قال عالم الدين البحريني «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة إن "الحديث عن خيبة الأمل عما تحقق مما يسمى الربيع العربي في بعض الدول، ويجري الكلام هنا لبعض الأسباب التي تقف وراء تدهور الأحوال في الساحة العربية بعد النجاح المذكور الذي حققته يعود للجوء بعض الدول العربية وبعض الدول الاستكبارية للعب بورقة الطائفية المقيتة".

١٥ أغسطس ٢٠١٤ - ١٢:٤٠
أسباب خيبة أمل الربيع العربي لجوء حكومات للعب بورقة الطائفية

وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ قال عالم الدين البحريني «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (2014/08/15) بجامع "الإمام الصادق (ع)" في "الدراز" إن "الحديث عن خيبة الأمل عما تحقق مما يسمى الربيع العربي في بعض الدول، ويجري الكلام هنا لبعض الأسباب التي تقف وراء تدهور الأحوال في الساحة العربية بعد النجاح المذكور الذي حققته يعود للجوء بعض الدول العربية وبعض الدول الاستكبارية للعب بورقة الطائفية المقيتة".

وأضاف: "ما خلّفه النظام العربي القديم وما زال يخلّفه في بقاياه، والذي حكم الساحة طويلاً من آثار تدميرية على الأرض والثروة والإنسان وعقليته وحسّه الأخروي والاجتماعي وعقيدته وأخلاقه وهدفه وإرادة الأمة، هي آثارٍ لم تُبقي من هذه الأمة شيئاً إلا ونالت منه وأضرّت به، ودخلت عليه بدرجة وأخرى من الفساد العميق، آثارٍ شملت خاصة الأمة وعامتها".

ورأى الشيخ عيسى قاسم أنه "ليس سهلاً ما أسهم فيه هذا الدور من تحول الساحة العربية إلى ساحة قتال، ورعب ودم ودمار، واعتماد أكثرية الثورات على الدعم الخارجي ممن يريد لهذه الأمة السوء وكذلك نوع الحكومات التي وجدت سبيلها إثر هذه الثورات ومارست الحكم باسم الاسلام وهي بعيدة عنه بعداً كبيراً مما شوه الاسلام وفارق بين هذا الحكم وبين من يعرف الاسلام" كلها عوامل سببت خيبة الأمل.

وفيما يلي نص خطبة الجمعة السياسية لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم:

مستوى الشعوب هو الذي يحكمها:

قد يتيسر لأمة أو شعب حكمٌ فوق مستواه كما في حكومات الأنبياء عليهم السلام، ولكن لا يمكن لهذا الحكم أن يستقر في هذه الأمة أو الشعب ما لم يرتفع بمستوى من يحكمهم إلى ما يمكن لهم به أن يتعايشوا مع مستواه ويستشعروا بذلك الراحة في ظلّه والأنس بسياسته، وذلك أول ما يبدأ به حكم الأنبياء هو إصلاح الإنسان نفسه ورفع مستواه.

وقد يجد حكمٌ من مستوى ساقط فرصةً لبسط سيطرته على أمة أو شعبٍ بمستوىً شامخٍ رفيع، ولكن ما لم يكن له أن يهبط له بمستوى محكوميه بالسرعة المطلوبة لبقائه فيهم لا يجد استقراراً، ولا تثبت له قدم، ولابد أن يُطرد شرّ طردة، والحكم الذي يأتي نتيجة إرادة شعبٍ من غير أن تخطئ ما تريد لا يمكن أن يأتي إلا من مستوى ذلك الشعب ومن خلفية ما عليه من دينٍ وعلمٍ وهدفٍ وتطلعات.

وإذا وقع مع ذلك خطأ غير مقصود في الاختيار تعجل ذلك الشعب في طلب التصحيح وتدارك الخطأ وإزالة آثاره.

وفي كل الصور لا يمكن أن يقرّ قرار حكم في أمة أو شعب مع تباين المستوى التباين الكبير والاختلاف بينهما اختلافاً واسعاً في التوجهات، ولذلك إذا نمت أمة أو شعب بما يبعد بهما عن مستوى الحكومة التي تبسط نفوذها عليهما -الحكومة المتخلفة- لابد أن تنتهي حالة الانسجام ويبدأ الانفصام وتأتي قضية التوترات.

