وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأربعاء

٣ أكتوبر ٢٠١٢

٨:٣٠:٠٠ م
353624

الائمة الأثني عشر(ع) دراسة تحلیلیة في المنهج(8)(القسم الاول)

الإمام الصادق(ع) وتجربة بناءالجامعةالإسلامية

من مؤلفات الاستاذ راشد الراشد، باحث اسلامي وقيادي في تيار العمل الإسلامي البحريني.

114هـ 148هـ

مرّ معنا في الفصل السابق أبرز الخطوط العريضة للساحة في عهد الإمام الباقر (ع) وذكرنا أهم مفاصل الخطة التي عالج بها الإمام (ع) الواقع الذي كان يلف الساحة حينها. لنأتي الآن للحديث عن دور الإمام الصادق (ع) في مدة إمامته(1) التي إبتدأت بعد أن أصبح للمدرسة التي أسسها ووضع نواة إنطلاقتها الأولی والده الإمام الباقر (ع)، إسماً لامعاً في سماء الساحة الإسلامية. 

الخيارات المطروحة:

                                                                                                                                                                            لاشك أنّ الخيار الأنسب لمعالجة أيٍّ من القضايا التي تعترض مسيرة الإنسان أو الجماعة، لابد وأن يتسم ببعض الخصوصيات والملامح، ويحقق بعض الشروط لكي يقفز علی عنصر الفشل أو الهزيمة. ذلك أن الفشل هو النتيجة الطبيعية للأمور، فلا تنمو بذرة حتی تصبح شجرة يانعة، إلّا بتوافر الشروط الثلاثة الآتية (الماء، التربة الصالحة، والضوء)، ولايمكن أن تكون الحياة للبشرية من غير الأوكسجين والطعام والشراب، ولايمكن الحصول علی الماء إلّا من خلال معادلة رياضية دقيقة تجتمع فيها ذرتين من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الأوكسجين في ظروف حرارية معينة. وهكذا سائر الأمور فإنها قائمة علی أساس من القوانين والمعادلات الرياضية الدقيقة، فيحتاج تحققها إلی ايجادها كما هي. 

ويطلق القرآن العظيم مصطلح «السنة» أو «السنن» علی ماتقدم ذكره، فيقول عز من قائل: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض...)(2) وفي آية آخری (فلن تجد لسنّت الله تبديلاً ولن تجد لسنّت الله تحويلاً...)(3). 

فإذا كانت «السنن» أو المعادلات الرياضية تنطبق علی أبسط المسائل الحياتية فمن الأولی أنّها تكون متأصلة في الجوانب التغيیرية الحضارية.

ولما كانت رسالة الإسلام التي يتحمل الائمة (ع) مسئولية نشرها وتعميم مبادئها وقيمها علی عامة أهل الأرض، هي رسالة التغيير، التغيير من ظلام الجهل إلی نور العلم، ومن نير العبودية والاستغلال إلی رحاب الحرية والعدل والمساواة كان لابد لنجاحها وتحققها من توفير شروطاً وخصائص عديدة أهمها: 

1/ المعرفة الدقيقة بخارطة الواقع اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ومعرفة نقاط القوة والضعف التي يتميز بها ذلك الواقع، وما هي القوی والاتجاهات المؤثرة فيه وحجمها الفعلي والواقعي علی الصعيد العملي. 

فكثير من التيارات اخفقت ولم تستطع تحقيق أدنی المكاسب بسبب جهلها المطبق، أو عدم معرفتها التامة بأوضاع الساحة التي تتحرك عليها، فتأتي خططها وأساليبها في العمل والتحرك من حيث النتائج في اتجاهات معاكسة لما هو مطلوب، رغم وجود الإمكانات الضخمة المتاحة لإنجاحها. 

2/ المعرفة الدقيقة والمفصّلة للقدرات والطاقات والامكانات الذاتية، فعادة ما يقذف الطموح الكثيرين للتحرك والعمل علی نطاق أكبر من قدراتهم وطاقاتهم الذاتية، فيفشلوا من تحقيق أدنی نجاح في المشاريع التي انطلقوا من أجلها. 

وبطبع الحال فإن لدی كل جماعة تغييريه طموحها العالي في تحقيق وإنجاز اهدافها في مدة زمنية قصيرة، ولكن ما ينبغي الإلتفات إليه هو التحرك بمستوی الطاقات والإمكانات المتاحة والممكنة، لابمستوی الطموح مع أهميته وضرورته للتحرك. 

3/ التخطيط العلمي الدقيق الذي يأخذ بالإعتبار الأمور التالية: 

أ_ ميزان القوی المؤثرة في الساحة إجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً. 

ب_حجم القوة الذاتية من حيث القدرة البشرية والإمكانات المتوافرة. 

ج_ التحديات والصعوبات المتحملة في طريق العمل نحو تحقيق الأهداف. 

د_ البعد الحضاري في العمل والتحرّك، وذلك لتجنب الوقوع في مطبات المواقف المرتجله وردود الفعل الآنية التي تفرضها طبيعة التفاعلات مع الأحداث اليومية. 

وهذا ما نعتقد أننا نلمسه بوضوح من خلال تحرك الائمة (ع). 

وعلی ضوء ماتقدم، ما هي الخيارات المطروحة للتحرّك في عهد الإمام الصادق (ع)؟ 

قبل الإجابة لابد من الاشارة إلی مجمل الأوضاع والظروف التي كانت تتحكم في الساحة: