وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ أتاح المجمع العالمي لأهل البيت (ع) بعد ان حطّ الرحال في أيام الأربعين بمدينة كربلاء، فرصة لشخصيات دينية ونشطاء ثقافيين من مختلف بلدان العالم للتواصل والتآزر أكثر فيما بينهم.
وفي فترة بين العاشر من شهر صفر لغاية الحادي والعشرين من نفس الشهر، أقيم 12 جلسة تخصصية في مقر إقامة المجمع العالمي لأهل البيت (ع) بجوار حرم أبي الفضل العباس (ع) في مدينة كربلاء المقدسة، وحضر فيها أكثر من 1600 ضيف من بلدان العالم كلبنان، وسوريا، والكويت، وتونس، وفلسطين، وجزور قمر، واليمن، وروسيا، وآذربيجان، وتركيا، وطاجيكستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند، واندنوسيا، وماليزيا، واليابان، وميانمار، وبريطانيا، والبرتغال، وأمريكا، وهولندا، وفرنسا، والدانمارك، والبوسنة والهرسك، وصريبا، وكوسوفو، والجبل الأسود، وألبانيا والأوروغواي.
وكان الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) قد سافر الى العراق بالتزامن مع أيام الأربعين الحسيني، وشارك في مشاية الأربعين، وحضر في مدينة كربلاء المقدسة بهذه المناسبة والتقى شخصيات دينية ونخب عدة من العالم الاسلامي.
ما تقرأونه حوارا لوكالة اهل البيت (ع) - أبنا أجرته مع الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) آية الله الشيخ «رضا رمضاني» فيما يتعلق بأبعاد مختلفة لمراسم زيارة الأربعين ونشاطات المجمع العالمي في هذا الحدث الدولي الذي كان على هامش زيارة الأبعين.
وكالة أبنا: بسم الله الرحمن الرحيم. بعد السلام والتحية، حظا سعيدا نجري حوارا في جوار حرم سيد الشهداء (ع) وأخيه أبي الفضل العباس (ع)، في أيام الأربعين، كيف ترون النظرة المعرفية الى الدين والأربعين، وكيف يجب ان يقدمه المفكرون؟
اعوذ بالله من الشیطان الرجیم. بسم الله الرحمن الرحیم. الحمدلله رب العالمین و صلی الله علی محمد و آله الطاهرین.
بدورنا نشكر الله تعالى على كل النعم، والنعم التي لم نعرفها، والبعض منها عرفناها ولم نشكرها، وكان كلمة أبي عبد الله الحسين(ع) في دعاء عرفة، إذا اردنا أن نشكر الله تعالى على نعيمه في حياتنا كلها «ما استطعتم»؛ وان أردنا إحصاءها لم نستطع ذلك. ولا يمكن أن نعد قائمة النعم، ومن هذا الجانب علينا أن نشكر الله في كل لحظة، وخاصة زيارة الأربعين العظيمة، التي كانت من نصيبنا، ولم نكن نتخيل ان تكون لدينا هكذا أجواء في كربلاء، حتى نتمكن ان نتحدث حول الأربعين. وعندما تطالع التاريخ وما يتعلق بزيارة الأربعين، تجد انها من النعم التي لا يمكن أن يتصورها أحد. إلا الأئمة المعصومين (ع) الذين كانوا يرون المستقبل بواسطة العلم الإلهي، ولكن لا يمكن لنا تصورها بالنسبة لنا.
النقطة الأولى، هي أن الأربعين انبثقت من واقعة كبيرة، والتي حدثت بعد رحيل النبي الأعظم (ص) بعد 50 عاما. بالطبع ان كيفيتها يجب أن يبحث بصورة تفصيلية بشكل مستقل، وهي انه لماذا بعد رحيل النبي (ص) 50 عاما، قد رُفع رأس سبط النبي (ص) على الرمح، أو لماذا بعد رحيله (ص) بـ30 عاما، قد رفع المصحف على رأس الرمح، وهي بحوث يجب ان تبحث بصورة مستقلة في محلها.
عندما تريد ان تدرس واقعة عاشوراء، فأنها ترجع الى حادثتين تاريخيتين كبيرتين في الماضي، أولها بعثة النبي (ص)، وهذه حادثة عظيمة على طول تاريخ الإنسانية، وهي ان النبي (ص) قد بُعث الى الناس. وكانت هذه الحادثة لمواجهة الجاهلية، ولمواجهة أي نوع من أزمات تحدث. وكانت الأزمات كبيرة في ذاك الوقت مثل العقيدة والمعقدات والقضايا الفكرية وما يتعلق بالأعمال، وكانت هذه الأزمات موجودة في زمن البعثة أيضا.
وإحدى حوادث كبيرة قد وقعت قبل عاشوراء، هي حادثة الغدير الكبيرة، وهي تعتبر من أكبر حوادث، وفقا لما قال النبي (ص) بخصوص الغدير: «أکبر أعیاد أمتي»؛ وهي امتداد للرسالة والبعثة. وفي بيان وتفسير آيات آلهية، لأن النبي(ص) هو مفسر الدين:«لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» (النحل: ۴۴). وان حارس الدين الإلهي وحارس الشريعة وحارس الوحي، هو النبي الأعظم (ص). وبعد قصة الغدير للحفاظ على جميع تلك الإنجازات هي نتائج البعث. بمعنى ان تفسير الإسلام الذي قدّمه أهل البيت (ع) هو أدق تفسير وأعمق تفسير والأكثر شمولا والذي ينبثق عن الوحي والعلم الإلهي. وهذه المسئلة في غاية الأهمية، والحادثة الثالثة هي عاشوراء، كما هناك حادثة كبيرة ستحدث وهي القضية المهدوية. ولذلك هذه الحوادث الأربعة فيها ترابط وثيق: البعثة والغدير، وعاشوراء والقضية المهدوية.
