السادس. المحبوبيّة والعناية من قبل المعصومين (عليهم السلام)
إنّ محبّة المعصومين (عليهم السلام) ستقابل بالمحبّة من أولئك الأبرار أيضاً وكلّما اشتدّ هذا الحبّ ووصل إلى مرتبة التشيّع، فإنّ رحمتهم ومحبتهم العارمة ستشمل هذا الفرد أيضاً.
إن المعصومين (عليهم السلام) يحبون شيعتهم الحقيقيين حبّا جما إلى حدّ الاهتمام والعناية بهم بشكل دائم وشمولهم بالعناية. فقد نعتوا أعداء الشيعة بأعدائهم، ومحبي الشيعة بأحبائهم فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام):
من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا، لأنهم منّا، خلقوا من طينتنا، من أحبهم فهو منا، ومن أبغضهم فليس منا.( 34)
وتصل المحبة لدى المعصومين في شمولهم لشيعتهم إلى مستوى بحيث يفرحون لفرح شيعتهم ويحزنون لحزنهم الأمر الذي يتضح من خلال ما روي عن الإمام الكاظم في تتمة حديثه السابق حيث يقول:
ما من أحد من شيعتنا يمرض إلّا مرضنا لمرضه، ولا اغتم إلّا اغتممنا لغمه، ولا يفرح إلّا فرحنا لفرحه، ولا يغيب عنا أحد من شيعتنا أين كان في شرق الأرض أو غربها ومن ترك من شيعتنا دينا فهو علينا، ومن ترك منهم مالا فهو لورثته.( 35)
سبعة. الانخراط في عداد أهل البيت (عليهم السلام)
إنّ شيعة المعصومين الواقعيين ممن أطاعوهم واتبعوهم في كل زمان ومكان، يكونوا في قربهم لمقام ومرتبة المعصومين (عليهم السلام) بحيث يصبحوا في عداد أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أوردنا حديث رسول الله سلفا حيث يقول:
إنّ الشيعة الخاصّة الخالصة منّا أهل البيت...( 36)
وقد عدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سلمان الفارسي الذي كان فريدا في اتباعه له من أهل بيته (عليهم السلام) حيث قال:
سلمان منّا أهل البيت ( 37)
لقد كان سلمان في أعلى مراتب الطاعة واتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما جعله في عداد أهل البيت المعصومين المطهرين. وقد روي أن سعد بن عبد الملك- وكان أبو جعفر (عليه السلام) يسميه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان- دخل على أبي جعفر (عليه السلام) فبينا ينشج كما تنشج النساء، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): ما يبكيك يا سعد؟ قال: وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن (روي أن بني أمية هم المصداق لما ورد في القران حول الشجرة الملعونة)، فقال له: لست منهم أنت أموي منّا أهل البيت، أما سمعت قول الله عزّ وجل يحكي عن إبراهيم (عليه السلام) "فمن تبعني فإنّه مني".( 38)
لقد كانت فكرة انتساب الشيعة إلى آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من عدمها تحيّر الشيعة وتقلقهم إلى حدّ كانوا يكررون السؤال عن هذا الأمر، فيما كان الأئمة (عليهم السلام) يقسمون في بعض الأحيان. يقول عمر بن يزيد بياع السابري وكان من خيرة أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّ الإمام قال لي يوماً:
يا ابن يزيد أنت والله منا أهل البيت قلت: جعلت فداك من آل محمد؟ قال: إي والله من أنفسهم قلت: من أنفسهم جعلت فداك؟ قال: إي والله من أنفسهم يا عمر أما تقرأ كتاب الله عزّ وجل "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين( 39)".( 40)
إنّ التحيّر والقلق المذكور كان يطرق حتى بال أقرباء المعصومين (عليهم السلام) النسبيين أيضاً، وكان يجرّهم إلى الاستفسار عن هذا الأمر، والظاهر أن هذا التحيّر نابع من توهم انحصار القربة بالقرب النسبي وعدم لحاظ القرابة المتحققة من القرب الولائي. فعن الفضل بن عيسى الهاشمي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وأبي فقال له: أمن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سلمان رجل منا أهل البيت؟ فقال: نعم، فقال: أي من ولد عبد المطلب؟ فقال: منا أهل البيت، فقال له: أي من ولد أبي طالب؟ فقال: منا أهل البيت، فقال له: إني لا أعرفه، فقال: فاعرفه يا عيسى فإنه منا أهل البيت ثم أومأ بيده إلى صدره، ثم قال: ليس حيث تذهب، إن الله خلق طينتنا من عليين وخلق طينة شيعتنا من دون ذلك، فهم منا، وخلق طينة عدونا من سجين، وخلق طينة شيعتهم من دون ذلك، وهم منهم، وسلمان خير من لقمان.( 41)
وروي أن عليا (عليه السلام) لما نزل على الرقة (في مسيره إلى صفين) نزل على موضع يقال له: البليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي (عليه السلام) إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم أعرضه عليك؟ قال: نعم فقرأ الراهب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل الله لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح، أمته الحمّادون الذين يحمدون الله على كل نشر وفي كل صعود وهبوط تذل ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتسبيح وينصره الله على من ناوأه. فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق، ولا يركس في الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن. يخاف الله في السر وينصح له في العلانية، ولا يخاف في الله لومة لائم ثم فمن أدرك ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضوانه والجنة. ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة. ثم قال: أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك. فبكى [علي] (عليه السلام) ثم قال: الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار. فمضى الراهب معه فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ويتعشى حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال (عليه السلام): أطلبوه فلما وجده صلى عليه ودفنه وقال: هذا منا أهل البيت واستغفر له مرارا.( 42)
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية التصريح بنوعي القرابة حيث يستند على القرابة الولائية بكلام الله تعالى وذلك حين يقول:
من تولى آل محمد وقدمهم على جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو من آل محمد لمنزلته عند آل محمد، لا أنه من القوم بأعيانهم، وإنما هو منهم بتوليه إليهم واتباعه إياهم، وكذلك حكم الله في كتابه "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"( 43) وقول إبراهيم "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم"(44).( 45)
وفي مقابل التحير والقلق المذكور من قبل بعض أصحاب المعصومين (عليهم السلام)، نجد أن بعض من أنكر ولاية الأئمة