فارِسيّة التشيُّع
هذا الموضوع من المواضيع التي كثر الحديث حولها وهي في واقعها تكوّن جزءاً من محاصرة التشيع كما سبق أن ألمعت لذلك. إنّ خصوم الشيعة ومن تبعهم من المستشرقين وكل يضرب على وتر يستهدفه، جعلوا هذه القضية من الاُمور المسلمة وضلع تلامذتهم في ركابهم وحشدوا كل وسائلهم لترسيخها في الأذهان فما تركوا وسيلة لإِثبات أنّ التشيع فارسي شكلاً ومضموناً إلا وأخذوا بها مع تفاهة هذا المدعى كما سنرى ومع أنّه من قبيل رمتني بدائها وانسلت والغريب أنّ هذه الفرية تعيش للآن مع وضوح الرؤية وانتشار المعارف وانكشاف الحقائق وسأبحث هذا الموضوع مفصلاً نظراً لأهميته.
إنّ التشيع في معناه اللغوي: المناصرة والموالاة، وبالمعنى الإصطلاحي هو الإعتقاد بأفكار معينة يشكل مجموعها مضمون التشيع، فكيف والحالة هذه أن نتصوّر كون التشيع فارسياً؟
وحتى نستوعب النقاط المتصورة في هذا الموضوع لا بد من شرح اُمور ننتهي معها إلى مقدار ما في هذا الإِدعاء من نسبة علمية أو تهريج فلا بد من ذكر اُمور:
أولاً:
إنّ المضمون الفكري للتشيع هو نفس المضمون الإِسلامي، وأي مضمون يشذ عن المضمون الإِسلامي في العقيدة والأحكام فالشيعة منه براء بدليل أنّ مصادر التشريع عند الشيعة هي أربعة أذكرها لك على التوالي:
أ ـ الكتاب الكريم:
وهو ما اُنزل بمضامينه وألفاظه وأسلوبه واعتبر قرآناً وهو هذا المجموع بين الدفتين المتداول بأيدي المسلمين المنزه عن النقص والتحريف والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمتواتر بكلماته وحروفه بالتواتر القطعي من عهد النبوة حتى يومنا هذا وقد جمع على عهد النبي بوضعه الحالي وكان جبرئيل يعرضه على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كل عام(1).
ب ـ السنة الشريفة:
وهي قول المعصوم وفعله وتقريره الواصلة إلينا بالطريق الصحيح عن الثقات العدول، والتي لا يتم لنا الوصول إلى ملابسات الأحكام بدونها والتي جاء دليل حجيتها من القرآن الكريم بقوله تعالى:
(وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فنتهوا) 7/ا الحشر.
ج ـ الإِجماع:
الذي يكشف ضمناً عن قول المعصوم سواء قل المجمعون أم كثروا وسواء كان دليلاً مستقلاً مقابل الكتاب والسنة والعقل أم أنّه طريق کاشف عن رأي المعصوم، وأدلة حجيته مفصلة في الكتاب والسنة والعقل.
د ـ دليل العقل:
ويرجع إليه وإلى قواعده عند فقدان النصوص أو تعارض الأدلة في تفصيل لا داعي لشرحه هنا: وملخصه: هو إدراك العقل بما هو عقل للحسن والقبيح في بعض الأفعال الملازم لإِدراكه تطابق العقلاء عليه وذلك ناتج من تأدب العقل بذلك وبما أن الشارع سيد العقلاء فقد حصل إدراك حكم الشارع قطعاً وليس وراء القطع حجة.
ونظراً لأهمية التعرف على تفصيل هذه المصادر فإنّي اُحيل من يريد التوسع في فهمها واستيعاب معانيها إلى مجموعة من المصادر هي التالية (2):
إن هذه المصادر التشريعية هي المكونات العضوية لهيكل الشريعة الاسلامية باتفاق جمهور المسلمين على اختلاف بسيط في بعض تفاصيلها ولما كانت هي مصادر التشريع عند الإِمامية فما معنى وصف التشيع بالفارسية.
