وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ المستبصر «سهیل اسعد» هو مواطن من الأرجنتين، وشخصية إعلامية ومبلغ معروف على الساحة الدولية.
للشيخ سهيل أسعد نشاطات ثقافية متنوعة منها تبليغ الدين الإسلامي في عدة بلدان، وقد ألقى كلمة في مناسبات بمراكز علمية وثقافية وجامعات ومدارس ومساجد وكنائس، ويجري محادثات مع الشباب.
وقد حاور مراسل وكالة "أبنا" للأنباء الدولية المبلغ الديني الناشط على الساحة الدولية السيد "سهيل أسعد" في إحدى مناسبات رسمية.
أبنا: في بداية الحديث نرجو توضيح المقصود من الحوار وما ضرورة تناول هذه القضية في العالم الإسلامي؟
أتابع قضية الحوار بجدية منذ فترة؛ سواء في مجال التنظير أو في اتجاه إنشاء الشكل لتحقيق هذا الهدف. ويبدأ الحوار في حالة طبيعية في الأمة الإسلامية والطائفة الشيعية في لبنان والعراق وإيران وغيرها عندما ينشأ الخلاف. وكأنّ عملنا في خلق الفرقة، ولم يتم فهم تعاليم الإسلام في مجال الوحدة بشكل أساسي.
وقد ينمو الخلاف في بعض الأحيان ويتحول الى الحقد أو العدواة، ونموذج ذلك هو الاصطدام، والخلاف موضوع خطير للغاية لدرجة انه إذا لا يدار بشكل صحيح فتكون نتيجته الحرب والهلاك.
وطريق الحال لهذا التحدي هو الحوار، والمقصود من الحوار ليس عقد لقاء ومؤتمر فحسب وانما هو سنة اجتماعية عامة يجب تأسيسه في المجتمع وطبعا تكون في اطار العُشرة لكي يضطر الشخص الى التعرف وإنشاء رابطة أخوية.
وفي هذا الصدد يتعين التأكيد على مجموعة مفاهيم مقبولة عند جميع الطوائف والمذاهب الإسلامية، مثل الأخوة أو فهم متبادل على أساس بحوث أخلاقية وليس بحوثا ايديولوجية.
وإذا دققت فلا توجد مؤشرات أخلاقية في جميع الأفكار، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بمفهوم الأخوة قد لا تكون ضرورة للأخوة في كثير من الأيديولوجيات، ولكن الإسلام أكد عليها ونجدها بكثرة في أقوال أهل البيت (ع) وأفعالهم، وأبرز مثال لتعليم الاسلام في قول أمير المؤمنين (ع) «فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق».
لذلك ان النقطة الهامة التي يجب ان يتم تصحيحها هو نوع النظرة، بالمعنى الذي يجب ان نعلم انه يجب علينا مهمة الهداية وبهذه النظرة علينا أن نتعامل مع الأشخاص، وهذه بالدقة هو إحداث التآلف والوحدة من قبل الأنبياء في المجتمع لانهم كانوا يعتبرون انفسهم هُداةً.
وقد تلخص كل شيء في مشهد عاشوراء وكربلاء، وذلك ان سيد الشهداء قصد هداية الطرف المقابل ولم يسع في أي لحظة ان يتراجع عن هذا الهدف.
وباستقصاء سنن اجتماعية للنبي الأعظم (ص) تتبين هذه النكتة حيث كان يسعى الى خلق التآلف في المجتمع؛ ويمكن ان نلمس ذلك في سنة النبي (ص) من طرق ذلك إلقاء التحية وعيادة المريض وتشييع الجنائز، وصلة الرحم، والحضور في التجمعات، والإطعام، وحسن الجوار وأمور أخرى كثيرة. وللأسف نحن منشغلون برسم خطوط أيويولوجية وإلصاقها ببعضنا البعض، بدلا من العمل بهذه الاسس.
أبنا: ما هو أحسن عامل في الإنطلاق والذريعة من أجل البدء بالحوار برأيكم؟
أفضل ذريعة للحوار هي وصول كلا الطرفين بشكل اسرع الى الهدف. وهو ان نقول إن جميع الأطراف قد جربت الخلاف والتنافس والعداوة، ألم يحن الوقت الآن للبدء بأسلوب الحوار والتآزر؟ إذن المهم هو تصحيح النظرة.
ويمكن مشاهدة ذلك بوضوح في محيط الفضاء الافتراضي وهو بدلا عن النظرة البسيطة الى الخلاف في العقائد والأذواق، توجد النظرة العدائية وهي تتطلب تصحيحها.
