وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ على أعتاب عيد الغدير الأغر الذي يصادف يوم 18 ذي الحجة، حيث كان النبي (ص) صلى الله عليه وآله في هذا اليوم من السنة العاشرة للهجرة قام بأمر من الله بتنصيب علي بن أبي طالب عليه السلام خليفةً له وإماماً للمسلمين، وذلك في مكان يُسمى غدير خم، ومن هنا اقترنت الواقعة باسم هذا المكان، وفي كل عام يحتفل المسلمون الشيعة بهذه المناسبة العطرة العظيمة؛ فهي عيد الولاية .
وبهذا أجرى مراسل وكالة أهل البيت (ع) للأنباء AhlulBayt (a.s.) News Agency، حوارا مع الاستاذ السيد «مصدق مصدق بور» الخبير في الشؤون السياسية عبر موقع التواصل الاجتماع .
ثانیا - لم يكفّ الامام علیه السلام يده قط عن إظهار الحقّ، والإجهار بالحقيقة وبما كان قد حصل يوم الغدير بالاستفادة من أيّة فرصة سانحة. وکان یرد بصراحة علی کل من کان یواجهه بسؤال.
ثالثا – كان الامام علیه السلام عندما یکون بين الناس ویرى الأجواء مؤاتية یبادر بالحدیث عن واقعة الغدير ویدعوا من حضر منهم الواقعة أن يشهدوا بما أبصروا ورأوا ويحثّ الاشخاص الذي لاذوا بالصمت عن خوف او عن طمع على إظهار الحقّ والصدع به لكي لا تضيع الحقيقة على الجيل الجديد ولا تلتبس عليهم الحقيقة، ويصبحوا ضحيّة الجهل والتضليل.
رابعا – بقي الامام علي بن أبي طالب عليه السلام جليس داره زمناً طويلاً، ولم یقدم علی اي عمل سياسي أو تخطيطً عسكريً لإسقاط النظام الحاكم آنذاك، بل كان یقدّم الاستشارات الدینیة والقانونیة والسیاسیة لذلك النظام في القضايا المفصليّة.
خامسا – عندما وفد الیه المسلمون لمبایعته على الخلافة ـ بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان اعتذر عن قبول البیعة وطلب منهم أن یفکروا بطریق أخر وشارطهم على أنه يكون داعماً للحكومة التي يختارونها، ولعل السبب هو أن الأُمة قد انحرفت بعد نبيّها عن مسارها القویم الذي اختطَّه لها، ولا توجد فرصة للإصلاح بإقامة سلطة سیاسیة إلهية على يد خليفة معصوم، باستثناء ما سيقوم به الحجة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف .
--- ثمة عاملان لموضوع سوسيولوجيا الغدير یجب ان نأخذهما بعين الاعتبار :
الأول - اقتصار الدراسات حول موضوع الغدير على الناحية التاريخية والدينية والأدبية.
الثاني- غیاب موضوع الغدير في كتب علم الاجتماع السياسي التي تُعنى بدراسة السلطة وعلاقتها بالمجتمع والوقائع ذات الصلة بالمجتمعات الغربية.
وهذا العامل لایبدو غريبًا بحدّ ذاته لأن علم الاجتماع السياسي الذي يُدرّس في المجتمعات الإسلامية بشكل عام، والعربية بشكل خاص، إنما هو خاص بالمجتمعات الغربية.
في ظل هذه الخصائص، يكون الإمام مسؤولاً عن إرشاد وتوجيه الأمة، لكن من الواضح أنه لا يمكن أبداً إعادة الأمة إلى القاعدة دون تأسیس نظام قوي وخطة عمل وإدارة. لهذا السبب یعتبر الشیعة الإمامة على أنها "نظام الدين والعالم". وقال الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام " "ان الامام نظام الدین، عز المسلمین، غیظ المنافقین وبوار الکافرین.
كان تطلع أتباع مدرسة آل البيت علیهم السلام هو أن يحكم مثل هذا الشخص بهذه المواصفات والسجایا المجتمع الإسلامي. وانهم وفي ظل مثل هذه المثالية السامية، ثاروا دائمًا ضد السلاطين الفاسدين والقمعيين. وكتب المفكر العراقي الشهير الدكتور علي الوردي: يعتبر الشيعة ائمتهم معصومين من الخطيئة (منزهین من الفساد الأخلاقي والسياسي والاجتماعي). وهذا الاعتقاد، أي مبدأ العصمة، كان له نتائج اجتماعية وعملية عظيمة. لأنه كان نقداً غير مباشر لاستبداد وفساد الخلفاء والسلاطين والمتنفذين.
