وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْعُهُودِ قِلَّةُ الرِّعايَةِ".
العُهودُ: جَمع عَهدٍ، وهو كل ما عُوهِدَ اللَّهُ عليه، وكلُّ ما بين العبادِ من المواثِيقِ، فهو عَهْدٌ.
وذكر الفقهاء المسلمون أن العهد هو أن يعاهد العبدُ اللهَ تعالى على فعل أمر أو تركه.
ولا ينعقد بالنية فقط بل لا بد من التلفظ بصيغة محددة بأن يقول: عاهدت اللهَ، أو عَلَيَّ عهد الله أن أفعل كذا أو أترك كذا. فإن انعقد وجب الالتزام به، فإن نقض عهده وجب عليه التكفير عن ذلك إما بصيام شهرين متتابعين، أو بإطعام ستين مسكيناً أو بعتق رقبة. وهذا يدل على أهمية العهد وأهمية الوفاء به، بحسب ما نقلته وكالة إكنا.
ولمّا كان العهد ركيزة الإيمان بالله، وأُسٌّ من أُسُسِ الدين، ومحور للتعاون والتشارك والتبادل بين الناس، والذي لا يستقِرُّ إلا بالاستقامة والثقة والنظافة في ضمير الفرد والجماعة، ولمّا كان الالتزام بالعهد فضيلة أخلاقية يُلزم بها العقل ويؤيده في الدين، فقد أوجب الله الوفاء بالعهد، وحذَّر من نكثه، وأعلن أن الإنسان مسؤول عن عهوده محاسب عليها يوم الدين، وقد تكرَّر الكلام عن الوفاء بالعهد في صور شتى في القرآن الكريم، حيث جاء تارة بصورة الثناء على الذين يوفون بعهودهم، والكشف عن أن الوفاء بالعهد صفة أخلاقية سامية من صفات المؤمن.
وجاء تارة أخرى بصورة التحذير من نقض العهد وما يترتب عليه من آثار سلبية على علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالناس، لأن الله تعالى يريد له أن يحترم عهوده والتزاماته ويحترم الآخرين الذين يرتبط معهم بمواثيق غليظة يجب عليهم جميعا الالتزام بها، حفظاً للنظام الاجتماعي، وحرصاً على استقراره، وتأكيداً على عنصر الثقة بين الأفراد، وهو العنصر الذي إذا ما افتقده الناس ببعضهم استحالت حياتهم جحيما لا يُطاق.
قال تعالى: "... وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً"﴿34/ الإسراء﴾.أي أوفوا بما عاهدتم الله من التزام ما كلفكم به، سواء التزم به الإنسان من تلقاء نفسه مع الله، أو كان من لوازم التزامه برسالة الله وعقيدته وشريعته، فكل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد، سواء كان بين العبد وربه، أو بين العباد بعضهم وبعض، كالبيوع والتجارات والعهود التعاقدية وما يكون في المعاملات المالية أو في العلاقات الإنسانية أو المعاهدات بين الأفراد والجماعات والدول.
إن الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، والوفاء يختصُّ بالإنسان، فمن فُقِد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قوامًا لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتمُّ تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب، وارتفع التعايش، فقد جاء عن رسول الله (ص): "لا دِينَ لِمَن لا عَهدَ لَهُ" أي لا دين لمن ينقض عهده ولا يلتزم بوعده.
إن الثقة بين الأفراد تمثل أهم عناصر الثبات والاستقرار للمجتمع الإنساني، والمجتمع يحتاجها في جميع مفاصله وأحواله وساحاته، فالزوجية، والأخوة، والجيرة، والمواطنة، والشراكة، والسياسة، والاقتصاد، والعمل، والتعليم، وجميع العلاقات الإنسانية، كل ذلك يقوم على عهود ومواثيق غليظة، ولهذا يكون العهد مسؤولاً، وكما أكَّدت الآية التي سلف ذكرها، كذلك أكَّدته النصوص الدينية الشريفة.
فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "إنَّ العُهُودَ قَلائدُ في الأَعْنَاقِ إلى يَومِ القِيامَةِ، فمَن وَصَلَها وَصَلَهُ اللَّهُ، ومَن نَقَضَها خَذَلَهُ اللَّهُ، ومَنِ استَخَفَّ بِها خاصَمَتهُ إلَى الّذي أكَّدَها وأخَذَ خَلقَهُ بِحِفظِها" وجاء عنه (ع) أيضاً في كتابه لمالك الأشتر لمّا ولّاه مِصرَ: "وإِنْ عَقَدْتَ بَينَكَ وبَينَ عَدُوِّكَ عُقدَةً، أو ألبَستَهُ مِنكَ ذِمَّةً، فحُطْ عَهدَكَ بِالوَفاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأمانَةِ، وَاجْعَلْ نَفسَكَ جُنَّةً دونَ ما أعطَيتَ؛ فإنَّهُ لَيسَ مِنْ فَرائضِ اللَّهِ شَيءٌ النّاسُ أشَدُّ عَلَيهِ اجتِماعاً - مَعَ تَفَرُّقِ أهوائهِم، وتَشَتُّتِ آرائهِمْ - مِنْ تَعظيمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ، وقَد لَزِمَ ذلكَ المُشرِكونَ فِيْما بَينَهُم دونَ المُسلِمينَ لِما اسْتَوبَلوا مِنْ عَواقِبِ الغَدرِ، فَلا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، ولا تَخِيسَنَّ بِعَهدِكَ، ولا تَختِلَنَّ عَدُوَّكَ".
وبما تقدم يتضح لنا مراد الإمام (ع) من قوله: "آفَةُ الْعُهُودِ قِلَّةُ الرِّعايَةِ" فإن عدم رعاية العهود والنكث بها، ونقض العقود والمواثيق فضلا عن كونه سلوكاً أخلاقيا سيئاً ينحَطُّ بصاحبه إلى أسوأ الدركات، ويصَيِّره أسوأ البشر أخلاقاً، وينقله من مجتمع الصادقين إلى مجتمع المنافقين والناكثين، فإن تداعياته الاجتماعية شديدة الخطورة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.......
انتهى/ 278
العُهودُ: جَمع عَهدٍ، وهو كل ما عُوهِدَ اللَّهُ عليه، وكلُّ ما بين العبادِ من المواثِيقِ، فهو عَهْدٌ.
وذكر الفقهاء المسلمون أن العهد هو أن يعاهد العبدُ اللهَ تعالى على فعل أمر أو تركه.
ولا ينعقد بالنية فقط بل لا بد من التلفظ بصيغة محددة بأن يقول: عاهدت اللهَ، أو عَلَيَّ عهد الله أن أفعل كذا أو أترك كذا. فإن انعقد وجب الالتزام به، فإن نقض عهده وجب عليه التكفير عن ذلك إما بصيام شهرين متتابعين، أو بإطعام ستين مسكيناً أو بعتق رقبة. وهذا يدل على أهمية العهد وأهمية الوفاء به، بحسب ما نقلته وكالة إكنا.
ولمّا كان العهد ركيزة الإيمان بالله، وأُسٌّ من أُسُسِ الدين، ومحور للتعاون والتشارك والتبادل بين الناس، والذي لا يستقِرُّ إلا بالاستقامة والثقة والنظافة في ضمير الفرد والجماعة، ولمّا كان الالتزام بالعهد فضيلة أخلاقية يُلزم بها العقل ويؤيده في الدين، فقد أوجب الله الوفاء بالعهد، وحذَّر من نكثه، وأعلن أن الإنسان مسؤول عن عهوده محاسب عليها يوم الدين، وقد تكرَّر الكلام عن الوفاء بالعهد في صور شتى في القرآن الكريم، حيث جاء تارة بصورة الثناء على الذين يوفون بعهودهم، والكشف عن أن الوفاء بالعهد صفة أخلاقية سامية من صفات المؤمن.