وبعد اندلاع الحرب السورية، هاجر البعض البلاد، وفي موقف لافت سُئل أحد ممثلين سوريين اسمه "دريد لحام"، لماذا لم تغادر البلاد رغم أن لديك القدرة المالية ولك امكانيات جيدة؟ قال إن الوطن كالأم. إذا مرضت والدتك هل تتركها أم تحاول علاجها؟
أبنا: كيف تحدث هذه النظرة التي تريدونها؟
النقطة الأولى في تغيير النظرة، هو تغيير نظرة الكبار، وفي هذا الصدد، الذين يتمتعون بهذا النوع من النظرة والأخلاق على مستوى المجتمع ينبغي أن تتاح لهم فرصة حتى يمكن رؤيتهم وتنتشر نظرتهم. وينبغي إقحام هذا الأسلوب في مجال الإعلام والفن والسينما والتعليم والتربية، وتأسيسه بصورة تدريجية.
وكذلك يجب علينا أيضا أن نعلم يقينا ان العداء وعدم الحوار لن يجديان نفعًا، ولذلك أهم مبدئ هو تعزيز النظرة المتبادلة بين الناس، ويجب السير بهذا الاتجاه والذي تعتبر فيه هذه النظرة ضرورية ليكون أثرها فعالة، كما ألا تمنعنا الحدود الدينية والعرقية والعنصرية من تحقيق الأهداف الإسلامية العظيمة.
أبنا: إحدى التحديات الكبيرة للشيعة في العالم، إنعدام الرصيد المالي للقيام وتطبيق الأفكار، كيف يمكن التعامل مع هذه التحديات؟
بتقديري ان الأمور المالية لا ترقى الى مستوى التحدي، لأن الشيعة لهم فرص كثيرة في مختلف أنحاء العالم. وان القضية الأساسية هي عدم التواصل والحوار، فهناك مساجد تفتقر الى 10 آلاف دولار فقط، ولو كنا في تواصل مع هذا المسجد لكنا قد قدمنا المساعدة الكافية لكن عدم التواصل يتسبب في ضرر.
كما ان إدارة الأمور المالية هي إحدى تحديات جدية أخرى، فمثلا في احدى مدن العراق جمعت أموال على طريق الإمام الحسين(ع) وتبنى آلاف الحسينيات في وقت نفس المدينة ليست فيها مدرسة.
ما أهم أولويات نشطاء شيعة في العالم برأيكم؟
ان بناء كادر هو الأولوية الأولى، نحن نملك كل شيء عدا عامل جيد، لذا أن بناء الكادر ضرورية في جميع المجالات، والعامل الرئيسي وراء نجاح الشيعة في التاريخ، هو شخصيات بارزة مثل سلمان ومقداد وغيرهم، وكذلك ان حزب الله في لبنان استطاع ان يصنع كادرا ناجحا، فكل شعار دون عامل لا قيمة له، ونحن في أمريكا اللاتنية لدينا مراكز اسلامية في 20 دولة بالعالم ولكن لا يوجد لدينا رجل دين، وكادر متخصص، ومدير تنظيمي و...
والأولوية الثانية هي الإدارة، يجب تسخير جميع الإمكانيات وأيد عاملة وهندستها للوصول الى الهدف، ويجب أن يكون العمل مدروسًا ومخططًا له، وليس عاطفيًا ومؤقتًا، فمثلا على أعتاب الأربعين اتصلت بي ألف مؤسسة للقيام بعمل معين أو إعداد فيلم وثائقي، لكن لم يقل أحد تعالوا نفكر ونتباحث حول الافكار. ويعتبر التنفيذ خطة أخيرة في الإدارة الإسلامية، ويحدث بسرعة كبيرة، ولكن الأهم هو توفير الوقت للتحضير والتخطيط.
ويكون العمل لدى الغرب في 19 طبقة من مبنى يحوي 20 طبقة، تُخصص للتفكير والفكرة والتخطيط وطبقة واحدة للتنفيذ، في حين الأبنية الكبيرة التي عندنا ليست فيها غرفة واحدة للتفكير والتخطيط. والتفكير هو المدخل الأول في مجال الإدارة.
والموضوع الآخر الذي لا يتم تناوله ويسقط عن حسابنا، القضايا الدينية والمعنوية والاخلاقية، ونحن نختلف عن الآخرين بالإيمان بالله تعالى والعمل له تعالى، والنقطة الهامة هي تعزيز المعنوية بين الشيعة، ولا نهتم بها في معادلاتنا وننساها، ولذلك ننشغل بأمور دنيوية وأمور مادية في حين جاء في رواية ان «من أصلح ما بينه وبين الله تعالى، أصلح الله تعالى ما بينه وبين النّاس».