وكالة ابنا: ما هي أبرز مواقف سياسية للنبي (ص) في يوم الغدير
--- أكد النبي الاكرم (ص) على ولاية الامام علي (ع) في مناسبات كثيرة سبقت الغدير وتلته وهذا يكشف عن أن لعلي كل ما للرسول (ص) من صلاحيات وامتيازات في مجال إدارة المجتمع والأخذ بيده الى الفلاح والرقي، ولا ريب أن من تلك الابعاد بعد الولاية السياسية. لو سلمنا جدلاً ان المقصود من الولاية في يوم الغدير هي الولاية العرفانية، فهل يصح حمل حديث المنزلة عليها أيضاً؟ قطعا لا يمكن بحال من الاحوال اخراج الولاية السياسية عن مدلول هذا الحديث قطعاً. فمن الخطـأ الظن ان سؤال النبي "من أولى بالمؤمنين من انفسهم؟" قائم على العلاقة العرفانية فقط ولا يشمل الولاية السياسية .
وكالة ابنا: ما هو الدور السياسي للإمام علي (ع) في يوم الغدير ؟
قال : بابي أنت و أمي يا رسول الله ما وجبت ؟ قال : " وجبت له الجنة، والله ما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب ومن كل خطيئة ". قال : فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرائيل (عليه السَّلام) بقوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾. لم یختلف السنة و الشيعة أن الآية قد نزلت في الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) . وتثبت هذه الآية الولاية لله ورسوله (ص) وللإمام علي (عليه السَّلام) أيضاً. وهناك آية الصادقين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ و﴿ ...اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ أي مع علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) کما فسره السيوطي في الدر المنثور. وآية ثالثة: ﴿...إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ أي النبي المنذر محمد (صلى الله عليه و آله) وعلي الهادي (عليه السَّلام) كما صرح بذلك جمع من العلماء وروى في مستدرك الصحيحين. وأیضا آية اولي الامر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ...﴾ وصرح غير واحد من علماء ومفسرو السُنة ان المقصود بأولي الأمر هو علي (عليه السَّلام) والأئمة (عليهم السلام) من وُلده. آية التبليغ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾. وقرأنا للکثیر من المفسرین شأن نزول هذه الآیة في يوم الغدير لدى عودة النبي (صلى الله عليه و آله) من حجة الوداع في مكان يسمى بـ " غدير خم " آية الإكمال وهي: ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...﴾ وهذه الآية المباركة نزلت بعد أن نصب رسول الله (صلى الله عليه و آله) علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) خليفة له و إماماً على أمته في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة في مكان يقال له غدير خم . وهناك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على إمامة علي ( عليه السَّلام ) و خلافته بعد النبي ( صلى الله عليه و آله ) دون غيره منها:
﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ و(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) و( أنت ولي كل مؤمن بعدي ) و(هذا إمام البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول من خذله) وایضا قوله صلى الله عليه و آله و سلم : ( أوحي إليّ في علي ثلاث : أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين) .لقد نزل القرآن لکنه سیبقی ناقصا بدون مفسر رباني بعد النبي مؤهل تأهيلا ربانيا قادرا علی أن يستخرج منه کل متطلبات العقل البشري من خزین العلم والمعرفة الإلهية. لقد عجز کل العلماء في عصرنا أو غير عصرنا، أن يزعم أنه قادر علی أن يستخرج كنوز القرآن من خزائنه المقفلة من علماء الأزهر، وعلماء الحواضر الإسلامية من مذاهب السنة والشيعة. الی یومنا هذا لم يستطع أحد من هؤلاء أن یخبرنا ما معنى: ألف.لام. ميم. أو ح. م. ع. س. ق.أو ق، أو أ. ل . ر. ؟!
لاریب في ان المعلم الأول للقرآن الكريم بعد النبي صلى الله عليه وآله ، هو من قال: سلوني قبل أن تفقدوني. وهو الذي استطاع أن يفسر القرآن الذي فيه تبيان كل شئ ولكل جيل . ولا تتم النعمة العملية في بناء الإرادة البشرية وتحقيق عدالة الكتاب الإلهي إلا بمن يجسدها ويعلمها للناس ويقول: والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير ما فعلت.
وكالة ابنا: هل يمكن الاستناد الی القرآن الكريم الذي يؤمن به المسلمون سنة وشيعة في إثبات ولاية امير المؤمنين (ع) بمناسبة عيد الغدير الخم ؟
--- اذا اردنا ان نعرف هل توجد آية صريحة في القرآن الكريم تعلن امامة علي بن ابي طالب و ابنائه علیهم السلام ؟ ينبغي ان نعرف بأن الإمامة ركن من أركان الإسلام لا يقوم الإسلام إلا به وفقاً لما يحكم به العقل و الفطرة الإنسانية أولاً، و لما بين أيدينا من النصوص المعتبرة ثانياً اما ان نتوقع ان تکون کل تفاصیل ذلك منصوصا عليها في القرآن الكريم بصريح العبارة فهذا ليس لازما. هل نجد بياناً صريحا لتفاصيل الصلاة التي تشكل عمود الدين وايضا بالنسبة لبقية أركان الإسلام کالحج و الزكاة وهل یذکر القرآن عدد رکعات الصلاة او الرکوع او السجود التي لا تصح الصلاة إلا بها ؟
ما نعرفه وفهمناه أن القرآن يُشير إلى الأصول والكليات ـ في الغالب ـ و أما التفاصيل فيتركها لشخص الرسول محمد المصطفى (صلى الله عليه و آله) وهو الكفيل بتبیانها وتطبيقها، كما یصرَّح بذلك القرآن في أكثر من آية، قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾، وعندما نقرأ الایة : ﴿... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ نعرف ان لافرق بین ما ینص علیه القرآن الكريم وبيان الرسول الاعظم ( صلى الله عليه و آله)، هذا الرسول لا ینطق عن الهوی :﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ اذن استنادا الی هذه القاعدة فما ثبت صدوره من الرسول ( صلى الله عليه و آله ) هو ككلام الله عَزَّ و جَلَّ في الحجية و لزوم الأخذ به . وبناءً على ما تقدم ذکره فان أي تبرير بعدم وجود آية قرآنية بإسم الإمام علي ( عليه السَّلام ) بشکل صریح مع وجود آيات عديدة مدعومة بالأحاديث الصحيحة الصريحة المُثبتة لولايته وإمامته تبرير غير موضوعي وغير علمي و غير قويم اذ ليس من حقنا أن نطالب بالآيات وفق تقدیراتنا من الله سبحان وتعالى والعالم الحكيم اللطيف الخبير. قبل ان يسأل المشككون اين الآيات الصريحة الدالة على إمامة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) علیهم ان يأتوننا باية ونص قرآني صريح في اثبات وذكر أسماء الخلفاء الثلاثة الذين خلفوا الرسول ( صلى الله عليه و آله )!
هناك الكثير من النصوص المتواترة الدالة على إمامة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) وولايته وأفضليته من جميع الجهات، وخلافته الحصرية للرسول (صلى الله عليه وآله) : قول الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.أكثر من أربعين كتابا من المصادر الإسلامية تؤكد على أن هذه الآية قد نزلت في شأن الإمام علي (عليه السَّلام) منها للزمخشري المتوفى سنة : 528 هجرية، الذي قال ان هذه الآية نزلت في علي(عليه السلام) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه كأنه كان مَرِجا في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته. ان أهم ما قام الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله بتبليغه لمرافقيه في العام الاخير من عمره المبارك وعند عودته من حجة الوداع هو تعیین خلیفة له
لزعامة الامة الاسلامیة. ورغم ان هذا الابلاغ والاعلان العام جاء بأمر من الله تعالی لکنه کان یعبر عن إن ذلك كان مصدر قلق طبيعي لمهندس ومؤسس المدرسة الاسلامية تجاه مستقبل الأمة. وکان ذلك ضرورة اجتماعية ملحة يلبي توقعات وهواجس عقلاء العالم وان لم یکن الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله بمغفل عن ذلك حتى أيام حياته . وكان يعلم أن المجتمع بدون زعيم مثله مثل قطيع بلا راع، وسیکون معرضا للخلاف والانقسام وغزو الانتهازيين، لذلك كلما غادر المدينة المنورة في حرب أو غزوة لم يترکها بدون أمير وخليفة. فكيف يعقل ان يبرح الأمة ويتركها لحالها وهو عازم على سفر أبدي؟
من هنا وقف وسط مجموعة من الصحابة العظماء تحت أشعة الشمس الحارقة لصحراء الحجاز لیکمل رسالته. يعتقد علماء الشيعة وعدد من علماء السنة أن سورة المائدة ، وخاصة الآية 67 ، كانت آخر کلام أوحي به للنبي صلى الله عليه وسلم. ومرة أخرى، وهو يتجه نحو تبوك، قال لعلي (ع): انت منی بمنزلة هارون من موسی الا انه لا نبی بعدی. وبهذا الخطاب أختص النبي صلى الله عليه وسلم علیا علیه السلام بمقام الوزیر والصديق والمعاضد مفضلا اياه على الجميع وبمقام الخلافة في حياته وبعد وفاته. لأن القرآن الكريم بعطینا مصادیق جمیع هذه الصفات والمهام من خلال هارون.
بعد رحلة الرسول الاکرم صلى الله عليه وسلم بدأت النزاعات والصراعات علی السلطة بمفهومها السیاسي لمصادرة ولایة الامام علي عليه السلام الالهية . بالرغم من أن رحلة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخلافات الواسعة بين الصحابة على تولي الخلافة أمر محزن وكارثي ، إلا أنها تحمل رسالة مهمة، وهي أن قضية القيادة والحكم هما من أوضح المتطلبات البديهية للمجتمع الاسلامي واجمع على تحقيقها صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم)، لم یکن أحد يشك في ضرورة ان يكون هناك خليفة للمسلمين الا ان نقطة الخلاف رست عند الشخص الذي يكون مصداقا لذلك وطريقة التعيين والمبايعة. اعتقد الشيعة أن تعيين النبي (صلى الله عليه وسلم) علي (علیه السلام) خليفة له لادارة الدولة الاسلامية لم یکن فقط وفقًا لنص، ولكن أيضًا عقلیا کان أمرا لا مفر من قبوله؛ لأن العقل لا يقبل أن يتحدث قائد عن أصغر القضايا الشخصية والاجتماعية مع أتباعه، ويترك القضية الأهم للمجتمع في هالة من الغموض والصمت.كما أن الشيعة يعتبرون أن ادعاء التمسك بأغلبية أصوات الأمة أو إجماع الأمة أمر لا أساس له، خاصة إذا أراد أحد توثيقه بأقوال وأفعال وسلوك النبي صلى الله عليه. لأن الرجوع الى تصويت الأكثرية أو ترك أمر الأمة لأهل "الحل والعقد" من قبل شخص لا يتكلم إلا بلسان الوحى لا يبدو أمرا مناسباً وجدیرا.
