الرواية صريحة في المصحف العلوي، خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار ماجاء في ذيلها من كلام محمد: (فطلبت ماألف فأعياني)، فهي تشترك مع الروايات الشيعية في أن المصحف العلوي ليس بمعرض عامة الناس، لكن المهم في هذه الرواية وضوح المراد من عبارة(يزاد فيه)، فظاهر هذه الرواية أن المراد أن الوحي كان ينزل على رسول الله(ص)، فكان القرآن يزاد فيه، فلما قبض انقطع الوحي فلا زيادة، وبالتالي بادر الإمام علي(ع) إلى جمعه للناس.
إذن الرواية الحادية عشرة صريحة في إثبات وجود مصحف الإمام علي(ع).
12- الرواية الثانية عشرة: ما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(ت656هـ): (قال أبو بكر: وقد روي في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة والمقداد بن الأسود أيضاً وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمة تبكي وتصيح فنهنهت من الناس وقالوا: ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس وإنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد. ثم بايعوا أبا بكر فاستمر الأمر واطمأن الناس)(56)
الرواية تصرح في أن سبب الإجتماع هو تأليف القرآن في مصحف واحد، فهي صريحة في المراد، لكنها لاتشير إلى الإنتهاء منه، بل تشير إلى الشروع في العمل، وتفترق هذه الرواية عن جميع الروايات السنية والشيعية في أنها تنسب الجمع والتأليف إلى جماعة، لا إلى الإمام علي(ع) لوحده وبخصوصه.
إذن الرواية الثانية عشرة صريحة في كون الإمام علي(ع) أحد المباشرين لتأليف وتدوين القرآن في مصحف واحد، لكنها ساكتة عن إتمام وإنهاء هذا العمل الجبار.
13- الرواية الثالث عشرة: ما في مناقب ابن شهر آشوب(ت588هـ)، فقد نقل ابن شهرآشوب(57)(من علماء الإمامية) عدة روايات عن أهل السنة، ولربما لايقبلها البعض لأننا لم ننقلها من كتبهم، ولكننا سنذكرها بأجمعها هنا- تتميماً للفائدة - مع التفرقة بينها بإشارات، وهي كما يلي:
أ- (ذكر الشيرازي في نزول القرآن وأبو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله (لا تحرك به لسانك) كان النبي يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه وقيل له لا تحرك به لسانك يعني بالقرآن لتعجل به من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}(58) قال ضمن الله محمدا ان يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن أبي طالب. قال ابن عباس: فجمع الله القرآن في قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله بستة أشهر).
وهذه الرواية ظاهرة في جمع المصحف العلوي خلال ستة أشهر، إذ أن ظاهر عطف الجمع بعد موت الرسول على الجمع في قلبه(ص)، أن يراد بالجمع هنا تدوين القرآن، كما أن الفعل ماضِ(وجمعه)، فهو إخبار عن الإنتهاء منه خلال ستة أشهر.
إذن الرواية (أ) ظاهرة في إثبات وجود مصحف الإمام علي(ع)، إن لم تكن صريحة.
ب- (وفي أخبار أبي رافع ان النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي: يا علي هذا كتاب الله خذه إليك، فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي(ص) جلس علي(ع) فألفه كما أنزله الله وكان به عالماً).
هذه الرواية صريحة في تدوين المصحف العلوي، وهي تشبه رواية القمي من الروايات الشيعية، إذن الرواية (ب) صريحة في إثبات وجود مصحف الإمام علي(ع).
ج- (وحدثني أبو العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالاسناد عن علي بن رباح أن النبي أمر علياً بتأليف القرآن فألفه وكتبه).
هذه الرواية صريحة في تدوين المصحف العلوي، والإنتهاء منه، وهي تشبه الروايات الشيعية التي تثبت أن كتابة المصحف إنما كانت بأمر النبي(ص)، وبوصية منه.
إذن الرواية (ج) صريحة في إثبات تدوين الإمام علي(ع) للقرآن وتأليفه في مصحف.
د- (جبلة بن سحيم عن أبيه عن أمير المؤمنين قال: لو ثنيت لي الوسادة وعرف لي حقي لاخرجت مصحفاً كتبته واملاه علي رسول الله) (59)
هذه أصرح الروايات السنية التي تثبت أن الإمام علياً(ع)، قد دوّن القرآن في مصحف، وكان المملي هو رسول الله(ص)، فهي من هذه الجهة تشترك مع الروايات الشيعية.
إذن الرواية (د) تامة الدلالة، وهي صريحة في إثبات تدوين الإمام علي(ع) للقرآن الكريم في مصحف واحد بإملاء الرسول(ص)، وبخط زوج البتول(س).
خاتمة المطاف:
قد اتضح وجود ست عشرة رواية من طرق أهل السنة - لو ضممنا الروايات الأربع التي ذكرها ابن شهرآشوب – تدل على وجود المصحف العلوي إما بالصراحة والنص، وإما بالظهور والإشارة، ولو لم نضم الروايات الأربع لكان المجموع اثنتي عشرة رواية دالة على المطلوب، وتؤيدها الروايات العامة.كما قد اتضح أن الروايات الثلاث الأولى صحيحة على الأقل، وبذلك يتبيّن أن الروايات الواردة عن طريق أهل السنة حول مصحف الإمام علي(ع) أكثر عدداً، وأكثر إسناداً، وأقوى سنداً من الروايات الواردة عن طريق الشيعة، فروايات أهل السنة اثنتا عشرة على الأقل وست عشرة على الأكثر وفيها أكثر من ثلاث صحاح، وقد ذكرت أسانيد كثيرة للرواية الواحدة، بينما روايات الشيعة اثنتا عشرة على الأقل، وخمس عشرة على الأكثر، وفيها رواية صحيحة فقط بل روايتان، وفيها الكثير من المراسيل، فإذا ضممنا روايات السنة إلى روايات الشيعة صار المجموع أربع وعشرين رواية على الأقل، وإحدى وثلاثين رواية على الأكثر، وهذا ما يحقق تواتر روايات مصحف الإمام علي(ع)، فنقطع بوجوده بلا أدنى إشكال، ونكون على راحة بالبال، وتأتي الروايات العامة لتؤيد هذه الحقيقة العلوية.
المبحث الثاني: الرواة المخبرون بوجود المصحف العلوي في مصادر أهل السنة:
سنقتصر على ذكر ترجمة الرواة المباشرين الذين نقلوا لنا ما جرى بشأن مصحف الإمام علي(ع)، ولن نتطرق إلى بقية الرواة خوف الإطالة؛ ولذلك سنحاول الإيجاز في تراجمهم بالإقتصار على ذكر المهم من حياتهم(60)، وهم كما يلي:
1- عكرمة بن خالد (ت107هـ)(61):
هو (عكرمة القرشي الهاشمي، أبو عبد الله المدني، مولى عبد الله بن عباس، أصله من البربر من أهل المغرب، كان لحصين بن أبي الحر العنبري فوهبه لعبد الله بن عباس حين جاء والياً على البصرة لعلي بن أبي طالب.....، قال حرمي بن عمارة، عن عبد الرحمن بن حسان: سمعت عكرمة، يقول: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب وابن عباس في الدار.....، روى له مسلم مقروناً بغيره واحتج به الباقون.....، وقال أبو سعيد بن يونس: عكرمة من سكان المدينة، وقد كان سكن مكة، قدم مصر، ونزل على عبد الرحمن بن الجساس الغافقي، وصار إلى أفريقية.....، وقال علي ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أصحاب ابن عباس ستة: مجاهد، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وجابر بن زيد......، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: مات ابن عباس وعكرمة عبد لم يعتقه، فباعه علي بن عبد الله بن عباس، فقيل له: تبيع علم أبيك؟! فاسترده......، وقال يعقوب بن سفيان: سمعت ابن بكير يقول: قدم عكرمة مصر، وهو يريد المغرب، ونزل هذه الدار، وأومأ إلى دار إلى جانب دار ابن بكير، وخرج إلى المغرب، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا......، وقال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة. وقال النسائي: ثقة. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن عكرمة مولى ابن عباس: كيف هو؟ قال: ثقة. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم إذا روى عنه الثقات.......، وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان يرى رأي الخوارج، فطلبه بعض ولاة المدينة، فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده....، وقال أحمد بن حنبل: مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد ولم يشهد جنازة عكرمة كبير أحد.....، وقال أبو معشر المدني، وأبو نعيم، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وهارون بن حاتم، وقعنب بن المحرر: مات سنة سبع ومئة)(62).
وقد لاحظنا من خلال ترجمته أنه ثقة ومعتمد عليه عند من ذكرنا من أهل السنة، والعجيب ما ُذكر بحقه من أنه من الخوارج فكيف يروي روايات المصحف في حق الإمام علي(ع)، وهل هذا إلا إشارة إلى وضوح الحقيقة التي حاول الآخرون طمسها.
2- محمد بن سيرين(ت110هـ)(63):
هو (محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، أخو أنس بن سيرين، ومعبد بن سيرين، وحفصة بنت سيرين، وكريمة بنت سيرين، مولى أنس بن مالك، وهو من سبي عين التمر الذين أسرهم خالد بن الوليد.....، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: سمع