وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الاقْتِدارِ الْبَغْيُ وَالْعُتُوُّ".
الاقتدارُ: من القدرة وهو ما مجموع يملكه الإنسان من قدرات مادية، كأن يكون مالكا لأموال طائلة، أو تاجراً ثرياً يمكنه أن ينافس غيره، أو يستحوذ على ما يريد من السوق. أو قدرات علمية تتيح له معرفة ما يجهله الآخرون، أو سبقهم إلى اكتشافات واختراعات تستطيع أن تغير مجرى الأحداث الاجتماعية أو السياسية.
أو قدرات عسكرية وتكنولوجية يستطيع بها أن يلحق الهزيمة بمن يشاء، أو يتسبب له بخسائر وأضرار وآلام. أو قدرات معنوية كأن يكون ذا تأثير سياسي أو اقتصادي، أو أن يكون مسموع الكلمة في الأوساط الاجتماعية، وسوى ذلك من القدرات التي تجعل منه شخصاً مؤثراً في الواقع، ذو مهابة ومنعة، يخشاه غيره ولا يخشى أحداً.
فأما البَغْيُ: فهو التَّعَدّي، ومجاوزة القَدْرِ، ومجاوزة الحَدِّ من كل شيء، وأكثر ما استعمل القرآن مفردة البغي ومشتقاتها في الظلم والتَّعَدّي وتجاوز الحدود، والاستعلاء بغير حق، ومجاوزة النفس قدرها واستحقاقها. فعندما قّصَّ علينا قصة قارون وصفه بالباغي فقال: "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ..." ﴿76/القصص﴾.
ونقلا عن اكنا، عندما ذكر ما حرَّمه الله على الناس جعل البَغيَ واحدا من المحرمات فقال: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"﴿33/ الأعراف﴾.
واستعمل كلمة البغي بمعنى الظلم، سواءً كان ظلماً للنفس أم ظلماً للناس، واستعملها بمعنى المعصية، والحسد، وارتكاب الفواحش ومنها الزنا، وطلب الضلال والغواية والانحراف، والإفساد، والبَطَر والتَّرف، والرغبة في أن يكون الدين تبعاً للأهواء الشخصية.
وجاء في الروايات الشريفة تحذير شديد من البَغي، وذكرت أن الله يعجِّل عقوبة الباغي في الدنيا قبل الآخرة، وأنها أي العقوبة أسرع مِمّا يعتقد الباغي، وأن البغي يصرعه ويقضي عليه، ويجلب إليه وإلى مجتمعه الدمار والنِّقم، ويسلبهم النِّعَم، وأن من سَلَّ سيفَ البَغي قُتِلَ فيه، وقاده إلى النار وبئس القرار في الآخرة.
ويكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن أن أسوأ وألأَم البَغي ما يكون عند القُدرة، فبدل أن يستفيد الشخص من قدراته في الخير ويكون من أهل الحق وأعوانه، ينصر المظلوم ويردع الظالم، تراه يستغلُّ قوته في لبغي والظلم ويتجاوز بها كل الحدود الشرعية والأخلاقية فهذا لُؤْمٌ وخِسَّةٌ ونذالة.
وفي حديث آخر يكشف (ع) عن أفحش أنواع البغي فيقول: "أَفْحَشُ البَغيِ البَغيُ علَى الاُلّافِ". أي أن يتجاوز على أولئك الذين أَلِفوه واطمأنوا إليه ووثقوا به، فيظلمهم، وينكر حقوقهم، ويعتدي على كراماتهم، ويقتحم خصوصياتهم.
وكون البغي آفة القدرة واضح لقارئي الكريم فإن الكثير من الناس قد يحجزهم الضعف والعجز وقلة ذات اليد عن التعدي والظلم، وفي هذه الأثناء نراهم أخلاقيين ينكرون الظلم ويحرِّضون على الظالمين، فإذا تغيرت أحوالهم وتبدَّل ضعقهم إلى قوة، وفقرهم إلى غِنى نراهم يبغون ويطغون، وقد قال تعالى: "كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴿6﴾ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ"﴿7/ العلق﴾.
وكما أن البغي آفة القدرة، فالعُتُوُّ آفة أخرى لها، وهو مجاوزة الحدِّ في الاستكبار والطُّغيان، والمبالغة في الإفساد والعِصيان، والتمرُّد على أوامر الله ونواهيه، وغالباً ما يكون التمرد مصحوباً بالاستكبار والاستعلاء قال تعالى: "فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ..."﴿77/ الأعراف﴾. وقال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا" ﴿21/ الفرقان﴾.
ولا شك في أن العُتُوَّ صفة قبيحة وخلق ذميم، وهو صفة في النفس تحمل صاحبها على عِصيان الله عَزَّ وَجَلَّ والتَّمرُّد على أوامره ونواهيه، مما يورث صاحبه غضب الله وسخطه، وذلك مِنْ أسوأ العواقب.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
......
