وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر :
الاثنين

١٩ مايو ٢٠١٤

٢:٠٣:٤٩ م
609763

في ذکری ولادته المبارکة

مقتطفات من سیرة الإمام علي (ع)

يا فاطمة، سمّيه علياً، فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه»

ولادته(عليه السلام)

قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانت حاملة بأمير المؤمنين(عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت : أي ربّ، إنّي مؤمنة بك، وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبيّ من أنبيائك، وبكلّ كتابٍ أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنّه إحدى آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.

قال العباس بن عبد المطلّب ويزيد بن قعنب : لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بأذن الله (تعالى)، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه، وفضلّني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضعٍ لا يجب أن يُعبد الله فيه إلّا اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسّر عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطباً جنياً.

وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمّيه علياً، فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه»(1).

ممّن نظم الشعر في ولادته(عليه السلام)

1ـ قال السيّد الحميري(رحمه الله):

ولدته في حرم الإله وأمنه ** والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة ** طابت وطاب وليدها والمولد

في ليلةٍ غابت نحوس نجومها ** وبدت مع القمر المنير الأسعد

ما لُفّ في خرق القوابل مثله ** إلّا ابن آمنة النبي محمّد(2).

2ـ قال الشاعر المسيحي بولس سلامة:

سمع الليل في الظلام المديد ** همسة مثل أنّه المفقود

من خفي الآلام والكبت فيها ** ومن البُشر والرجاء السعيد

حرّة لزّها المخاض فلاذت ** بستار البيت العتيق الوطيد

كعبة الله في الشدائد ترجى ** فهي جسر العبيد للمعبود

لا نساء ولا قوابل حفّت ** بابنة المجد والعلى والجود

يذر الفقر أشرف الناس فرادا ** والغني الخليج غير فريد

أينما سار واكبته جباه ** وظهور مخلوقة للسجود

صبرت فاطم على الضيم حتّى ** لهث الليل لهثة المكدود

وإذا نجمة من الأُفق خفت ** تطعن الليل بالشعاع الجديد

وتدانت من الحطيم وقرّت ** وتدلّت تدلّي العنقود

تسكب الضوء في الأثير دفيقاً ** فعلى الأرض وابل من سعود

واستفاق الحمام يسجع سجعاًً ** فتهشّ الأركان للتغريد

بسم المسجد الحرام حبوراً ** وتنادت حجاره للنشيد

كان فجران ذلك اليوم فجر ** لنهارٍ وآخر للوليد (3).

تربية الإمام علي ( عليه السلام ) في حجر النبي ( صلى الله عليه وآله )

تَوَلَّى النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه تربية الإمام عليٍّ ( عليه السلام ) بعد ولادته ، وذلك عندما أتَتْ فاطمة بنت أسَدٍ بوليدِها المبارك إلى رسولِ الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلقيت منه حباً شديداً له ، حتى أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال لها : ( اِجعلي مَهدَه بِقُربِ فِراشي ) .

وكان ( صلى الله عليه وآله ) يطهِّر الإمام عليّاً أثناء غسله ، ويحرِّك مهده عند نومه ، ويناغيه في يقظته ، ويتأمَّله ويقول : ( هَذا أخي ، ووليِّي ، وناصري ، وصفيِّي ، وذُخري ، وكهفي ، وصهري ، ووصيِّي ، وزَوج كَريمتي ، وأمِيني على وصيَّتي ، وخليفتي ) .

ولقد كانت الغاية من هذه العناية النبوية هي توفير التربية الصالحة للإمام لعليٍّ ( عليه السلام ) ، وأن لا يكون لأحدٍ غير النبي ( صلى الله عليه وآله ) دَورٌ في ‌تكوين شخصيته الكريمة ( عليه السلام ) .

وقد ذكر الإمام علي ( عليه السلام ) ما أسداه الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) إليه ، وما قام به تجاهه في تلكم ‌الفترة .

فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( وقد علمتم موضعي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضَعَني في حجْره وأنا وليد ، يضمُّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسُّني ‌جسده ، و يُشمُّني عُرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ) .

واستطاعَ بهذه المرافقة الكاملة أن يقتطف من ثمار أخلاقه العالية وسجاياه ‌النبيلة الشيء الكثير .

1وأن يصل تحت رعاية النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعنايته ، وتوجيهه وقيادته ، إلى ‌أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي .

وهذا الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يشير إلى تلك الأيام القَيِّمة ، والرعاية ‌النبوية المباركة المستمرَّة ، إذ يقول : ( ولقدْ كُنتُ أتَّبِعه اتِّباع الفصيل أثر أمِّه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني ‌بالاقتداء به ) .

تبليغ سورة براءة

سورة براءة

وهي سورة التوبة، التي نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الأوّل من ذي الحجّة 9ﻫ، وهي قوله تعالى: )بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنّ اللهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلّا الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدّتِهِمْ إِنّ اللهَ يُحِبُّ المُتّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُواْ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ...) (4).

تبليغ سورة براءة

لمّا نزلت الآيات الأُول من سورة التوبة على النبي محمّد(صلى الله عليه وآله)، أعطاها لأبي بكر لكي يقرأها على مشركي مكّة يوم النحر.

فلمّا خرج أبو بكر، نزل جبرائيل(عليه السلام) على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: «يا مُحمّد، لا يؤدِّي عنكَ إلّا أنت أو رجلٌ منك».

فبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام علي(عليه السلام) في طلب أبي بكر على ناقته العضباء، وقال(صلى الله عليه وآله) له: «واِلحَقْ أبا بكر، فَخُذ براءةَ مِن يده، وامض بها إلى مكّة، فانبذ عهد المشركين إليهم، وخَيِّر أبَا بكرٍ بين أن يسيرَ مع رِكَابك أو يرجع إليّ».

