وتحت عنوان «وقف الاحتقان وتهدئة النفوس» رعت السلطات السورية الجديدة واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري في سوريا، بالتزامن مع إطلاق تصريحات مفادها أنّ الحكومة مستعدة لإجلاء البدو وأبناء العشائر الراغبين بمغادرة منازلهم القريبة من دائرة الصراع «بشكل آمن» إلى خارج حدود محافظة السويداء الإدارية.

22 يوليو 2025 - 19:13

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ تحوّل تهجير البدو من الجنوب السوري - في الريف المحيط بمحافظة السويداء - إلى المادة الأكثر رواجاً عبر وسائل الإعلام السورية الحكومية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن تصدرت المواجهات الدامية بين العشائر والفصائل الدرزية المحلية المشهد لأكثر من أسبوع.

وتحت عنوان «وقف الاحتقان وتهدئة النفوس» رعت السلطات السورية الجديدة واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري في سوريا، بالتزامن مع إطلاق تصريحات مفادها أنّ الحكومة مستعدة لإجلاء البدو وأبناء العشائر الراغبين بمغادرة منازلهم القريبة من دائرة الصراع «بشكل آمن» إلى خارج حدود محافظة السويداء الإدارية.

وبدأت العملية صباح يوم الإثنين الموافق لـ 21 تموز، إذ توافدت الحافلات إلى مدينة السويداء لبدء «تأمين خروج» عائلات البدو، باتجاه مراكز إيواء في درعا ودمشق بالتنسيق مع الهلال الأحمر العربي السوري.

ووصلت الدفعة الأولى من أبناء عشائر البدو إلى ريف درعا الشرقي، في دفعة ضمّت أكثر من 350 شخصاً، حيث تم نقلهم إلى بلدة بصر الحرير في ريف درعا الشرقي، ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن محافظة درعا تجاوز عدد العائلات التي غادرت السويداء الـ1000 عائلة.

بحسب تصريحات قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، أحمد الدالاتي، فإنّ رعاية الحكومة السورية لعملية الإجلاء هدفها «تفكيك الأزمة المندلعة بين الدروز والبدو وتهدئة نفوس أبناء العشائر»، وفقاً لتعبيره.

من جانبها، حمّلت البيانات الرسمية الصادرة عن جهات تابعة للحكومة السورية مسؤولية التهجير القسري للبدو، للدروز في السويداء، قائلةً إنّ مشايخ الطائفة الدرزية في سوريا وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري، دعوا في بياناتهم إلى إفراغ القرى البدوية من سكانها.

ووفقاً لمصادر محلية من السويداء، فإنّ تعميم الشيخ الهجري كان مفاده أنّ «البدو والعشائر هم أهلنا، ويمنع المساس بهم، كما يجب حمايتهم»، مضيفةً أنّ مشايخ العقل أعلنوا تبرؤهم ممن يعتدي على البدو خاصة العائلات التي استجارت بالفصائل المحلية الدرزية خلال الاشتباكات.

وأضافت المصادر أنّ الضخ الإعلامي الحكومي للترويج لفكرة «طرد البدو من قبل الدروز في السويداء»، يهدف إلى تأليب التفرقة بين مكونات الشعب السوري، و«هو ما لا يجب على حكومة أن تفعله حيال شعبها».

وأكد ناشط درزي من مدينة السويداء أنّ إخراج البدو من محافظة السويداء «مؤامرة كبيرة وليست خطوة مؤقتة، هدفها التغيير الديموغرافي للشعب السوري في الجنوب، برعاية أميركية - إسرائيلية خدمةً لمخططاتهم التي تُبنى على التفرقة والتقسيم».

وأشار الناشط إلى أنّ البدو هم مواطنون من أبناء المحافظات، والخلافات بينهم وبين الدروز في السويداء كانت تحصل على مدار العقود الماضية، ولم تصل الأمور إلى حد «التهجير»، أو مطالبة الدروز بترحيلهم من منازلهم كشرط لوقف إطلاق النار في المحافظة.

وأضاف أنّ ترحيلهم اليوم عن طريق الحكومة السورية، مع وجود ماكينة إعلامية مضللة توحي للرأي العام بأنّ الدروز يقومون بإجبارهم على ترك منازلهم، ما هي إلا مساعٍ تهدف إلى إقامة «كانتون» جنوبي وفقاً لأهواء الاحتلال الإسرائيلي.

من جانبه، قال ناشط آخر من بدو السويداء إنّ «إسرائيل» تريد أن تبقي على الدروز في الجنوب السوري لأنها وفقاً لمعتقداتها لا تأمن للبدو والعشائر، وتعتبرهم من الشعوب التي تشكل خطراً على «أمنها القومي»، لكونهم يشكلون بيئات اجتماعية ذات خصوصية معينة، من الصعب تطويعها.

وتابع أنّ الحكومة السورية الحالية تجري مفاوضات مع إسرائيل، وهذا الأمر لم يعد سراً بل تصدر عناوين الصحافة، خاصةً لقاء أذربيجان الذي اندلعت عقبه المواجهات في السويداء، مرجحاً أنّ يكون المشهد في الجنوب هو «جزء من مخطط سوري - إسرائيلي، ينتهي بتغيير وجه المنطقة ديموغرافياً بما يتناسب مع مصالح إسرائيل».

الضخ الإعلامي الذي تبذله السلطات الجديدة والقنوات التابعة لها في ما يتعلق بملف «تهجير البدو قسراً» وتصوير ذلك على أنّه «ممارسات غير مقبولة»، فيما تجاهلت تهجير أهالي ريف حماة وحمص من قراهم، يظهر «ازدواجية المعايير» القائمة على أساس طائفي، التي يمارسها النظام السوري الجديد.

وفي الأشهر الفائتة، التي تلت سقوط نظام بشار الأسد، شهدت أرياف حماة وحمص عمليات تهجير ممنهجة برعاية قوات حكومية، وبقوة السلاح، أسفرت عن تهجير مئات العائلات من منازلهم وتوطين البدو وعائلات المقاتلين بدلاً منهم.

ووفقاً لمصادر محلية، فقد طالت عمليات التهجير أكثر من 20 قرية في ريف حماة الشرقي منها: البليل، الزغبة، الفان الوسطاني، الفان القبلي، المبطن، مريود، أبو منسف، معان، الشيحة، الرويف، البويضة، الشيخ علي كاسون، حلبان، الطوبا، نوى، تلدهب.

واستوطن مكان هذه العائلات التي تتبع في غالبيتها للطائفة العلوية، عائلات لمقاتلين من الريف الشمالي والشرقي في سوريا، كما يجري حالياً عرض الأراضي الزراعية في هذه القرى للاستثمار من قبل شركات عقارية، وفقاً للمصادر.

وفي ريف حماة الغربي، تم تهجير أهالي قرى العزيزة وأرزة، بعد ارتكاب جرائم قتل منظمة بحق الأهالي في القريتين. وامتد مشروع التهجير القسري تحت طائلة التصفية إلى ريف حمص، حيث أصبحت قرية تسنين شبه خالية من سكانها الأصليين.

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha