وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ ما يُنشر اليوم في وسائل الإعلام العبرية ليس مجرد تقرير إخباري؛ بل هو اعتراف بفشل استراتيجي.
الكيان الذي كان دائمًا يتهم الآخرين بـ "التسرب" يواجه الآن سؤالًا جوهريًا: إذا كانت إيران قد تمكنت من الاختراق بهذا العمق في بنية إسرائيل، فما هي الأشياء الأخرى التي تعرفها ولم تُكشف بعد؟
لسنوات عديدة، حاول الكيان الصهيوني تقديم نفسه على أنه "جزيرة منيعة امنيا" في غرب آسيا؛ كيان يدّعي - وفقًا لوسائل إعلامه ومسؤوليه - امتلاك أحدث الأنظمة الاستخباراتية ومكافحة التجسس في العالم.
لكن ما يخرج هذه الأيام من وسائل الإعلام العبرية الرسمية يظهر صورة مختلفة تمامًا، وهي اختراق عميق ومستمر ومقلق لإيران في الطبقات الاجتماعية والعسكرية والسياسية لإسرائيل؛ اختراق لم يتشكل من الخارج، بل من داخل الأراضي المحتلة.
واعترفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخرًا في تقرير بأنه منذ شهر سبتمبر (أيلول) حتى الآن، تم اكتشاف 35 ملف تجسس مرتبط بإيران في إسرائيل؛ ملفات يشتبه بارتكابها سكان الأراضي المحتلة أنفسهم، من مراهق يبلغ من العمر 13 عامًا إلى جنود في جيش الكيان الصهيوني. وقد تم متابعة هؤلاء الأشخاص بتهمة نقل معلومات حساسة، وإثارة الفوضى، وحتى المشاركة في عمليات اغتيال لم تنجح.
هذا الاعتراف في حد ذاته ليس مجرد فشل أمني؛ بل هو علامة على انهيار أسطورة. أسطورة بُنيت لسنوات بأسماء مثل الموساد والشاباك والأمان.
تفاصيل التقرير المنشور تعمق أبعاد هذا الاختراق. فبحسب "يديعوت أحرونوت"، تم تكليف بعض هؤلاء الجواسيس بالتقاط صور لمنازل الوزراء وأعضاء الكنيست وكبار المسؤولين السياسيين، بما في ذلك يسرائيل كاتس، وزير الحرب الحالي لإسرائيل، ونفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق.
وكانت مجموعة أخرى تنقل معلومات دقيقة عن قواعد جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ معلومات تُصنف في أعلى مستوى من السرية في أي هيكل أمني.
لكن القصة لا تنتهي عند جمع المعلومات. تعترف وسائل الإعلام الصهيونية بأن الطلبات في بعض الحالات كانت "أكثر صراحة"، وهي إحراق السيارات وإثارة فوضى داخلية وحتى تنفيذ عمليات اغتيال.
وهذا يعني أن إيران لم تحصل على المعلومات فحسب، بل تمكنت من تنشيط شبكات عملياتية داخل إسرائيل؛ شبكات كانت مستعدة لتنفيذ مهام ميدانية.
صحيفة "إسرائيل هيوم" أيضًا، المقربة من التيار اليميني والهيكل الحاكم في إسرائيل، كتبت في تحليل تحذيري: "ما يحدث اليوم في تجنيد الإسرائيليين من قبل إيران يختلف عن الماضي، وهذا مقلق للغاية؛ ليس فقط بسبب العدد الكبير من المعتقلين، ولكن لأنه يُظهر حدوث خلل جوهري."
فما هو هذا "الخلل الجوهري"؟ الجواب واضح؛ انهيار التماسك الاجتماعي والثقة الداخلية. عندما يكون مراهق عمره 13 عامًا، وجندي في الجيش، وسكان الأراضي المحتلة مستعدين للتعاون مع طرف يسميه تل أبيب "العدو الوجودي"، فإن المشكلة ليست أمنية بحتة؛ بل هي أزمة هوية واجتماعية.
النظام الذي يدعي "التضامن الوطني" يواجه الآن حقيقة أن جزءًا من مجتمعه لا يثق فقط بالهيكل الأمني، بل هو مستعد للعمل ضده.
ربما يكون أحد أهم أجزاء هذه الاعترافات هو التقرير الذي نشرته قناة "كان"، وسيلة الإعلام الرسمية للكيان الصهيوني. أعلنت القناة: "لقد اخترق جواسيس إيران مكتب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي نفسه، والتقوا به عدة مرات بشكل مباشر."
لو سمعنا هذه الجملة من وسيلة إعلام غير رسمية، لبدت مبالغًا فيها؛ لكن عندما تعترف وسيلة إعلام إسرائيلية رسمية بهذا، فهذا يعني أن عمق الكارثة أكبر بكثير مما يُتصور. الاختراق إلى مكتب رئيس أركان الجيش يعني اختراق عدة طبقات من الحماية والأمن والمعلومات؛ أي فشل الموساد والشاباك وهيكل مكافحة التجسس في الجيش في آن واحد.
مجموع هذه الاعترافات تقدم صورة واضحة عن التفوق المعلوماتي الإيراني؛ تفوق لم يُحقق بعمليات استعراضية، بل بحرب استخباراتية صامتة. تمكنت إيران بدون ضجيج، وبدون ادعاء، وبدون استعراض إعلامي، من الاختراق في عمق بنية العدو؛ وذلك في حين ينفق الكيان الصهيوني مليارات الدولارات على الأمن الداخلي ومكافحة التجسس.
هذه الحقيقة تحمل معنى مهمًا، وهو أن القوة الحقيقية ليست دائمًا هي الأكثر ظهورًا. بينما اعتمد الكيان الصهيوني على الاغتيال والتهديد والحرب النفسية، اختارت طهران طريق الصبر، وبناء الشبكات، والاختراق الذكي؛ طريق تكشف نتائجه اليوم من فم الصهاينة أنفسهم.
ما يُنشر اليوم في وسائل الإعلام العبرية ليس مجرد تقرير إخباري؛ بل هو اعتراف بفشل استراتيجي. النظام الذي كان دائمًا يتهم الآخرين بـ "التسرب" يواجه الآن سؤالًا جوهريًا: إذا كانت إيران قد تمكنت من الاختراق بهذا العمق في بنية إسرائيل، فما هي الأشياء الأخرى التي تعرفها ولم تُكشف بعد؟
ربما لهذا السبب أصبحت نبرة وسائل الإعلام الصهيونية ليست هجومية، بل مرتعبة وتحذيرية. رعب جذوره في حقيقة واحدة، وهي أن القدرة الاستخبارية الإيرانية لم تعد مجرد ادعاء؛ بل هي حقيقة مثبتة.
....................
انتهى / 323
تعليقك