17 أغسطس 2025 - 09:08
مصدر: أبنا
أنطون الشوملي... شاعر الأرض والمقاومة في زمن الإبادة

في ظل المجازر اليومية المرتكبة في قطاع غزة، ومع كل يوم جديد تُدفن فيه عائلات بأكملها تحت الركام، تبرز الحاجة لاستعادة أصوات شعرية كتبت عن الوطن كجسد حيّ، لا كرمزٍ مجرّد. ولعل الشاعر الفلسطيني الراحل أنطون الشوملي، هو أحد أولئك الذين كتبوا لفلسطين من لحمهم، لا من خيالهم.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ لم يكن الشوملي شاعرًا للمنصّات، بل شاعرًا للخنادق الشعبية. قصائده تشبه الناس: صادقة، موجوعة، ومشحونة بالكرامة. لو عاش إلى اليوم، لكتب عن غزة المحاصرة كما كتب عن جنين المحاصَرة، وعن بيروت في زمن الاجتياح، وعن مخيمات اللجوء حين كانت القصيدة الملجأ الأخير. 
 
من هو أنطون الشوملي؟ 
وُلد الشاعر الفلسطيني أنطون الشوملي في مدينة بيت ساحور عام 1943، وعاش تجربة النكبة والنكسة والشتات بكامل وجعها الفلسطيني. التحق مبكرًا بالحركة الوطنية والثقافية، وكان من الأسماء البارزة في جيل الشعراء الملتزمين الذين مزجوا الكلمة بالفعل السياسي والمقاوم. 

أصدر عدة دواوين شعرية، وشارك في تأسيس المنتديات الأدبية في الوطن والشتات، وكتب لفلسطين الأرض والإنسان، لا من موقع الهروب إلى الرمزيات بل من قلب المعاناة اليومية للشعب الفلسطيني. ورغم إنتاجه الغزير ومواقفه الوطنية الثابتة، ظل الشوملي من الأصوات المهمّشة في المشهد الثقافي الرسمي، كحال كثير من المبدعين الذين سبقوا زمنهم ورفضوا التماهي مع الخطاب السائد. 
 
في ظل المجازر اليومية المرتكبة في قطاع غزة، ومع كل يوم جديد تُدفن فيه عائلات بأكملها تحت الركام، تبرز الحاجة لاستعادة أصوات شعرية كتبت عن الوطن كجسد حيّ، لا كرمزٍ مجرّد. 

ولعل الشاعر الفلسطيني الراحل أنطون الشوملي، هو أحد أولئك الذين كتبوا لفلسطين من لحمهم، لا من خيالهم. شاعر لم يكن يبحث عن منصب، ولا عن شهرة عابرة، بل عن معنى أصيل للكلمة حين تتحوّل إلى خندق مقاومة. 
 
في زمنٍ تُرتكب فيه جريمة إبادة جماعية ممنهجة في غزة، تصبح استعادة صوت الشوملي ضرورة لا ترفًا. لقد فهم هذا الشاعر مبكرًا أن فلسطين لا تُختزل في حدود جغرافية، بل هي حالة وجود، ولغة، وهوية، وألم. لهذا كتبها دون تنميق، وأحبّها دون قيد، ورثاها حين تُركت وحيدة، لكنه لم يتخلّ عنها. 
 
الكلمة المقاومة في زمن الدم 
لم يكن الشوملي شاعرًا للمنصّات، بل شاعرًا للخنادق الشعبية. قصائده تشبه الناس: صادقة، موجوعة، ومشحونة بالكرامة. لو عاش إلى اليوم، لكتب عن غزة المحاصرة كما كتب عن جنين المحاصَرة، وعن بيروت في زمن الاجتياح، وعن مخيمات اللجوء حين كانت القصيدة الملجأ الأخير. 
 
في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، وفي غياب الحد الأدنى من العدالة الدولية، لا يبقى سوى القصيدة التي تحفظ الذاكرة، وتعيد بناء الوجدان. وشعر الشوملي كان بمثابة وثيقة مقاومة، قبل أن تُصكّ المصطلحات الأكاديمية عن "الخطاب المقاوم" و"السردية الفلسطينية". لقد سبق الجميع إلى القول البسيط العميق: نحن هنا، وسنظل، ولو اختفى كل شيء. 
 
الإبادة الثقافية: الوجه الآخر للجريمة 
ما يحدث في غزة ليس فقط إبادة جسدية، بل محاولة اقتلاع شاملة لكل ما هو فلسطيني: للحي، للمشفى، للمدرسة، وللكتاب. في هذا السياق، يصبح نسيان أنطون الشوملي وغيره من الشعراء الملتزمين، شكلاً من أشكال الإبادة الثقافية، حين يُطمس دورهم في تشكيل الهوية الجمعية، ويُسحب من المشهد مَن كتبوا بدمهم لا بحبرهم. 
 
إن غياب اسمه عن المناهج، عن الإعلام، عن احتفالاتنا الثقافية، ليس عارضًا، بل نتيجة لنهج إقصائي مستمر. ولا يمكن أن نواجه مشروع المحو الإسرائيلي دون مواجهة محونا لأنفسنا داخليًا. 
 
وصية شاعر إلى جيل تحت القصف 

لجيل غزة الذي يولد تحت النار، ويعيش شبابه بين الأنقاض، ويكتب وصيته قبل أن يُكمل تعليمه، نقول: هناك من سبقكم، كتب لكم، وراكم في الحلم والموت. أنطون الشوملي هو أحد هؤلاء. أعيدوا قراءته لا كأرشيف، بل كوصيّة. اجعلوا من شعره جسراً بين الماضي المنسي والحاضر المنكوب والمستقبل الممكن. 
 
خاتمة 
أنطون الشوملي لم يكن شاعرًا عابرًا. كان شاهدًا وشهيدًا في زمن ضاع فيه الشهود، وسُرقت فيه الشهادة من الضحية. إن استعادة صوته اليوم، هو فعل مقاومة ثقافية، يوازي تمامًا ما يحدث في خنادق غزة. فالكلمة إن لم تكن في صف المقهور، فهي في صف القاتل، ولو ادعت الحياد. 
 
دعونا نُعيده إلى الضوء... لا ليُكرَّم، بل ليقاتل معنا، كما فعل دومًا، من خلال قصيدةٍ لم تكتمل.

وسام زغبر 
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين 

.....................

انتهى / 323 

تعليقك

You are replying to: .
captcha