ابنا : انزل الله سبحانه وتعالى الرسالة السماوية دين الإسلام والقرآن الكريم الدستور لتلك الرسالة واختار الصادق الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم ليخرج الناس من العبودية والظلم والاضطهاد الذي حل بهم في عصور الجاهلية حيث كانت الكثير من المفاهيم السائدة آنذاك تشكل انتهاك لحرمة رب العالمين والتجاوز على خلق الله في أرضه ومن تلك التجاوزات وّد الفتيات والرقّ وانتهاك حقوق الإنسان وخصوصا المرأة وانعدام النظام الاجتماعي الكفيل بإقامة حضارات لترسيخ نظرية النشوء وخلق الله بدلالة قوله {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ }المؤمنون17 ، وأيضا قوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات13
الدين الإسلامي دين الرحمة والتسامح والإنقاذ للبشرية من براثن العبودية لغير الله وتصحيح لكل الانحرافات ومكمل وخاتم لكل الديانات التي سبقته بدلالة قوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ}آل عمران19 وقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} المائدة3
وأصبح الإسلام منارا وإشعاع فكريا وإنسانيا في كل أرجاء المعمورة وكان رسول الله محمد صلى الله عليه واله وسلم نبراسا ومنارا للمظلومين والمحرومين في العالم وأعاد للإنسان هويته الإنسانية التي خلقه الله ليسير بها في رحلته الدنيوية القصيرة.
وقد مرت الرسالة الإسلامية بمحطات كثيرة منها الدعوة السرية والدعوة العلنية الجهر بالدين الإسلامي في الداخل وتوسعت الدعوات لتشمل العالم بأسره وكانت الفتوحات الإسلامية لتحرير الناس من ظلم الإمبراطوريات الوثنية المهيمنة على مدخرات الشعوب وقد أسس خلالها اكبر دولة عرفها العالم امتدت من حدود الصين شرقا حتى الأندلس وفرنسا غربا.
إن رسول الله محمد (ص) رسول رحمة ومغفرة للناس {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء107، حين فتح مكة بعد معاناة كبيرة مع أسيادها الجهلة الدنيويين الذين حاربوا الرسول والدين وقد نصره الله عليهم قال لهم ماذا ترون إني صانع بكم؟ قالوا أخا كريم وبن عم كريم .. قال: اذهبوا فانتم الطلقاء. كانت لهذه الكلمة اثر طيب في نفوس الناس {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} إبراهيم24.
كان صلى الله عليه وال بيته وسلم يردد قول الله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}البقرة256 ليبين أن الدين دين يسر وليس عسر لقوله تعالى { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } البقرة185.
ومن هولاء من امن إيمانا مطلق بالدين والرسول وقال عنهم تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} البقرة285.
ومنهم من اسلم عن خوف وكانت نفسه توسوس له امرأ نكرا وكان رسول الله (ص) يعلم بما تخفي صدورهم ويسال الله عسى أن يهديهم سواء السبيل وقال تعالى عنهم {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} آل عمران179.
كانت الفئة الثانية ممن اسلم خوفا من المنافقين يمارسون الحيل والخبائث والدسائس و يتربصون للإطاحة بالرسول (ص) والدعوة الإسلامية وكانوا يشكلون خطرا وتهديدا واضحا وكانت كل الدلائل تشير إلى ترقبهم لانتهاز الفرصة للانقضاض والانقلاب على الدين.
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} آل عمران102.
كان رسول الله (ص) مدركا لخطورة الفئة الضالة بدلالة قوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} آل عمران144.
كان (ص) يوصي بالدين من بعده ويوصي بعترته أهل بيته: "أيها الناس فما تنكرون من موت نبّيكم ؟ ... إلا إني لاحق بربي وقد تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا .. كتاب الله تعالى بين أظهركم تقرءونه صباحا ومساء فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا أخوانا كما أمركم الله، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي..." .
كما جمع (ص) الناس في مسجد الخيف في حجة الوداع فقال: "أيها الناس: إني تارك فيكم الثقلين أن تمسكتم بهما لن تضلوا ولن تزلّو ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانه قد نبّأني اللطيف الخبير إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كأصبعي هاتين...".
وتوالت الإحداث بعد وفاة الرسول الأعظم محمد (ص) في الثامن والعشرين من صفر وكانت رسالة أهل البيت عليهم السلام هي التمسك بوصية الرسول (ص) في الحفاظ على الدين الإسلامي من الانحراف وذلك من خلال الدعوة إلى التمسك بكتاب الله وتعاليم ووصايا الرسول (ص).
كان للإمام الحسين (ع) السهم الأكبر في حفظ الدين الإسلامي فقد كان عليه السلام معد ومكلف للتصحيح الانحراف بدلالة قول رسول الله (ص) "حسين مني وأنا من حسين" وهو ما ينطق عن الهواء إن هو ألا وحيّ يوحى.