طبعا ما حدث في السقيفة لم يكن تصويت الأغلبية، ولا الاحتکام الی أهل الحل والعقد اذ لم يكن هناك تصويت عام، کما ان الذین انتخبوا الخلیفة لم یکونوا جمیعا من اهل الحل والعقد ، خاصة وأن العديد من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه مثل ابن عباس والزبير وسلمان وأبو ذر ومقداد وعمار لم یکونوا حاضرین في السقيفة وقد عارضوا جمیعا قرارها بشدة. ويعلم الجميع أنه ان المبایعة التي تمت لم تكن على مستوى عام وواسع وانحصرت على قلة من الأشخاص المؤثرين وزعماء القبائل. وقال الخليفة الثاني، مع أنه المؤسس لهذه الخلافة: " ان من يلجأ إلى مثل هذا الأسلوب لا يستحق البیعة، وان من یعلن مثل هذه البیعة فان بیعته باطلة ً". لم يبق أهل السقيفة أوفياء حتى للطريقة التي ابتدعوها وتصرفوا بموجبها، بل لخليفة الأول اختار بعد سنوات عمر رسميًا خليفة له. بعد فعل الخليفة الأول، نشأ مثل التساؤل : إذا كان تنصیب خليفة امرا جائزًا، فلماذا لا يجوز ذلك للنبي صلى الله عليه، وإذا كان لا يجوز، فلماذا فعل الخليفة ذلك ؟
هنا يجب ان أشير الى المرتكزات والاسس القرأنية لنظام القيادة في مدرسة أهل البیت(علیهم السلام ): "و جعلنا منهم ائمة یهدون بامرنا لما صبروا و کانوا بایاتنا یوقنون."
"و جعلناهم ائمة یهدون بامرنا و اوحینا الیهم فعل الخیرات...""و ... قال انی جاعلک للناس اماما. "کما ان أهل البیت علیهم السلام جمیعا استشهدوا أيضًا بأقوال وسلوك الرسول صلى الله عليه، فقد اعتقدوا أن الإمام وزعيم المجتمع يجب أن يعينوا من قبل الله تعالى ومن خلال رسوله صلى الله عليه، ویکونوا معصومین ومنزهین من أي عیب ونقص خلقي وسببي. وان یکونوا قد ولدوا و ترعرعوا في أحضان أسرة طاهرة ومطهرة. وبالتالي فانه في اعراف الشيعة ان "الإمام" يتولی القيادة السياسية والفكرية والأخلاقية، ویتوقع منه إدارة الشؤون الاجتماعية والإرشاد والتوجيه الفكري والتربية الدينية والتطهير والتنشئة الأخلاقية أو«الامام المطهر من الذنوب، المبراء عن العیوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم».
..................
انتهى / 232
وبهذا أجرى مراسل وكالة أهل البيت (ع) للأنباء AhlulBayt (a.s.) News Agency، حوارا مع الاستاذ السيد «مصدق مصدق بور» الخبير في الشؤون السياسية عبر موقع التواصل الاجتماع .
فيما يلي نص الحوار مع الاستاذ الفاضل
وكالة ابنا : لماذا لم يواجه الإمام علي (ع) الجهاز الحاكم عسكريا مع أنه كان على الحق في تولي أمر المسلمين ؟
--- عندما أدرك الإمام عليّ عليه السلام أنّ الجهاز السياسي الحاكم راح ينتهز الفرصة في تجاهل واقعة الغدير وكتمانها، بادر إلى اُسلوب فاعل لمواجهة ذلك .
اولا – تجنب الإمام علیه السلام مواجهة الوضع الجديد بصورة تصادمیة مباشرة. اذ لم يَر قط مناسبا الالتحام في معركة حامية تخلف الفتن والاضطرابات، لأسباب كان يقدّرها. ثانیا - لم يكفّ الامام علیه السلام يده قط عن إظهار الحقّ، والإجهار بالحقيقة وبما كان قد حصل يوم الغدير بالاستفادة من أيّة فرصة سانحة. وکان یرد بصراحة علی کل من کان یواجهه بسؤال.