مازلنا لم نفهم أنه ينبغي أن يكون لدينا بساط السجادة بجوار الإدارة، وأن نكون في حالة الوضوء ونسجد، ونخطو خطوات في تهذيب النفس.
على صعيد بناء الكادر هل أعددتم نموذجا يمكن عرضه على مجموعة أخرى؟
نعم، أعددت كُتيّبًا في مجال الحوزة، يتعلم الكثير من الناس في محيط الحوزة علوما المختلفة الى مرحلة يمكن أن يكونوا علماء ومنظرين، لكن إذا لم تكن لديهم مهارات لنقل المعرفة، ولم يكن عندهم تخطيط للنشر كما هو معروف لدى الغرب، فسيكون علمهم بلا ثمرة.
كما صممت إطار التأهيل الجامعي على شكل حوزوي لفصول نهائية للجامعة، وبالمناسبة لقد تم تصميم مجالات مختلفة للعمل الميداني للطلاب ولا توجد في الحوزة خطة دقيقة لهذا الميدان.
أبنا: أن أحد الأمور الأساسية الذي يعتبر هاجسا كبيرا في أوساط الشيعة بالوقت الحاضر هو الإعلام، ونود أن نعرف رأيكم في هذا المجال
ما أشاهده نقطة ضعف أساسية على صعيد الإعلام هو عدم إمتلاكنا لقدرة النشر، وليس لدينا هيكلية النشر، ومعظم جهودنا منصبة على الإنتاج. مثل إنتاج الأفلام الوثائقية، وإنتاج البرامج، وما شابه ذلك..
ولقد تولى العدو عمليات النشر من خلال بناء مواقع تواصل الاجتماع كالفيسبوك والإنستغرام والواتساب وحتى المهرجانات. من المهم تصميم الساحات الدولية، وليس المحلية!
لدينا منتجات جيدة، لكن اين يمكن عرضها ومن يشاهدها ؟ في حين ان العدو استطاع الدخول في بيوتنا من خلال تصميم القنوات - ليس فقط انتاج -.
أبنا: ألا يمكن نشر منتجاتنا على المنصات الافتراضية للعدو؟
يجب ان نتكلم بصورة عملية، ما هو حجم نجاحنا في هذا المجال؟ فمثلا استطاع مغن ان يحصل على 8 مليارات مشاهد على صفحته، فأي انتاجنا وصل الى هذه النقطة وحصل على هذا العدد الكبير من المتابعين؟
أبنا: هل جربت امكانية النشر وتجارب مماثلة بشكل تخصصي؟
الحل الوحيد هو المنصات المحلية، فيكون الطرف المقابل المحلي هو المعني في ايصال صوته الى المتلقيين بطريقته الخاصة. إذن الاستراتيجية الأسياسية هي النشر، ولكن اختزلنا همنا في الانتاج فقط، لقد عملنا لسنوات في مؤسسة في بيروت، وكانت مهمتها الترجمة والطبع فقط، ولم تكن لها خطة للتوزيع اطلاقا، والكتب كانت تخزن. ولو كانت لدينا منشورات دولية في مجال النشر، في المقابل العدو يملك مليونا من المنشورات الدولية.
أبنا: ان احد التحديات الهامة، هو إضعاف الهوية الشيعية في الأجيال القادمة؛ بحيث تقل نسبة الهوية الشيعية في الأجيال القادمة، هل لديكم فكرة ونشاط في حل هذه المشكلة والتحدي؟
ان الرموز في البحث عن الهوية لها أهمية كبيرة، وللشيعة باع كبير في بناء الهوية، واحد الأمور الباعث للأمل في رموز الهوية الشيعية هو الولاية، وللشيعة علاقة خاصة بالامامة، ولا توجد أي جهة في التاريخ استطاعت بطريقة مطلوبة رائعة أن تقيم علاقة بين الإمام والمأمون. فعلى سبيل المثال ان الفرد والمجتمع في الغرب متروك ووحيد، ولكن في الفكر الشيعي، الفرد بلا إمام فهو يتيم وبلا شيء. كما ننتمي من الناحية الوجودية للإمام؛ لذا العمل الهام في تعزيز الهوية هو الإمامة، وهو الإمام الحسين (ع) وما حدث في عاشوراء وله أهمية كبيرة. ومثال ذلك بنظري قد ورد موضوع في بيانات قائد الثورة الاسلامية يلخص الهوية الشيعية: العقلانية والعدالة والمعنوية وهي مستقاة من الإمامة. ولذا إذا استطعنا العمل بها على مستوى المجتمع، يمكن لنا ان نقرب الناس الى مفهوم الإمامة، أي بناء شيعي يكون عاقلا، وأن يكون عادلا، وإذا كان معنويا فهذا نور على النور.
