وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

١٧ مايو ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
181893

الشفاعة

لاشكّ انّ الشفاعة من المفاهيم الإسلاميه التي وردت في الكتاب والسنّة النبويّة الشريفة بشكل صريح وكوّنت جزءاً من ثقافة المسلمين واهتمامهم وجرت عليها سيرة المسلمين، وليس من السهل إنكارها، ويتعذّر ذلك إلاّ مع وجود تفسيرات خاطئة لمعناها، وهو ما دعا البعض الي طرح شبهات تنمّ عن عدم فهم الشفاعة وفقاً للمنظور الإسلامي الصحيح. وفي هذا البحث سنسلّط الضوء علي معني الشفاعة لغة واصطلاحاً، ومفهومها في القرآن والسنّة النبويّة، وما يرتبط بذلك من الشفيع والمشفوع لهم، ومن ثَم نجيب عن الشبهات التي أُثيرت حول الشفاعة، ونخلص بعدها الي نيتجة البحث وفيما يلي بيان ذلك:

 

معنی الشفاعة في اللغة والاصطلاح

الشفع ما كان من العدد أزواجاً. نقول: كان وتراً فشفعته بالآخر حتي صار شفعاً. والشافع: الطالب لغيره، وتقول استشفعت بفلان فتشفع لي إليه فشفّعه في. والشافع:المعين1. واستشفعته الي فلان، أي سألته أن يشفع لي إليه وتشفّعت إليه في فلان فشفعني فيه تشفيعاً2. وللشفاعة أصل واحد يدل علي مقارنة الشيئين، من ذلك الشفع، خلاف الوتر، تقول كان فرداً فشفعته3. وأمّا معني الشفاعة في الاصطلاح هي طلب رفع المضار عن الغير ممّن هو أعلي رتبة منه لأجل طلبه4. وعرّفها المحقّق الحلّي بأنّها حقيقة في إسقاط المضار، فلا يكون حقيقة في غيره دفعاً للاشتراك5. وعرّفها السيّد الطباطبائي فقال: الشفاعة علي ما نعرف من معناها إجمالاً بالقريحة المكتسبة من الاجتماع والتعاون و(هي من الشفع مقابل الوتر كأنّ الشفيع ينضمّ الي الوسيلة الناقصة التي مع المستشفع فيصير به زوجاً بعدما كان فرداً فيقوي علي نيل ما يريده، لو لم يكن يناله وحده لنقص وسيلته وضعفهاوقصورها) من الأُمور التي نستعملها لإنجاح المقاصد، ونستعين بها علي حوائج الحياة، وجل الموارد التي نستعملها فيها إمّا مورد يقصد فيها جلب المنفعة والخير، وإما مورد يطلب فيها دفع المضرّة والشرّ، لكن لا كلّ نفع وضرّر»6. أمّا صاحب تفسير الأمثل فقال: الشفاعة هي العون الذي يقدمه قوي لضعيف لكي يساعده علي اجتياز مراحل تكامله بسهولة ونجاح. إلاّ أن الكلمة تستعمل عادة في التوسط لغفران الذنوب. غير أنّ مفهوم الشفاعة أوسع من ذلك وتشمل جميع العوامل والدوافع والأسباب في عالم الوجود7. وهذه التعاريف مستقاة من نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة كما أنّها أخذت بعين الاعتبار المعني اللغوي في صياغتها.

 

معنی الشفاعة في القرآن

وردت مادة « شفع » في ثلاثين موضعا من القرآن الكريم، وإذا ما تدبرنا هذه الثلاثين موضعا أمكنناالخروج برؤية واضحة عن مفهوم الشفاعة في القرآن الكريم، والشفاعة تعني في الاستعمالات العرفية تدخل شخص لدي شخص آخر بهدف تحصيل استحقاق منه في حق أو حكم ثابت في عاتق شخص ثالث. وهذا هو المعني الذي استعمله القرآن الكريم فرفضه تارة وآمن به تارة اُخري . ولذا فالشفاعة في القرآن الكريم علي قسمين : 1 ـ شفاعة باطلة لأنها تتضمن معني الشرك، من قبيل قول المشركين عن الأصنام: (هؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ)8. وبطلان هذه الشفاعة أوضح من أن يحتاج إلي بيان ، فهؤلاء اعتقدوا في الشفاعة تدبيرا وتأثيرا علي اللّه‏ سبحانه وتعالي وهو باطل، فإن الشفاعة تقتضي بطبعها أن يكون الشفيع مقبولاً لدي المشفّع ، فكيف تكون الأصنام شفيعا عند اللّه‏ ؟ ثم إنّ الشفيع ليس له قدرة مستقلة عن اللّه‏ سبحانه، وبالتالي لا يمكن افتراض أن يكون مؤثرا فيه ، ولذا فهذه ليست شفاعة أصلاً وإنما ركام من الخيالات والأوهام . وفي ردّها، قال القرآن الكريم : (وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ)9، وأوضح من ذلك قوله تعالي : (لَيْسَ لَهُم مِن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ)10، وقوله تعالي : (قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ)11 فكلام المشركين عن الشفاعة والشفعاء بلا أساس ولا مستند، لأن الشفاعة رحمة يفيضها اللّه‏ علي عباده عبر وسائط يختارها ويعينها بنفسه، والرحمة لا تدرك المشركين ، والشفعاء وسائط يعينهم اللّه‏ ولا يختارهم المشركون ، والشفيع واسطة في انتقال الرحمة وليس سبباً فيها ، ولأجل هذه الخصائص بطلت الشفاعة الشركية. 2 ـ شفاعة شرعية صحيحة، وهي ما كانت بإذن اللّه‏ ، ومن قبل أفراد رضي اللّه‏ عنهم وعيّنهم للشفاعة ، ولصالح أفراد رضي اللّه‏ في الشفاعة لهم ، فهنا ثلاثة شروط . ورد الشرط الأول في عدة آيات، منها: قوله تعالي : (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)12. وهذه الآية بنفسها دالة علي الشرط الثاني لأن الإذن إذا صدر من اللّه‏ سبحانه يكون إذنا في الشفاعة وفي الشفيع ، بمايعني رضا اللّه‏ سبحانه وتعالي عن الشفيع . أما الشرط الثالث فقد ورد فيه قوله تعالي : (َلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَي)13. وحيث إنّ القسم الأوّل من الشفاعة يفتقد هذه الشروط لذا سيجد المشركون أنفسهم في يوم القيامة بلا شفعاء، وسيدركون بطلان الشفاعة التي اعتقدوها، وسيقولون بألسنتهم (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ)14. ونحن إذا تأمّلنا في القرآن الكريم لاحظنا اتجاهاً عاماً واُسلوباً شائعاً في التعبير عن مظاهر القدرة والكمال؛ يتمثل بالنفي ثم الإثبات ثم الإفاضة. فنجد آيات تنفي هذه المظاهر عن غير اللّه‏، واُخري تثبتها للّه‏ سبحانه، وقسم آخر يشير الي إفاضة اللّه‏ بعض هذه القابليات علي بعض مخلوقاته، وهذا الاُسلوب بمراحله الثلاث استعمله القرآن الكريم في مجالات الرزق والخلق والحكم والملك والتوفّي. وهو جارٍ في موضوع الشفاعة أيضاً، فإنّ الآيات النافية للشفاعة عن غير اللّه‏ سبحانه غرضها حصر الكمال والقدرة باللّه‏ ونفيها عمن سواه، والآيات المثبتة للشفاعة غرضها بيان أن الذات الإلهية تتصف بهذاالمظهر من مظاهر القدرة والرحمة اتّصافاً ذاتياً، والآيات التي تثبت الشفاعة