ثالثا – كان الامام علیه السلام عندما یکون بين الناس ویرى الأجواء مؤاتية یبادر بالحدیث عن واقعة الغدير ویدعوا من حضر منهم الواقعة أن يشهدوا بما أبصروا ورأوا ويحثّ الاشخاص الذي لاذوا بالصمت عن خوف او عن طمع على إظهار الحقّ والصدع به لكي لا تضيع الحقيقة على الجيل الجديد ولا تلتبس عليهم الحقيقة، ويصبحوا ضحيّة الجهل والتضليل.
رابعا – بقي الامام علي بن أبي طالب عليه السلام جليس داره زمناً طويلاً، ولم یقدم علی اي عمل سياسي أو تخطيطً عسكريً لإسقاط النظام الحاكم آنذاك، بل كان یقدّم الاستشارات الدینیة والقانونیة والسیاسیة لذلك النظام في القضايا المفصليّة.
خامسا – عندما وفد الیه المسلمون لمبایعته على الخلافة ـ بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان اعتذر عن قبول البیعة وطلب منهم أن یفکروا بطریق أخر وشارطهم على أنه يكون داعماً للحكومة التي يختارونها، ولعل السبب هو أن الأُمة قد انحرفت بعد نبيّها عن مسارها القویم الذي اختطَّه لها، ولا توجد فرصة للإصلاح بإقامة سلطة سیاسیة إلهية على يد خليفة معصوم، باستثناء ما سيقوم به الحجة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف .
وكالة ابنا: كيف يمكن ان ننظر الى واقعة الغدير من وجهة النظر السياسي ؟
الأول - اقتصار الدراسات حول موضوع الغدير على الناحية التاريخية والدينية والأدبية.
الثاني- غیاب موضوع الغدير في كتب علم الاجتماع السياسي التي تُعنى بدراسة السلطة وعلاقتها بالمجتمع والوقائع ذات الصلة بالمجتمعات الغربية.
وهذا العامل لایبدو غريبًا بحدّ ذاته لأن علم الاجتماع السياسي الذي يُدرّس في المجتمعات الإسلامية بشكل عام، والعربية بشكل خاص، إنما هو خاص بالمجتمعات الغربية.
یجب دراسة حادثة الغدير في اطار علم الاجتماع وفي الإطار الاجتماعي، وليس التاريخي السردي، أو الديني الشرعي، أو الأدبي الفني. کما ينبغي دراستها من خلال ربطها بالسلطة السياسية الضرورية لانتظام المجتمعات وتقدمها، والتعرّف علیها في إطار عواملها المجتمعية وضمن اختصاص علم الاجتماع السياسي حیث یتطلب دراسة قضية الغدير بصفتة ظاهرة سياسية اجتماعية وظاهرة تأسيسية لسلطة دينية وسياسية واجتماعية. وایضا لابد من تبيان علاقة سلطة الغدير بسلطة الفقيه الشيعي في عصر الغيبة.
اما الدروس السياسية المتعلقة بيوم الغدير التي يمكن الاستفادة منها یمکن ذکر البعض منها:
الإيمان بالولاية يساوي الإيمان بالرسالةفي ظل هذه الخصائص، يكون الإمام مسؤولاً عن إرشاد وتوجيه الأمة، لكن من الواضح أنه لا يمكن أبداً إعادة الأمة إلى القاعدة دون تأسیس نظام قوي وخطة عمل وإدارة. لهذا السبب یعتبر الشیعة الإمامة على أنها "نظام الدين والعالم". وقال الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام " "ان الامام نظام الدین، عز المسلمین، غیظ المنافقین وبوار الکافرین.
كان تطلع أتباع مدرسة آل البيت علیهم السلام هو أن يحكم مثل هذا الشخص بهذه المواصفات والسجایا المجتمع الإسلامي. وانهم وفي ظل مثل هذه المثالية السامية، ثاروا دائمًا ضد السلاطين الفاسدين والقمعيين. وكتب المفكر العراقي الشهير الدكتور علي الوردي: يعتبر الشيعة ائمتهم معصومين من الخطيئة (منزهین من الفساد الأخلاقي والسياسي والاجتماعي). وهذا الاعتقاد، أي مبدأ العصمة، كان له نتائج اجتماعية وعملية عظيمة. لأنه كان نقداً غير مباشر لاستبداد وفساد الخلفاء والسلاطين والمتنفذين.
وكالة ابنا: ما هي أبرز مواقف سياسية للنبي (ص) في يوم الغدير
--- أكد النبي الاكرم (ص) على ولاية الامام علي (ع) في مناسبات كثيرة سبقت الغدير وتلته وهذا يكشف عن أن لعلي كل ما للرسول (ص) من صلاحيات وامتيازات في مجال إدارة المجتمع والأخذ بيده الى الفلاح والرقي، ولا ريب أن من تلك الابعاد بعد الولاية السياسية. لو سلمنا جدلاً ان المقصود من الولاية في يوم الغدير هي الولاية العرفانية، فهل يصح حمل حديث المنزلة عليها أيضاً؟ قطعا لا يمكن بحال من الاحوال اخراج الولاية السياسية عن مدلول هذا الحديث قطعاً. فمن الخطـأ الظن ان سؤال النبي "من أولى بالمؤمنين من انفسهم؟" قائم على العلاقة العرفانية فقط ولا يشمل الولاية السياسية .
أن الولاية المعلنة في يوم الغدير هي ولاية عامة وأن ما ذهبوا اليه من توجيه الولاية بأنها ولاية عرفانية لا يعد مبرراً لاقصائه (ع) عن منصب الخلافة، مع اعتقادنا الجازم بان له عليه السلام ولاية عرفانية بالاضافة الى الولاية السياسية كما كان الامر بالنسبة الى الرسول (ص) و أن التفكيك بين الولايتين لا معنى له، بل لم يتعرض أحد من العلماء للتفكيك بينهما بالنسبة الى الرسول (ص)؛ من هنا من توفرت فيه جميع خصوصيات النبي (ص) هو الاحق بخلافته مطلقا سياسية كانت أم عرفانية. و أن إقصاءه و منحها لشخص غيره يعد من عجائب الأمور.
من هنا استطیع ان ألخص ابرز المواقف السیاسیة للنبي الاكرم (ص) يوم الغدير:
اولا: تقدم لاصحابه بهذا السؤال: أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ ولما اقروا بذلك قال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ. الحادثة الاخرى التي نقلها علماء أهل السنة واكدوها، انه لما مضى رسول الله (ص) يسير في أصحابه، حتى قدم تبوك. واستعمل على المدينة علياً (ع). وهذه هي الغزوة الوحيدة من الغزوات التي لم يشترك فيها عليُّ بن أبي طالب (ع) مع رسول الله (ص). فأرجف المنافقون بعلي (ع) وقالوا : ما خلَّفه الا استثقالاً له! فلمَّا سمع عليٌّ (ع) ذلك أخذ سلاحه و لحق برسول الله (ص)، فأخبره ما قال المنافقون، فقال: «كذبوا ، وإنَّما خلفتك لما ورائي، أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى ؟ الا أنَّه لا نبيَّ بعدي».وكالة ابنا: ما هو الدور السياسي للإمام علي (ع) في يوم الغدير ؟
قال : بابي أنت و أمي يا رسول الله ما وجبت ؟ قال : " وجبت له الجنة، والله ما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب ومن كل خطيئة ". قال : فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرائيل (عليه السَّلام) بقوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾. لم یختلف السنة و الشيعة أن الآية قد نزلت في الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) . وتثبت هذه الآية الولاية لله ورسوله (ص) وللإمام علي (عليه السَّلام) أيضاً. وهناك آية الصادقين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ و﴿ ...اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ أي مع علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) کما فسره السيوطي في الدر المنثور. وآية ثالثة: ﴿...إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ أي النبي المنذر محمد (صلى الله عليه و آله) وعلي الهادي (عليه السَّلام) كما صرح بذلك جمع من العلماء وروى في مستدرك الصحيحين. وأیضا آية اولي الامر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ...﴾ وصرح غير واحد من علماء ومفسرو السُنة ان المقصود بأولي الأمر هو علي (عليه السَّلام) والأئمة (عليهم السلام) من وُلده. آية التبليغ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾. وقرأنا للکثیر من المفسرین شأن نزول هذه الآیة في يوم الغدير لدى عودة النبي (صلى الله عليه و آله) من حجة الوداع في مكان يسمى بـ " غدير خم " آية الإكمال وهي: ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...﴾ وهذه الآية المباركة نزلت بعد أن نصب رسول الله (صلى الله عليه و آله) علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) خليفة له و إماماً على أمته في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة في مكان يقال له غدير خم . وهناك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على إمامة علي ( عليه السَّلام ) و خلافته بعد النبي ( صلى الله عليه و آله ) دون غيره منها:
﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ و(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) و( أنت ولي كل مؤمن بعدي ) و(هذا إمام البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول من خذله) وایضا قوله صلى الله عليه و آله و سلم : ( أوحي إليّ في علي ثلاث : أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين) .لقد نزل القرآن لکنه سیبقی ناقصا بدون مفسر رباني بعد النبي مؤهل تأهيلا ربانيا قادرا علی أن يستخرج منه کل متطلبات العقل البشري من خزین العلم والمعرفة الإلهية. لقد عجز کل العلماء في عصرنا أو غير عصرنا، أن يزعم أنه قادر علی أن يستخرج كنوز القرآن من خزائنه المقفلة من علماء الأزهر، وعلماء الحواضر الإسلامية من مذاهب السنة والشيعة. الی یومنا هذا لم يستطع أحد من هؤلاء أن یخبرنا ما معنى: ألف.لام. ميم. أو ح. م. ع. س. ق.أو ق، أو أ. ل . ر. ؟!
