وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ أبنا ــ أصدر عضو الهيئة العليا للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) الأمين العام للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية علي أكبر ولايتي، الأمين العام للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية، وبالتزامن مع انعقاد الندوة التخصصية المعنونة «تبيين الروايات والرد على الشبهات حول حرب الأيام الاثني عشر للجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني»، وبمناسبة الذكرى السادسة لاستشهاد الجنرال الحاج قاسم سليماني (رضوان الله تعالى عليه)، بياناً جاء فيه ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد والثناء لله تعالى الذي أضاء مرة أخرى، في ميدان الصراع التاريخي بين الحق والباطل، نور الحقيقة في وجه ظلمات الكفر والاستكبار والاحتلال، وجعل الشعب الإيراني العظيم، بوصفه حامل لواء الدفاع عن مظلومي العالم، منتصراً في ساحة المواجهة.
الإخوة المؤمنون، والمفكرون، والنخب الثقافية الكرام؛
نجتمع اليوم لنقدّم، برؤية تحليلية موثّقة وواقعية، الرواية الصحيحة لحرب الأيام الاثني عشر المفروضة، ولنواجه التحريفات وبث الشبهات والحرب الإدراكية التي يشنها العدو، عبر إعادة قراءة حقيقة هذه المواجهة المصيرية.
السادة الأفاضل، من النخب العلمية والثقافية والسياسية، والأساتذة والمفكرين الأعزاء؛
يسعدني ويشرّفني أن أكون بينكم، وأن أخاطب هذه الكوكبة من النخب الفكرية والعملية للثورة الإسلامية، من أجل تبيين الرواية التحليلية والاستدلالية لحرب الأيام الاثني عشر بين جبهة الحق وجبهة الباطل، أي بين الثورة الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني. إن هذا الطرح يستند إلى المبادئ القرآنية في صراع الحق والباطل، ويستلهم التوجيهات الحكيمة لقائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله)، في حرب مثّلت مظهراً جلياً من مظاهر التقابل التاريخي بين النور والظلام.
وسيتناول هذا التحليل مختلف أبعاد الحرب المفروضة التي استمرت اثني عشر يوماً، ورواياتها الحقيقية، مع التأكيد على الدور الحاسم للصمود المجتمعي للشعب الإيراني، والقيادة الحكيمة والفريدة للثورة الإسلامية، واستمرار نهج الشهداء، ولا سيما الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني.
لقد شكّل الانتصار العظيم للثورة الإسلامية عام 1979 وإقامة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، صدعاً استراتيجياً في بنية القوة العالمية، وحوّل إيران إلى قوة إقليمية كبرى ولاعب مؤثر في المعادلات الدولية؛ وهو مسار تعزّز مع اتساع النفوذ الإقليمي وفوق الإقليمي لخطاب الثورة الإسلامية، مبشّراً بتحقق «الحضارة الإسلامية الحديثة» في زمن الجاهلية المعاصرة.
إن منظومة الهيمنة، التي وجدت نفسها عاجزة أمام هذه الهندسة الجديدة للقوة، سعت طوال أكثر من أربعة عقود، عبر تخطيط وتنفيذ مئات المؤامرات المباشرة وغير المباشرة، إلى احتواء الثورة الإسلامية أو إضعافها أو القضاء عليها. وكان من أبرز تلك المؤامرات فرض الحرب المفروضة لثماني سنوات، بدعم شامل من أكثر من ثلاثين دولة في العالم لنظام البعث العراقي ضد الشعب الإيراني.
واليوم، وبعد ما يقرب من أربعة عقود، عاد النظام نفسه إلى تكرار عدوانيته السابقة، لكن هذه المرة بصورة مباشرة وبمحورية الكيان الصهيوني، فارضاً حرباً جديدة على إيران الإسلامية، غافلاً عن أن إيران اليوم ليست إيران عقد الثمانينيات، وأنها قطعت خطوات عميقة ومتقدمة في جميع المجالات.
إن حرب الأيام الاثني عشر لم تكن مواجهة بين إيران والكيان الصهيوني فحسب، بل كانت حرباً جرت بدعم من حلف الناتو، وبتوجيه وتدخل مباشر من الولايات المتحدة الأميركية، وبمشاركة بعض الدول الأخرى. وكما فعلت أميركا إبان رئاسة رونالد ريغان من خلال حضورها العسكري في الخليج الفارسي وحرب الناقلات ضد الجمهورية الإسلامية، فإنها في هذه الحرب أيضاً دخلت عملياً على خط المواجهة دعماً للكيان الصهيوني، عبر استهداف منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية.