لغير اللّه‏ سبحانه غرضها التأكيد علي قدرته ببيان أن هذه القدرة في أعلي مراحلها، بحيث إنّ اللّه‏ سبحانه وتعالي قد يتولي الشفاعة بنفسه وقد يحوّلها الي من يرتضيه من عباده وأوليائه، وهذا لا يجعل الشفاعة بمعني الوساطة بل المقصود منها الإعانة كما يظهر ذلك من قوله تعالي: (قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)15 في أنّ الإعانة والشفاعة جميعاً مختصّة باللّه‏ سبحانه، وليس لأحد منها نصيب بنحو الاستقلال16. إنّ العمل إنّما ينجي في محكمة العدل الإلهي إذا كان بالنحو المقتضي للنجاة، وهل هناك من يستطيع الادعاء بأنه مستغنٍ بعمله عن رحمة اللّه‏ سبحانه؟ بل يوغل القرآن الكريم في هذا الاتجاه حينما يشعرنا بأن الاُمور لا تخرج عن يده وسلطانه وقدرته سبحانه وتعالي حتي عندما يقضي بقضاء حتمي لا تغيير له، كقوله تعالي: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّماوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ* وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِخَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)17. فمع أنه تعالي قد حكم بالخلود في النار علي الأشقياء، وبالخلود في الجنّة علي السُعداء مادامت السموات والأرض غير أنّه تعالي علّقه علي مشيئته، إشعاراً منه بأن الاُمور لا تخرج من يديه وقبضته حتي تلك التي يُصدر فيها أحكاماً حتمية، فإذا كانت أحكامه تعالي الحتمية لا تسلب عنه القدرة علي شيء، ولا تضطرّه الي شيء، ولا توجب عليه شيئاً، وإذا كان اللّه‏ سبحانه وتعالي يؤكد لنا علي قدرته المطلقة التي لا يحدّها ولا يقيدها شيء، فمن المناسب جداً أن يشير الي أنّ عمل الإنسان مهما كان صالحاً لا يغنيه عن رحمة الباري تعالي ولا يحدّ من قدرته، واذا كانت مشيئة اللّه‏ شرطاً في خلود من حكم اللّه‏ نفسه بخلوده في الجنة أو في النار، فمن الأولي أن تكون شرطاً فيمن لم يصدر بحقه بعد الحكم الإلهي. وليست الشفاعة إلا مظهراً لإرادة اللّه‏ ومشيئته ورحمته المطلقة، وهي لا تكون للكافرين والمشركين بل لمن أحرز بعض مقدماتها كالذي يريد بلوغ مقام علمي رفيع لابد وأن يكون قد أحرز بعض مقدماته، وبلغ درجة قريبة منه، فتكونالشفاعة هنا ذات معني معقول، وهو المساعدة علي بلوغ الهدف. ولا يكون لها معني إذا طلبها الاُمي الذي لم يسعَ لأي من المقدمات ورغب في بلوغ ذلك عن طريق الشفاعة. وكذلك لا تتم الشفاعة لمن لا رابطة له تربطه بالمشفوع عنده أصلاً، كالجاحد الطاغي علي سيده، فإنه لا ينال رضي سيده بالشفاعة، فالشفاعة متممة للسبب وليست موجدة له. كما أن تأثير الشفيع عند المولي لا يكون جزافاً، فلا يحق له أن يطلب من المولي إبطال قوانين الجزاء والعقاب، ولا إبطال مولويته بحق عبيده، ولا يطلب منه رفع اليد عن أحكامه وتكاليفه، بل لابد للشفيع من أن يسلّم للمولي بمولويته علي عبيده، وبقوانينه وأحكامه بحقهم، وبما يجريه من الجزاء عقاباً أو ثواباً لهم. وإنّما يتمسّك الشفيع بصفات في المولي توجب العفو والصفح، وبصفات في العبد تستدعي الرأفة والرحمة، كحسن سابقته، وسوء حاله، واعتذاره. أي أن دور الشفيع ليس اخراج العبد من مولوية المولي ودائرة أحكامه وجزاءاته، وإنما يتمثل دوره في السعي لنقل العبد من حكم مولوي الي رحمته تعالي.

 

الشفاعة في الأحادیث

وردت أحاديث كثيرة صريحة في الشفاعة عن الرسول (صلّي اللّه‏ عليه و آله)، وأهل بيته (عليهم السلام) ومنها: 1 ـ عن أبي نضرة قال: خطبنا ابن عب