لاریب في ان المعلم الأول للقرآن الكريم بعد النبي صلى الله عليه وآله ، هو من قال: سلوني قبل أن تفقدوني. وهو الذي استطاع أن يفسر القرآن الذي فيه تبيان كل شئ ولكل جيل . ولا تتم النعمة العملية في بناء الإرادة البشرية وتحقيق عدالة الكتاب الإلهي إلا بمن يجسدها ويعلمها للناس ويقول: والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير ما فعلت.
وكالة ابنا: هل يمكن الاستناد الی القرآن الكريم الذي يؤمن به المسلمون سنة وشيعة في إثبات ولاية امير المؤمنين (ع) بمناسبة عيد الغدير الخم ؟
--- اذا اردنا ان نعرف هل توجد آية صريحة في القرآن الكريم تعلن امامة علي بن ابي طالب و ابنائه علیهم السلام ؟ ينبغي ان نعرف بأن الإمامة ركن من أركان الإسلام لا يقوم الإسلام إلا به وفقاً لما يحكم به العقل و الفطرة الإنسانية أولاً، و لما بين أيدينا من النصوص المعتبرة ثانياً اما ان نتوقع ان تکون کل تفاصیل ذلك منصوصا عليها في القرآن الكريم بصريح العبارة فهذا ليس لازما. هل نجد بياناً صريحا لتفاصيل الصلاة التي تشكل عمود الدين وايضا بالنسبة لبقية أركان الإسلام کالحج و الزكاة وهل یذکر القرآن عدد رکعات الصلاة او الرکوع او السجود التي لا تصح الصلاة إلا بها ؟
ما نعرفه وفهمناه أن القرآن يُشير إلى الأصول والكليات ـ في الغالب ـ و أما التفاصيل فيتركها لشخص الرسول محمد المصطفى (صلى الله عليه و آله) وهو الكفيل بتبیانها وتطبيقها، كما یصرَّح بذلك القرآن في أكثر من آية، قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾، وعندما نقرأ الایة : ﴿... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ نعرف ان لافرق بین ما ینص علیه القرآن الكريم وبيان الرسول الاعظم ( صلى الله عليه و آله)، هذا الرسول لا ینطق عن الهوی :﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ اذن استنادا الی هذه القاعدة فما ثبت صدوره من الرسول ( صلى الله عليه و آله ) هو ككلام الله عَزَّ و جَلَّ في الحجية و لزوم الأخذ به . وبناءً على ما تقدم ذکره فان أي تبرير بعدم وجود آية قرآنية بإسم الإمام علي ( عليه السَّلام ) بشکل صریح مع وجود آيات عديدة مدعومة بالأحاديث الصحيحة الصريحة المُثبتة لولايته وإمامته تبرير غير موضوعي وغير علمي و غير قويم اذ ليس من حقنا أن نطالب بالآيات وفق تقدیراتنا من الله سبحان وتعالى والعالم الحكيم اللطيف الخبير. قبل ان يسأل المشككون اين الآيات الصريحة الدالة على إمامة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) علیهم ان يأتوننا باية ونص قرآني صريح في اثبات وذكر أسماء الخلفاء الثلاثة الذين خلفوا الرسول ( صلى الله عليه و آله )!
هناك الكثير من النصوص المتواترة الدالة على إمامة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) وولايته وأفضليته من جميع الجهات، وخلافته الحصرية للرسول (صلى الله عليه وآله) : قول الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.أكثر من أربعين كتابا من المصادر الإسلامية تؤكد على أن هذه الآية قد نزلت في شأن الإمام علي (عليه السَّلام) منها للزمخشري المتوفى سنة : 528 هجرية، الذي قال ان هذه الآية نزلت في علي(عليه السلام) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه كأنه كان مَرِجا في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته. ان أهم ما قام الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله بتبليغه لمرافقيه في العام الاخير من عمره المبارك وعند عودته من حجة الوداع هو تعیین خلیفة له
لزعامة الامة الاسلامیة. ورغم ان هذا الابلاغ والاعلان العام جاء بأمر من الله تعالی لکنه کان یعبر عن إن ذلك كان مصدر قلق طبيعي لمهندس ومؤسس المدرسة الاسلامية تجاه مستقبل الأمة. وکان ذلك ضرورة اجتماعية ملحة يلبي توقعات وهواجس عقلاء العالم وان لم یکن الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله بمغفل عن ذلك حتى أيام حياته . وكان يعلم أن المجتمع بدون زعيم مثله مثل قطيع بلا راع، وسیکون معرضا للخلاف والانقسام وغزو الانتهازيين، لذلك كلما غادر المدينة المنورة في حرب أو غزوة لم يترکها بدون أمير وخليفة. فكيف يعقل ان يبرح الأمة ويتركها لحالها وهو عازم على سفر أبدي؟
من هنا وقف وسط مجموعة من الصحابة العظماء تحت أشعة الشمس الحارقة لصحراء الحجاز لیکمل رسالته. يعتقد علماء الشيعة وعدد من علماء السنة أن سورة المائدة ، وخاصة الآية 67 ، كانت آخر کلام أوحي به للنبي صلى الله عليه وسلم. ومرة أخرى، وهو يتجه نحو تبوك، قال لعلي (ع): انت منی بمنزلة هارون من موسی الا انه لا نبی بعدی. وبهذا الخطاب أختص النبي صلى الله عليه وسلم علیا علیه السلام بمقام الوزیر والصديق والمعاضد مفضلا اياه على الجميع وبمقام الخلافة في حياته وبعد وفاته. لأن القرآن الكريم بعطینا مصادیق جمیع هذه الصفات والمهام من خلال هارون.