في إشارتكم الى نظرة قائد الثورة الاسلامية، ونظرا الى نشاطاتكم الدولية، حدثونا عن العمق الاستراتيجي وتأثيره على شيعة العالم.
انا ذائب في سيد القائد، ولقد رزقني الله تعالى في الجانب المادي والمعنوي، فمثلا اني رأيت 50 دولة، وعشت أربع ثقافات مختلفة تقريبا، وأتقن لغات عدة، ومشاهدة زوايا مختلفة في العالم تساعد الإنسان على التمييز ما هو الجيد وما هو السيء.
أقول بوضوح وصراحة، ما وجدت أفضل من سيد القائد، وأقصد اني لو وجدت أفضل منه لذبتُ فيه، أنا رجل أقارن وأقيس ومن خلال المقارنة توصلتُ الى هذه النتيجة، لأن قضية ولاية الفقيه والقيادة تم تعريفها في طول الولاية اللالهية والإمامة.
ما الذي جعلكَ تقول أنّك لم تر أفضل من قائد الثورة الاسلامية؟
يجب دراسة نتائج عمل لقادة العالم، ويجب النظر الى ان القادة الى أين نقطة أوصلوا شعوبهم ؟ أين أوصل سائق الشاحنة الركاب؟
تأثير سيد القائد يُعتبر معيرا بالنسبة لي، وسيد القائد هو الشخص الوحيد الذي يدعم محور المقاومة، كما أن 99% من العالم يفكرون بأمور مادية بحتة، وهو الذي استطاع أن يجعل روح المعنوية لمحور المقاومة في نسبة من الشباب بالبلدان، وأن يرغبوا في الشهادة.
والذي أوصل محور المقاومة الى درجة ان حزب الله يصنع المسيرات، وأخذت إسرائيل تخشى من محور المقاومة، اين كنا قبل سيد القائد وأين وصلنا الآن؟
وهناك نقطة أخرى وهي ليست دليلا عقلا أساسا وانما وجدانية وعرفانية وروحية وهي انه عندما أرى سيد قائد الثورة أذوب فيه وأعشقه، ولدي نفس الشعور بالنسبة للشهيد حاج قاسم من بين الشهداء، وكذلك السيد حسن نصرالله، الذي يتواجد فيّ نفس الشعور، وهو ليس دليلا عقليا وانما قلبي.
ما أهم هاجس لديكم تجاه الثقافة والدين؟
ان القضية الباطنية هي الأساس، وللأسف نقول ان القلق والنظر أصبحا مادية وظاهرية، وتم إغفال الباطن، في حال أن سر النجاح هو الباطن وليس الظاهر. والنية الخالصة أهم من آلاف عناصر إدارية، وكذلك العمل لله له أهمية أكثر من آلاف الوثائق، فالباطن هو الأساس، ولهذا أن الهداية والتربية هما في أساس الباطن، والظواهر تأتي بعد ذلك.
يُطرح سؤال لدى المبلغين وهو، هل أن السيد سهيل أسعد قد أَيِس من الأجواء الدولية الذي استقر مع أسرته في مدينة قم، أو لديه سبب معنوي وتربوي خاص؟
لقد تغيرت دراساتي حول حاجات المنطقة، كنت أفكر قبل 20 عاما ماضية اني افتقر لهيكل من أجل نشاطات في أمريكا اللاتنية مثل مدرسة ومركز ومؤسسة، ولم يكن لدينا موقع للعمل، وبذلت في هذه السنوات العشرين كل جهودنا لبناء وتكوين أمة اسلامية بمختلف بلدان أمريكا اللاتينية، واستوفيت ذلك في هذا المجال، ولكننا أدركنا فيما بعد أن حاجتنا الأساسية هي القوى البشرية. ولكي تستمر هذه المراكز ونموها من حيث الإدارة وتكون ناجحة، يجب أن يكون الآن لدينا ألف سهيل أسعد. ونظرًا لهذه الحاجة، أتيت إلى قم وأنشأت معهدًا تعليميًا لتدريب مئات سهيل أسعد للمستقبل.
