البدائل
بعد معرفة الأسباب التي تدعو عادة إلی ضرب الأبناء وآثار هذا العمل فهل هناك بدائل عن الضرب أم لا؟
إن الإسلام الحنيف وضع أسساً وقوانين لكل شيء في هذا الكون، ولم يغفل عن مسألة تربية الأبناء، فقد سن الطرق والقوانين في كيفية الحصول علی فلذة كبد يكون قرة عين لوالديه ولكن نحن لسنا في صدده، وكذلك وضع الحلول والطرق في إعادة الابن الذي خرج عن جادة الطريق، فإذاً البدائل موجودة، وهي كالتالي:
أ.التربية عن طريق المسابقة بين الأطفال
من جملة الطرق المؤثرة في تربية الأطفال المسابقة والتنافس بينهم، فإن التنافس بينهم تحريك الطفل نحو المقصود، فالطفل الذي يتسامح في التعليم أو أداء المستحبات مثل الصلاة مثلاً يمكن تحريكه وترغيبه بإيجاد التنافس بينه وبين طفل آخر، لكن ينبغي أن تكون المنافسة سليمة وفي الأعمال الصالحة؛ لأنها لو كانت غير سليمة تترتب عليها المفاسد وتنتج خلاف المقصود.
ويؤيده ما روي: «أن الحسن (ع) والحسين (ع) كانا يكتبان فقال الحسن للحسين: خطي أحسن من خطك وقال الحسين: لا، بل خطي أحسن من خطك فقالا لفاطمة: أحكمي بيننا! فكرهت فاطمة أن تؤذي أحدهما فقالت لهما: سلا أباكما، فسألاه فكره أن يؤذي أحدهما، فقال: سلا جدكما رسول الله، فقال (ص): لا أحكم بينكما حتی أسأل جبرائيل.
فلما جاء جبرائيل قال: لا أحكم بينهما ولكن إسرافيل يحكم بينهما، فقال إسرافيل: لا أحكم بينهما ولكن أسأل الله أن يحكم بينهما، فسأل الله تعالی ذلك فقال تعالی: لا أحكم بينهما ولكن أمهما فاطمة تحكم بينهما.
فقالت فاطمة: أحكم بينهما يا رب، وكانت لها قلادة، فقالت لهما: أنا أنثر بينكما جواهر هذه القلادة فمن أخذ منهما أكثر فخطه أحسن.
فنثر تهما، وكان جبرائيل وقتئذ عند قامة العرش، فأمره الله تعالی أن يهبط إلی الأرض وينصف الجواهر بينهما كيلا يتأذی أحدهما، ففعل ذلك جبرائيل إكراماً لهما وتعظيماً».
ب. التربية بالملازمة والأمر والنهي
المقصود من التربية بالملازمة ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقيدي والأخلاقي ومراقبته وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي، والسؤال المستمر عن وضعه في تربيته الجسمية والأخلاقية وتحصيله العلمي وغير ذلك.
ولا شك في أن هذه التربية تعد من أقوی الأسس في إيجاد الإنسان المتوازن المتكامل.
وبتعبير أوضح: من الأمور التي لا يختلف فيها اثنان أن ملاحظة الولد ومراقبته من قبل المربي هي من أفضل أسس التربية وأظهرها؛ ذلك لأن الولد دائماً موضوع تحت مجهر الملاحظة والملازمة حيث إن المربي يرصد عليه جميع تحركاته وأقواله وأفعاله واتجاهاته فإن رأی خيراً أكرمه وشجعه عليه، وإن رأی منه شراً نهاه عنه وحذره منه وبين له عواقبه الوخيمة ونتائجه الخطيرة، وبمجرد أن يغفل المربي أو يتغافل عن الولد فإنه سينزع لا محالة إلی الانحراف، ويتوجه نحو الزيغ والانحلال.