الحسين عليه السلام ولد ورضع وتربى في مهد الرسالة الإسلامية فلم تنجسه الجاهلية بانجاسها الوثنية ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها وهو الطهر النقي أمه فاطمة الزهراء (ع) بنت الرسول الأعظم محمد (ص) و سيدة نساء العالمين وأبوه علي بن أبي طالب (ع) وليد الكعبة وأبن عم الرسول (ص) وأسد الله الغالب.
إن ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت لتوضيح قيم ومفاهيم غابت عن الأمة الإسلامية في عهد الطغاة، وأيضا تصحيح لمسار الرسالة الإسلامية من خط الانحراف الذي بدا خطيرا في زمن بنو أمية وكاد إن يؤدي إلى انطفاء نور رسالة الرحمة الإنسانية والإسلامية.
حينما خرج الإمام الحسين (ع) هو وعياله كان خروجه صرخة للدلالة على الواقع الفاسد آنذاك بدلالة أخذه لجميع أفراد عائلته الرجال والنساء صغيرهم كبيرهم ليطلق رسالة أولية للعالم مفادها أن في المدينة واقع مرير وسلطة فاسدة ومجتمع ينحدر إلى طريق الهاوية نتيجة تسلط وجبروت وسياسة حكامه، وليفهم من في المدينة أن الخطر يهدد نسائهم وأطفالهم وان هذا الخطر وصل إلى ذروته ولا يمكن السكوت عليه.
وبين عليه السلام ذلك بقوله "لم اخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت اطلب الإصلاح في امة جدي محمد (ص) أريد إن أمر بالمعروف و أنهى عن المنكر، أسير بسيرة جدي وسيرة أبي فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق وهو احكم الحاكمين".
وهنا تتبين الحكمة من خروج الإمام انه كان يقصد إصلاح النظام الإسلامي المنحرف عن الطريق بعد وفاة الرسول (ص) وكيف إن هذا الانحراف اخذ منحى خطير كاد إن يقضي على ما تبقى من قيم الإسلام وأصوله.
وقد تجلى ذلك بوضوح في يوم العاشر من محرم الحرام وكانت كل المؤشرات التي أراد الإمام الحسين توضيحها جلية في معركة دامت ساعات لكنها إعادة الإسلام إلى مساره الصحيح.
فقد انتصر الدم الطاهر على السيف الظالم وانتصرت القلة على الكثرة بمقياس لم يشهده التاريخ سبعون ألفا من الظّلمة والمتغطرسين مقابل سبعين رجل بين شاب صغير ورجل كهل كبير.
واقعة ألطف أسقطت الطغاة من خلال كشف جبروتهم وطغيانهم وانتهاكهم لحقوق الله وحقوق عباده وقد تجلى ذلك واضحا من خلال مجريات الإحداث:
• كانت سياسة ألدولة بيد يزيد بعد أبيه معاوية وهذا خلاف لمنهج الدين الإسلامي {وأمرهم شورى بينهم} ويزيد لم يكن يعمل بدين الله حيث كانت البيعة له بالقوة والإكراه، حيث أشهر السيوف على رقاب المسلمين، وقد أراد اخذ البيعة بالقوة من سبط رسول الله (ص) الإمام الحسين عليه السلام.
• رفض الإمام الحسين (ع) البيعة ليزيد قائلاً: "إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، ونرى وترون".
• عين يزيد لعنه الله ابن زياد والي للكوفة وأوصاه بالبطش بالقوة والشدة وكان بن زياد لعنه الله شديد البطش ورث الكراهية لأهل بيت النبوة من أمه فقد كانت سيئة السمعة تدعى مرجانه فأورثته سوء الخلق وتحجر القلب.
• جمع ابن زياد الناس في مسجد الكوفة ووعدهم بتوفير الأموال والمؤن إن هم خرجوا لقتال الحسين (ع)، وتوعدهم بالقتل ومصادرة أموالهم إن هم امتنعوا عن القتال.
• كان معسكر الإمام الحسين يحيي الليل بالصلاة والعبادة وخطب الإمام الحسين في أهله وأصحابه، بينما يسمع في معسكر الكفر الطبول والمزامير والغناء وقد انصرفوا للشرب والأكل كالبهائم بل هم أضل سبيلا.
• منع الماء عن معسكر الإمام الحسين (ع) وبقي الأطفال والنساء عطشى في رمضاء كربلاء، في حين سمح الإمام الحسين (ع) لجيوشهم بورود الماء حين كان على ضفاف نهر الفرات.
• قتلوا النساء والأطفال في معركة غير متكافئة نتيجة خوفهم وحقدهم الأعمى لأهل بيت النبوة مخالفين و