فركب أمير المؤمنين(عليه السلام) ناقة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وسار حتّى لحق بأبي بكر، فلمّا رآه فزع من لحوقه به، واستقبله فقال: فيم جئت يا أبا الحسن؟ أسائِرٌ معي أنت أم لغير ذلك؟

فقال(عليه السلام): «إنّ رسول الله أمرني أن ألحقك فأقبض منك الآيات من براءة، وأنبذ بها عهد المشركين إليهم، وأمرني أن أخيِّرك بين أن تسير معي أو ترجع إليه»، فقال: بل أرجع إليه.

وكان ذلك في ذي حليفة على الأكثر؛ وذي الحليفة: ميقات أهل المدينة، بينه وبينها ستّة أميال، فرجع أبو بكر إلى المدينة، وسار الإمام علي(عليه السلام) بالآيات إلى مكّة.

فلمّا دخل أبو بكر على النبي(صلى الله عليه وآله) قال: يا رسول الله، إنّك أهّلتَني لأمرٍ طالت الأعناق إليَّ فيه، فلمّا توجّهت إليه ردَدتَني عنه، مالي؟! أنزلَ فِيّ قرآن؟

فقال(صلى الله عليه وآله): «لا، ولكنّ الأمين جبرائيل هبط إليّ عن الله عزّ وجلّ بأنْ لا يؤدِّي عنك إلّا أنت أو رجل منك، وعلي منّي، ولا يؤدِّي عنّي إلّا علي»(5).

تبليغ الإمام علي(عليه السلام) لبراءة

وصل الإمام علي(عليه السلام) مكّة يوم النحر ـ يوم الحجّ الأكبر ـ، فقام(عليه السلام) على الملأ ـ بعد الظهر ـ وقال: «إنِّي رسولُ رسولِ اللهِ إليكم».

فقرأها عليهم: )بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِين * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ...(.

أي: من عشرين من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وربيع الأوّل وإلى عشرٍ من شهر ربيع الآخر.

ثمّ قال الإمام(عليه السلام): «لا يطوفُ بالبيتِ عريَانٌ ولا عريَانة ولا مشرِكٌ بعد هذا العام»، وقال(عليه السلام) أيضاً: «ومن كان له عهد عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) فمُدّتُه إلى هذه الأربعة أشهر».

والمراد من الأشهر الأربعة للعهود التي لا مدّة لها، أمّا العهود المحدّدة بمُدّة فأجلها إلى انتهاء مُدّتها.

قال الإمام الباقر(عليه السلام): «خَطَبَ علي(عليه السلام) بالناسِ وخَرَط سيفَه وقال: لا يطوفُنّ بالبيتِ عريَان، ولا يَحجُّنّ بالبيت مشرِكٌ، ومَنْ كانت له مدّة فهو إلى مُدّتِه، ومن لم يكن له مُدّة فمُدّته أربعة أشهر. وكان خطب يوم النحر».

وبلّغ الإمام علي(عليه السلام) حكم آخر وهو: )يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ( (6)، فلا يطوف بالبيت ولا يحجّ البيت مشرك بعد هذا العام (7).

من أقوال الشعراء حول المناسبة

1ـ قال الشاعر شمس الدين محمّد المالكي الأندلسي:

وأرسله عنه الرسول مبلّغاً ** وخصّ بهذا الأمر تخصيص مفرد

وقال هل التبليغ عنّي ينبغي ** لمن ليس من بيتي من القوم فاقتدي (8).

2ـ قال الشاعر الصاحب بن عبّاد(رحمه الله):

اذكروا أمر براءة ** وأخبروني من تلاها

اذكروا من زوّجه ** الزهراء قد طاب ثراها (9).

3ـ قال السيّد إسماعيل الحميري(رحمه الله):

براءة حين ردّ بها زريقا ** وكان بأن يبلّغها ضنينا

وقال له رسول الله أنّى ** يؤدّي الوحي إلّا الأقربونا

وإنّك آمن من كلّ خوف ** إذا كان الخلائق خائفينا (10).

تصدّق الإمام علي(عليه السلام) بالخاتم

آية التصدّق

قال الله تعالى: )إِنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ( (11).

قصّة التصدّق

قال الإمام الباقر(عليه السلام): «إنّ رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام، وأسد، وثعلبة، وابن يامين، وابن صوريا، فأتوا النبي(صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا نبيّ الله، إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيُّك يا رسول الله؟ ومن وليّنا بعدك؟

فنزلت هذه الآية: )إِنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(.

ثمّ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "قوموا"، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائلٌ خارج، فقال: "يا سائل، أما أعطاكَ أحد شيئاً"؟ قال: نعم، هذا الخاتم.

قال(صلى الله عليه وآله): "مَن أعطَاك"؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلِّي، قال: "على أيِّ حالٍ أعطاك"؟ قال: كان راكعاً، فكبّر النبيُّ(صلى الله عليه وآله)، وكبّر أهل المسجد.

فقال(صلى الله عليه وآله): "عليٌّ وليُّكم بعدي"، قالوا: رضينا بالله ربّاً، وبمحمّدٍ نبيّاً، وبعليٍّ بن أبي طالب وليّاً، فأنزل الله عزّ وجلّ: )وَمَن يَتَوَلّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ( (12)» (13).

اتّفاق المسلمين على التصدّق

اتّفقت روايات العلماء على أنّ الإمام علي(عليه السلام) قد تصدّق بخاتمه وهو راكع، وليس بين الأُمّة الإسلامية خلاف في ذلك، فشكَر الله ذلك له وأنزل الآية فيه، فيلزم الأُمّة الإقرار بها؛ وذلك لموافقة هذه الأخبار لكتاب الله، وحينئذٍ كان الاقتداء بها فرضاً، لا يتعدّاه إلّا أهل العناد والفساد.

