السنّة النبویة تؤکّد علی أفضلیة علي (ع)علی الصحابة
ليس غرضنا استعراض كامل الروايات الصادرة عن رسولاللّه (صلّي اللّه عليه و آله) في حق عليّ ، بل غرضنا انتخاب بعض النماذج الروائية التي أظهر أو أفرز فيها رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) أفضلية عليّ (عليه السلام) علي الصحابة سعياً منه (صلّي اللّه عليه و آله) لتبليغ الاُمّة بما يريده اللّه سبحانه، فمن تلك الروايات:
حدیث الطیر
أخرج النسائي عن أنس بن مالك، قال: «إنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) كان عنده طائر، فقال: اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء أبوبكر فردّه، وجاء عمر فرّده، وجاء عليّ فأذن له»110هذا الحديث له طرق عديدة متكاثرة جدّاً111 جمع كبير من الصحابة منهم: عليّ بن أبي طالب، وابن عبّاس، وسفينة خادم رسول اللّه، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك وغيرهم. وأخرجه جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين. فقد أخرجه الحاكم من طريق أنس، وصححّه112ورواه الطبراني من طريق سفينة113عنه الهيثمي، وقال: «ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة»114ما حسّنه الحافظ ابن حجر في ذيل كتاب «مشكاة المصابيح»115
فالحديث ـ مضافاً لكثرة طرقه البالغة حد التواتر ـ له طرق صحيحة أيضاً116وهو يدل علي أنّ الإمام عليّ (عليه السلام) هو أحبّ الخلق الي اللّه تعالي، وقد أُوتي الرسول سؤله حسب ماورد في الحديث الشريف.
حدیث المنزلة
أخرج البخاري عن سعد بن أبي وقاص، قال: «قال النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) لعليٍّ: أما ترضي أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسي»117. وأخرجه مسلم عن سعد، قال: «قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) لعليّ: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي. قال سعيد: فأحببت أنْ أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني عامر، فقال أنا سمعته، فقلت: أنت سمعته، فوضع أصبعيه علي أُذنيه، فقال: نعم؛ وإلاّ فاستكّتا»118 .
كما أنّ لهارون تمام المنازل التي كانت له من موسي بما فيها أفضليته بعد موسي (عليه السلام) علي كلّ أُمّة موسي، كذلك (عليه السلام) للإمام عليّ (عليه السلام) تمام المنازل ـ عدا النبوّة ـ بما فيها أفضليته علي الأُمّة بعد الرسول (صلّي اللّه عليه و آله). والحديث يدل علي أفضلية الإمام عليّ (عليه السلام) علي سائر أفراد الأُمّة.
حدیث "الحق مع علي":
أخرج أبو يعلي عن أبي سعيد: أنّ عليّاً مرّ فقال النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله): «الحقُّ مع ذا، الحقُّ مع ذا»119. قال الحافظ الهيثمي: «رواه أبو يعلي ورجاله ثقات»120 .
وعن عليّ (عليه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) : «رحم اللّه عليّاً، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار» أخرجه الترمذي121، وأبويعلي122، والطبراني123 ، والحاكم124، وابن عساكر125 ... وغيرهم.
وصحّحه الحاكم126، وأبو منصور ابن عساكر الشافعي127، والسيوطي في «الجامع الصغير»128، وأرسله الفخري إرسال المسلّمات129 .
فاتّضح من هذه الفضيلة أنّ الحقّ مع الإمام عليّ (عليه السلام) بنصّ قول النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله)، ودلالة ذلك لا تحتاج الي بيان.
حدیث الثقلین
أخرج مسلم، عن زيد بن أرقم، قال: «قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) يوماً فينا خطيباً بماء يُدعي خمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد اللّه وأثني عليه، ووعظ وذكّر، ثمّ قال: «أما بعد؛ ألا أيُّها الناس فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربِّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتابُ اللّه فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به. فحثّ علي كتاب اللّه ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، أُذكّركم اللّه في أهل بيتي، أُذكركم اللّه في أهل بيتي، أُذكّركم اللّه في أهل بيتي...»130 .
وأخرجه الترمذي عن أبي سعيد وزيد بن أرقم131. وصحّحه السقّاف132، وكذا الألباني133، وأخرجه أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت، وقال حمزة أحمد الزين (محقق المسند): إسناده حسن134 .
وقال الحافظ الهيثمي: «رواه أحمد وإسناده جيّد»135 .
وأخرجه الطبراني136، وعنه الهيثمي في «مجمع الزوائد»، وقال: «رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات»137.
وأخرجه النسائي عن زيد بن أرقم138. وأخرجه الحاكم، وقال: «هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله»139 . وقال ابن كثير: «قال شيخنا أبو عبداللّه الذهبي: وهذا حديث صحيح»140 .
وللحديث ألفاظ أُخري، وطرق متكاثرة وأسانيد متظافرة، ولذا حكم غير واحد من أهل العلم بتواتره منهم: الشيخ أبو المنذر141، وأبو الفتح التليدي142.. وغيرهما.
إنّ أهل البيت (عليهم السلام)، وفي مقدّمتهم الإمام عليّ (عليه السلام) قد اختصّوا بمنزلة عظيمة من العلم والاستقامة، وهي مزية تشير إلي فضلهم.
حدیث « من أحبّ علیاً فقد أحبّ الله»:
أخرج الطبراني عن أبي الطفيل، قال: «سمعتُ أُمّ سلمة تقول: أشهد أنّي سمعت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) يقول: «مَن أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبَّ اللّه، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه»143 .
وعنه الهيثمي وحسَّنه144، وصحّحه السيوطي145، والألباني146 .
وروي عن سلمان بلفظ مختصر، وصحّحه الحاكم ووافقه الحافظ الذهبي147، وحسَّنه المنّاوي148 ، وصحّحه الألباني149 .
أفضلیة الإمام علي (ع) في أقوال الصحابة و التابعین
وردت روايات كثيرة وصحيحة تشيد بفضل عليّ (عليه السلام) علي سائر الصحابة حتي قال الإمام أحمد بن حنبل: ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعليّ (رضي اللّه عنه)150 .
وفي هذا المبحث سوف نذكر أقوال بعض الصحابة والتابعين في أفضليته (عليه السلام) ، وكما يلي:
1 ـ قال حذيفة بن اليمان: «لو قسمت فضيلة عليّ (عليه السلام) بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم»151 .
2 ـ عن عبداللّه بن مسعود: «كنّا نتحدّث أن أفضل أهل المدينة عليّ بن أبي طالب152 . وقال أيضاً: «أفرض أهل المدينة وأقضاها عليّ»153 .
3 ـ وقال العبّاس: «يا عليّ لقد أُوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد»154 .