وما يرتبط بقضية عاشوراء هو ان من كان قد أراد قَلبَ الدين رأسًا على العقب، أي الرجوع الى عصر الجاهلية مرة أخرى، وكان هناك على رأس القائمة أشخاص لا يعتقدون إطلاقا بالمعارف والقرآن الكريم. وهذا الشخص هو يزيد، شارب الخمر وفاسق وفاجر ولاعب القمار، وتولى خلافة المسلمين. ولو اطلعت على خارطة جغرافية لتلك الحقبة لوجدت ان ايران مثلا كانت قسما من تلك الإمارة والحكومة الاسلامية العظيمة، فإن ذلك يعني ان جغرافية الاسلام والدول الاسلامية كانت واسعة جدا وكانت هذه الامارة والحكومة في يد شخص غير كفء.
بعد موت معاوية، طالبوا بعض الأشخاص بمبايعة يزيد، وكان أحدهم الإمام الحسين(ع)، وعندما اقترح والي المدينة، وهي القصة مفصلة لا نريد الدخول فيها. قال الإمام الحسين(ع): «مثلي لا یبایع مثله»، نحن أصحاب الوحي، وسُلالة ألائك سلالة لؤم، وجذورهم جذور ظلام؛ ولذلك ان الذي هو نور مطلق، لا يبايع أبدًا الظلام المطلق، «ومثلي لا یبایع مثله»، وإذا أصبح الإسلام في يد هكذا شخص فاجر، «و علی الاسلام السلام».
أصبح الإمام في ظروف استثنائية، ولم يبايع، وتحرك من المدينة الى مكة، وفي الثامن من ذي حجة غادر مكة لحفظها ولحفظ زمزم وصفا ومن أجل حفظ كل تلك الذكريات، ومن أجل ميراث أنبياء الله تعالى العظيمة، وأخيرا ميراث النبوة والبعثة، وبعد ذلك، وفي هذه الظروف الاستثنائية تحدث قصة كربلاء. ويمكن لكم أن تفهموا فلسفة ثورة الإمام الحسين (ع) من خلال كلماته.
تُعتبر هذه القضايا من المسائل المتشابكة، والتي لها دور في فهم موضوع مبادئ المعرفة، ومن شأنه أن يلعب دورًا هامًا، والمعروف وهو الصحيح ان الإسلام محمدي (ص) الحدوث وحسيني (ع) البقاء، كما قال النبي (ص): «حسینٌ منّی و أنا من حسین»، وهي متشابكة للغاية، وكان دور أبي عبد الله الحسين(ع) يكون بارزا عندما يحيي الدين والسنة الإلهية. وقال (ع) عند خروجه «إنما خرجتُ لطلب الاصلاح في امة جدي وأبي علي بن ابي طالب واسير بسیرة جدي وعلي بن ابي طالب(ع)»، ثم يقول: «فإنّ السنة قد أمیتت وبدعة قد أحیي»، ولم يبق من الدين من حيث الحاكمية والمحتوى، أي أصبح الدين عمليا سخرية، وذلك على يد شخص هو خليفة المسلمين.
أبنا: هل ان «عارفاً» يعني «کل شیءٍ بحسبه»، أي ما هو المتوقع من شخص بسيط شيء ومن شخص عالم شيء آخر؟
نعم، الجميع يستطيع ذلك وكل شخص على حد إستطاعته. والمعرفة كالنور، كما للنور درجات الشدة والضعف، والمعرفة تبدأ من أدنى درجة الى الأعلى. فـ«من زار الحسین عارفاً بحقه کمن زار الله في عرشه» ولافت انّ الرواية ذكرت اسم الله تعالى، وفيه نكات كثيرة «کمن زار الله في عرشه»، ولم تقل «زار الرحمن أو زار الرحیم»، لأن كلمة الله تعالى اسم جامع لصفات الجلال والجمال، وهي تعني انك تجد هذا المقام، كم يصبح الشخص عزيزًا !
وزيارة الأربعين لها أساس عقائدي ومبنى معرفي والتي هي في مجال الإمامة، وهي استمرار للنبوة، وأهم بحث في النبوة هو نفسه في بحث التوحيد، أي المبدأ والمعاد، كما ان المعاد يرجع الى التوحيد، لأن جميعها يعود الى الحقيقة المطلقة وهي«إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» (البقرة: ۱۵۶)؛ ولذلك ترى انك تحصل بهذه الكلمة «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» على ثلاثة أجوبة. وعندما نرى وفي لحظات من النوم أغمضت عيني الإمام الحسين عليه السلام في إحدى ساعات السير، ولما انتبه الإمام(ع) كان يردد: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾. وكان ولده علي الأكبر إلى جانبه فسأله قائلاً: يا أبتِ لم استرجعت لا أراك الله سوءاً؟ أجابه الإمام(ع): يا ولدي خفقت خفقة فرأيت فارساً وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم! قال علي الأكبر: يا أبتِ ألسنا على الحق؟ وفوراً أجابه الإمام(ع): بلى نحن والله على الحق. قال علي الأكبر(ع): إذا والله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا !!