ما قيل في التصدّق من شعر

1ـ قال حسّان بن ثابت:

أبَا حَسَنٍ تفديكَ نفسي ومُهجَتي ** وكُلّ بطيءٍ في الهُدَى ومُسارِعِ

أيَذْهبُ مَدحي في المُحِبِّين ضَائعاً ** ومَا المَدحُ في ذاتِ الإلَهِ بِضائِعِ

فأنتَ الذي أعطيتَ إذْ كُنتَ رَاكِعاً ** فَدَتْكَ نفوسُ القَومِ يَا خَيرَ رَاكِعِ

بِخَاتَمِكَ الميمون يَا خَيْرَ سَيّدٍ ** ويَا خير شارٍ ثمّ يَا خَير بَائِعِ

فأنزلَ فيك الله خَير وِلايَةٍ ** وبيّنَها في مُحكَمَات الشّرائِعِ (14).

2ـ قال خزيمة بن ثابت الأنصاري:

فديت علياً إمام الورى ** سراج البرية مأوى التقى

‏وصي الرسول وزوج البتول ** إمام البرية شمس الضحى

ففضّله الله ربّ العباد ** وأنزل في شأنه هل أتى

تصدّق خاتمه راكعاً ** فأحسن بفعل إمام الورى (15).

4ـ قال دعبل الخزاعي:

نطق القرآن بفضل آل محمّد ** وولاية لعليه لم تجحد

بولاية المختار من خير الورى ** بعد النبي الصادق المتودّد

إذ جاءه المسكين حال صلاته ** فامتدّ طوعاً بالذراع وباليد

فتناول المسكين منه خاتماً ** هبة الكريم الأجود بن الأجود

فاختصّه الرحمن في تنزيله ** من حاز مثل فخاره فليعدد (16).

عيد الغدير الأغر

تاريخ يوم الغدير

18 ذو الحجّة 10ﻫ.

غدير خُمّ

هو وادٍ بين مكّة والمدينة، قريب من الجُحفة، وهو مفترق طرق للمدنيين والمصريين والعراقيين.

نزول آية البلاغ

بعد أن أكمل رسول الله(صلى الله عليه وآله) آخر حجّة حجّها ـ حجّة الوداع ـ رجع إلى المدينة المنوّرة، فلمّا وصل إلى وادي غدير خُمّ، هبط عليه الأمين جبرائيل(عليه السلام)، حاملاً له آية البلاغ: )يَا أَيُّهَا الرّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَل فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ) (17).

فهي تنذر النبي(صلى الله عليه وآله) بأنّه إن لم ينفِّذ إرادة الله تعالى ذهبت أتعابه وضاعت جهوده، وتبدّد ما لاقاه من العناء في سبيل هذا الدين.

فانبرى(صلى الله عليه وآله) بعزمٍ ثابت وإرادة صلبة إلى تنفيذ إرادة الله تعالى، فوضع أعباء المسير وحطّ رحاله في رمضاء الهجير، وأمر القوافل أن تفعل مثل ذلك.

وكان الوقت قاسياً في حرارته، حتّى كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتّقي به من الحرّ (18).

خطبة النبي(صلى الله عليه وآله)

أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) باجتماع الناس، فصلّى بهم، وبعدما انتهى من الصلاة أمر أن توضع حدائج الإبل لتكون له منبراً، ففعلوا له ذلك، فاعتلى عليها.

وكان عدد الحاضرين ـ كما يقول المؤرّخون ـ مائة ألف أو يزيدون على ذلك، وأقبلوا بقلوبهم نحو رسول الله(صلى الله عليه وآله) لسماع خطابه، فأعلن(صلى الله عليه وآله) ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من الحياة الجاهلية إلى الحياة الكريمة التي جاء بها الإسلام.

ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «أمّا بعد: أيّها الناس، قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلّا مثل نصف عمر الذي قبله، وإنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون»؟ قالوا: نشهد أنّك بلّغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله خيراً.

قال(صلى الله عليه وآله): «ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور»؟ قالوا: بلى، نشهد بذلك، فقال: «اللّهمّ اشهد».

ثمّ قال: «فانظروا كيف تخلِّفوني في الثقلين»؟ فسأله أحدهم: ما الثقلان يا رسول الله؟

قال(صلى الله عليه وآله): «الثقل الأكبر كتابُ الله؛ طَرفٌ بِيَدِ اللهِ عزّ وجلّ وَطرفٌ بِأَيديكُم، فَتَمَسّكُوا به لا تَضلُّوا، والآخر الأصغر عِترَتي، وإنّ اللّطيفَ الخَبيرَ نَبّأَنِي أنّهُمَا لن يَفتِرقا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوض، فَسَألتُ ذلك لَهما رَبِّي، فلا تُقَدِّمُوهُمَا فَتهلَكُوا، ولا تُقَصِّرُوا عَنهُمَا فَتَهلَكُوا» (19).

الإعلان عن ولاية الإمام علي(عليه السلام)

ثمّ أخذ(صلى الله عليه وآله) بيد الإمام علي(عليه السلام) ليفرض ولايته على الناس جميعاً، حتّى بان بياض إبطيهما، فنظر إليهما القوم.

ثمّ رفع(صلى الله عليه وآله) صوته قائلاً: «يَا أَيُّها النّاس، مَنْ أولَى النّاس بِالمؤمنين مِن أَنفُسِهم»؟ فأجابوه جميعاً: اللهُ ورسولُه أعلم.

فقال(صلى الله عليه وآله): «إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاهُ».

قال ذلك ثلاث مرّات أو أربع، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «اللّهمّ وَالِ مَن وَالاَهُ، وَعَادِ مَن عَادَاهُ، وَأَحِبّ مَن أَحبّهُ، وَأبغضْ مَن أبغَضَهُ، وانصُرْ مَن نَصَرَه، واخْذُل مَن خَذَلَهُ، وَأَدِرِ الحَقّ مَعَهُ حَيثُ دَار، أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغَائِبَ» (20).

