وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِئْسَ الطَّعامُ الْحَـرامُ".
يولي الإسلام أهمية كبرى لطعام الإنسان إن من جهة كونه نافعاً للبدن أو مُضِراً له، أو من جهة تأثيره على نفس الإنسان وصفائها، وعلى قلبه ومشاعره وعواطفه، وما ينتج عن ذلك من مواقف وسلوكيات، أو من جهة مصادره من حيث كونها مُباحَة مُحَلَّلة أو محرَّمة.
فالطعام يتغذَّى به الإنسان، وينعكس أثره على بدنه قوة وضَعفاً، وعافية ومرضاً، كما ينعكس على أخلاقه وسلوكه، والإسلام كما يهتَمُّ بسلامة وصحة وقوة بدن الإنسان يهتَمُّ بسلامته النفسية وقوّته الروحية.
ولا شك في أن الإنسان حقيقة هو النفس لا البدن، والبدن ليس إلا آلة للنفس تُظهِر بواسطته ما تريد، فبنفسه يريد ويعزم، وببدنه يفعل ويحقق إرادة النفس، وبها يتعامل مع الناس، والناس يقبلون عليه أو ينفرون منه بسبب ما يجدون في نفسه من فضائل أو رذائل، كما أنه يتعامل مع الله إقبالً عليه أو إعراضاً عنه بنفسه، فالنفس هي التي تقبل وهي التي تُعرِض، ولهذا ينصب اهتمام الإسلام على نفس الإنسان وبنائها وتزكيتها وتنمية فضائلها، وتجنيبها ما يؤثِّر فيها من مأكل ومشرب وأفعال وأحوال.
ويصنف القرآن الكريم الطعام إلى صنفين اثنين: الطعام الطَّيِّبُ: وهو الطعام الذي يفيد الإنسان ويكون أثره على بدنه ونفسه طيباً، والطعام الخبيث: وهو الذي يتأتّى منه الضرر الأكيد على بدنه وروحه، فيحلل الأول، ويحرم الثاني، قال تعالى: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ..."﴿157/ الأعراف﴾.
ثم إن كون الطعام طَيِّباً في شريعة الإسلام لا يقتصر على كونه نافعاً للبدن والنفس، بل يجب أن يكون حائزاً على شرطين اثنين: أولهما: أن يكون مما أحلَّته الشريعة، والثاني: أن يحصل عليه الإنسان من طريق حلال، وكون الطعام خبيثاً لا يقتصر على كونه مُضراً للبدن والنفس بل يشمل ما يتمُّ كسبه من طريق حرام ولو كان بالأصل حلالاً، فإذا كان مسروقاً أو مغصوباً فأكله حرام بلا شك، وهكذا لو لم تتوفَّر فيه شروط الحِلِّية الأخرى، فلحم الغنم مثلاً حلال بلا ريب، لكن لو سَرَقه الإنسان فأكله حرام، وكذلك لو كان غير مُذكَّى تذكية شرعية، أي ليس مَذبوحاً وفق الشروط الشرعية المقررة للذباحة. وكذلك الأمر لو كان الطعام نَجِساً أو متنجِّساً.
وقد بَيَّنت النصوص الإسلامية الشريفة الكثير من الأثار النفسية الخطيرة لأكل الطعام المحرم، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَن أكَلَ لُقْمَةً مِن حَرامٍ لَم تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أرْبَعينَ لَيلةً". ورُوِيَ عنه (ص) أنه قال: "إنَّ اللَّهَ عزّ وَجَلّ حَرّمَ الجَنّةَ جَسَداً غُذِيَ بحَرامٍ". وعنه أيضاً أنه قال: "إذا وَقَعتِ اللُّقْمَةُ مِن حَرامٍ في جَوفِ العَبدِ لَعَنهُ كُلُّ مَلَكٍ في السّماواتِ والأرضِ". وقال: "العِبادَةُ مَع أكْلِ الحَرامِ كالبِناءِ على الرَّمْلِ". إلى غير ذلك من الآثار المهلكة في الدنيا وفي الآخرة.