.....................
انتهى / 323
للشيخ سهيل أسعد نشاطات ثقافية متنوعة منها تبليغ الدين الإسلامي في عدة بلدان، وقد ألقى كلمة في مناسبات بمراكز علمية وثقافية وجامعات ومدارس ومساجد وكنائس، ويجري محادثات مع الشباب.
وقد حاور مراسل وكالة "أبنا" للأنباء الدولية المبلغ الديني الناشط على الساحة الدولية السيد "سهيل أسعد" في إحدى مناسبات رسمية.
أبنا: في بداية الحديث نرجو توضيح المقصود من الحوار وما ضرورة تناول هذه القضية في العالم الإسلامي؟
أتابع قضية الحوار بجدية منذ فترة؛ سواء في مجال التنظير أو في اتجاه إنشاء الشكل لتحقيق هذا الهدف. ويبدأ الحوار في حالة طبيعية في الأمة الإسلامية والطائفة الشيعية في لبنان والعراق وإيران وغيرها عندما ينشأ الخلاف. وكأنّ عملنا في خلق الفرقة، ولم يتم فهم تعاليم الإسلام في مجال الوحدة بشكل أساسي.
وقد ينمو الخلاف في بعض الأحيان ويتحول الى الحقد أو العدواة، ونموذج ذلك هو الاصطدام، والخلاف موضوع خطير للغاية لدرجة انه إذا لا يدار بشكل صحيح فتكون نتيجته الحرب والهلاك.
وطريق الحال لهذا التحدي هو الحوار، والمقصود من الحوار ليس عقد لقاء ومؤتمر فحسب وانما هو سنة اجتماعية عامة يجب تأسيسه في المجتمع وطبعا تكون في اطار العُشرة لكي يضطر الشخص الى التعرف وإنشاء رابطة أخوية.
وفي هذا الصدد يتعين التأكيد على مجموعة مفاهيم مقبولة عند جميع الطوائف والمذاهب الإسلامية، مثل الأخوة أو فهم متبادل على أساس بحوث أخلاقية وليس بحوثا ايديولوجية.
وإذا دققت فلا توجد مؤشرات أخلاقية في جميع الأفكار، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بمفهوم الأخوة قد لا تكون ضرورة للأخوة في كثير من الأيديولوجيات، ولكن الإسلام أكد عليها ونجدها بكثرة في أقوال أهل البيت (ع) وأفعالهم، وأبرز مثال لتعليم الاسلام في قول أمير المؤمنين (ع) «فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق».
لذلك ان النقطة الهامة التي يجب ان يتم تصحيحها هو نوع النظرة، بالمعنى الذي يجب ان نعلم انه يجب علينا مهمة الهداية وبهذه النظرة علينا أن نتعامل مع الأشخاص، وهذه بالدقة هو إحداث التآلف والوحدة من قبل الأنبياء في المجتمع لانهم كانوا يعتبرون انفسهم هُداةً.
وقد تلخص كل شيء في مشهد عاشوراء وكربلاء، وذلك ان سيد الشهداء قصد هداية الطرف المقابل ولم يسع في أي لحظة ان يتراجع عن هذا الهدف.
وباستقصاء سنن اجتماعية للنبي الأعظم (ص) تتبين هذه النكتة حيث كان يسعى الى خلق التآلف في المجتمع؛ ويمكن ان نلمس ذلك في سنة النبي (ص) من طرق ذلك إلقاء التحية وعيادة المريض وتشييع الجنائز، وصلة الرحم، والحضور في التجمعات، والإطعام، وحسن الجوار وأمور أخرى كثيرة. وللأسف نحن منشغلون برسم خطوط أيويولوجية وإلصاقها ببعضنا البعض، بدلا من العمل بهذه الاسس.
أبنا: ما هو أحسن عامل في الإنطلاق والذريعة من أجل البدء بالحوار برأيكم؟
أفضل ذريعة للحوار هي وصول كلا الطرفين بشكل اسرع الى الهدف. وهو ان نقول إن جميع الأطراف قد جربت الخلاف والتنافس والعداوة، ألم يحن الوقت الآن للبدء بأسلوب الحوار والتآزر؟ إذن المهم هو تصحيح النظرة.
ويمكن مشاهدة ذلك بوضوح في محيط الفضاء الافتراضي وهو بدلا عن النظرة البسيطة الى الخلاف في العقائد والأذواق، توجد النظرة العدائية وهي تتطلب تصحيحها.
