الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين وبعد...
البحث الماثل بين يديك يدور حول جمع الإمام علي بن أبي طالب ع للقرآن الكريم في مصحف واحد، وخصائص ذلك الجمع، فقد دلّت الروايات(1) على أن أمير المؤمنين ع هو أول من جمع القرآن بعد رحيل الرسول الأعظم’، فقد قام بجمعه خلال ثلاثة أيام في المدينة المنورة، وعرضه على الخلافة في مسجد النبي’.
والسبب في الإقدام على هذا البحث يكمن في الأهمية الكبرى التي يحتلها المصحف العلوي في الإسلام؛ إذ أنه أول تدوين لدستور المسلمين الخالد وهو القرآن الكريم، كما أن مصحف الإمام علي ع يشكل مصدراً من مصادر علوم الأئمة^، وقد جُمع في مفصل تاريخي مهم في دنيا الإسلام ألا وهو ما جرى بعد وفاة الرسول’ من أمور الخلافة، وغير ذلك، وللأسف الشديد لم أشاهد بحثاً مستقلاً مستوعباً قد كتب باللغة العربية حول مصحف الإمام علي ع، على الرغم من الأهمية الكبرى التي يحتلها هذا المصحف المبارك، مما يحتم علينا ضرورة بحثه بصورة مستوعبة(2).
نعم عثرت في وقتنا الحاضر على كُتيبين باللغة العربية، وكتابين باللغة الفارسية، فتلك أربعة كاملة لبعض المعاصرين، نذكرها كما يلي:
1- مصحف الإمام علي ع، وهو كتيب أصدره المجمع العالمي لأهل البيت(ع) في أربع وعشرين صفحة، وهو يشكل الحلقة الثالثة من سلسلة في رحاب أهل البيتq التي يصدرها المجمع، إلا أنه مختصر جداً، فهو أشبه بالنبذة التعريفية لمصحف الإمام علي ع.
2- قرآن علي ع، وهو كتيب أصدره مركز المصطفى للدراسات الإسلامية في خمس وتسعين صفحة، إلا أنه لم يركز الحديث على مصحف الإمام علي ع إلا في الصفحات الثلاث الأخيرة.
3- مصحف امام علي ع، وقد صدر بالفارسية للسيد محمد علي ايازي في مائتين وستين صفحة من الحجم الرقعي، وهو بحث جيد لكنه لم يستوعب بعض المباحث الهامة، كالعلاقة بين المصحف العلوي والقرآن المتداول، وغير ذلك، كما أنه قد تضمن بعض الآراء التي هي محل تأمل؛ مثل تشكيكه في الأدلة الدالة على تدوين المصحف العلوي على حسب ترتيب النزول.
4- پژوهشي در مصحف امام علي، وقد صدر بالفارسية للدكتور جعفر نكونام في مائتين وثمانية وثمانين صفحة من الحجم الرقعي، وقد تضمن رداً على تشكيك السيد ايازي، لكنه ركز على بعض مباحث المصحف العلوي، ولم يتطرق إلى الكثير من مباحثه، بل نراه قد تطرق إلى بعض الأمور الخارجة عن أصل بحث المصحف العلوي، كالتطرق إلى علم علي ع القرآني في الفصل الأول، مع أنه يشكل تمهيداً لبحث المصحف، وليس من صميم أبحاثه لكي يعقد له فصلاً مستقلاً.
من هنا تكمن أهمية دراسة مصحف الإمام علي ع، دراسةً مستوعبة باللغة العربية تسلط الضوء على أهم النقاط التي ينبغي بحثها فيه لكي تتضح الحقيقة، فالسؤال الأساسي لبحثنا كما يلي:
هل قام الإمام علي ع بجمع القرآن الكريم بعد رحيل الرسول الأعظم’ أم لا؟
وإذا كان الجواب نعم، فسوف تنبثق الأسئلة الفرعية التالية:
1 – ما هي حقيقة وجود المصحف العلوي في مصادر الفريقين؟
2- ما هو الداعي الذي دعا الإمام علياً ع لجمع القرآن في ذلك الوقت؟
3- ما هو محتوى ومضمون المصحف العلوي في مصادر الفريقين؟
4- ما هو موقف الخلفاء من مصحف الإمام علي ع؟ وما هو مصيره؟
5- ما هي العلاقة بين المصحف العلوي، والمصحف المتداول اليوم؟
هذه الأسئلة وغيرها، سنجيب عليها في طيات بحثنا الآتي، وقد حاولت الرجوع إلى المصادر القديمة بحسب الوسع ونقلت منها لكي يكون الكلام مستنداً إلى ركن وثيق، ثم شفعت ذلك بالإشارة إلى العديد من المراجع التي ذكرت ذلك لكي تسهل المراجعة على المراجعين.
وقد تألف هذا البحث مما يلي:
المدخل: ويتناول أهم الأمور التي لها مدخلية في فهم مرادنا من مصحف الإمام علي ع.
الباب الأول: يتناول الأدلة التي تثبت وجود المصحف العلوي في مصادر الفريقين.
الباب الثاني: يتطرق إلى الأسباب التي دعت الإمام علياً ع لتدوين القرآن في مصحف.
الباب الثالث: يتناول بعض الحيثيات في كيفية جمع المصحف العلوي وتاريخه عبر العصور.
الباب الرابع: يتطرق إلى خصائص المصحف التي اتفق عليها الفريقان أو اختص بها الإمامية.
الباب الخامس: يتطرق إلى موقف الخلافة من المصحف، ومصيره بعد إعراضها عنه.
الباب السادس: يدرس العلاقة بين مصحف الإمام علي ع، والقرآن المتداول اليوم.
الخاتمة: وتتناول خلاصة البحث، وعصارة الآراء التي توصلنا إليها.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الأبرار الميامين.
-------------------
(1 ستأتي في الباب الأول بكلا فصليه، وسنتطرق إلى روايات الفريقين الدالة على ذلك.
(2 رجعت إلى بعض المكتبات والكتب ظاناً الحصول على من كتب في هذا الموضوع، فلم أجد من كتب حول مصحف الإمام علي ع بصورة مستقلة ومستوعبة باللغة العربية، فراجع مثلاً:
1- آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج21 ص126، وقد ذكر من كتب في مصحف فاطمة÷، ولم يذكر من كتب في مصحف علي ع.
2- حسين متقي، معجم الآثار المخطوطة حول الإمام علي بن أبي طالب ص301.
3- اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق بإشراف الشيخ جعفر السبحاني، معجم التراث الكلامي ج5 ص122.
4- مجمع البحوث الإسلامية، معجم العناوين الكلامية والفلسفية ص119، وقد راجعت مكتبة السيد المرعشي النجفي¤، وكذلك قسم علوم القرآن في مكتب الإعلام الإسلامي بمدينة قم المقدسة، فتفضلوا عليّ بالبحث الكمبيوتري في مكتبة الإمام الرضا بمشهد، ومكتبة طهران، فلم أحصل على كتب قديمة قد كتبت بشكل مستقل حول المصحف العلوي.
-------
انتهی/125