وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "فِرُّوا كُلَّ الْفِرارِ مِنَ الْفاجِرِ الْفاسِقِ".
نوعان من الفرار حَثَّنا الدين عليهما: الفِرار إلى الله، والفِرار من الفُجَّار والكُفّار والفاسقين والضالين والظالمين والطغاة والمستكبرين.
أما الفرار إلى الله، فهو واجب لأن الله هو الملجأ الذي يلتجئ إليه الإنسان في أزماته ومُلِمّاته، وهو الكهف الذي يحتمي به من كل ما يخيفه، قال تعالى: "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ"﴿الذَّاريات/ 50﴾ والفِرار إلى الله يعني الالتجاء إليه، و الاحتماء به، والاستظلال بظله، والاستعاذة به من كل مخوف، لأن الفرار يطلق فيما إذا واجه الإنسان موجوداً أو حادثاً مُخيفاً من جهة، وهو من جهة اخرى يعرف مكاناً يلتجئ إليه فيُسرع من مكان الخَوف إلى ذلك المكان الآمن، ويفِرُّ من كل حالة تخيفه إلى حيث يجد الأمن والأمان.
فالآية تقول: فِرّوا من عقيدة الشرك الموحشة وعبادة الأصنام إلى التوحيد الخالص الذي هو منطقة الأمن والأمان الواقعي، وفِرّوا من عذاب الله وتوجهوا نحو رحمته، وفِرُّوا من عصيانه وعناده وتوسلوا بالتوبة إليه، وفِرّوا من السيئات والقبائح والفواحش، وظُلمة الجهل والعذاب الدائم، والتجؤوا إلى رحمة الحق وسعادته الأبدية.
إن التعبير بلفظ الفِرار عجيب حقاً وهو يوحي بالأثقال والقيود والأغلال التي تُشُّد النفس البشرية إلى هذه الأرض، وتُثْقِلُها عن الانطلاق، وتحاصرها وتأسرها وتدعها في ِعقال، وبخاصة هَمّ الرزق، والحِرص، والانشغال بالأسباب الظاهرة للنصيب الموعود، ولهذا يَجيء الهتاف قوياً للانطلاق والتَّمَلُّص من القُيود والأغلال، والفرار إلى الله وحده مُنَزَّهاً عن كل شريك، والانقطاع إليه من الكفر والعقاب الذي يستتبعه، بالإيمان به تعالى وحده و اتخاذه إلهاً معبوداً لا شريك له في العِبادَة والطَّاعة.
وأما الفِرار من الفجار والكفار والفاسقين والضالين والظالمين والطغاة والمستكبرين، ومن كل الأوضاع والبيئات التي تضغط على الإنسان وتُقَيِّده، وتمنعه من أداء واجباته، وإحياء شعائر دينه، أو تتسبَّب في إغوائه وإضلاله وانحرافه عن صراط الله، فهو واجب أيضاً حِفظاً لدينه وإيمانه، فهذا النبي موسى (ع) يفِرُّ بدينه وإيمانه من فرعون وملئه وبيئتهم الظالمة الضاغطة، قال تعالى: "فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ..." ﴿الشُّعَراء/ 21﴾. وما خافهم على نفسه وحسب، بل خافهم على دينه وقِيَمِه.
وإذاً، فالمؤمن دائم الفرار إلى الله، والفرار من الطواغيت والظالمين وهذا ما يوصي به الإمام أمير المؤمنين (ع) في جوهرته الكريمة، أن يَفِرَّ المؤمن بدينه وأخلاقه من الفُجَّار الذين يجاهِرون بارتكاب المعاصي ويستهترون بها، ولا يبالون بما يُقال فيهم، وكذلك الفُسَّاق الذين خرجوا عن طاعة الله بارتكاب المعاصي والذنوب، فإن الصداقة والصحبة معهم عارٌ عليه وسبب للتُّهمة، ولولا أنه يرتاح إليهم ويأنس بهم، وينسجم تفكيره مع أفكارهم وآرائهم ما صاحبهم، ولو فرضنا اضطراره للعلاقة بهم فيجب أن تكون بقَدر الضَّرورة، فإن تجاوز الضرورة يكون قد استساغهم واستساغ أفكارهم، وهذا يعني بداية تأثُّره بفجورهم وفِسقهم، واعتياده عليه وتلك الخطوة الأولى التي إن لم يتوقف عندها ويتذكر ويُبصِر الحق كانت بداية انحرافه وضلاله.
ثم إن الفُجَّارَ والفُسَّاق عُرضَة لنزول العذاب والنَّقِمة بهم، فالفرار منهم واجب لمن أراد أن ينجو بنفسه، لأن الكَوْنَ معهم حين ينزل العذاب يعمُّه معهم، ولا يفرِّق بين الصالح والطالح، وبين المؤمن والفاسق، والتجربة تؤكِّد ذلك، فهَبْ أنك كنت في مكان ترتكب فيه جريمة، أو تباع في مواد مخدِّرة ودهمت الشُّرطَة المكان فمن المؤكَّد أنك ستعتقل مع الآخرين ولو كنت بريئاً، وستُهان وتُذَلّ كما يُهانوا، فالتواجد معهم تسبَّب لك بهذا وإن كنت من الصالحين.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
.........
