فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص). أمها خديجة بنت خويلد ولدت يوم الجمعة في العشرين من جمادي الآخرة في السنة الخامسة بعد البعثة النبوية بعد حادثة الإسراء والمعراج بثلاث سنين، والنبي له من العمر خمسة وأربعين عاماً . زوجها هو علي بن أبي طالب .
مولدها:
تختلف الروايات في تحديد ولادة الزهراء، فيبلغ أحياناً الفارق في عمرها (على اعتبار الفرق بين الروايات) عشر سنين أو أكثر بقليل. وعند استعراض تلك الروايات نجد أن بعضهم يقول بولادتها قبل البعثة النبوية بخمس سنين،و هو الرأي الثابت عند أهل السنة حيث يقولون أنها ولدت و قريش تبني البيت يوم حكم رسول الإسلام محمد بن عبد الله في نزاع حول من وضع الحجر الأسود في مكانه؛ وممن يقول بهذا الرأي الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة ، بينما ذهب ابن عبد البر في الاستيعاب والحاكم في المستدرك إلى أنها ولدت وعمر النبي إحدى وأربعون عاماً أي بعد سنة من البعثة النبوية.
على أن علماء الشيعة ومؤرخيهم ينقلون أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات في أول شهر جمادى، ومنهم: المجلسي والطبرسي والكليني والإربللي والنيسابوري والشيخ الصدوق و ابن شهر آشوب ، لكن الشيخ المفيد في حدائق الرياض وقد نقل عنه الكفعمي في مصباح المتهجّـد و العدد القوية يرى أنها ولدت بعد عامين من البعثة. وانفرد ابن أبي الثلج البغدادي في تاريخ الأئمة برأي وافق فيه علماء أهل السنة في أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات وقريش تبني البيت... غير أن هناك اتفاقاً على أن فاطمة كانت أصغر بنات محمد..
فاطمة الزهراء هي الكوثر:
جاء في التفاسير أن قريش قالت عن النبي (ص) إنه أبتر لا عقب له، فنـزلت سورة الكوثر {إنّا أعطيناك الكوثر* فصلِّ لرّبك وانحر* إنّ شانئك هو الأبتر}.
أعطيناك الكوثر أي أعطيناك الخير الكثير الذي يمتد في كل حياتك وفيما بعدها، فتوجه إلى ربك بالصلاة، فلن ينقطع ذكرك ولن يفنى نسلك، بل إن الذين يقفون ضدك هم الأولى بهذه الصفة. وبما أن أسباب النزول تشير إلى أنّ السورة نزلت في أجواء الكلمات التي أثارها بعض سفهاء قريش ـ كالعاص بن وائل، وأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وكعب بن الأشرف ـ من أن النبي أبتر لا ذرية له من الذكور وذلك بعد موت ابنه القاسم، فمن المناسب أن يكون الخير الكثير ـ الكوثر ـ فيه إشارة إلى الذريّة الكثيرة التي للنبي محمد(ص) من ابنته فاطمة(رضوان الله عليها)، ليكون ذلك بمثابة الرد على هؤلاء في ما أرادوه من إضعاف معنوية النبي(ص) بهذه الكلمة التي كانت تمثل مدلولاً سلبياً في ذاك المجتمع القائم على اعتبار الامتداد في الذرية لوناً من ألوان القيمة الذاتية للإنسان.
نشأتها:
شهدت السيدة فاطمة منذ طفولتها أحداثًا جسامًا كثيرة، فقد كان النبي يعاني اضطهاد قريش و كانت فاطمة تعينه على ذلك الاضطهاد و تسانده و تؤازره، و في هذا يذكر أن النبي كان يصلي في الكعبة ، فانبعث شقى من أشقياء القوم فأتى بأحشاء جزور فألقاها على الرسول (ص) وهو ساجد، فلم يزل ساجدًا حتى جاءت فاطمة فأزالت عنه الأذى. كما كان يعاني من أذى عمه أبي لهب و امرأته أم جميل من القاء القاذورات أمام بيته فكانت فاطمة تتولى أمور التنظيف و التطهير. وكان من أشد ما قاسته من آلام في بداية الدعوة ذلك الحصار الشديد الذي حوصر فيه المسلمون مع بني هاشم في شعب أبى طالب ، وأقاموا على ذلك ثلاثة سنوات ، فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا واشتروه ، حتى أصاب التعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود ، وكان لا يصل إليهم شيئا إلا مستخفيا، ومن كان يريد أن يصل قريبا له من قريش كان يصله سراً. وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة فبقيت طوال حياتها تعاني من ضعف البنية، ولكنه زادها إيمانا ونضجا . وما كادت الزهراء الصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة فامتلأت نفسها حزنا وألما،ووجدت نفسها أمام مسئوليات ضخمه نحو أبيها النبي الكريم، وهو يمر بظروف قاسية خاصة بعد وفاة زوجته و عمه أبى طالب. فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث في صبر ، ووقفت إلى جانب أبيها لتقدم له العوض عن أمها و زوجته ولذلك كان النبي (ص) يكنيها ـ(بأم أبيها).