وكل هذه الأمور تعود الى التوحيد؛ لذلك ان إحياء الأربعين هو إحياءٌ للتوحيد والمعارف الوحيانية، وإذا نظرت من هذه الزواية فأنك تجد مبنى الحضارة الاسلامية العظيمة والحضارة الإنسانية والتي تضمنت الحرية والعزة والعقلانیة.
وتعتبر زيارة الإمام المعصوم خطوة نحو التوحيد، خلافا للبعض الذين يزعمون ان الزيارة شرك، وهذا الكلام يدل على انهم لا يعرفون المعارف الحقيقية، وإلا جميع مضامين الزيارة هي توحيدية، بل ان أصل الزيارة هي براءة من الشرك وجاءت لمواجهتها، وإذا نظرت من هذه الزواية الى الزيارة تجد انك أثناء تواجدك عند الأماكن المباركة للعتبات المقدسة، تتزود بالمعنوية وتنالك حالة توحيدية وحالة إلهية والالتفات الى الحق والله تعالى، وتدفع هذه الأجواء المعنوية بعد الخروج منها الى القيام بأعمال الخير، في ظل قبول المسؤولية وليس الهروب منها.
وما هو موجود من الحضارة في الغرب، هي في الحقيقة رؤية دنيوية ونظرة سطحية، ولا تلتفت الى حقيقة الإنسان وباطنه ورقي الإنسان وسموه وأبديته، ولا ترى أي نوع من المعرفة في هذه الحضارة على الإطلاق. وعندما ترى المواد الإعلامية لمنظمة حقوق الإنسانية العالمية وتطلع على 30 فقرة في قائمتها، فلا تجد فيها إطلاقا مثل هذه المواضيع التي ذكرناها. وهي تتحدث عن الحرية، ولكنك لا تجد كلمة أو عبارة مثل حرية الإنسان من القيود والأغلال والنزوات والشهوات. وعندما تنظر الى الحرية من مبنى ليبرالي وخاصة في جانب اخلاقي يكون نتيجته نوع من الفسوق والفجور والسيئات. اذهب وانظر كيف كانت نتائج هكذا الحرية التي يسعى إليها الغرب الآن. ترى الآن حالة الحرية بمعنى الليبرالية الأخلاقية، التي تسببت الى المصائب والمشاكل.
والنقطة الأولى المطروحة في مجال الحضارة الإنسانية هي انه يجب أن يكون البحث فيها طبقا لتعريف حقيقة الإنسان. والإنسان ليس الإنسان الحسي فقط، ولا يمكن أن تكون لك نظرة مادية فقط فيما يرتبط بالإنسان. حيث قدّم الوحي والآيات ثلاثة أنواع من الإنسان، الأول: الإنسان الحسي، والثاني: الإنسان العقلي، والثالث: الإنسان الشهودي، وهو الإنسان الذي يصل الى مقام كشف الحقائق. وجاء أنبياء الله تعالى ليوصلوا الإنسان من الإنسان الحسي الى الإنساني العقلي ومن ثم الى الإنسان الشهودي. أي أن يكون الإنسان عاقلا وحكيما ومن أهل الشهود يشاهد الحقائق والبواطن، وهذه النقطة في غاية الأهمية. ولا يمكن لأي أحد أن يكون معلما في هكذا تغيير؛ ولذلك فإنّ تلك الحضارة التي أكدت على الدين والوحي، فهي الحضارة الإسلامية الحديثة، وتعود المبانية المعرفية إلى مجال التوحيد والنظرة الشاملة للإنسان. ويجب أن يكون لدينا تعريف شامل ودقيق للإنسان أولاً، وعلى أساسه نعرّف هذه الحضارة. كما أن في هذه الحضارة مجموعة من الأسس المعرفية مفادها أن الإنسان قد نشأ من حقيقة مطلقة ويرجع إلى نفس الحقيقة ويجب أن يتجه نحو الخلود. فكما اننا نقول يجب أن نذهب إلى الخلود، يجب علينا أن نبني عالماً يتناسب مع شأن الإنسان وتعريف حقيقة الإنسان ومكانة الإنسان. وهذا يعني أن الإنسان له شخصية إنسانية وأن يكون له سلوكاً إنسانياً.
إذن يجب ان يكون للإخلاق مكان هام في الحضارة الإنسانية. وعندما ترى ان الله تعالى يريد مدح النبي الأعظم (ص) يثني على أخلاقه(ص):«إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم: ۴)، وهذا يعني انه يعرّفه بمظهر خلق إلهي. وكما ان ادارة النبي مبنية على هذا الأساس «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» (آلعمران: ۱۵۹)، وهذه النقطة هامة، وفي هذه الحالة فان للاخلاق مكان عظيم، وكما ان الاخلاق ليست بمعنى السلوك الظاهري، فمثلا في الغرب عندما تتعامل في مجال الأخلاق، فأن معناها الابتسامة في وجه الآخرين،ولكن لهذه الابتسامة معنيان، المعنى الأول منشأه الباطني، والثاني ابتسامة يريد الحفاظ على ظاهرها فقط، والغرب يريد الظاهر منها، سواء ارتبط الظاهر بالباطن أم لا، وأحيانا لا يرتبط بالباطن اطلاقا. وفي محيط العمل الإداري مثلا الغرب يقول انه يجب ان نتصرف بصورة حسنة مع الآخرين، في حين نحن نقول يجب ان نتصرف بصورة حسنة مع الآخرين مؤمنين بذلك، ومع هذه النظرة التي نحن ننظر الى الإنسان ونعرّفه، يكون للإخلاق مكان عظيم.
