ولادة الامام الکاظم(ع)
ولد الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو الإمام السابع من ائمة أهل البيت (عليهم السلام) بالمدينة المنورة في موضع يسمى (الأبواء) في السابع من صفر سنة 128هـ، وبمناسبة ولادته قام أبوه الإمام الصادق (عليه السلام) بدعوة الناس الى وليمة أطعم الناس فيها مدة ثلاثة أيام.
زوجاته وأولاده (ع):
كان غالب زوجاته (ع) من الاماء، لذلك لم يذكر أولاد من غيرهن وكان له منهن أولاد كثيرون أبرزهم علي بن موسى الرضا (ع).
وابراهيم وكان يكنى به والعباس والقاسم واسماعيل وجعفر وهارون والحسن ومن بناته فاطمة المعصومة المدفونة في قم المقدسة.
منزلة الإمام (ع):
وبما أن الإمام في عقيدة الشيعة هو وعاء الوحي والرسالة، وله علامات وميزات خاصة لا يتمتع بها سواه فقد فرض الامام الكاظم نفسه على الواقع الشيعي وترسخت إمامته في نفوس الشيعة.
فجسّد الإمام الكاظم (ع) دور الإمامة بأجمل صورها ومعانيها، فكان أعبد أهل زمانه وأزهدهم في الدنيا وأفقههم وأعلمهم. وكان دائم التوجّه لله سبحانه حتى في أحرج الأوقات التي قضاها في سجون العباسيين حيث كان دعاؤه "اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك وقد فعلت فلك الحمد" كما احتل الإمام (ع) مكانة مرموقة على صعيد معالجة قضايا العقيدة والشريعة في عصره. حيث برز في مواجهة الاتجاهات العقائدية المنحرفة والمذاهب الدينية المتطرفة والأحاديث النبوية المدسوسة من خلال عقد الحلقات والمناظرات الفكرية مما جعل المدينة محطة علمية وفكرية لفقهاء ورواة عصره يقصدها طلاب العلوم من بقاع الأرض البعيدة فكانوا يحضرون مجالسه وفي أكمامهم ألواح من الإبنوس (نوع من الخشب) كما ذكر التاريخ..
وقد تخرّج من مدرسة الإمام الكاظم (ع) في المدينة، والتي كانت امتداداً لمدرسة الإمام الباقر (ع) واستمراراً لمدرسة الإمام الصادق (ع) الكثير من العلماء والفقهاء في مختلف العلوم الأسلامية انذاك..
مراحل حیاة الإمام الکاظم (علیه السلام)
تبعا لطبيعة الظروف التي مرّ بها الإمام الكاظم (عليه السلام) في حياته تنقسم الدراسة عن حياته الي ثلاث مراحل متميّزة: المرحلة الاُولي : إذا اعتبرنا المرحلة الاُولي من حياة الإمام (عليه السلام) هي مرحلة ما قبل التصدي للإمامة الشرعية أي منذ ولادته في سنة (128) أو (129 ه ) حتي استشهاد أبيه الصادق (عليه السلام) سنة (148 ه ) . فالمرحلة الاُولي : هي مرحلة نشأته وحياته في ظلّ أبيه (عليهما السلام) وحيث تناهز العقدين من عمره الشريف. وقد تميزت هذه المرحلة بظهور علمه الربّاني وقدرته الفائقة علي الحوار والحجاج حتي أفحم مثل أبي حنيفة وهو صبي لم يتجاوز نصف العقد الواحد من عمره المبارك. المرحلة الثانية : وتبدأ بتسلّمه لزمام الأُمور الدينية (العلمية والسياسية والتربوية) بعد استشهاد أبيه فيظروف سياسيّة قاسية كان يخشي فيها علي حياته المباركة حتي اضطرالإمام الصادق (عليه السلام) لأن يجعله واحدا من خمسة أوصياء فيوصيته المشهورة التي بدّد فيها تخطيط المنصور لاغتيال وصي الإمام الصادق (عليه السلام). واستمرت هذه المرحلة حتي مات المنصور سنة (158 ه ) واستولي المهدي ثم الهادي سنة (169 ه ) علي مركز السلطة فهي تبلغ حوالي عقدين أو مايزيد عليهما بقليل وكانت مرحلة انفراج نسبي لأهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم سيما في عهد المهدي العباسي. المرحلة الثالثة : وهي مرحلة معاصرته لحكم الرشيد حيث استولي علي زمام الحكم سنة (170 ه ) وهو المعروف بحقده للعلويين بعد أخيه الهادي وأبيه المهدي. واستمرت هذه المرحلة حتي سنة (183 ه ) وهي سنة استشهاد الإمام الكاظم بيد أحد عمّال الرشيد . وهذه المرحلة هي من أحرج مراحل حياة الإمام (عليه السلام) وأدقّها من حيث تشديد التضييق عليه، ولم ينته العقد الأوّل من حكم الرشيد إلاّ والإمام فيمطامير سجونه، تارة فيالبصرة واُخري في بغداد. وتميّزت هذه السنوات العجاف بالتخطيط المستمر من قبل الرشيد لادانة الإمام (عليه السلام) والسعي المتواصل لسجنه واغتياله. وقد أخذ الإمام يكثّف نشاطه ضد الحكم القائم. فيما إذا قيس الي مواقفه من المنصور والمهدي وانتهت هذه المرحلة بالتضييق والتشديد علي أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم والإمام الكاظم بشكل خاص بالرغم من عدم قيام العلويين بالثورة ضد هارون الرشيد. ولكن الإمام قد استثمر كل طاقاته لبلوغ أهدافه رغم حراجة الظرف وتشديد القبضة علي العلويين. وكان الإمام فيها يعلم بسياسة هارون وقراره النهائي باغتيال الإمام (عليه السلام) مهما كلّف الأمر حتي أنّه لم يتقبل وساطة أيّ واحد من مقربي بلاطه. وانتهت هذه المرحلة بمقاومة الإمام (عليه السلام) وثباته علي مواقفه وعدم تنازله عند رغبات الرشيد ومحاولاته لاستذلال الإمام (عليه السلام) بشكل وآخر لتركيعه أمام جبروته لقاء تنفّسه هواء الحرية خارج السجن. ولكن الإمام باشر مهامه بكل إحكام واتقان وأوصي الي ابنه الرضا وضمن للجماعة الصالحة استمرار المسيرة، وقضي مسموما مظلوماً صابرا محتسبا. مكللاً جهاده بالشهادة في سبيل اللّه تعالي. تأريخ الاستشهاد : استشهد مظلوما في حبس السندي بن شاهك في 25 من رجب سنة (183 ه ) ودفن في مقابر قريش في بغداد1.