أما في الطِّب فقد صَنَّفوا الطعام إلى صنفين أيضاً: الطعام الصحِّي والطعام غير الصحي، ودعوا الإنسان إلى تغذية بدنه بالأطعمة الصحية، وتجنُّب الطعام غير الصحي، لكنهم يُقصرون النظر هنا على منفعة البدن ومضرته، وبما أنهم يصبون اهتمامهم على البدن لا النفس فإنهم يبيحون ما هو حرام في الدين، والدين لا يفكك بين النفس والبدن، بل ينظر إليهما معاً ويحرص على سلامتهما ومنفعتهما معاً باعتبار أن الإنسان يتشكل منهما لا من أحدهما، فالإنسان بدن ونفس.
لكن الدراسات الحديثة أثبتت أن للطعام تأثيراً هائلاً على نفس الإنسان ومشاعره وعواطفه، فالطعام لا يمُدُّ البدن بالطاقة التي يحتاجها وحسب، بل إن له تأثيراً على نفس الإنسان، وعلى أداء الدماغ لوظيفته بكفاءة عالية، وعلى ذاكرته، وزيادة أو نقص الانتباه، كما أنه مسؤول عن شعور الإنسان بالسعادة، أو شعوره بالحزن والكآبة، وإصابته بنوبات القَلَقِ والتَّوَتُر وتغَيُّر المزاج.
وتؤكد تلك الدراسات على أن بعض الأطعمة قد تكون طيبة المذاق لذيذة ولكن تأثيرها على النفس يكون سلبياً، وهذا ينسجم مع رؤية الإسلام وشريعته الغَرّاء، ولا عجَب في أن تسبق شريعة الإسلام الدارسين والباحثين إلى ما توصَّلوا إليه فإنها صادرة من الله الخالق للإنسان والحكيم الخبير بما ينفعه ويضره بدنيا ونفسياً.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.........
انتهى/ 278
يولي الإسلام أهمية كبرى لطعام الإنسان إن من جهة كونه نافعاً للبدن أو مُضِراً له، أو من جهة تأثيره على نفس الإنسان وصفائها، وعلى قلبه ومشاعره وعواطفه، وما ينتج عن ذلك من مواقف وسلوكيات، أو من جهة مصادره من حيث كونها مُباحَة مُحَلَّلة أو محرَّمة.
فالطعام يتغذَّى به الإنسان، وينعكس أثره على بدنه قوة وضَعفاً، وعافية ومرضاً، كما ينعكس على أخلاقه وسلوكه، والإسلام كما يهتَمُّ بسلامة وصحة وقوة بدن الإنسان يهتَمُّ بسلامته النفسية وقوّته الروحية.
ولا شك في أن الإنسان حقيقة هو النفس لا البدن، والبدن ليس إلا آلة للنفس تُظهِر بواسطته ما تريد، فبنفسه يريد ويعزم، وببدنه يفعل ويحقق إرادة النفس، وبها يتعامل مع الناس، والناس يقبلون عليه أو ينفرون منه بسبب ما يجدون في نفسه من فضائل أو رذائل، كما أنه يتعامل مع الله إقبالً عليه أو إعراضاً عنه بنفسه، فالنفس هي التي تقبل وهي التي تُعرِض، ولهذا ينصب اهتمام الإسلام على نفس الإنسان وبنائها وتزكيتها وتنمية فضائلها، وتجنيبها ما يؤثِّر فيها من مأكل ومشرب وأفعال وأحوال.
ويصنف القرآن الكريم الطعام إلى صنفين اثنين: الطعام الطَّيِّبُ: وهو الطعام الذي يفيد الإنسان ويكون أثره على بدنه ونفسه طيباً، والطعام الخبيث: وهو الذي يتأتّى منه الضرر الأكيد على بدنه وروحه، فيحلل الأول، ويحرم الثاني، قال تعالى: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ..."﴿157/ الأعراف﴾.