وجاء تارة أخرى بصورة التحذير من نقض العهد وما يترتب عليه من آثار سلبية على علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالناس، لأن الله تعالى يريد له أن يحترم عهوده والتزاماته ويحترم الآخرين الذين يرتبط معهم بمواثيق غليظة يجب عليهم جميعا الالتزام بها، حفظاً للنظام الاجتماعي، وحرصاً على استقراره، وتأكيداً على عنصر الثقة بين الأفراد، وهو العنصر الذي إذا ما افتقده الناس ببعضهم استحالت حياتهم جحيما لا يُطاق.
قال تعالى: "... وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً"﴿34/ الإسراء﴾.أي أوفوا بما عاهدتم الله من التزام ما كلفكم به، سواء التزم به الإنسان من تلقاء نفسه مع الله، أو كان من لوازم التزامه برسالة الله وعقيدته وشريعته، فكل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد، سواء كان بين العبد وربه، أو بين العباد بعضهم وبعض، كالبيوع والتجارات والعهود التعاقدية وما يكون في المعاملات المالية أو في العلاقات الإنسانية أو المعاهدات بين الأفراد والجماعات والدول.
إن الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، والوفاء يختصُّ بالإنسان، فمن فُقِد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قوامًا لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتمُّ تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب، وارتفع التعايش، فقد جاء عن رسول الله (ص): "لا دِينَ لِمَن لا عَهدَ لَهُ" أي لا دين لمن ينقض عهده ولا يلتزم بوعده.
إن الثقة بين الأفراد تمثل أهم عناصر الثبات والاستقرار للمجتمع الإنساني، والمجتمع يحتاجها في جميع مفاصله وأحواله وساحاته، فالزوجية، والأخوة، والجيرة، والمواطنة، والشراكة، والسياسة، والاقتصاد، والعمل، والتعليم، وجميع العلاقات الإنسانية، كل ذلك يقوم على عهود ومواثيق غليظة، ولهذا يكون العهد مسؤولاً، وكما أكَّدت الآية التي سلف ذكرها، كذلك أكَّدته النصوص الدينية الشريفة.
فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "إنَّ العُهُودَ قَلائدُ في الأَعْنَاقِ إلى يَومِ القِيامَةِ، فمَن وَصَلَها وَصَلَهُ اللَّهُ، ومَن نَقَضَها خَذَلَهُ اللَّهُ، ومَنِ استَخَفَّ بِها خاصَمَتهُ إلَى الّذي أكَّدَها وأخَذَ خَلقَهُ بِحِفظِها" وجاء عنه (ع) أيضاً في كتابه لمالك الأشتر لمّا ولّاه مِصرَ: "وإِنْ عَقَدْتَ بَينَكَ وبَينَ عَدُوِّكَ عُقدَةً، أو ألبَستَهُ مِنكَ ذِمَّةً، فحُطْ عَهدَكَ بِالوَفاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأمانَةِ، وَاجْعَلْ نَفسَكَ جُنَّةً دونَ ما أعطَيتَ؛ فإنَّهُ لَيسَ مِنْ فَرائضِ اللَّهِ شَيءٌ النّاسُ أشَدُّ عَلَيهِ اجتِماعاً - مَعَ تَفَرُّقِ أهوائهِم، وتَشَتُّتِ آرائهِمْ - مِنْ تَعظيمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ، وقَد لَزِمَ ذلكَ المُشرِكونَ فِيْما بَينَهُم دونَ المُسلِمينَ لِما اسْتَوبَلوا مِنْ عَواقِبِ الغَدرِ، فَلا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، ولا تَخِيسَنَّ بِعَهدِكَ، ولا تَختِلَنَّ عَدُوَّكَ".
وبما تقدم يتضح لنا مراد الإمام (ع) من قوله: "آفَةُ الْعُهُودِ قِلَّةُ الرِّعايَةِ" فإن عدم رعاية العهود والنكث بها، ونقض العقود والمواثيق فضلا عن كونه سلوكاً أخلاقيا سيئاً ينحَطُّ بصاحبه إلى أسوأ الدركات، ويصَيِّره أسوأ البشر أخلاقاً، وينقله من مجتمع الصادقين إلى مجتمع المنافقين والناكثين، فإن تداعياته الاجتماعية شديدة الخطورة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.......
انتهى/ 278