مواجهة العقائد الخاطئة و الفرق المنحرفة
انتشرت فيهذه المرحلة عقائد خاطئة وتأسّست فرق منحرفة من الإلحاد والزندقة والغلوّ، والجبرية، والارجاء عقائد خاطئة ذات أصحاب تدافع عنها ولم تكن كل هذه الاعتقادات وليدة هذاالظرف بالذات، وإنّما نشطت في هذا الجوّ المساعد لنموها، حيث كان بعض الخلفاء يتبني بعضا منها ويسمح لانتشار البعض الآخر . فالغلاة يعتقدون بنبوّة الأئمة، وبعده بإلهية جعفر بن محمّد الصادق وإلهية آبائه، وهؤلاء قد تبرّأ منهم الإمام الصادق ولعنهم لعنا مشددا. لكن السلطات شجعت من جانب ، والصقت التهمة بهم من جانب آخر بهدف التشويه لحقيقة الشيعة، كما استخدموا هذه التهمة فيما بعد ذريعة ومادّة حكم تبرر لهم اضطهاد الشيعة تحت هذا الاسم فأطلقوا علي الشيعة اسم زنادقة ويحقّ للدولة أن تطاردهم. لقد عاصر الإمام الكاظم (عليه السلام) تيّارا آخر كان خطيرا علي الاُمة حاضرا ومستقبلاً وكان قد وقف بوجههالإمام الصادق (عليه السلام) وحذّر منه الشباب خاصة ألا وهم المرجئة الذين يقولون بتأخير وإرجاء صاحب المعصية الكبيرة الي يوم القيامة فلا يحكمون عليه بحكم ما فيالدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار. ويحاول أصحاب هذا الإعتقاد أن يخلطوا الأوراق ويدمجوا بين سلوك الخير وسلوك الشر فلا يفرّق بين سلوك الإمام عليّ (عليه السلام) وسلوك معاوية ولا بين موقف الحسين (عليه السلام) وموقف يزيد؛ لأن الحكم عليهم في الدنيا ليس من شؤوننا وإنما يترك الأمر ليوم القيامة. ثم تبنّت هذه الفرقة اعتقادا آخر لا يقلّ خطورة عن سابقه إذ تكمن خطورته علي الشباب خاصة لأنّ هذا الإعتقاد يفسّر معني الإيمان المراد عند اللّه بأنه الإيمان القلبي لا السلوك الخارجي، لان السلوك الخارجي قد يخادع به الإنسان فالإيمان الذي ينظر إليه اللّه تعالي هو الإيمان القلبي أمّا الممارسات الخارجية فلا اعتبار لها، فإذا زنا الإنسان أو شرب الخمر أو قتل نفسا فهذه تصرفات خارجية والمهم أن الإنسان يعتقد قلبيا باللّه تعالي. كما روّج فيهذه الفترة لفكرة الجبر والتي نشأت في زمن معاوية واستفاد منها بنو العبّاس حيث تقول بأنا لسنا مخيّرين في أفعالنا فإذا شاء اللّه أن نصلّي صلّينا وإذا شاء أن نشرب الخمر شربناوهكذا. الملاحظ في كل هذه العقائد والأفكار وأصحابها أنّها تخدم السلطة كل واحدة بطريقتها حيث تبرّر للحكّام تصرفاتهم البعيدة عن الإسلام بأفكار وأحكام اعتقادية وتهدّئ الجمهور الإسلامي حين توجّهه بهذه الأفكار. من هنا ندرك السبب الذي جعل من الحكام أن يسمحوا بالانتشار لهذه التيّارات الناشئة من أفكار منحرفة جاء بها اليهود وغيرهم الي العالم الإسلامي. هذا هو عرض مختصر للظواهر والأحداث السياسية والثقافية والفكرية، التي برزت في عصر المنصور وكانالإمام موسي الكاظم (عليه السلام) معاصرا لها. أمّا ما هو منهجالإمام وأساليبه ومواقفه في خضم هذه الأجواء المملؤة بالشبهات والتهم والتضييق ؟ ! هذا ما سوف نتناوله في الفصل الثاني إن شاء اللّه تعالي.
التثقیف السیاسی