ثم إن كون الطعام طَيِّباً في شريعة الإسلام لا يقتصر على كونه نافعاً للبدن والنفس، بل يجب أن يكون حائزاً على شرطين اثنين: أولهما: أن يكون مما أحلَّته الشريعة، والثاني: أن يحصل عليه الإنسان من طريق حلال، وكون الطعام خبيثاً لا يقتصر على كونه مُضراً للبدن والنفس بل يشمل ما يتمُّ كسبه من طريق حرام ولو كان بالأصل حلالاً، فإذا كان مسروقاً أو مغصوباً فأكله حرام بلا شك، وهكذا لو لم تتوفَّر فيه شروط الحِلِّية الأخرى، فلحم الغنم مثلاً حلال بلا ريب، لكن لو سَرَقه الإنسان فأكله حرام، وكذلك لو كان غير مُذكَّى تذكية شرعية، أي ليس مَذبوحاً وفق الشروط الشرعية المقررة للذباحة. وكذلك الأمر لو كان الطعام نَجِساً أو متنجِّساً.
وقد بَيَّنت النصوص الإسلامية الشريفة الكثير من الأثار النفسية الخطيرة لأكل الطعام المحرم، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَن أكَلَ لُقْمَةً مِن حَرامٍ لَم تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أرْبَعينَ لَيلةً". ورُوِيَ عنه (ص) أنه قال: "إنَّ اللَّهَ عزّ وَجَلّ حَرّمَ الجَنّةَ جَسَداً غُذِيَ بحَرامٍ". وعنه أيضاً أنه قال: "إذا وَقَعتِ اللُّقْمَةُ مِن حَرامٍ في جَوفِ العَبدِ لَعَنهُ كُلُّ مَلَكٍ في السّماواتِ والأرضِ". وقال: "العِبادَةُ مَع أكْلِ الحَرامِ كالبِناءِ على الرَّمْلِ". إلى غير ذلك من الآثار المهلكة في الدنيا وفي الآخرة.
أما في الطِّب فقد صَنَّفوا الطعام إلى صنفين أيضاً: الطعام الصحِّي والطعام غير الصحي، ودعوا الإنسان إلى تغذية بدنه بالأطعمة الصحية، وتجنُّب الطعام غير الصحي، لكنهم يُقصرون النظر هنا على منفعة البدن ومضرته، وبما أنهم يصبون اهتمامهم على البدن لا النفس فإنهم يبيحون ما هو حرام في الدين، والدين لا يفكك بين النفس والبدن، بل ينظر إليهما معاً ويحرص على سلامتهما ومنفعتهما معاً باعتبار أن الإنسان يتشكل منهما لا من أحدهما، فالإنسان بدن ونفس.
لكن الدراسات الحديثة أثبتت أن للطعام تأثيراً هائلاً على نفس الإنسان ومشاعره وعواطفه، فالطعام لا يمُدُّ البدن بالطاقة التي يحتاجها وحسب، بل إن له تأثيراً على نفس الإنسان، وعلى أداء الدماغ لوظيفته بكفاءة عالية، وعلى ذاكرته، وزيادة أو نقص الانتباه، كما أنه مسؤول عن شعور الإنسان بالسعادة، أو شعوره بالحزن والكآبة، وإصابته بنوبات القَلَقِ والتَّوَتُر وتغَيُّر المزاج.
وتؤكد تلك الدراسات على أن بعض الأطعمة قد تكون طيبة المذاق لذيذة ولكن تأثيرها على النفس يكون سلبياً، وهذا ينسجم مع رؤية الإسلام وشريعته الغَرّاء، ولا عجَب في أن تسبق شريعة الإسلام الدارسين والباحثين إلى ما توصَّلوا إليه فإنها صادرة من الله الخالق للإنسان والحكيم الخبير بما ينفعه ويضره بدنيا ونفسياً.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.........
انتهى/ 278