لقد بنى الكيان الصهيوني هجومه على افتراضات باطلة وحسابات وهمية، متوهماً أن ضربة مباغتة قادرة على كسر إرادة الشعب الإيراني، بل وإنهاء الثورة الإسلامية. ومن بين هذه التقديرات الخاطئة اعتقاده بتراجع قدرة المجتمع الإيراني على الصمود بفعل العقوبات والحرب الإدراكية؛ وهو حساب انهار سريعاً أمام الحضور الواعي للشعب، ووحدته النموذجية، ودعمه الحاسم لوحدة أراضي البلاد.
إن صحوة شعوب غرب آسيا، وفشل المشاريع التكفيرية وتنظيم «داعش»، والإخفاقات المتتالية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني في العراق ولبنان وفلسطين واليمن وسوريا، دفعت العدو إلى تنفيذ مشروع واسع لاحتواء النفوذ الإقليمي لإيران. وقد تجلّت ذروة هذا المشروع في الاغتيال الجبان لقادة كبار في محور المقاومة، وعلى رأسهم الشهيد الحاج قاسم سليماني، والشهيد أبو مهدي المهندس، ولاحقاً شهداء كبار أمثال السيد حسن نصر الله وإسماعيل هنية؛ في حين غفل العدو عن أن مدرسة الإمام الخميني (رض) ورسالة الثورة الإسلامية القائمة على العدالة، تجاوزت الحدود الجغرافية ودوّت في أرجاء العالم، ولن تشهد مسيرة المقاومة أي انكسار.
ومن الأخطاء الاستراتيجية الأخرى للعدو تجاهله الدور المحوري للقيادة الحكيمة لسماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله) في إدارة الميدان والرأي العام.
لقد أسهمت صلابته وشجاعته وتدابيره الذكية في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيز الأمل المجتمعي، ورفع مستوى القدرات الدفاعية للبلاد، وضمان الحضور الفاعل لجميع مؤسسات النظام في ساحة المواجهة، ما أسقط تماماً وهم إيجاد فراغ قيادي.
كما أخطأ العدو خطأً فادحاً في تقدير القوة العسكرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ إذ إن اختراق الصواريخ الإيرانية الدقيقة لطبقات متعددة من أنظمة الدفاع المتطورة، وإصابتها أهدافاً حساسة في الأراضي المحتلة وحتى قواعد أميركية في المنطقة، أثبت أن ميزان القوة قد تغيّر جذرياً، وهو ما دفع العدو في نهاية المطاف إلى طلب وقف إطلاق النار.
لقد شكّلت حرب الأيام الاثني عشر مشهداً نادراً لوحدة مختلف القوميات والأجيال والتيارات داخل الشعب الإيراني؛ وحدة تجاوزت الخلافات وخلقت رصيداً اجتماعياً وثقافياً يمكن أن يكون أساساً لتضامن مستدام وتقدم متوازن للبلاد في المستقبل.
الأساتذة الكرام؛
إن العدو الصهيوني وداعميه يقرّون اليوم بأن خططهم ومناوراتهم التي استمرت لعقود قد باءت بالفشل. فالخسائر الاقتصادية الفادحة، وتفاقم أزمة الهوية في الأراضي المحتلة، وتزايد الهجرة المعاكسة، وتعميق الانقسامات الداخلية، كلها تكشف الوجه الحقيقي لهذه الهزيمة. ومع ذلك، يسعون عبر تزوير الحقائق وحرب الروايات إلى تقديم صورة زائفة عن النصر؛ وهي محاولة محكوم عليها بالفشل.
وفي الختام، ومع التأكيد على ضرورة صون الوحدة الوطنية، وتعزيز الثقة بالنفس، ورفع مستوى القدرات، فإنّه يتعيّن على عموم الأمة الإسلامية، من خلال التبعية الواعية والذكية لقائد الثورة الإسلامية، أن تواصل بثبات وصلابة مسار العزة والتقدم وتحقيق أهداف الثورة الإسلامية، وتشكيل الحضارة الإسلامية الحديثة.
علي أكبر ولايتي
........
انتهى/ 278
تعليقك