واحد- سموّ الحق ودحض الباطل
إن القبول بولاية ولاة الحقّ وإطاعتهم واتباعهم، سيؤدي إلى رفعة الحقّ ودحض الباطل وانقراضه. فالحق وسيلة النجاة(1 ) وأفضل السبل(2 )، وأعزّ صاحب(3 ) وأقوى ظهير(4 ) و... كما أن ملازمته هي، أفضل الأعمال(5 ) ورأس الحكمة(6 ) وسبب السعادة(7 ) لكن حمل لوائه لا يتأتى إلّا بولاية من لا يتخلفوا عنه؛ لأنهم مظهر لاسم الحق الإلهي. وقد تحدث أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف آل بيت العصمة والهداية بقوله:
لا يخالفون الحق و لا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه و انزاح الباطل عن مقامه، و انقطع لسانه عن منبته.(8 )
إنّ الباطل لا يزول إلّا بيد ولي لم ينحرف ويتعدى عن الحق في كلّ زمان وفي أيّ ظرف ولم يضل إلى الباطل. وهذا هو الوصف الذي بيّنه الإمام (عليه السلام) في الكلام أعلاه. فالحق جوهرة قيّمة ينبغي السعي في سبيل تحقيقه ولا يعزّ إلّا حينما يطيع الناس ولاة الحق. وقد ورد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قد خطب خطبة في صفين قال فيها:
... فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه وأدّى إليها الوالي كذلك عزّ الحقّ بينهم.(9 )
إثنان. إقامة العدل، والسنة، وقواعد الدين
حينما يراعي عامة الناس حقوق المعصومين (عليهم السلام) ويقيموا ارتباطاً صادقاً معهم، فستقام مناهج دين الله، وسيرفرف لواء العدل وستجري السنن. وعندما تقام هذه الأمور ستتذوق الدنيا طعم الصلاح والهناء وسييأس أعداء الحق. ففي تتمة خطبة أمير المؤمنين التي خطبها في صفين نجده يقول:
فقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السُّنن، فصلح بذلك الزّمان، وطمع في بقاء الدّولة ويئست مطامع الأعداء...(10)
إن الإعراض عن المعصومين (عليهم السلام) سيؤدي إلى زلزلة بناء العدل القيّم ومن ثم انهياره وسيزول العدل عن المجتمع ويحل محلّه الظلم. هذا في حين أنّ إقبال الناس إلى المعصومين (عليهم السلام) وقبول ولايتهم (عليهم السلام) والانصياع لأوامرهم والانزجار عن نواهيهم سيبعد المجتمع عن الظلم وسيقوم صرح العدل. يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في بيانه للآية القرآنية:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"(11 )
قال: ولاية علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فإن اتّباعكم إياه وولايته أجمع لأمركم وأبقی للعدل فيكم.(12 )
إن أهل البيت (عليهم السلام) هم الوحيدون الذين تتحقق العدالة في ظلّ ولايتهم وزعامتهم بأتمّ أشكالها، وسيكون الدين من خلالهم في أفضل مكانته. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):
إنّ الله عزّ وجل أدّب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال: "انك لعلى خلق عظيم"(13 ) ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عزّ وجل: " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا(14 )".(15 )
إن عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وابتعاده عن الخطأ والانحراف هو من جعل من النبي أفضل مدبر لأمور الناس وهو ما نجده عند سائر المعصومين (عليهم السلام). وقد أطلق الإمام الهادي (عليهم السلام) في زيارة الجامعة الكبيرة على الأئمة (عليهم السلام) عنوان: «قادة الأمم وسادة العباد»(16 )
يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
إنّ الله عزّ وجل أدب رسوله حتى قوّمه على ما أراد ثم فوض إليه فقال عز ذكره: "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(17 ) " فما فوض الله إلى رسوله فقد فوضه إلينا.(18)
فإقامة الواجبات والحدود الإلهية والسنن الدينية لا تحقق إلّا من خلال تولي الناس الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
فحينها يتعرف الناس على وليهم الحقيقي ويطيعوه فسوف لن يبقى حق إلّا وأدّي ولم تتعطل الحدود والواجبات، لانّه لا يأمر إلّا بالخير ولا ينهى إلّا عن الشر.
وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم قوماً إن مكنهم في الأرض حكّموا الدين:
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر(19 )
إن من الحق أن نتساءل عن المصداق الذي تحدثت عنه الآية فهل تجد لها مصداقا أتمّ من الأئمة المعصومين (عليهم السلام). عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال:
كنت عند أبي يوما في المسجد إذ أتاه رجل فوقف أمامه وقال: يابن رسول الله أعيت عليّ آية في كتاب الله عزّ وجل، سألت عنها جابر بن يزيد فأرشدني إليك، فقال: وما هي؟ قال: قوله عزّ وجل: "الذين إن مكناهم في الأرض"(20 ) الآية، فقال: نعم فينا نزلت، وذلك أن فلانا وفلانا وطائفة معهم- وسماهم- اجتمعوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالوا: يا رسول الله إلى من يصير هذا الأمر بعدك؟ فوالله لئن صار إلى رجل من أهل بيتك إنا لنخافهم على أنفسنا، ولو صار إلى غيرهم لعل غيرهم أقرب وأرحم بنا منهم، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك غضبا شديدا، ثم قال: أما والله لو آمنتم بالله ورسوله ما أبغضتموهم، لان بغضهم بغضي، وبغضي هو الكفر بالله، ثم نعيتم إلى نفسي، فوالله لإن مكنهم الله في الأرض ليقيموا الصلاة لوقتها وليؤتوا الزكاة لمحلها، وليأمرن بالمعروف، ولينهن عن المنكر، إنما يرغم الله أنوف رجال يبغضونني ويبغضون أهل بيتي وذريتي، فأنزل الله عزّ وجل: "الذين إن مكناهم في الأرض(21 )" إلى قوله: "ولله عاقبة الأمور(22 )" فلم يقبل القوم ذلك، فأنزل الله سبحانه: "وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير(23 )" (24 )
لكن وحينما لا يلحظ حقّ ولاية المعصومين (عليهم السلام) فإنّ الفتن ستبدأ والسنن ستهجر. وسينزوي أهل الإيمان وسيهيمن الكاذبون والفاسقون على رقاب الناس. فقد ورد في خطبة لأمير المؤمنين يدعوا فيها الناس إلى إطاعة أهل أبيت (عليهم السلام) ويشير إلى الانحراف الحاصل نتيجة الابتعاد عن آل البيت (عليهم السلام) يقول:
وناظر قلب اللبيب به يبصر أمده، ويعرف غوره ونجده. داع دعا، وراع رعى، فاستجيبوا للداعي، واتبعوا الراعي، قد خاضوا بحار الفتن، وأخذوا بالبدع دون السنن، وأرز المؤمنون، ونطق الضالون المكذبون، نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا.(25 )
ثلاثة _ حفظ الوحدة
إنّ وحدة الأمة الإسلامية وتراسخها تتوقف على إطاعة واتباع الإمام الحقيقي. فالابتعاد عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) سيؤدي إلى تفرّق الأمة وتفككها. إن الأئمة المعصومون (عليهم السلام) قوم كاملون تولوا الله تعالى، فتحت ظلالهم تلتحم الأمة ويزول العداء والتناحر إذ لا يلحظ في هذه الحالة شيء إلّا رضا الله تعالى ورضا الله لا يتحقق إلّا من خلال رضا المعصوم. إذاً فالكثرة ستتجه صوب الوحدة وستنزوي الفرقة عن المجتمع الإسلامي.(26 ) وقد خاطب الله تعالى أهل الإيمان في القرآن الكريم بقوله:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.(27 )
ويتضح من الآية أنّ العداء كان هو الحاكم على قلوب أهل الإيمان قبل الألفة والأنس لكن نعمة الله تعالى هي من أوجدت في قلوبهم الألفة والأنس.
لقد كان المسلمون قبل اعتناقهم الإسلام والإيمان بالله ورسوله أعداء بعضهم البعض وكانوا يتقاتلون فيما بينهم. فلقد كان الإسلام والإيمان بالله تعالى نعمة كبيرة أوجدت فيما بينهم الألفة وحولتهم إلى إخوان.