ويؤيده بل يدل عليه في الجملة – ولو في بعض الموارد – ما تقدم من الآيات، كقوله – تعالی -: (قُوا أَنفُسَكم وَأَهلِيكم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ) أي أنه يجب علی الآباء والأمهات وقاية أولادهم مما يوجب سخط الله تعالی وعذابه، ولا يمكن هذا إلا بأن يراقبهم ويلاحظهم ويأمرهم وينهاهم.وقوله: (وَأمُر أَهلَك بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا...).
وقوله: (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المَنكرِ وَاصبِر عَلَی مَا أَصَابَك إنَّ ذَلِك مِن عَزمِ الأمورِ).
وكذا يدل عليه في الجملة النصوص التالية:
عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه قال: «إنا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين».
عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال: «إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإن كان إلی نصف النهار أو أكثر من ذلك أو اقل فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتی يتعودوا الصيام ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما أطاقوا من الصيام، فإذا غلبهم العطش أفطروا» وغيرها.
ج. التربية عن طريق الهجر
ومن أساليب ومناهج التربية هو الهجر، بأن يعتزل الوالدان أو أحدهما عن الطفل لبرهة قليلة من الزمان، وهذا قد يكون بعدم التكلم معه، أو بعدم إجازة وروده في المجلس...
ولا ريب أن للهجر تأثيراً لتنبيه الطفل وتربيته وإصلاحه، فقد ورد أن رجلا من أصحاب الكاظم (ع) جاء إليه وشكا من سوء أخلاق ولده، فقال (ع): « لا تضربه، واهجره ولا تطل».
والهجر كان من مراقب التأديب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أمر الله عباده بإعمال هذا الطريق للتنبيه وتربية المرأة الناشزة أيضاً، فقال تعالی: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنِّ فَعِظوهُنِّ وَاهجُرُوهُنِّ فِي المَضَاجِعِ...). يستفاد منها جواز الهجر بخوف النشوز.
وهذا ما أثبتته التجربة حيث أن من الوسائل المتبعة عند المربين الآن هجر الطفل وعدم التحدث معه أبداً، وقد أخبرني أستاذي أنه كان يتعامل مع ابنه بهذا الأسلوب ولم يضربه يوماً بل كان أشد عقاباً عنده هو أن يقول لأبنه: (إني لا أحبك) ويدير وجهه عنه، وأنا حظرت أحدها، ولا حظت كيف أن الابن بدا عليه الغضب والغيض، وكان له أسلوب لطيف – أي الابن – إذا أراد الرجوع لوالده، فإنه يأتي له ويقول له: بابا هذا عيب – يعني الفعل الذي فعله – لا أفعله مرة أخری.
د. التربية من طريق التأديب والضرب
وهذه آخر مرحلة من مراحل التربية، فيجدر بالأبوين والمربين ألا يتركوا وسيلة من وسائل الإصلاح إلا سلكوها، ولا طريقة في تقويم اعوجاجه وتهذيب وجدانه وإخلاقه إلا نهجوها.
وللإسلام طريقته الخاصة في إصلاح الولد وتربيته، فإن كان ينفع مع الولد الملاطفة بالوعظ فلا يجوز للمربِِي أن يلجأ إلی الهجر، وإن كان ينفع الهجر أو الزجر فلا يجوز له أن يلجأ إلی الضرب والتأديب، وإذا عجز عن جميع الوسائل الإصلاحية ملاطفة ووعظاً، فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلی التأديب بالضرب.
هذه جملة من البدائل التي يمكن للإنسان استخدامها قبل أن يستخدم الضرب سواء المبرح أم غيره، وأتمنی من صاحب هذا القول أنه لا سبيل غير الضرب لتربية الابن أنه قد تغيرت نظرته، ويعلم أن ديننا لم يترك أية مشكلة ولم يضع لها حلولاً فضلاً عن حل واحد.