وبعد اندلاع الحرب السورية، هاجر البعض البلاد، وفي موقف لافت سُئل أحد ممثلين سوريين اسمه "دريد لحام"، لماذا لم تغادر البلاد رغم أن لديك القدرة المالية ولك امكانيات جيدة؟ قال إن الوطن كالأم. إذا مرضت والدتك هل تتركها أم تحاول علاجها؟
أبنا: كيف تحدث هذه النظرة التي تريدونها؟
النقطة الأولى في تغيير النظرة، هو تغيير نظرة الكبار، وفي هذا الصدد، الذين يتمتعون بهذا النوع من النظرة والأخلاق على مستوى المجتمع ينبغي أن تتاح لهم فرصة حتى يمكن رؤيتهم وتنتشر نظرتهم. وينبغي إقحام هذا الأسلوب في مجال الإعلام والفن والسينما والتعليم والتربية، وتأسيسه بصورة تدريجية.
وكذلك يجب علينا أيضا أن نعلم يقينا ان العداء وعدم الحوار لن يجديان نفعًا، ولذلك أهم مبدئ هو تعزيز النظرة المتبادلة بين الناس، ويجب السير بهذا الاتجاه والذي تعتبر فيه هذه النظرة ضرورية ليكون أثرها فعالة، كما ألا تمنعنا الحدود الدينية والعرقية والعنصرية من تحقيق الأهداف الإسلامية العظيمة.
أبنا: إحدى التحديات الكبيرة للشيعة في العالم، إنعدام الرصيد المالي للقيام وتطبيق الأفكار، كيف يمكن التعامل مع هذه التحديات؟
بتقديري ان الأمور المالية لا ترقى الى مستوى التحدي، لأن الشيعة لهم فرص كثيرة في مختلف أنحاء العالم. وان القضية الأساسية هي عدم التواصل والحوار، فهناك مساجد تفتقر الى 10 آلاف دولار فقط، ولو كنا في تواصل مع هذا المسجد لكنا قد قدمنا المساعدة الكافية لكن عدم التواصل يتسبب في ضرر.
كما ان إدارة الأمور المالية هي إحدى تحديات جدية أخرى، فمثلا في احدى مدن العراق جمعت أموال على طريق الإمام الحسين(ع) وتبنى آلاف الحسينيات في وقت نفس المدينة ليست فيها مدرسة.
ما أهم أولويات نشطاء شيعة في العالم برأيكم؟
ان بناء كادر هو الأولوية الأولى، نحن نملك كل شيء عدا عامل جيد، لذا أن بناء الكادر ضرورية في جميع المجالات، والعامل الرئيسي وراء نجاح الشيعة في التاريخ، هو شخصيات بارزة مثل سلمان ومقداد وغيرهم، وكذلك ان حزب الله في لبنان استطاع ان يصنع كادرا ناجحا، فكل شعار دون عامل لا قيمة له، ونحن في أمريكا اللاتنية لدينا مراكز اسلامية في 20 دولة بالعالم ولكن لا يوجد لدينا رجل دين، وكادر متخصص، ومدير تنظيمي و...
والأولوية الثانية هي الإدارة، يجب تسخير جميع الإمكانيات وأيد عاملة وهندستها للوصول الى الهدف، ويجب أن يكون العمل مدروسًا ومخططًا له، وليس عاطفيًا ومؤقتًا، فمثلا على أعتاب الأربعين اتصلت بي ألف مؤسسة للقيام بعمل معين أو إعداد فيلم وثائقي، لكن لم يقل أحد تعالوا نفكر ونتباحث حول الافكار. ويعتبر التنفيذ خطة أخيرة في الإدارة الإسلامية، ويحدث بسرعة كبيرة، ولكن الأهم هو توفير الوقت للتحضير والتخطيط.
ويكون العمل لدى الغرب في 19 طبقة من مبنى يحوي 20 طبقة، تُخصص للتفكير والفكرة والتخطيط وطبقة واحدة للتنفيذ، في حين الأبنية الكبيرة التي عندنا ليست فيها غرفة واحدة للتفكير والتخطيط. والتفكير هو المدخل الأول في مجال الإدارة.
والموضوع الآخر الذي لا يتم تناوله ويسقط عن حسابنا، القضايا الدينية والمعنوية والاخلاقية، ونحن نختلف عن الآخرين بالإيمان بالله تعالى والعمل له تعالى، والنقطة الهامة هي تعزيز المعنوية بين الشيعة، ولا نهتم بها في معادلاتنا وننساها، ولذلك ننشغل بأمور دنيوية وأمور مادية في حين جاء في رواية ان «من أصلح ما بينه وبين الله تعالى، أصلح الله تعالى ما بينه وبين النّاس».