البيعة للإمام علي(عليه السلام)

ثمّ جلس رسول الله(صلى الله عليه وآله) في خيمة، وأمر علياً(عليه السلام) أن يجلس في خيمة أُخرى، وأمر(صلى الله عليه وآله) الناس، بأن يهنّئوا علياً في خيمته، فأقبل المسلمون يبايعون الإمام علي(عليه السلام) بالخلافة، ويهنِّئونه بإمرة المسلمين.

ولمّا فرغ الناس عن التهنئة له(عليه السلام)، أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أُمّهات المؤمنين أن يسرن إليه ويهنّئنه، ففعلن ذلك.

مقولة عمر للإمام علي(عليه السلام)

وردت عدّة مقولات لعمر بن الخطّاب، لمّا هنّأ الإمام علي(عليه السلام) بولايته، منها:

1ـ قال: هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن (21).

2ـ قال: بَخ بَخ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (22).

3ـ قال: طوبى لك يا علي، أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (23).

4ـ قال: هنيئاً لك، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (24).

نزول آية الإكمال

بعد إبلاغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) الناس بولاية علي(عليه السلام)، نزلت هذه الآية الكريمة: )اليَومُ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعمَـتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً( (25).

فقد كمل الدين بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام)، وتمّت نعمة الله على المسلمين بسموِّ أحكام دينهم، وسموِّ قيادتهم التي تحقِّق آمالهم في بلوغ الحياة الكريمة.

وقد خطا النبي(صلى الله عليه وآله) بذلك الخطوة الأخيرة في صيانة أُمّته من الفتن والزيغ.

شعر حسّان في المناسبة

قال حسّان بن ثابت: إِئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهنّ، فقال(صلى الله عليه وآله): «قل على بركة الله»، فقال حسّان:

يُنَادِيهُمُ يوم الغَدير نَبِيُّهُم ** نَجْم وأَسمِعْ بِالرّسُولِ مُنَادِياً

فَقالَ فَمنْ مَولاكُمُ وَنَبِيُّكم ** فَقَالوا وَلَم يُبدُوا هُنَاك التّعَامِيَا

إِلَهَكَ مَولانَا وَأنتَ نَبِيُّنَا ** وَلَم تَلْقَ مِنّا فِي الوِلايَةِ عَاصِياً

فَقالَ لَهُ: قُمْ يَا عَلِيُّ فَإِنّنِي ** رَضيتُكَ مِن بَعدِي إِمَاماً وَهَادياً

فَمَنْ كنتُ مَولاهُ فَهذا وَلِيُّه ** فَكُونُوا لَهُ أَتْبَاعُ صِدقٍ مُوالِياً

هُناكَ دَعا: اللّهمّ وَالِ وَلِيّهُ ** وَكُنْ لِلّذِي عَادَى عَلِيّاً مُعَادِياً (26).

فقال له(صلى الله عليه وآله): «لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» (27).

استحباب صوم يوم الغدير

وردت روايات تدلّ على استحباب صوم يوم الغدير، نذكر منها:

1ـ عن الحسن بن راشد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «قلت: جُعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟

قال: "نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما"، قلت: وأيّ يوم هو؟ قال: "يوم نصب أمير المؤمنين(عليه السلام) علماً للناس"، قلت: جُعلت فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟

قال: "تصوم يا حسن وتكثر الصلاة على محمّد وآله، وتبرأ إلى الله ممّن ظلمهم، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتّخذ عيداً"». قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: "صيام ستين شهراً..."» (28).

2ـ عن أبي هارون عمّار بن حريز العبدي قال: «دخلت على أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، فوجدته صائماً، فقال لي: "هذا يوم عظيم، عظّم الله حرمته على المؤمنين، وأكمل لهم فيه الدين، وتمّم عليهم النعمة، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق"، فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟

قال(عليه السلام): "إنّه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكراً لله، وإنّ صومه يعدل ستين شهراً من أشهر الحرم"» (29).

3ـ عن علي بن الحسين العبدي قال: سمعت الإمام الصادق(عليه السلام) يقول: «صيام يوم غدير خُمّ يعدل عند الله في كلّ عام مائة حجّة، ومائة عمرة مبرورات متقبّلات، وهو عيد الله الأكبر» (30).

ــــــــــــــــــــــــــ

1ـ الأمالي للطوسي: 706.
2ـ مناقب آل أبي طالب: 23.
3ـ المصدر السابق 6/37.
4. التوبة 1ـ5.
5. اُنظر: الإرشاد 1/65.
6. التوبة: 28.
7. اُنظر: تفسير العيّاشي 2/74.
8. الغدير 6/58.
9. معجم رجال الحديث 4/18.
10. أعيان الشيعة 3/428.
11. المائدة: 55.
12. المائدة: 56.
13. الأمالي للصدوق: 185.
14. مناقب آل أبي طالب 2/211.
15. مناقب آل أبي طالب 2/211.
16. ديوان دعبل الخزاعي: 85.
17. المائدة: 67.
18. اُنظر: حياة الإمام الحسين 1/198.
19. اُنظر: الغدير 1/10.
20. اُنظر: الأمالي للطوسي: 255، السنن الكبرى للنسائي 5/136، كنز العمّال 13/158، تاريخ مدينة دمشق 42/210، السيرة الحلبية 3/336.
21. تاريخ مدينة دمشق 42/220، البداية والنهاية 7/386، ذخائر العقبى: 67، كنز العمّال 13/134، تفسير الثعلبي 4/92.
22. بحار الأنوار 37/251.
23. الملل والنحل 1/163.
24. المصنّف لابن أبي شيبة 7/503، كنز العمّال 13/134، تفسير الثعلبي 4/92، تاريخ مدينة دمشق 42/221.
25. المائدة: 3.
26. نظم درر السمطين: 113، مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه: 121.
27. الإرشاد 1/177.
28. ثواب الأعمال: 74.
29. مصباح المتهجّد: 737.
30. وسائل الشيعة 10/442.