الحلول
بعد ما عرفنا أن الضرب ليس الحل الأول في علاج مشاكل الأبناء بقي علينا أن نبين كيف ولمن يستخدم الضرب وسيلة أن يتخلص منه؟
إن أهم علاج لهذه الظاهرة هي الوقاية فإن (الوقاية خير من العلاج) ولكن كيف يمكن لنا أن نتقي من الوقوع في علاج الضرب؟ وهل هناك علاجات أخری فيما إذا وقعنا فيه؟
هذا ما سنتناوله في الأبحاث القادمة إن شاء الله تعالی.
سبل الوقاية من الوقوع في هذه الظاهرة
أولاً: أسباب السلوك السيء لدی الأبناء
إن أهم شيء ينبغي عمله هو معرفة الأسباب التي تجعل الأبناء يفعلون مثل هذه الأفعال مما تجعل والديهم يقومان بضربهم، فإذا عرفنا الأسباب ومنعناها لم نصل إلی مرحلة الضرب.
ونوجز هنا عدداً من الأسباب التي تدفع الأبناء إلی ارتكاب السلوك السيء وهي:
1-استجابة الطفل لواقع سيء، فمثلاً إذا كان العنف لغة في المنزل للتفاهم سواء مع الصغار أم بين الكبار فإن الطفل سيأخذ هذه اللغة أو الطريقة ويستخدمها في التعامل مع الآخرين، وهنا مهما عملنا لقمع هذا السلوك فإن النتيجة لن تكون فعالة طالما أن مسبب هذا السلوك قائم.
2- إهمال الطفل بحيث لا يهتم به أبداً أو لا يعتنی به إلا حين ممارسته لسلوك سلبي مثل الصراخ أو التخاصم مع أقرانه، وهذا يقع فيه كثير من المربين والآباء والأمهات فلا ينتبهون للطفل إلا وقت الخطأ، ولهذا إذا أراد أن يلفت نظرهم أتی بسلوك سلبي وأثار به انتباههم.
3- وهناك أيضاً معاناة الطفل من نقص في حاجاته الأساسية مما يحعله غير راض عن الواقع فلا يهتم برضی من حواليه من المربين.
4- سوء التربية التي تجعل الطفل لا يميز بين السلوك السلبي أو الإيجابي أو بين الخطأ والصواب.
5- عدم الشعور بالأمن هو أيضاً من الأسباب التي تجعل الطفل لا ينصاع للأوامر بسبب خوفه من شيء ما، وعدم شعوره بالأمن قد يكون سببه عدم شعور الابن بالانتماء أو إلی أسرته إلی مدرسته مما يجعله يفقد الطمأنينة في نفسه.
ومما يزيد في عدم شعوره بالأمن الإكثار من تهديد الطفل ونقده، أو إهماله أو نبذه وكذلك الشجار بين المربين أو قلقهم الزائد عليه؛ لأن الخوف ينتقل بالعدوی إليه كالمرض، ومما يفقده الشعور بالأمن فرض الأعباء عليه من سن مبكرة، والإسراف في تحذيره من الحياة مما يجعله يهاب كل شيء من حوله.
6- بعض السلوكيات السيئة من الكبار أمام الصغار إما عمداً أو بدونه؛ لأن الطفل مقلد من الدرجة الأولی.
7- وهناك أسباب كثيرة مثل عدم العدل بين الأولاد، ووجود الغيرة بسبب الحرمان، وكذلك وجود شيء من المكاسب للقيام بالسلوك السلبي مثل البكاء أو العنف.
إن تجنب هذه الأمور يكفي مؤنة الصراع مع الابن من أجل سلوك لا يرضي والوصول بعد ذلك إلی اتخاذ طرق وحلول حتی تصل النوبة إلی الضرب.
ثانياً: التغذية الروحية قبل الحمل وفي أثنائه وبعده.
لقد أثبتت التجارب التربوية إن خير الوسائل لاستقامة السلوك والأخلاق هي التربية القائمة علی العقيدة الدينية و