انتهى/ 278
الاقتدارُ: من القدرة وهو ما مجموع يملكه الإنسان من قدرات مادية، كأن يكون مالكا لأموال طائلة، أو تاجراً ثرياً يمكنه أن ينافس غيره، أو يستحوذ على ما يريد من السوق. أو قدرات علمية تتيح له معرفة ما يجهله الآخرون، أو سبقهم إلى اكتشافات واختراعات تستطيع أن تغير مجرى الأحداث الاجتماعية أو السياسية.
أو قدرات عسكرية وتكنولوجية يستطيع بها أن يلحق الهزيمة بمن يشاء، أو يتسبب له بخسائر وأضرار وآلام. أو قدرات معنوية كأن يكون ذا تأثير سياسي أو اقتصادي، أو أن يكون مسموع الكلمة في الأوساط الاجتماعية، وسوى ذلك من القدرات التي تجعل منه شخصاً مؤثراً في الواقع، ذو مهابة ومنعة، يخشاه غيره ولا يخشى أحداً.
فأما البَغْيُ: فهو التَّعَدّي، ومجاوزة القَدْرِ، ومجاوزة الحَدِّ من كل شيء، وأكثر ما استعمل القرآن مفردة البغي ومشتقاتها في الظلم والتَّعَدّي وتجاوز الحدود، والاستعلاء بغير حق، ومجاوزة النفس قدرها واستحقاقها. فعندما قّصَّ علينا قصة قارون وصفه بالباغي فقال: "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ..." ﴿76/القصص﴾.
ونقلا عن اكنا، عندما ذكر ما حرَّمه الله على الناس جعل البَغيَ واحدا من المحرمات فقال: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"﴿33/ الأعراف﴾.
واستعمل كلمة البغي بمعنى الظلم، سواءً كان ظلماً للنفس أم ظلماً للناس، واستعملها بمعنى المعصية، والحسد، وارتكاب الفواحش ومنها الزنا، وطلب الضلال والغواية والانحراف، والإفساد، والبَطَر والتَّرف، والرغبة في أن يكون الدين تبعاً للأهواء الشخصية.
وجاء في الروايات الشريفة تحذير شديد من البَغي، وذكرت أن الله يعجِّل عقوبة الباغي في الدنيا قبل الآخرة، وأنها أي العقوبة أسرع مِمّا يعتقد الباغي، وأن البغي يصرعه ويقضي عليه، ويجلب إليه وإلى مجتمعه الدمار والنِّقم، ويسلبهم النِّعَم، وأن من سَلَّ سيفَ البَغي قُتِلَ فيه، وقاده إلى النار وبئس القرار في الآخرة.
ويكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن أن أسوأ وألأَم البَغي ما يكون عند القُدرة، فبدل أن يستفيد الشخص من قدراته في الخير ويكون من أهل الحق وأعوانه، ينصر المظلوم ويردع الظالم، تراه يستغلُّ قوته في لبغي والظلم ويتجاوز بها كل الحدود الشرعية والأخلاقية فهذا لُؤْمٌ وخِسَّةٌ ونذالة.
وفي حديث آخر يكشف (ع) عن أفحش أنواع البغي فيقول: "أَفْحَشُ البَغيِ البَغيُ علَى الاُلّافِ". أي أن يتجاوز على أولئك الذين أَلِفوه واطمأنوا إليه ووثقوا به، فيظلمهم، وينكر حقوقهم، ويعتدي على كراماتهم، ويقتحم خصوصياتهم.
وكون البغي آفة القدرة واضح لقارئي الكريم فإن الكثير من الناس قد يحجزهم الضعف والعجز وقلة ذات اليد عن التعدي والظلم، وفي هذه الأثناء نراهم أخلاقيين ينكرون الظلم ويحرِّضون على الظالمين، فإذا تغيرت أحوالهم وتبدَّل ضعقهم إلى قوة، وفقرهم إلى غِنى نراهم يبغون ويطغون، وقد قال تعالى: "كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴿6﴾ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ"﴿7/ العلق﴾.
وكما أن البغي آفة القدرة، فالعُتُوُّ آفة أخرى لها، وهو مجاوزة الحدِّ في الاستكبار والطُّغيان، والمبالغة في الإفساد والعِصيان، والتمرُّد على أوامر الله ونواهيه، وغالباً ما يكون التمرد مصحوباً بالاستكبار والاستعلاء قال تعالى: "فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ..."﴿77/ الأعراف﴾. وقال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا" ﴿21/ الفرقان﴾.
ولا شك في أن العُتُوَّ صفة قبيحة وخلق ذميم، وهو صفة في النفس تحمل صاحبها على عِصيان الله عَزَّ وَجَلَّ والتَّمرُّد على أوامره ونواهيه، مما يورث صاحبه غضب الله وسخطه، وذلك مِنْ أسوأ العواقب.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
......
انتهى/ 278