---------------
انتهی/125

مقتطفات من سیرة الإمام علي (ع)

ولادته(عليه السلام)

قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانت حاملة بأمير المؤمنين(عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت : أي ربّ، إنّي مؤمنة بك، وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبيّ من أنبيائك، وبكلّ كتابٍ أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنّه إحدى آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.

قال العباس بن عبد المطلّب ويزيد بن قعنب : لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بأذن الله (تعالى)، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه، وفضلّني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضعٍ لا يجب أن يُعبد الله فيه إلّا اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسّر عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطباً جنياً.

وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمّيه علياً، فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه»(1).

ممّن نظم الشعر في ولادته(عليه السلام)

1ـ قال السيّد الحميري(رحمه الله):

ولدته في حرم الإله وأمنه ** والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة ** طابت وطاب وليدها والمولد

في ليلةٍ غابت نحوس نجومها ** وبدت مع القمر المنير الأسعد

ما لُفّ في خرق القوابل مثله ** إلّا ابن آمنة النبي محمّد(2).

2ـ قال الشاعر المسيحي بولس سلامة:

سمع الليل في الظلام المديد ** همسة مثل أنّه المفقود

من خفي الآلام والكبت فيها ** ومن البُشر والرجاء السعيد

حرّة لزّها المخاض فلاذت ** بستار البيت العتيق الوطيد

كعبة الله في الشدائد ترجى ** فهي جسر العبيد للمعبود

لا نساء ولا قوابل حفّت ** بابنة المجد والعلى والجود

يذر الفقر أشرف الناس فرادا ** والغني الخليج غير فريد

أينما سار واكبته جباه ** وظهور مخلوقة للسجود

صبرت فاطم على الضيم حتّى ** لهث الليل لهثة المكدود

وإذا نجمة من الأُفق خفت ** تطعن الليل بالشعاع الجديد

وتدانت من الحطيم وقرّت ** وتدلّت تدلّي العنقود

تسكب الضوء في الأثير دفيقاً ** فعلى الأرض وابل من سعود

واستفاق الحمام يسجع سجعاًً ** فتهشّ الأركان للتغريد

بسم المسجد الحرام حبوراً ** وتنادت حجاره للنشيد

كان فجران ذلك اليوم فجر ** لنهارٍ وآخر للوليد (3).

تربية الإمام علي ( عليه السلام ) في حجر النبي ( صلى الله عليه وآله )

تَوَلَّى النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه تربية الإمام عليٍّ ( عليه السلام ) بعد ولادته ، وذلك عندما أتَتْ فاطمة بنت أسَدٍ بوليدِها المبارك إلى رسولِ الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلقيت منه حباً شديداً له ، حتى أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال لها : ( اِجعلي مَهدَه بِقُربِ فِراشي ) .

وكان ( صلى الله عليه وآله ) يطهِّر الإمام عليّاً أثناء غسله ، ويحرِّك مهده عند نومه ، ويناغيه في يقظته ، ويتأمَّله ويقول : ( هَذا أخي ، ووليِّي ، وناصري ، وصفيِّي ، وذُخري ، وكهفي ، وصهري ، ووصيِّي ، وزَوج كَريمتي ، وأمِيني على وصيَّتي ، وخليفتي ) .

ولقد كانت الغاية من هذه العناية النبوية هي توفير التربية الصالحة للإمام لعليٍّ ( عليه السلام ) ، وأن لا يكون لأحدٍ غير النبي ( صلى الله عليه وآله ) دَورٌ في ‌تكوين شخصيته الكريمة ( عليه السلام ) .

وقد ذكر الإمام علي ( عليه السلام ) ما أسداه الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) إليه ، وما قام به تجاهه في تلكم ‌الفترة .

فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( وقد علمتم موضعي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضَعَني في حجْره وأنا وليد ، يضمُّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسُّني ‌جسده ، و يُشمُّني عُرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ) .

واستطاعَ بهذه المرافقة الكاملة أن يقتطف من ثمار أخلاقه العالية وسجاياه ‌النبيلة الشيء الكثير .

1وأن يصل تحت رعاية النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعنايته ، وتوجيهه وقيادته ، إلى ‌أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي .

وهذا الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يشير إلى تلك الأيام القَيِّمة ، والرعاية ‌النبوية المباركة المستمرَّة ، إذ يقول : ( ولقدْ كُنتُ أتَّبِعه اتِّباع الفصيل أثر أمِّه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني ‌بالاقتداء به ) .


تبليغ سورة براءة

سورة براءة

وهي سورة التوبة، التي نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الأوّل من ذي الحجّة 9ﻫ، وهي قوله تعالى: )بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنّ اللهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلّا الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدّتِهِمْ إِنّ اللهَ يُحِبُّ المُتّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُواْ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ...) (4).

تبليغ سورة براءة

لمّا نزلت الآيات الأُول من سورة التوبة على النبي محمّد(صلى الله عليه وآله)، أعطاها لأبي بكر لكي يقرأها على مشركي مكّة يوم النحر.

فلمّا خرج أبو بكر، نزل جبرائيل(عليه السلام) على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: «يا مُحمّد، لا يؤدِّي عنكَ إلّا أنت أو رجلٌ منك».

فبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام علي(عليه السلام) في طلب أبي بكر على ناقته العضباء، وقال(صلى الله عليه وآله) له: «واِلحَقْ أبا بكر، فَخُذ براءةَ مِن يده، وامض بها إلى مكّة، فانبذ عهد المشركين إليهم، وخَيِّر أبَا بكرٍ بين أن يسيرَ مع رِكَابك أو يرجع إليّ».