انتهى/ 278
نوعان من الفرار حَثَّنا الدين عليهما: الفِرار إلى الله، والفِرار من الفُجَّار والكُفّار والفاسقين والضالين والظالمين والطغاة والمستكبرين.
أما الفرار إلى الله، فهو واجب لأن الله هو الملجأ الذي يلتجئ إليه الإنسان في أزماته ومُلِمّاته، وهو الكهف الذي يحتمي به من كل ما يخيفه، قال تعالى: "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ"﴿الذَّاريات/ 50﴾ والفِرار إلى الله يعني الالتجاء إليه، و الاحتماء به، والاستظلال بظله، والاستعاذة به من كل مخوف، لأن الفرار يطلق فيما إذا واجه الإنسان موجوداً أو حادثاً مُخيفاً من جهة، وهو من جهة اخرى يعرف مكاناً يلتجئ إليه فيُسرع من مكان الخَوف إلى ذلك المكان الآمن، ويفِرُّ من كل حالة تخيفه إلى حيث يجد الأمن والأمان.
فالآية تقول: فِرّوا من عقيدة الشرك الموحشة وعبادة الأصنام إلى التوحيد الخالص الذي هو منطقة الأمن والأمان الواقعي، وفِرّوا من عذاب الله وتوجهوا نحو رحمته، وفِرُّوا من عصيانه وعناده وتوسلوا بالتوبة إليه، وفِرّوا من السيئات والقبائح والفواحش، وظُلمة الجهل والعذاب الدائم، والتجؤوا إلى رحمة الحق وسعادته الأبدية.
إن التعبير بلفظ الفِرار عجيب حقاً وهو يوحي بالأثقال والقيود والأغلال التي تُشُّد النفس البشرية إلى هذه الأرض، وتُثْقِلُها عن الانطلاق، وتحاصرها وتأسرها وتدعها في ِعقال، وبخاصة هَمّ الرزق، والحِرص، والانشغال بالأسباب الظاهرة للنصيب الموعود، ولهذا يَجيء الهتاف قوياً للانطلاق والتَّمَلُّص من القُيود والأغلال، والفرار إلى الله وحده مُنَزَّهاً عن كل شريك، والانقطاع إليه من الكفر والعقاب الذي يستتبعه، بالإيمان به تعالى وحده و اتخاذه إلهاً معبوداً لا شريك له في العِبادَة والطَّاعة.
وأما الفِرار من الفجار والكفار والفاسقين والضالين والظالمين والطغاة والمستكبرين، ومن كل الأوضاع والبيئات التي تضغط على الإنسان وتُقَيِّده، وتمنعه من أداء واجباته، وإحياء شعائر دينه، أو تتسبَّب في إغوائه وإضلاله وانحرافه عن صراط الله، فهو واجب أيضاً حِفظاً لدينه وإيمانه، فهذا النبي موسى (ع) يفِرُّ بدينه وإيمانه من فرعون وملئه وبيئتهم الظالمة الضاغطة، قال تعالى: "فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ..." ﴿الشُّعَراء/ 21﴾. وما خافهم على نفسه وحسب، بل خافهم على دينه وقِيَمِه.
وإذاً، فالمؤمن دائم الفرار إلى الله، والفرار من الطواغيت والظالمين وهذا ما يوصي به الإمام أمير المؤمنين (ع) في جوهرته الكريمة، أن يَفِرَّ المؤمن بدينه وأخلاقه من الفُجَّار الذين يجاهِرون بارتكاب المعاصي ويستهترون بها، ولا يبالون بما يُقال فيهم، وكذلك الفُسَّاق الذين خرجوا عن طاعة الله بارتكاب المعاصي والذنوب، فإن الصداقة والصحبة معهم عارٌ عليه وسبب للتُّهمة، ولولا أنه يرتاح إليهم ويأنس بهم، وينسجم تفكيره مع أفكارهم وآرائهم ما صاحبهم، ولو فرضنا اضطراره للعلاقة بهم فيجب أن تكون بقَدر الضَّرورة، فإن تجاوز الضرورة يكون قد استساغهم واستساغ أفكارهم، وهذا يعني بداية تأثُّره بفجورهم وفِسقهم، واعتياده عليه وتلك الخطوة الأولى التي إن لم يتوقف عندها ويتذكر ويُبصِر الحق كانت بداية انحرافه وضلاله.
ثم إن الفُجَّارَ والفُسَّاق عُرضَة لنزول العذاب والنَّقِمة بهم، فالفرار منهم واجب لمن أراد أن ينجو بنفسه، لأن الكَوْنَ معهم حين ينزل العذاب يعمُّه معهم، ولا يفرِّق بين الصالح والطالح، وبين المؤمن والفاسق، والتجربة تؤكِّد ذلك، فهَبْ أنك كنت في مكان ترتكب فيه جريمة، أو تباع في مواد مخدِّرة ودهمت الشُّرطَة المكان فمن المؤكَّد أنك ستعتقل مع الآخرين ولو كنت بريئاً، وستُهان وتُذَلّ كما يُهانوا، فالتواجد معهم تسبَّب لك بهذا وإن كنت من الصالحين.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
.........
انتهى/ 278