أسماؤها وألقابها:
أما تسمية فاطمة فقد قال عنها الخطيب البغدادي (12:331) وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة «أن الله سمّاها فاطمة لأنه فطمها ومحبيها عن النار»، و في سنن الأقوال و الأفعال روى الديلمي عن أبي هريرة :إنما سميت فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار،. بينما قال محب الدين الطبري في ذخائر العقبى« بإن الله فطمها وولدها عن النار».
من القابها:
1ـ الزهراء: لأنها كانت بيضاء اللون مشربة بحمرة زهرية. إذ كانت العرب تسمي الأبيض المشرب بالحمرة بالأزهر ومؤنثه الزهراء، فإن هناك من يقول أن النبي محمد هو من سماها بالزهراء لأنها كانت تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض، وذلك لزهدها وورعها واجتهادها في العبادة، وفي ذلك ينقل بعض المحدثين وأصحاب السير عنها عباداتٍ وأدعيةً وأوراداً خاصة انفردت بها، مثل: تسبيح الزهراء، ودعاء الزهراء وصلاة الزهراء وغير ذلك.
2ـ البتول: وفيه روايتان : الأولى : لأنها كانت متبتلة عابدة لله تعالى. والثانية : لأن الله تعالى بتل عنها الدم ـ أي قطعه ـ وقد جاء عن الرسول (ص) بأن ابنتي فاطمة لا ترى ما ترى النساء.
3ـ الصديقة.
4ـ الطاهرة.
5ـ الشهيدة.
6ـ الحوراء الإنسية : لرواية عن رسول الله أوردها الطبراني في المعجم الكبير: (فاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة. و جاء الحديث برواية السيدة عائشة فهو: «إنّي لما أُسري بي إلى السماء أدخلني جبريلُ الجنّة فناولني منها تفّاحة، فأكلتُها فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا نزلتُ واقعتُ خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، وهي حوراء إنسيّة، كلمّا اشتقتُ إلى الجنّة قبّلتُها.» أما الحديث الثاني رواه الطبراني وفيه أبو قتادة الحراني وثقه أحمد وقال: كان يتحرى الصدق، وأنكر على من نسبه إلى الكذب.
7ـ سيدة نساء العالمين:
من العناوين الكبيرة والمهمة التي امتازت بها الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء، ما جاء في الحديث المشهور عن النبي الكريم(ص) بشأنها أنها: "سيدة نساء أهل الجنة"، وفي حديث آخر "إنها سيدة نساء العالمين"[19]، وفي رواية ثالثة: "إنها سيدة نساء المؤمنين"[20]، وفي نص رابع: "سيدة نساء هذه الأمة"[21]. وهذه الأحاديث رواها السنة والشيعة.
هجرتها:
هاجرت الزهراء إلى المدينة المنورة وهى في الثامنة عشرة من عمرها وكانت معها أختها أم كلثوم وأم المؤمنين سودة بنت زمعة بصحبة زيد بن حارثة وهاجر معهم أم المؤمنين عائشة وأمها أم رومان بصحبة عبد الله بن أبي بكر، وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة.
زواجها:
تكلم الكثيرون من الصحابة مع النبي(ص) في شأن الزواج من ابنته فاطمة الزهراء(ع)، لكنه كان يصدّهم بلطف قائلاً إنّي أنتظر أمر ربي، لأن في فاطمة خصوصية لا توجد في بناته الأخريات ، ولأن في فاطمة سراً لا يعلمه إلاّ الله سبحانه.
وقيل لعلي: لِمَ لا تخطب فاطمة، وكان يستحي من ذلك، ولكنه أخيراً جاء إلى رسول الله(ص) وكلمه بشأن الزواج من فاطمة، وهنا انشرحت أسارير النبي(ص)، فكأنما كان ينتظر ذلك، بل يعدّ له، فقال لعلي :وما تملك من مال؟