والكرامة هي موضوع ثان يجب الاهتمام بها في الحضارة الإنسانية، وبالطبع ان الكرامة في الغرب التي يناشدون بها، وأن تحفظ كرامة الإنسان، تعريفها مختلف عندهم ولها تعريف خاص. كما انهم يتناولون العنصرية ويعرفونها كذلك، فترى مثلا قتل أعداد كثيرة من الاطفال والنساء في غزة، ولا كرامة لهم إطلاقا، ولكن تجد شخصا يشعر بألم في جزء من رأسه من نفس العرق، تكون الكرامة له!
وهنا نقول ان سعة عاشوراء هي سعة الحضارة، وقد تحولت زيارة الأربعين اليوم الى قدرة كبيرة لتشحن معنويات الزائرين وتجمع ملحمي عظيم. ولا شكَ ان العدو سيعدّ خططا لهذه القدرة والاقتدار، ويعمل بقرأة الأربعين في كيفية إفراغه من محتواه الحقيقي وتحريفه. وما وصلنا من زيارة الأربعين يجب الحفاظ عليه.
كما يجب ان نصون الأربعين من الخرفات وأن تكون نظرتنا عميقة وذات معرفة إليها، ويمكن اعتبار أحد آثار الأربعين هو انه يدعو الناس الى التضامن والتآلف وحفظ الكرامة والاهتمام بالقيم السامية، وإن مراجعة تلك المضامين تعني السعي لتحقيق العدالة الحقيقية.
انتهى / 232
وفي فترة بين العاشر من شهر صفر لغاية الحادي والعشرين من نفس الشهر، أقيم 12 جلسة تخصصية في مقر إقامة المجمع العالمي لأهل البيت (ع) بجوار حرم أبي الفضل العباس (ع) في مدينة كربلاء المقدسة، وحضر فيها أكثر من 1600 ضيف من بلدان العالم كلبنان، وسوريا، والكويت، وتونس، وفلسطين، وجزور قمر، واليمن، وروسيا، وآذربيجان، وتركيا، وطاجيكستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند، واندنوسيا، وماليزيا، واليابان، وميانمار، وبريطانيا، والبرتغال، وأمريكا، وهولندا، وفرنسا، والدانمارك، والبوسنة والهرسك، وصريبا، وكوسوفو، والجبل الأسود، وألبانيا والأوروغواي.
وكان الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) قد سافر الى العراق بالتزامن مع أيام الأربعين الحسيني، وشارك في مشاية الأربعين، وحضر في مدينة كربلاء المقدسة بهذه المناسبة والتقى شخصيات دينية ونخب عدة من العالم الاسلامي.
ما تقرأونه حوارا لوكالة اهل البيت (ع) - أبنا أجرته مع الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) آية الله الشيخ «رضا رمضاني» فيما يتعلق بأبعاد مختلفة لمراسم زيارة الأربعين ونشاطات المجمع العالمي في هذا الحدث الدولي الذي كان على هامش زيارة الأبعين.
وكالة أبنا: بسم الله الرحمن الرحيم. بعد السلام والتحية، حظا سعيدا نجري حوارا في جوار حرم سيد الشهداء (ع) وأخيه أبي الفضل العباس (ع)، في أيام الأربعين، كيف ترون النظرة المعرفية الى الدين والأربعين، وكيف يجب ان يقدمه المفكرون؟
اعوذ بالله من الشیطان الرجیم. بسم الله الرحمن الرحیم. الحمدلله رب العالمین و صلی الله علی محمد و آله الطاهرین.
بدورنا نشكر الله تعالى على كل النعم، والنعم التي لم نعرفها، والبعض منها عرفناها ولم نشكرها، وكان كلمة أبي عبد الله الحسين(ع) في دعاء عرفة، إذا اردنا أن نشكر الله تعالى على نعيمه في حياتنا كلها «ما استطعتم»؛ وان أردنا إحصاءها لم نستطع ذلك. ولا يمكن أن نعد قائمة النعم، ومن هذا الجانب علينا أن نشكر الله في كل لحظة، وخاصة زيارة الأربعين العظيمة، التي كانت من نصيبنا، ولم نكن نتخيل ان تكون لدينا هكذا أجواء في كربلاء، حتى نتمكن ان نتحدث حول الأربعين. وعندما تطالع التاريخ وما يتعلق بزيارة الأربعين، تجد انها من النعم التي لا يمكن أن يتصورها أحد. إلا الأئمة المعصومين (ع) الذين كانوا يرون المستقبل بواسطة العلم الإلهي، ولكن لا يمكن لنا تصورها بالنسبة لنا.
