وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
السبت

٢٨ ديسمبر ٢٠١٣

٨:٣٠:٠٠ م
490672

حقیقة مصحف الإمام علي (ع) عند الفریقین(7)

جمع المصحف العلوي

من مؤلفات الشیخ عبدالله علي أحمد الدقاق ، باحث اسلامي وعضو الجمعیة العامة للمجمع العالمي لأهل البیت(ع).

سنتكلم في هذا الفصل عن عدة أمور أدرجناها في مباحث كما يلي:

المبحث الأول: المباشر لجمع المصحف العلوي:

السؤال الذي يطرح نفسه: هل كتب الإمام علي(ع) المصحف لوحده؟ أم كان معه مساعدون؛ كأن يكون قد شكّل لجنة لكتابة وترتيب القرآن الكريم في مصحف واحد؟.

إذن لابد من معرفة المباشر لكتابة المصحف العلوي، فالقدر المتيقن منه هو الإمام علي(ع)، ولكن هل كان معه أعوان في هذا المشروع؟.

يستفاد من جميع الروايات المتقدمة أن الإمام علياً(ع) كان هو المباشر الوحيد لكتابة القرآن في مصحف؛ إذ أن بعضها يشير إلى وصية النبي(ص) لعلي(ع) بخصوصه، بل يجعلها من إمتيازاته وخصوصياته كما جاء في رواية الصدوق: (إن رسول الله(ص) لم يخلف شيئاً فبماذا أوصي علياً؟ أوليس كتاب ربي أفضل الأشياء بعد الله عز وجل والذي بعثني بالحق لئن لم تجمعه بإتقانٍ لم يجمع أبدًا فخصني الله عز وجل بذلك من دون الصحابة)(1)، وبعضها يشير إلى يمينه وقسمه هو لوحده بأن يجمع القرآن كما في رواية الصنعاني: (إني آليت بيمين حين قبض رسول الله(ص) ألا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة، حتى أجمع القرآن)(2)، وبعضها ظاهره أنه(ع) هو الجامع وهو الذي قد جاء به للقوم كما في رواية الطبرسي: (لما توفي رسول الله(ص) جمع علي(ع) القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله(ص))(3)، فالمستفاد من جميع الروايات أن الجامع الوحيد للمصحف العلوي هو الإمام علي(ع)، إما بنحو التصريح كما في رواية الصدوق، وإما بنحو الظهور كما في رواية الطبرسي.

نعم جاء في رواية واحدة فقط، أن غيره(ع) كان قد إجتمع معه لتأليف القرآن، وهي ما نقلها ابن أبي الحديد فقد جاء فيها: (اجتمعوا على أن يبايعوا علياً فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمة تبكي وتصيح فنهنهت من الناس وقالوا: ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس وإنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد)(4)، ولا ندري فعلاً هل كان هذا الجواب لتفادي ما كان سيقع بعد أن واجهوا تلك الحادثة الأليمة، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار أنهم قد اجتمعوا لمبايعة علي(ع) كما هو صريح الرواية، أم كانوا بالفعل قد إجتمعوا لتأليف القرآن في مصحف وعلى رأسهم الإمام علي بن ابي طالب(ع)، فهذه الرواية تحتمل الوجهين، لكنها لاتصمد أمام أكثر الروايات الدالة على أنه(ع) المباشر الوحيد لجمع المصحف.

إذن المباشر الوحيد لجمع القرآن في مصحف بعد رحيل الرسول(ص) هو علي(ع).

المبحث الثاني: مراحل كتابة المصحف العلوي:

يُستفاد من جمع بعض الروايات إلى بعضها أن المصحف العلوي قد تمت كتابته في مرحلتين:

المرحلة الأولى: مرحلة كتابة الصحف:

كانت هذه المرحلة في عهد رسول الله(ص)، فكان رسول الله(ص) يملي كل آية نزلت عليه على الإمام علي(ع)، وكان بدوره يكتبها في صحائف وأوراق وما شاكل ذلك، ويدل على ذلك ما يلي:

أ- ما جاء في كلام الامام(ع) لطلحة في المقطع الثاني من رواية سليم: (يا طلحة، إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد(ص) عندي بإملاء رسول الله(ص) وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد(ص) وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش)(5) ,

ب- ما جاء في الكافي عن لسان علي(ع): (وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله(ص) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها، وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه علي وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا)(6).

المرحلة الثانية: مرحلة جمع الصحف في مصحف:

وهذه المرحلة قد تمت بعد رحيل رسول الله(ص) و تعبر عنها الروايات بالجمع بين اللوحين أو في ثوب واحد أو في إزار واحد أو مصحف واحد كما تقدم، بل إن بعض الرويات ذكرت كلا المرحلتين، فأشارت إلى الصحف المكتوبة، وأشارت أيضاً إلى جمع الإمام علي(ع) لها، ومن أمثلة ذلك:

أ- ما جاء في رواية القمي في وصية النبي(ص): (يا علي القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي(ع) فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه في بيته وقال: لا أرتدي حتى أجمعه فإنه كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه)(7).

ب- ما جاء في رواية سليم الهلالي: (وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ....)(8).

فيظهر من خلال جمع هذه الروايات أن الجمع العلوي للقرآن قد تم في مرحلتين، إلا أن هذا يتعارض مع ما جاء في رواية ابن النديم التي رواها الحاكم الحسكاني أيضاً: (فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه)(9)، فهي تنص على أنه(ع)، قد جمع القرآن من قلبه لامن القراطيس، لكن بعد التأمل يرتفع هذا التعارض، فلا تنافي في البين، إذ أن الإمام علياً(ع) كان حافظاً للقرآن بلا إشكال آنذاك، فيمكنه أن يجمع القرآن عن ظهر قلب أو من الصحف المتفرقة، ويمكنه أن يوفق بينهما، فإثبات أنه قد جمع القرآن من قلبه، لاينافي أنه قد جمعه من الصحف؛ إذ إن إثبات الشيء لايعني نفي ما عداه، فقد جمع علي(ع) القرآن من الصحف التي كتبها بيده من إملاء رسول الله(ص)، واستعان على ذلك بما كان يحفظه من كتاب الله.

إذن الجمع العلوي للقرآن الكريم قد تم في مرحلتين مختلفتين في الزمان والكيفية.

المبحث الثالث: حقيقة مادة المصحف العلوي:

من المسلم به بين الفريقين أن مصحف الإمام علي(ع) لم يقتصر على جمع السور والآيات القرآنية التي دونت في المصحف المتداول اليوم، بل زاد عليها بعض الزيادات، ومن هنا وقع الكلام في تلك الزيادات، فهل هي زيادات قرآنية؟ أم أنها وحي لكنها أحاديث قدسية وليست قرآناً، أم أنها ليست بقرآن ولا أحاديث قدسية، بل هي تفاسير وتوضيحات سمعها أمير المؤمنين(ع) من رسول الله(ص)، وأضافها في مصحفه؟