إذا كان الباحثون في التشيع يقصدون من الفارسية مضمون التشيع الفكري. وهذا ما أَستبعده فإنّه لا يمكن أن يقول به قائل، إذ لا يتصور أنّ إنساناً يفترض لأحكام شرعية نوعاً من العرقية، وعليه فلا بد من استبعاد هذا الفرض من فارسية التشيع والرجوع إلى فروض اُخرى في هذا الموضوع يفترضها الباحثون.
هناك فرض آخر لتصور فارسية التشيع: هو أن هناك مفاهيم معينة بالحضارة الفارسية انتقلت إلى التشيع بمعناه الإِصطلاحي عن طريق من اعتنق التشيع من الفرس ولم يستوعب التشيع كل أبعادهم فجاء من تصور هذه المعتقدات جزءاً من ماهية التشيع. وبقيت هكذا يتداولها خلف عن سلف. وهذا الفرض قد صرح به أكثر من باحث كما سأذكره لك بعد قليل. وفيما يخص هذه الصورة وهذا الفرض لا بد من الإِشارة لاُمور:
تعقيب
أ ـ إنّ هذا الإِشكال بناءاً على فرض حدوث مضمونه، فإنّه يرد على المضمون الإِسلامي نفسه حيث نص على ذلك معظم من كتب في الحضارة الإِسلامية وخصوصاً في الفترة الأولى من العهود الإِسلامية والتي شكلت مضامين العقيدة فيها جدولاً انصب فيه أكثر من رافد ورافد عن طريق الاُمم التي اعتنقت الإِسلام جماعات منها ودخلت وهي تحمل أفكارها وعقائدها التي لم تتخلص منها وظهرت في الأفكار والسلوك كجماعات الروم والفرس والصينيين والعبريين ولعل اليهود أكثر الجماعات تأثيراً في الحضارة الإِسلامية حيث تبدو روحهم واضحة في هذه الميادين. وذلك لأنّهم استأثروا بالتفسير بالقصص الديني لأنّهم أهل كتاب وفيهم كثير من الأحبار الذين يحفظون أحكام التوراة وقصص الاُمم التي حفظتها الحضارة العبرية والأساطير التي رافقت تلك القصص، ولما كانت الجزيرة العربية فقيرة إلى الأفكار الدينية والمضامين الثقافية لعب الفكر اليهودي دوراً هاماً في ملء هذا الفراغ وخصوصاً في الفكر السني الذي حاول أن يتخلص من هذا الرداء ويخلعه على الشيعة عن طريق الشخصية الوهمية عبدالله بن سبأ كما سنبرهن لك وهمية هذه الشخصية قريباً. ولكن حقائق الاُمور والبحث الدقيق يثبت عكس ما ادعاه هؤلاء القوم وما نسبوه للشيعة.
أجل إنّ آراء اليهود انتقلت إلى الفكر الإِسلامي عن طريق كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام وغيرهم وأخذت مكانها في كتب التفسير والحديث والتاريخ وتركت بصماتها على كثير من بنود الشريعة. إنّ بوسع أي باحث الوقوف على ذلك في كتب كثيرة مثل تاريخ الطبري، وتفسيره جامع البيان، وفي كتاب البخاري وغيره من المؤلفات مما سنشير إلى مصادره عند ذكره. وستجد فصلاً ممتعاً في تعليل العداوة بين الإِنسان والحية يذكره الطبري في تفسيره بسنده عن وهب بن منبه وذلك عند تفسيره للآية السادسة والثلاثين من سورة البقرة وهي قوله تعالى: (قلنا اهبطوا منها بعضكم لبعض عدو) الخ، يقول الطبري وأحسب أنّ الحرب التي بيننا ـ أي نحن والحيات ـ كان أصله ما ذكره علماؤنا الذ