7ـ العطاء، والإيثار والتكريم
إنَّ الزهد والقناعة كما يورثان عزة النفس فإنهما يقتضيان العطاء أيضاً، فالشيعي إن استطاع أن لا يتعلق بما عنده من أموال ورضي بشظف العيش فسينفق أمواله في أداء حوائج إخوته المؤمنين ولن يبخل عليهم، وبهذا السلوك سيوقّر الآخرين ويكرمهم. يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في وصفه للشيعة:
إنّما الشيعة... إن لقوا مؤمناً أكرموه... وإن أتاهم ذو حاجة رحموه وفي أموالهم يتواسون.(33)
فالإحسان للمؤمنين له دور كبير دور للوصول إلى حقيقة الإيمان بالمستوى الذي اعتبروه معياراً لاختبار الشيعة. يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
امتحنوا شيعتنا... إلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها(34)
(فإن لم يكونوا أهلاً للاحسان فليسوا من شيعتنا)
فمن لا يبالي لما يعانيه إخوانه المؤمنون من هموم ومآسي ولا يهم في قضاء حوائج إخوانه المؤمنين ، لا يحقّ له أن يدّعي التشيّع. لأنّ شيعة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) هم المحسنون الذين لا يتهاونون في مساعدة إخوانهم.
فعن محمد بن عجلان وهو من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل رجل فسلم فسأله كيف من خلّفت من إخوانك؟ قال: فأحسن الثناء وزكى وأطرى، فقال له: كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليلة، قال: وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟ قال: قليلة، قال: فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ فقال: إنك لتذكر أخلاقا قل ما هي فيمن عندنا، قال: فقال: فكيف تزعم هؤلاء أنهم شيعة.(35)
لقد استلهم الشيعة هذه الخصلة أيضاً وكبقية الخصال الحميدة من أئمتهم؛ كما يقول الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في وصفهم:
شيعة علي هم الذين يقتدون بعلي (عليه السلام) في إكرام إخوانهم المؤمنين(36)
لقد كان مخاطب الإمام في هذا الكلام شخص زعم أنه شيعيا؛ لكن الإمام نفى هذا الزعم وسمّاه محباً. ثم أضاف (عليه السلام) لكلامه الأوّل:
ما عن قولي أقول لك هذا، بل أقوله عن قول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذلك قوله "وعملوا الصالحات" قضوا الفرايض كلها، بعد التوحيد واعتقاد النبوة والإمامة وأعظمها قضاء حقوق الإخوان في الله (37)
إنّ قضاء حوائج المؤمنين هي من الحقوق التي تقع على عاتق ميسوري الحال منهم والشيعي الأصيل يمثل المصداق الحقيقي للآية القرآنية: "الذين آمنوا وعملوا الصالحات".(38) فهم المؤمنون بالله الذين يسلكون سلوكا حسناً، ومن جملة هذا السلوك قضاء الحوائج المادية للمؤمنين. وقمّة ذلك أن يؤثر الآخرين على نفسه، فهو ورغم ما يعيشه من حرمان، إلّا أنّه يقدم للمؤمنين ما يحتاجه، وليس هذا إلّا الإيثار. يقول الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في قسم من هذا الكلام:
... شيعة علي (عليه السلام) هم الذين يؤثرون إخوانهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة(39)
لقد استلهم الشيعي الإيثار من أئمته الأطهار (عليهم السلام) الذين أفطروا من صيامهم على الماء لثلاثة أيام وآثروا المسكين واليتيم والأسير رغيف الشعير الذي ما كانوا يملكون غيره حتى انزل الله فيهم سورة الدهر (الإنسان) وتحدث عن ذلك بقوله:
"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"(40)
فالشيعة تلامذة مدرسة إمامهم الذي قسّم طعامه رغم بساطته، مع قاتله أشقى الأشقياء وهو على فراش الموت.
8ـ الشجاعة والبسالة
لإعراض القلب عن الدنيا وارتباطه بالله ثمرات مختلفة، من جملتها الشجاعة وعدم الخشية في سبيل الله تعالى. فإذا تحوّل قلب الإنسان إلى حبّ الله وأوليائه فسيتيسّر الفداء والتضحية في هذا الطريق، فالشيعة رغم كونهم كالأسود في النهار وفي ساحات الوغى إلّا أنك تراهم راكعين ساجدين وجلين خائفين إذا ما عسعس الليل.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصفهم:
رهبانُ بالليل أسد بالنهار(41)
وقد ورد هذا الوصف عن الإمام الباقر (عليه السلام) في وصف الشيعة.(42)
إنّ هذا الوصف وغيره من أوصاف الشيعة، ينطبق وبصورته الكاملة على أئمتهم (عليهم السلام) حتى وصف إمامهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بـ"أسد الله"
9ـ الصمت الحسن ونشر فضائل ألأئمة (عليهم السلام)
يتصف شيعة المعصومين (عليهم السلام) بحفظ ألسنتهم فلا ينطقوا ولا يتحدثوا عبثاً، فقد تعلموا من أئمتهم أن يكون لهم قلب (أي عقل وفكر) يضمروه خلف ألسنتهم. ليفكروا أولاً فإن رأوا أن في الكلام مصلحة تكلّموا بكلام طيب، وإلّا اختاروا السكوت وصمتوا. فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) نقلاً عن أجداده المعصومين (عليهم السلام) أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأمير المؤمنين (عليه السلام):
يا علي... محبّوك معروفون في السماء السابعة... هم أهل الدين والورع والسّمت الحسن...(43)
يقول سليمان بن مهران وهو من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) يقول:
معاشر الشيعة كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول، وقبح القول.(44)
فوصية الإمام (عليه السلام) تظهر حقيقة أنّ شيعة المعصومين (عليهم السلام) لابدّ وأن يتصفوا بمثل هذا الوصف. فالشيعي ورغم أنّه لا ينفصل عن مجتمعه ويعيش بين الناس ويمضي أيّامه بينهم، لكنه يراقب لسانه إلى درجة تظن أنّه يعيش الرهبانية، وهذا ما نجده في رواية نوف بن عبد الله البكالي حاجب أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول:
قال لي أمير المؤمنين (عليه السلام):
يا نوف، شيعتي والله الحلماء... تعرف الربّانية في وجوههم والرهبانية في سمتهم... (45)
فالشيعي الأصيل لا ينطق جزافاً، لكنّه