مازلنا لم نفهم أنه ينبغي أن يكون لدينا بساط السجادة بجوار الإدارة، وأن نكون في حالة الوضوء ونسجد، ونخطو خطوات في تهذيب النفس.
على صعيد بناء الكادر هل أعددتم نموذجا يمكن عرضه على مجموعة أخرى؟
نعم، أعددت كُتيّبًا في مجال الحوزة، يتعلم الكثير من الناس في محيط الحوزة علوما المختلفة الى مرحلة يمكن أن يكونوا علماء ومنظرين، لكن إذا لم تكن لديهم مهارات لنقل المعرفة، ولم يكن عندهم تخطيط للنشر كما هو معروف لدى الغرب، فسيكون علمهم بلا ثمرة.
كما صممت إطار التأهيل الجامعي على شكل حوزوي لفصول نهائية للجامعة، وبالمناسبة لقد تم تصميم مجالات مختلفة للعمل الميداني للطلاب ولا توجد في الحوزة خطة دقيقة لهذا الميدان.
أبنا: أن أحد الأمور الأساسية الذي يعتبر هاجسا كبيرا في أوساط الشيعة بالوقت الحاضر هو الإعلام، ونود أن نعرف رأيكم في هذا المجال
ما أشاهده نقطة ضعف أساسية على صعيد الإعلام هو عدم إمتلاكنا لقدرة النشر، وليس لدينا هيكلية النشر، ومعظم جهودنا منصبة على الإنتاج. مثل إنتاج الأفلام الوثائقية، وإنتاج البرامج، وما شابه ذلك..
ولقد تولى العدو عمليات النشر من خلال بناء مواقع تواصل الاجتماع كالفيسبوك والإنستغرام والواتساب وحتى المهرجانات. من المهم تصميم الساحات الدولية، وليس المحلية!
لدينا منتجات جيدة، لكن اين يمكن عرضها ومن يشاهدها ؟ في حين ان العدو استطاع الدخول في بيوتنا من خلال تصميم القنوات - ليس فقط انتاج -.
أبنا: ألا يمكن نشر منتجاتنا على المنصات الافتراضية للعدو؟
يجب ان نتكلم بصورة عملية، ما هو حجم نجاحنا في هذا المجال؟ فمثلا استطاع مغن ان يحصل على 8 مليارات مشاهد على صفحته، فأي انتاجنا وصل الى هذه النقطة وحصل على هذا العدد الكبير من المتابعين؟
أبنا: هل جربت امكانية النشر وتجارب مماثلة بشكل تخصصي؟
الحل الوحيد هو المنصات المحلية، فيكون الطرف المقابل المحلي هو المعني في ايصال صوته الى المتلقيين بطريقته الخاصة. إذن الاستراتيجية الأسياسية هي النشر، ولكن اختزلنا همنا في الانتاج فقط، لقد عملنا لسنوات في مؤسسة في بيروت، وكانت مهمتها الترجمة والطبع فقط، ولم تكن لها خطة للتوزيع اطلاقا، والكتب كانت تخزن. ولو كانت لدينا منشورات دولية في مجال النشر، في المقابل العدو يملك مليونا من المنشورات الدولية.
أبنا: ان احد التحديات الهامة، هو إضعاف الهوية الشيعية في الأجيال القادمة؛ بحيث تقل نسبة الهوية الشيعية في الأجيال القادمة، هل لديكم فكرة ونشاط في حل هذه المشكلة والتحدي؟
ان الرموز في البحث عن الهوية لها أهمية كبيرة، وللشيعة باع كبير في بناء الهوية، واحد الأمور الباعث للأمل في رموز الهوية الشيعية هو الولاية، وللشيعة علاقة خاصة بالامامة، ولا توجد أي جهة في التاريخ استطاعت بطريقة مطلوبة رائعة أن تقيم علاقة بين الإمام والمأمون. فعلى سبيل المثال ان الفرد والمجتمع في الغرب متروك ووحيد، ولكن في الفكر الشيعي، الفرد بلا إمام فهو يتيم وبلا شيء. كما ننتمي من الناحية الوجودية للإمام؛ لذا العمل الهام في تعزيز الهوية هو الإمامة، وهو الإمام الحسين (ع) وما حدث في عاشوراء وله أهمية كبيرة. ومثال ذلك بنظري قد ورد موضوع في بيانات قائد الثورة الاسلامية يلخص الهوية الشيعية: العقلانية والعدالة والمعنوية وهي مستقاة من الإمامة. ولذا إذا استطعنا العمل بها على مستوى المجتمع، يمكن لنا ان نقرب الناس الى مفهوم الإمامة، أي بناء شيعي يكون عاقلا، وأن يكون عادلا، وإذا كان معنويا فهذا نور على النور.