فركب أمير المؤمنين(عليه السلام) ناقة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وسار حتّى لحق بأبي بكر، فلمّا رآه فزع من لحوقه به، واستقبله فقال: فيم جئت يا أبا الحسن؟ أسائِرٌ معي أنت أم لغير ذلك؟

فقال(عليه السلام): «إنّ رسول الله أمرني أن ألحقك فأقبض منك الآيات من براءة، وأنبذ بها عهد المشركين إليهم، وأمرني أن أخيِّرك بين أن تسير معي أو ترجع إليه»، فقال: بل أرجع إليه.

وكان ذلك في ذي حليفة على الأكثر؛ وذي الحليفة: ميقات أهل المدينة، بينه وبينها ستّة أميال، فرجع أبو بكر إلى المدينة، وسار الإمام علي(عليه السلام) بالآيات إلى مكّة.

فلمّا دخل أبو بكر على النبي(صلى الله عليه وآله) قال: يا رسول الله، إنّك أهّلتَني لأمرٍ طالت الأعناق إليَّ فيه، فلمّا توجّهت إليه ردَدتَني عنه، مالي؟! أنزلَ فِيّ قرآن؟

فقال(صلى الله عليه وآله): «لا، ولكنّ الأمين جبرائيل هبط إليّ عن الله عزّ وجلّ بأنْ لا يؤدِّي عنك إلّا أنت أو رجل منك، وعلي منّي، ولا يؤدِّي عنّي إلّا علي»(5).

تبليغ الإمام علي(عليه السلام) لبراءة

وصل الإمام علي(عليه السلام) مكّة يوم النحر ـ يوم الحجّ الأكبر ـ، فقام(عليه السلام) على الملأ ـ بعد الظهر ـ وقال: «إنِّي رسولُ رسولِ اللهِ إليكم».

فقرأها عليهم: )بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِين * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ...(.

أي: من عشرين من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وربيع الأوّل وإلى عشرٍ من شهر ربيع الآخر.

ثمّ قال الإمام(عليه السلام): «لا يطوفُ بالبيتِ عريَانٌ ولا عريَانة ولا مشرِكٌ بعد هذا العام»، وقال(عليه السلام) أيضاً: «ومن كان له عهد عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) فمُدّتُه إلى هذه الأربعة أشهر».

والمراد من الأشهر الأربعة للعهود التي لا مدّة لها، أمّا العهود المحدّدة بمُدّة فأجلها إلى انتهاء مُدّتها.

قال الإمام الباقر(عليه السلام): «خَطَبَ علي(عليه السلام) بالناسِ وخَرَط سيفَه وقال: لا يطوفُنّ بالبيتِ عريَان، ولا يَحجُّنّ بالبيت مشرِكٌ، ومَنْ كانت له مدّة فهو إلى مُدّتِه، ومن لم يكن له مُدّة فمُدّته أربعة أشهر. وكان خطب يوم النحر».

وبلّغ الإمام علي(عليه السلام) حكم آخر وهو: )يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ( (6)، فلا يطوف بالبيت ولا يحجّ البيت مشرك بعد هذا العام (7).

من أقوال الشعراء حول المناسبة

1ـ قال الشاعر شمس الدين محمّد المالكي الأندلسي:

وأرسله عنه الرسول مبلّغاً ** وخصّ بهذا الأمر تخصيص مفرد

وقال هل التبليغ عنّي ينبغي ** لمن ليس من بيتي من القوم فاقتدي (8).

2ـ قال الشاعر الصاحب بن عبّاد(رحمه الله):

اذكروا أمر براءة ** وأخبروني من تلاها

اذكروا من زوّجه ** الزهراء قد طاب ثراها (9).

3ـ قال السيّد إسماعيل الحميري(رحمه الله):

براءة حين ردّ بها زريقا ** وكان بأن يبلّغها ضنينا

وقال له رسول الله أنّى ** يؤدّي الوحي إلّا الأقربونا

وإنّك آمن من كلّ خوف ** إذا كان الخلائق خائفينا (10).


تصدّق الإمام علي(عليه السلام) بالخاتم

آية التصدّق

قال الله تعالى: )إِنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ( (11).

قصّة التصدّق

قال الإمام الباقر(عليه السلام): «إنّ رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام، وأسد، وثعلبة، وابن يامين، وابن صوريا، فأتوا النبي(صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا نبيّ الله، إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيُّك يا رسول الله؟ ومن وليّنا بعدك؟

فنزلت هذه الآية: )إِنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(.

ثمّ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "قوموا"، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائلٌ خارج، فقال: "يا سائل، أما أعطاكَ أحد شيئاً"؟ قال: نعم، هذا الخاتم.

قال(صلى الله عليه وآله): "مَن أعطَاك"؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلِّي، قال: "على أيِّ حالٍ أعطاك"؟ قال: كان راكعاً، فكبّر النبيُّ(صلى الله عليه وآله)، وكبّر أهل المسجد.

فقال(صلى الله عليه وآله): "عليٌّ وليُّكم بعدي"، قالوا: رضينا بالله ربّاً، وبمحمّدٍ نبيّاً، وبعليٍّ بن أبي طالب وليّاً، فأنزل الله عزّ وجلّ: )وَمَن يَتَوَلّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ( (12)» (13).

اتّفاق المسلمين على التصدّق

اتّفقت روايات العلماء على أنّ الإمام علي(عليه السلام) قد تصدّق بخاتمه وهو راكع، وليس بين الأُمّة الإسلامية خلاف في ذلك، فشكَر الله ذلك له وأنزل الآية فيه، فيلزم الأُمّة الإقرار بها؛ وذلك لموافقة هذه الأخبار لكتاب الله، وحينئذٍ كان الاقتداء بها فرضاً، لا يتعدّاه إلّا أهل العناد والفساد.