النقطة الأولى، هي أن الأربعين انبثقت من واقعة كبيرة، والتي حدثت بعد رحيل النبي الأعظم (ص) بعد 50 عاما. بالطبع ان كيفيتها يجب أن يبحث بصورة تفصيلية بشكل مستقل، وهي انه لماذا بعد رحيل النبي (ص) 50 عاما، قد رُفع رأس سبط النبي (ص) على الرمح، أو لماذا بعد رحيله (ص) بـ30 عاما، قد رفع المصحف على رأس الرمح، وهي بحوث يجب ان تبحث بصورة مستقلة في محلها.
عندما تريد ان تدرس واقعة عاشوراء، فأنها ترجع الى حادثتين تاريخيتين كبيرتين في الماضي، أولها بعثة النبي (ص)، وهذه حادثة عظيمة على طول تاريخ الإنسانية، وهي ان النبي (ص) قد بُعث الى الناس. وكانت هذه الحادثة لمواجهة الجاهلية، ولمواجهة أي نوع من أزمات تحدث. وكانت الأزمات كبيرة في ذاك الوقت مثل العقيدة والمعقدات والقضايا الفكرية وما يتعلق بالأعمال، وكانت هذه الأزمات موجودة في زمن البعثة أيضا.
وإحدى حوادث كبيرة قد وقعت قبل عاشوراء، هي حادثة الغدير الكبيرة، وهي تعتبر من أكبر حوادث، وفقا لما قال النبي (ص) بخصوص الغدير: «أکبر أعیاد أمتي»؛ وهي امتداد للرسالة والبعثة. وفي بيان وتفسير آيات آلهية، لأن النبي(ص) هو مفسر الدين:«لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» (النحل: ۴۴). وان حارس الدين الإلهي وحارس الشريعة وحارس الوحي، هو النبي الأعظم (ص). وبعد قصة الغدير للحفاظ على جميع تلك الإنجازات هي نتائج البعث. بمعنى ان تفسير الإسلام الذي قدّمه أهل البيت (ع) هو أدق تفسير وأعمق تفسير والأكثر شمولا والذي ينبثق عن الوحي والعلم الإلهي. وهذه المسئلة في غاية الأهمية، والحادثة الثالثة هي عاشوراء، كما هناك حادثة كبيرة ستحدث وهي القضية المهدوية. ولذلك هذه الحوادث الأربعة فيها ترابط وثيق: البعثة والغدير، وعاشوراء والقضية المهدوية.
وما يرتبط بقضية عاشوراء هو ان من كان قد أراد قَلبَ الدين رأسًا على العقب، أي الرجوع الى عصر الجاهلية مرة أخرى، وكان هناك على رأس القائمة أشخاص لا يعتقدون إطلاقا بالمعارف والقرآن الكريم. وهذا الشخص هو يزيد، شارب الخمر وفاسق وفاجر ولاعب القمار، وتولى خلافة المسلمين. ولو اطلعت على خارطة جغرافية لتلك الحقبة لوجدت ان ايران مثلا كانت قسما من تلك الإمارة والحكومة الاسلامية العظيمة، فإن ذلك يعني ان جغرافية الاسلام والدول الاسلامية كانت واسعة جدا وكانت هذه الامارة والحكومة في يد شخص غير كفء.
بعد موت معاوية، طالبوا بعض الأشخاص بمبايعة يزيد، وكان أحدهم الإمام الحسين(ع)، وعندما اقترح والي المدينة، وهي القصة مفصلة لا نريد الدخول فيها. قال الإمام الحسين(ع): «مثلي لا یبایع مثله»، نحن أصحاب الوحي، وسُلالة ألائك سلالة لؤم، وجذورهم جذور ظلام؛ ولذلك ان الذي هو نور مطلق، لا يبايع أبدًا الظلام المطلق، «ومثلي لا یبایع مثله»، وإذا أصبح الإسلام في يد هكذا شخص فاجر، «و علی الاسلام السلام».
أصبح الإمام في ظروف استثنائية، ولم يبايع، وتحرك من المدينة الى مكة، وفي الثامن من ذي حجة غادر مكة لحفظها ولحفظ زمزم وصفا ومن أجل حفظ كل تلك الذكريات، ومن أجل ميراث أنبياء الله تعالى العظيمة، وأخيرا ميراث النبوة والبعثة، وبعد ذلك، وفي هذه الظروف الاستثنائية تحدث قصة كربلاء. ويمكن لكم أن تفهموا فلسفة ثورة الإمام الحسين (ع) من خلال كلماته.
تُعتبر هذه القضايا من المسائل المتشابكة، والتي لها دور في فهم موضوع مبادئ المعرفة، ومن شأنه أن يلعب دورًا هامًا، والمعروف وهو الصحيح ان الإسلام محمدي (ص) الحدوث وحسيني (ع) البقاء، كما قال النبي (ص): «حسینٌ منّی و أنا من حسین»، وهي متشابكة للغاية، وكان دور أبي عبد الله الحسين(ع) يكون بارزا عندما يحيي الدين والسنة الإلهية. وقال (ع) عند خروجه «إنما خرجتُ لطلب الاصلاح في امة جدي وأبي علي بن ابي طالب واسير بسیرة جدي وعلي بن ابي طالب(ع)»، ثم يقول: «فإنّ السنة قد أمیتت وبدعة قد أحیي»، ولم يبق من الدين من حيث الحاكمية والمحتوى، أي أصبح الدين عمليا سخرية، وذلك على يد شخص هو خليفة المسلمين.