بعد رحلة الرسول الاکرم صلى الله عليه وسلم بدأت النزاعات والصراعات علی السلطة بمفهومها السیاسي لمصادرة ولایة الامام علي عليه السلام الالهية . بالرغم من أن رحلة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخلافات الواسعة بين الصحابة على تولي الخلافة أمر محزن وكارثي ، إلا أنها تحمل رسالة مهمة، وهي أن قضية القيادة والحكم هما من أوضح المتطلبات البديهية للمجتمع الاسلامي واجمع على تحقيقها صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم)، لم یکن أحد يشك في ضرورة ان يكون هناك خليفة للمسلمين الا ان نقطة الخلاف رست عند الشخص الذي يكون مصداقا لذلك وطريقة التعيين والمبايعة. اعتقد الشيعة أن تعيين النبي (صلى الله عليه وسلم) علي (علیه السلام) خليفة له لادارة الدولة الاسلامية لم یکن فقط وفقًا لنص، ولكن أيضًا عقلیا کان أمرا لا مفر من قبوله؛ لأن العقل لا يقبل أن يتحدث قائد عن أصغر القضايا الشخصية والاجتماعية مع أتباعه، ويترك القضية الأهم للمجتمع في هالة من الغموض والصمت.كما أن الشيعة يعتبرون أن ادعاء التمسك بأغلبية أصوات الأمة أو إجماع الأمة أمر لا أساس له، خاصة إذا أراد أحد توثيقه بأقوال وأفعال وسلوك النبي صلى الله عليه. لأن الرجوع الى تصويت الأكثرية أو ترك أمر الأمة لأهل "الحل والعقد" من قبل شخص لا يتكلم إلا بلسان الوحى لا يبدو أمرا مناسباً وجدیرا.
طبعا ما حدث في السقيفة لم يكن تصويت الأغلبية، ولا الاحتکام الی أهل الحل والعقد اذ لم يكن هناك تصويت عام، کما ان الذین انتخبوا الخلیفة لم یکونوا جمیعا من اهل الحل والعقد ، خاصة وأن العديد من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه مثل ابن عباس والزبير وسلمان وأبو ذر ومقداد وعمار لم یکونوا حاضرین في السقيفة وقد عارضوا جمیعا قرارها بشدة. ويعلم الجميع أنه ان المبایعة التي تمت لم تكن على مستوى عام وواسع وانحصرت على قلة من الأشخاص المؤثرين وزعماء القبائل. وقال الخليفة الثاني، مع أنه المؤسس لهذه الخلافة: " ان من يلجأ إلى مثل هذا الأسلوب لا يستحق البیعة، وان من یعلن مثل هذه البیعة فان بیعته باطلة ً". لم يبق أهل السقيفة أوفياء حتى للطريقة التي ابتدعوها وتصرفوا بموجبها، بل لخليفة الأول اختار بعد سنوات عمر رسميًا خليفة له. بعد فعل الخليفة الأول، نشأ مثل التساؤل : إذا كان تنصیب خليفة امرا جائزًا، فلماذا لا يجوز ذلك للنبي صلى الله عليه، وإذا كان لا يجوز، فلماذا فعل الخليفة ذلك ؟
هنا يجب ان أشير الى المرتكزات والاسس القرأنية لنظام القيادة في مدرسة أهل البیت(علیهم السلام ): "و جعلنا منهم ائمة یهدون بامرنا لما صبروا و کانوا بایاتنا یوقنون."
"و جعلناهم ائمة یهدون بامرنا و اوحینا الیهم فعل الخیرات...""و ... قال انی جاعلک للناس اماما. "کما ان أهل البیت علیهم السلام جمیعا استشهدوا أيضًا بأقوال وسلوك الرسول صلى الله عليه، فقد اعتقدوا أن الإمام وزعيم المجتمع يجب أن يعينوا من قبل الله تعالى ومن خلال رسوله صلى الله عليه، ویکونوا معصومین ومنزهین من أي عیب ونقص خلقي وسببي. وان یکونوا قد ولدوا و ترعرعوا في أحضان أسرة طاهرة ومطهرة. وبالتالي فانه في اعراف الشيعة ان "الإمام" يتولی القيادة السياسية والفكرية والأخلاقية، ویتوقع منه إدارة الشؤون الاجتماعية والإرشاد والتوجيه الفكري والتربية الدينية والتطهير والتنشئة الأخلاقية أو«الامام المطهر من الذنوب، المبراء عن العیوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم».
..................
انتهى / 232