ما قيل في التصدّق من شعر

1ـ قال حسّان بن ثابت:

أبَا حَسَنٍ تفديكَ نفسي ومُهجَتي ** وكُلّ بطيءٍ في الهُدَى ومُسارِعِ

أيَذْهبُ مَدحي في المُحِبِّين ضَائعاً ** ومَا المَدحُ في ذاتِ الإلَهِ بِضائِعِ

فأنتَ الذي أعطيتَ إذْ كُنتَ رَاكِعاً ** فَدَتْكَ نفوسُ القَومِ يَا خَيرَ رَاكِعِ

بِخَاتَمِكَ الميمون يَا خَيْرَ سَيّدٍ ** ويَا خير شارٍ ثمّ يَا خَير بَائِعِ

فأنزلَ فيك الله خَير وِلايَةٍ ** وبيّنَها في مُحكَمَات الشّرائِعِ (14).

2ـ قال خزيمة بن ثابت الأنصاري:

فديت علياً إمام الورى ** سراج البرية مأوى التقى

‏وصي الرسول وزوج البتول ** إمام البرية شمس الضحى

ففضّله الله ربّ العباد ** وأنزل في شأنه هل أتى

تصدّق خاتمه راكعاً ** فأحسن بفعل إمام الورى (15).

4ـ قال دعبل الخزاعي:

نطق القرآن بفضل آل محمّد ** وولاية لعليه لم تجحد

بولاية المختار من خير الورى ** بعد النبي الصادق المتودّد

إذ جاءه المسكين حال صلاته ** فامتدّ طوعاً بالذراع وباليد

فتناول المسكين منه خاتماً ** هبة الكريم الأجود بن الأجود

فاختصّه الرحمن في تنزيله ** من حاز مثل فخاره فليعدد (16).

عيد الغدير الأغر

تاريخ يوم الغدير

18 ذو الحجّة 10ﻫ.

غدير خُمّ

هو وادٍ بين مكّة والمدينة، قريب من الجُحفة، وهو مفترق طرق للمدنيين والمصريين والعراقيين.


نزول آية البلاغ

بعد أن أكمل رسول الله(صلى الله عليه وآله) آخر حجّة حجّها ـ حجّة الوداع ـ رجع إلى المدينة المنوّرة، فلمّا وصل إلى وادي غدير خُمّ، هبط عليه الأمين جبرائيل(عليه السلام)، حاملاً له آية البلاغ: )يَا أَيُّهَا الرّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَل فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ) (17).

فهي تنذر النبي(صلى الله عليه وآله) بأنّه إن لم ينفِّذ إرادة الله تعالى ذهبت أتعابه وضاعت جهوده، وتبدّد ما لاقاه من العناء في سبيل هذا الدين.

فانبرى(صلى الله عليه وآله) بعزمٍ ثابت وإرادة صلبة إلى تنفيذ إرادة الله تعالى، فوضع أعباء المسير وحطّ رحاله في رمضاء الهجير، وأمر القوافل أن تفعل مثل ذلك.

وكان الوقت قاسياً في حرارته، حتّى كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتّقي به من الحرّ (18).

خطبة النبي(صلى الله عليه وآله)

أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) باجتماع الناس، فصلّى بهم، وبعدما انتهى من الصلاة أمر أن توضع حدائج الإبل لتكون له منبراً، ففعلوا له ذلك، فاعتلى عليها.

وكان عدد الحاضرين ـ كما يقول المؤرّخون ـ مائة ألف أو يزيدون على ذلك، وأقبلوا بقلوبهم نحو رسول الله(صلى الله عليه وآله) لسماع خطابه، فأعلن(صلى الله عليه وآله) ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من الحياة الجاهلية إلى الحياة الكريمة التي جاء بها الإسلام.

ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «أمّا بعد: أيّها الناس، قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلّا مثل نصف عمر الذي قبله، وإنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون»؟ قالوا: نشهد أنّك بلّغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله خيراً.

قال(صلى الله عليه وآله): «ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور»؟ قالوا: بلى، نشهد بذلك، فقال: «اللّهمّ اشهد».

ثمّ قال: «فانظروا كيف تخلِّفوني في الثقلين»؟ فسأله أحدهم: ما الثقلان يا رسول الله؟

قال(صلى الله عليه وآله): «الثقل الأكبر كتابُ الله؛ طَرفٌ بِيَدِ اللهِ عزّ وجلّ وَطرفٌ بِأَيديكُم، فَتَمَسّكُوا به لا تَضلُّوا، والآخر الأصغر عِترَتي، وإنّ اللّطيفَ الخَبيرَ نَبّأَنِي أنّهُمَا لن يَفتِرقا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوض، فَسَألتُ ذلك لَهما رَبِّي، فلا تُقَدِّمُوهُمَا فَتهلَكُوا، ولا تُقَصِّرُوا عَنهُمَا فَتَهلَكُوا» (19).


الإعلان عن ولاية الإمام علي(عليه السلام)

ثمّ أخذ(صلى الله عليه وآله) بيد الإمام علي(عليه السلام) ليفرض ولايته على الناس جميعاً، حتّى بان بياض إبطيهما، فنظر إليهما القوم.

ثمّ رفع(صلى الله عليه وآله) صوته قائلاً: «يَا أَيُّها النّاس، مَنْ أولَى النّاس بِالمؤمنين مِن أَنفُسِهم»؟ فأجابوه جميعاً: اللهُ ورسولُه أعلم.

فقال(صلى الله عليه وآله): «إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاهُ».

قال ذلك ثلاث مرّات أو أربع، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «اللّهمّ وَالِ مَن وَالاَهُ، وَعَادِ مَن عَادَاهُ، وَأَحِبّ مَن أَحبّهُ، وَأبغضْ مَن أبغَضَهُ، وانصُرْ مَن نَصَرَه، واخْذُل مَن خَذَلَهُ، وَأَدِرِ الحَقّ مَعَهُ حَيثُ دَار، أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغَائِبَ» (20).