أبنا: هل ان زيارة الأربعين سندها روايات وهي من سُنة السلف الصالح ؟
نعم، هناك روايات كثيرة ومفصلة، ومن الرجال العظام أمثال المرحوم آية الله العظمى السيد الخوئي وآخرين، كان مشيه يطول لايام، وهذا أمر لافت علينا الانتباه إليه. كما ان كتاب «کامل الزیارات» لابن قولویه خاص بالزيارات يحتوي على أكثر من 600 رواية يتعلق بالإمام الحسين(ع)، وباقي الروايات بخصوص النبي الأعظم (ص) وأمير المؤمنين(ع) والامام الرضا(ع) وبقية الأئمة المعصومين (ع)، ونحو 80 بالمئة من الروايات خاصة بالإمام الحسين(ع). وفيه ذكرٌ لثواب عظيم جدا للذين يقصدون زيارة الإمام الحسين(ع). ولقد قال أهل البيت (ع) في زيارة ابي عبد الله الحسين(ع) ان من ذهب إليه زائرا له أجر عظيم، حتى قبل ان تحدث واقعة عاشوراء. وهذه نقطة جديرة بالوقوف عندها وهي تعود الى معرفة الزائر نفسه، وهناك رواية تشير الى هذا المعنى «من زار الحسین عارفاً بحقه کمن زار الله في عرشه»، وهذا يعني انك يمكن ان ترى جمال الله تعالى وجلاله في هذه الزيارة. ومن شأن هذه الزيارة ان تكون لها جنبة تربوية وسلوكية. وهذه نقطة في غاية الأهمية ويمكن ان يُبحث فيها.
نعم، الجميع يستطيع ذلك وكل شخص على حد إستطاعته. والمعرفة كالنور، كما للنور درجات الشدة والضعف، والمعرفة تبدأ من أدنى درجة الى الأعلى. فـ«من زار الحسین عارفاً بحقه کمن زار الله في عرشه» ولافت انّ الرواية ذكرت اسم الله تعالى، وفيه نكات كثيرة «کمن زار الله في عرشه»، ولم تقل «زار الرحمن أو زار الرحیم»، لأن كلمة الله تعالى اسم جامع لصفات الجلال والجمال، وهي تعني انك تجد هذا المقام، كم يصبح الشخص عزيزًا !
وزيارة الأربعين لها أساس عقائدي ومبنى معرفي والتي هي في مجال الإمامة، وهي استمرار للنبوة، وأهم بحث في النبوة هو نفسه في بحث التوحيد، أي المبدأ والمعاد، كما ان المعاد يرجع الى التوحيد، لأن جميعها يعود الى الحقيقة المطلقة وهي«إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» (البقرة: ۱۵۶)؛ ولذلك ترى انك تحصل بهذه الكلمة «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» على ثلاثة أجوبة. وعندما نرى وفي لحظات من النوم أغمضت عيني الإمام الحسين عليه السلام في إحدى ساعات السير، ولما انتبه الإمام(ع) كان يردد: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾. وكان ولده علي الأكبر إلى جانبه فسأله قائلاً: يا أبتِ لم استرجعت لا أراك الله سوءاً؟ أجابه الإمام(ع): يا ولدي خفقت خفقة فرأيت فارساً وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم! قال علي الأكبر: يا أبتِ ألسنا على الحق؟ وفوراً أجابه الإمام(ع): بلى نحن والله على الحق. قال علي الأكبر(ع): إذا والله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا !!
وكل هذه الأمور تعود الى التوحيد؛ لذلك ان إحياء الأربعين هو إحياءٌ للتوحيد والمعارف الوحيانية، وإذا نظرت من هذه الزواية فأنك تجد مبنى الحضارة الاسلامية العظيمة والحضارة الإنسانية والتي تضمنت الحرية والعزة والعقلانیة.
وتعتبر زيارة الإمام المعصوم خطوة نحو التوحيد، خلافا للبعض الذين يزعمون ان الزيارة شرك، وهذا الكلام يدل على انهم لا يعرفون المعارف الحقيقية، وإلا جميع مضامين الزيارة هي توحيدية، بل ان أصل الزيارة هي براءة من الشرك وجاءت لمواجهتها، وإذا نظرت من هذه الزواية الى الزيارة تجد انك أثناء تواجدك عند الأماكن المباركة للعتبات المقدسة، تتزود بالمعنوية وتنالك حالة توحيدية وحالة إلهية والالتفات الى الحق والله تعالى، وتدفع هذه الأجواء المعنوية بعد الخروج منها الى القيام بأعمال الخير، في ظل قبول المسؤولية وليس الهروب منها.
أبنا: هناك شيءٌ يمكن أنْ يكون صانع الحضارة ومن شأنها تأمين دين الإنسان ودنياه. ما هو العوامل الموجودة في الأربعين والتي يمكن من خلالها تفسير الحضارة، والذي يزداد سنة بعد سنة عدد محبي زيارة الأربعين وأتباعه؟
حتى يكون هذا البحث أكثر وضوحًا، ترى الآن في الغرب انهم يتشدقون بالحضارة والتحضر، والكثيرون كالصين القديمة، وفي الوقت الحاضر يطرحون نظام العولمة، كأمريكا التي تقدم للعالم نظاما عالميا جديدا أو القرية العالمية أو إدارة العالم وما شابه ذلك. وتزعم أنها تسیر في عصر الحداثة والعولمة. ولذا تتبع نفس المسار. كما تزعم اتجاهات كثيرة ومدارس فكرية مختلفة انها تتبع هذه الحضارة.وما هو موجود من الحضارة في الغرب، هي في الحقيقة رؤية دنيوية ونظرة سطحية، ولا تلتفت الى حقيقة الإنسان وباطنه ورقي الإنسان وسموه وأبديته، ولا ترى أي نوع من المعرفة في هذه الحضارة على الإطلاق. وعندما ترى المواد الإعلامية لمنظمة حقوق الإنسانية العالمية وتطلع على 30 فقرة في قائمتها، فلا تجد فيها إطلاقا مثل هذه المواضيع التي ذكرناها. وهي تتحدث عن الحرية، ولكنك لا تجد كلمة أو عبارة مثل حرية الإنسان من القيود والأغلال والنزوات والشهوات. وعندما تنظر الى الحرية من مبنى ليبرالي وخاصة في جانب اخلاقي يكون نتيجته نوع من الفسوق والفجور والسيئات. اذهب وانظر كيف كانت نتائج هكذا الحرية التي يسعى إليها الغرب الآن. ترى الآن حالة الحرية بمعنى الليبرالية الأخلاقية، التي تسببت الى المصائب والمشاكل.
والنقطة الأولى المطروحة في مجال الحضارة الإنسانية هي انه يجب أن يكون البحث فيها طبقا لتعريف حقيقة الإنسان. والإنسان ليس الإنسان الحسي فقط، ولا يمكن أن تكون لك نظرة مادية فقط فيما يرتبط بالإنسان. حيث قدّم الوحي والآيات ثلاثة أنواع من الإنسان، الأول: الإنسان الحسي، والثاني: الإنسان العقلي، والثالث: الإنسان الشهودي، وهو الإنسان الذي يصل الى مقام كشف الحقائق. وجاء أنبياء الله تعالى ليوصلوا الإنسان من الإنسان الحسي الى الإنساني العقلي ومن ثم الى الإنسان الشهودي. أي أن يكون الإنسان عاقلا وحكيما ومن أهل الشهود يشاهد الحقائق والبواطن، وهذه النقطة في غاية الأهمية. ولا يمكن لأي أحد أن يكون معلما في هكذا تغيير؛ ولذلك فإنّ تلك الحضارة التي أكدت على الدين والوحي، فهي الحضارة الإسلامية الحديثة، وتعود المبانية المعرفية إلى مجال التوحيد والنظرة الشاملة للإنسان. ويجب أن يكون لدينا تعريف شامل ودقيق للإنسان أولاً، وعلى أساسه نعرّف هذه الحضارة. كما أن في هذه الحضارة مجموعة من الأسس المعرفية مفادها أن الإنسان قد نشأ من حقيقة مطلقة ويرجع إلى نفس الحقيقة ويجب أن يتجه نحو الخلود. فكما اننا نقول يجب أن نذهب إلى الخلود، يجب علينا أن نبني عالماً يتناسب مع شأن الإنسان وتعريف حقيقة الإنسان ومكانة الإنسان. وهذا يعني أن الإنسان له شخصية إنسانية وأن يكون له سلوكاً إنسانياً.
إذن يجب ان يكون للإخلاق مكان هام في الحضارة الإنسانية. وعندما ترى ان الله تعالى يريد مدح النبي الأعظم (ص) يثني على أخلاقه(ص):«إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم: ۴)، وهذا يعني انه يعرّفه بمظهر خلق إلهي. وكما ان ادارة النبي مبنية على هذا الأساس «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» (آلعمران: ۱۵۹)، وهذه النقطة هامة، وفي هذه الحالة فان للاخلاق مكان عظيم، وكما ان الاخلاق ليست بمعنى السلوك الظاهري، فمثلا في الغرب عندما تتعامل في مجال الأخلاق، فأن معناها الابتسامة في وجه الآخرين،ولكن لهذه الابتسامة معنيان، المعنى الأول منشأه الباطني، والثاني ابتسامة يريد الحفاظ على ظاهرها فقط، والغرب يريد الظاهر منها، سواء ارتبط الظاهر بالباطن أم لا، وأحيانا لا يرتبط بالباطن اطلاقا. وفي محيط العمل الإداري مثلا الغرب يقول انه يجب ان نتصرف بصورة حسنة مع الآخرين، في حين نحن نقول يجب ان نتصرف بصورة حسنة مع الآخرين مؤمنين بذلك، ومع هذه النظرة التي نحن ننظر الى الإنسان ونعرّفه، يكون للإخلاق مكان عظيم.
والكرامة هي موضوع ثان يجب الاهتمام بها في الحضارة الإنسانية، وبالطبع ان الكرامة في الغرب التي يناشدون بها، وأن تحفظ كرامة الإنسان، تعريفها مختلف عندهم ولها تعريف خاص. كما انهم يتناولون العنصرية ويعرفونها كذلك، فترى مثلا قتل أعداد كثيرة من الاطفال والنساء في غزة، ولا كرامة لهم إطلاقا، ولكن تجد شخصا يشعر بألم في جزء من رأسه من نفس العرق، تكون الكرامة له!
