفكروا في ديمقراطية تنقذكم ولا غيرها، حيث يِخرُّ سقف القيم أو يهبط كثيرا.
الديمقراطية الجاهلية
لو انصبَّ خيار على منهج جاهلي فستركّز الديمقراطية الجاهلية. والمجتمع الجاهلي لا يختار غير منهج جاهلي، وإذا كان الشعب المؤمن الواعي لا يختار إلا حكومة مؤمنة عادلة، فإن الشعب الفاسق لا يختار إلا حكومة من جنسه، والشعب المؤمن إذا أمكن استغفاله كان جسرا لحكومة تكفر بالعدالة وتحارب القيم.
الديمقراطية بلا وعي وبلا تماسك وبلا إيمان وبلا فهم موضوعي كارثة.
حاكمية الخالق أو حاكمية المخلوق
يرى سماحة الشيخ بأن للديمقراطية عدة أسس، وأساسها الأول الحرية المطلقة، وهي التي تعطي للشعب حق التشريع بالأصالة ومن دون وصاية أحد عليه، وتعطيه حق اختيار نظامه وإن كان علمانيا، وحق اختيار قيادته وحكومته وإن كانت فاسدة، ويفرق سماحته بين الحرية في ظل الإرادة التكوينية والحرية في ظل الإرادة التشريعية، فالإنسان حر في ظل الإرادة التكوينية، فله أن يفعل وله أن يترك، أما بعد أن يؤمن بالشريعة الإلهية، فهو ليس حرا في اختياره ما يتنافى مع تلك الشريعة، بل لا بد أن يأتمر بما أمره الله عز وجل، وينتهي عما نهاه الله عز وجل. نعم، هو