البيعة للإمام علي(عليه السلام)

ثمّ جلس رسول الله(صلى الله عليه وآله) في خيمة، وأمر علياً(عليه السلام) أن يجلس في خيمة أُخرى، وأمر(صلى الله عليه وآله) الناس، بأن يهنّئوا علياً في خيمته، فأقبل المسلمون يبايعون الإمام علي(عليه السلام) بالخلافة، ويهنِّئونه بإمرة المسلمين.

ولمّا فرغ الناس عن التهنئة له(عليه السلام)، أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أُمّهات المؤمنين أن يسرن إليه ويهنّئنه، ففعلن ذلك.


مقولة عمر للإمام علي(عليه السلام)

وردت عدّة مقولات لعمر بن الخطّاب، لمّا هنّأ الإمام علي(عليه السلام) بولايته، منها:

1ـ قال: هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن (21).

2ـ قال: بَخ بَخ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (22).

3ـ قال: طوبى لك يا علي، أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (23).

4ـ قال: هنيئاً لك، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (24).


نزول آية الإكمال

بعد إبلاغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) الناس بولاية علي(عليه السلام)، نزلت هذه الآية الكريمة: )اليَومُ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعمَـتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً( (25).

فقد كمل الدين بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام)، وتمّت نعمة الله على المسلمين بسموِّ أحكام دينهم، وسموِّ قيادتهم التي تحقِّق آمالهم في بلوغ الحياة الكريمة.

وقد خطا النبي(صلى الله عليه وآله) بذلك الخطوة الأخيرة في صيانة أُمّته من الفتن والزيغ.

شعر حسّان في المناسبة

قال حسّان بن ثابت: إِئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهنّ، فقال(صلى الله عليه وآله): «قل على بركة الله»، فقال حسّان:

يُنَادِيهُمُ يوم الغَدير نَبِيُّهُم ** نَجْم وأَسمِعْ بِالرّسُولِ مُنَادِياً

فَقالَ فَمنْ مَولاكُمُ وَنَبِيُّكم ** فَقَالوا وَلَم يُبدُوا هُنَاك التّعَامِيَا

إِلَهَكَ مَولانَا وَأنتَ نَبِيُّنَا ** وَلَم تَلْقَ مِنّا فِي الوِلايَةِ عَاصِياً

فَقالَ لَهُ: قُمْ يَا عَلِيُّ فَإِنّنِي ** رَضيتُكَ مِن بَعدِي إِمَاماً وَهَادياً

فَمَنْ كنتُ مَولاهُ فَهذا وَلِيُّه ** فَكُونُوا لَهُ أَتْبَاعُ صِدقٍ مُوالِياً

هُناكَ دَعا: اللّهمّ وَالِ وَلِيّهُ ** وَكُنْ لِلّذِي عَادَى عَلِيّاً مُعَادِياً (26).

فقال له(صلى الله عليه وآله): «لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» (27).

استحباب صوم يوم الغدير

وردت روايات تدلّ على استحباب صوم يوم الغدير، نذكر منها:

1ـ عن الحسن بن راشد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «قلت: جُعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟

قال: "نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما"، قلت: وأيّ يوم هو؟ قال: "يوم نصب أمير المؤمنين(عليه السلام) علماً للناس"، قلت: جُعلت فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟

قال: "تصوم يا حسن وتكثر الصلاة على محمّد وآله، وتبرأ إلى الله ممّن ظلمهم، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتّخذ عيداً"». قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: "صيام ستين شهراً..."» (28).

2ـ عن أبي هارون عمّار بن حريز العبدي قال: «دخلت على أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، فوجدته صائماً، فقال لي: "هذا يوم عظيم، عظّم الله حرمته على المؤمنين، وأكمل لهم فيه الدين، وتمّم عليهم النعمة، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق"، فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟

قال(عليه السلام): "إنّه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكراً لله، وإنّ صومه يعدل ستين شهراً من أشهر الحرم"» (29).

3ـ عن علي بن الحسين العبدي قال: سمعت الإمام الصادق(عليه السلام) يقول: «صيام يوم غدير خُمّ يعدل عند الله في كلّ عام مائة حجّة، ومائة عمرة مبرورات متقبّلات، وهو عيد الله الأكبر» (30).

ــــــــــــــــــــــــــ

1ـ الأمالي للطوسي: 706.

2ـ مناقب آل أبي طالب: 23.

3ـ المصدر السابق 6/37.

4. التوبة 1ـ5.

5. اُنظر: الإرشاد 1/65.

6. التوبة: 28.

7. اُنظر: تفسير العيّاشي 2/74.

8. الغدير 6/58.

9. معجم رجال الحديث 4/18.

10. أعيان الشيعة 3/428.

11. المائدة: 55.

12. المائدة: 56.

13. الأمالي للصدوق: 185.

14. مناقب آل أبي طالب 2/211.

15. مناقب آل أبي طالب 2/211.

16. ديوان دعبل الخزاعي: 85.

17. المائدة: 67.

18. اُنظر: حياة الإمام الحسين 1/198.

19. اُنظر: الغدير 1/10.

20. اُنظر: الأمالي للطوسي: 255، السنن الكبرى للنسائي 5/136، كنز العمّال 13/158، تاريخ مدينة دمشق 42/210، السيرة الحلبية 3/336.

21. تاريخ مدينة دمشق 42/220، البداية والنهاية 7/386، ذخائر العقبى: 67، كنز العمّال 13/134، تفسير الثعلبي 4/92.

22. بحار الأنوار 37/251.

23. الملل والنحل 1/163.

24. المصنّف لابن أبي شيبة 7/503، كنز العمّال 13/134، تفسير الثعلبي 4/92، تاريخ مدينة دمشق 42/221.

25. المائدة: 3.

26. نظم درر السمطين: 113، مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه: 121.

27. الإرشاد 1/177.

28. ثواب الأعمال: 74.

29. مصباح المتهجّد: 737.

30. وسائل الشيعة 10/442.