وهنا نقول ان سعة عاشوراء هي سعة الحضارة، وقد تحولت زيارة الأربعين اليوم الى قدرة كبيرة لتشحن معنويات الزائرين وتجمع ملحمي عظيم. ولا شكَ ان العدو سيعدّ خططا لهذه القدرة والاقتدار، ويعمل بقرأة الأربعين في كيفية إفراغه من محتواه الحقيقي وتحريفه. وما وصلنا من زيارة الأربعين يجب الحفاظ عليه.
كما يجب ان نصون الأربعين من الخرفات وأن تكون نظرتنا عميقة وذات معرفة إليها، ويمكن اعتبار أحد آثار الأربعين هو انه يدعو الناس الى التضامن والتآلف وحفظ الكرامة والاهتمام بالقيم السامية، وإن مراجعة تلك المضامين تعني السعي لتحقيق العدالة الحقيقية.
ابنا: كان للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) هذه السنة نهج مختلف حيث حضر في
مدينة كربلاء المقدسة ونظّم لقاءات ومؤتمرات دولية بمقره في هذه المدينة.
منذ مجيئكم كانت لديكم لقاءات واتصالات مع الشيعة والنخب وزعماء الشيعة من
مختلف البلدان. تفضلوا بتوضيح ما قمتم بنشاطات جديدة وخطط في هذه السنة.
من الواضح ان المجمع العالمي لأهل البيت (ع) كان يجب ان يكون له حضورا هنا
ومن السنة الأولى كان ينبغي أن يتمتع بهذه الميزة. وبالطبع ان التواجد كان
لسنوات وبصور مختلفة، ولكن هذه السنة تختلف عن الماضي. وفي هذه السنة قمنا
بعملين مهمين، احدهما في يتمثل قسم العلاج، وهو رباطة أطباء بلا حدود، ولها
حضور لسنوات في الأربعين، في جامعة أهل البيت (ع) عند عامود 833، وكنت
أحضر كل سنة فيها، لكن لم استطع هذه السنة، وكان يجب عليّ الذهاب الى
كربلاء. ويعمل فيها نحو 300 الى 350 كادر طبي وممرض من ايران والعراق
وأماكن عدة على شكل رابطة أطباء بلا حدود. ولها موكب في أماكن أخرى في
كربلاء بشكل أكبر، وهذا أحد أعمال المجمع العالمي لأهل البيت (ع).
والقسم الآخر هو بالتالي زعماء ومبلغو العالم، يحضرون بصورة وأخرى في
الأربعين. وقلنا ينبغي ان نقدّم موكبا بهذا الثقل والمستوى. ويتسنى
للمبلغين وأعضاء الجمعية العامة ومجاميع لها علاقة بالمجمع يأتون هنا
ويقومون بنشاطاتهم. كوكالة أبنا التي لها 28 لغة، يمكن لها الحضور، وأن
تجري حوارات، وكذلك قناة الثقلين العالمية هي الأخرى يمكن لها الحضور
للقيام ببرامج وتسجيلها. كما انه يمكن إقامة لقاءات وجلسات، وأخيرا زوار
الأربعين من جميع الأماكن في كربلاء المقدسة يمكن لهم ان يحضروا فيها؛
لذلك، كان لدينا هنا نموذج من كل هذه البرامج تقريبًا، وكان ضيوفنا
البارزون جاءوا من القارة الأفريقية، وأمريكا وآسيا وأوروبا ، ومن جميع
القارات، ونظمّنا مؤتمرات جيدة هنا، وكان بعضها حول غزة، التي ترتكب فيها
جرائم كبيرة والتي تحولت الى سجن دولي كبير وأسفر العدوان عليها نحو أكثر
من 40 ألف شهيد خاصة من النساء والاطفال، وكما كان لدينا أمسيات شعرية
ترتبط بهذه القضايا. وكذلك أقمنا ندوة لضيوف تتعلق بالسيدات من 20 قومية،
وبتقديري كانت هذه اللقاءات جيدة ولها أثر. وأقمنا كذلك لقاءا للشباب الذين
حضروا من بلدان عدة، وكان اللقاء مفعما بالحيوية.
واتصور انه لا يتسنى للمرأ ان تحصل له مثل هذه اللقاءات الواسعة إلا هنا، وأدركنا وجميع الأصدقاء الدوليين في غضون هذه السنوات اننا لم نستفد جيدا من هذه القدرات، ولقد وفّرت لنا العتبة الحسينية المقدسة مكانًا لهذا الغرض، ونحن نشكر العتبة. وكانت التجربة ناجحة جدا جدا، في إجراء هذه البرامج، ويجب ان يتسع العمل في الاجتماعات واللقاءات والحوارات في السنوات الآتية، ولقد رأيت المبلغين الوافدين قد أعدوا تقريرا عن مناطقهم، وهكذا محبو أهل البيت (ع، وكل ذلك يحكي عن ان المجمع العالمي لأهل البيت (ع) كان ناجحا في العمل بصورة لائقة، ولعب دورا بارزا جيدا، ونشكر جميع كوادر المجمع ونثمن جهودهم، وان شاء الله تعالى يوفقنا للقيام في السنوات القادمة بخدمات واسعة من حيث الكم والنوع.
..................انتهى / 232