في إشارتكم الى نظرة قائد الثورة الاسلامية، ونظرا الى نشاطاتكم الدولية، حدثونا عن العمق الاستراتيجي وتأثيره على شيعة العالم.
انا ذائب في سيد القائد، ولقد رزقني الله تعالى في الجانب المادي والمعنوي، فمثلا اني رأيت 50 دولة، وعشت أربع ثقافات مختلفة تقريبا، وأتقن لغات عدة، ومشاهدة زوايا مختلفة في العالم تساعد الإنسان على التمييز ما هو الجيد وما هو السيء.
أقول بوضوح وصراحة، ما وجدت أفضل من سيد القائد، وأقصد اني لو وجدت أفضل منه لذبتُ فيه، أنا رجل أقارن وأقيس ومن خلال المقارنة توصلتُ الى هذه النتيجة، لأن قضية ولاية الفقيه والقيادة تم تعريفها في طول الولاية اللالهية والإمامة.
ما الذي جعلكَ تقول أنّك لم تر أفضل من قائد الثورة الاسلامية؟
يجب دراسة نتائج عمل لقادة العالم، ويجب النظر الى ان القادة الى أين نقطة أوصلوا شعوبهم ؟ أين أوصل سائق الشاحنة الركاب؟
تأثير سيد القائد يُعتبر معيرا بالنسبة لي، وسيد القائد هو الشخص الوحيد الذي يدعم محور المقاومة، كما أن 99% من العالم يفكرون بأمور مادية بحتة، وهو الذي استطاع أن يجعل روح المعنوية لمحور المقاومة في نسبة من الشباب بالبلدان، وأن يرغبوا في الشهادة.
والذي أوصل محور المقاومة الى درجة ان حزب الله يصنع المسيرات، وأخذت إسرائيل تخشى من محور المقاومة، اين كنا قبل سيد القائد وأين وصلنا الآن؟
وهناك نقطة أخرى وهي ليست دليلا عقلا أساسا وانما وجدانية وعرفانية وروحية وهي انه عندما أرى سيد قائد الثورة أذوب فيه وأعشقه، ولدي نفس الشعور بالنسبة للشهيد حاج قاسم من بين الشهداء، وكذلك السيد حسن نصرالله، الذي يتواجد فيّ نفس الشعور، وهو ليس دليلا عقليا وانما قلبي.
ما أهم هاجس لديكم تجاه الثقافة والدين؟
ان القضية الباطنية هي الأساس، وللأسف نقول ان القلق والنظر أصبحا مادية وظاهرية، وتم إغفال الباطن، في حال أن سر النجاح هو الباطن وليس الظاهر. والنية الخالصة أهم من آلاف عناصر إدارية، وكذلك العمل لله له أهمية أكثر من آلاف الوثائق، فالباطن هو الأساس، ولهذا أن الهداية والتربية هما في أساس الباطن، والظواهر تأتي بعد ذلك.
يُطرح سؤال لدى المبلغين وهو، هل أن السيد سهيل أسعد قد أَيِس من الأجواء الدولية الذي استقر مع أسرته في مدينة قم، أو لديه سبب معنوي وتربوي خاص؟
لقد تغيرت دراساتي حول حاجات المنطقة، كنت أفكر قبل 20 عاما ماضية اني افتقر لهيكل من أجل نشاطات في أمريكا اللاتنية مثل مدرسة ومركز ومؤسسة، ولم يكن لدينا موقع للعمل، وبذلت في هذه السنوات العشرين كل جهودنا لبناء وتكوين أمة اسلامية بمختلف بلدان أمريكا اللاتينية، واستوفيت ذلك في هذا المجال، ولكننا أدركنا فيما بعد أن حاجتنا الأساسية هي القوى البشرية. ولكي تستمر هذه المراكز ونموها من حيث الإدارة وتكون ناجحة، يجب أن يكون الآن لدينا ألف سهيل أسعد. ونظرًا لهذه الحاجة، أتيت إلى قم وأنشأت معهدًا تعليميًا لتدريب مئات سهيل أسعد للمستقبل.
.....................
انتهى / 323