والنتيجة أن أي أمة أو شعب إنما يحكمهما أو لا يستقر في حكمهما حكم عادل أو ظالم من مستوى عالٍ أو هابط إلا على أساس من مستواهما.

فعلى أي حكمٍ يفوق مستواه مستوى محكوميه لكي يبقى أن يرقى بمستواهم ليقتنعوا به ويدعموه، ولابد لأي حكم متخلفٍ يبحث عن استقراره في أمة أو شعبٍ يفوقه في المستوى أن يرتفع بنفسه أو يعمل جاهداً وذائباً على تحطيم مستوى شعبه أو أمته وفي العادة يتجه الاختيار من هذا النوع من الحكم إلى تحطيم من يحكمهم والهبوط ما استطاع بمستواهم وفي ذلك مصيبة الأمم والشعوب المبتلاة بنوعٍ من الحكم الظالم والجاهل الرديء.

نهضة الأمم:

لا نهضة لشعبٍ ولا أمةٍ من غير علمٍ ولا استقامة لأي منهما بلا إيمان، والعلم قوة، والإيمان قوة كذلك ووسيلة انضباط، ولا ترشد حياة فردٍ ولا شعبٍ ولا أمة ولا تستوي مع مستوى الإنسان ولا تحقق هدف وجوده من غير إيمان، فالضرورة قاضية بحاجة النهضة من أي شعبٍ أو أمة إلى المرّكب من العلم والإيمان.

الإيمان من غير علمٍ فاقدٌ لوسيلة البناء، والعلم من غير إيمانٍ قوة هائلة مدمّرة ووسيلة فساد وإفساد، وللدنيا علومها وللدين علومه والأمة مسئولة عن تحصيل ما يمكن لها منهما، وليست المسئولية المتعلقة بهما مسؤولية  فردٍ أو جماعة معيّنة، مسؤولية فئة ضيقة ولا مسؤولية أفراد لا تتأدى الحاجة بهما.

على أن من علم الدين ما هو واجب عينيٌ على كلّ مكلّف من الناس، فإذا وسع أحداً أن يترك شيئاً من علم الدنيا فإنه لا يسعه أن يترك من علم الدين ما هو دخيل في تصحيح اعتقاده وعمله.

والإيمان المطلوب لكمال إنسانية الإنسان وترشيد اختياره وسلوكه وتحقيق هدف حياته، وضبط حركته وأمن مجتمعه وعدل علاقاته ورقيّ خلقه ورضاه واطمئنانه يحتاج إلى علمٍ صحيح بالدين وعمقٍ وسعةٍ في هذا العلم يكتشف به سمو الدين وعظمته وقدرة عطائه وعظيم أثره.

الإيمان المرّكز، الإيمان الراسخ الثابت يحتاج إلى علمٍ كثير بالدين، ومن هنا لا إيمان بالدين الحقّ، وبالمستوى الذي يعالج مشكلة الإنسان ويؤدي الوظائف المُناطة به مع الجهل بالدين نفسه أو العلم الضحل والسطحي به, فالأمة المؤمنة بالمستوى المطلوب لابد أن تكون مهتمة بعلم الدين الصحيح والتواصل مع كنوز معرفته.

وبالنظر إلى أهمية علم الدنيا وعلم الدين، يكون على الأمة ما يأتي:

1- أن تختار العناصر الكفوءة الصالحة ديناً وخلقاً، والكفوءة ذهناً والصالحة ديناً وخلقاً، وتدعمها بما يمّكنها من مواصلة دراستها العالية المتخصصة بمقدار ما يغطي الحاجة العامة لهما، متخصصون في الدين، متخصصون في علوم الدنيا، الأمة مسؤولة أن تمتلك كل هؤلاء المتخصصين وتشارك في إيجادهم.

2- بناء هذه العناصر التمهيدي المبكر برعاية المواهب والأخلاقيات والدين لأبناء الأمة في مراحل العمر والدراسة لها.

3- يتوجب على كل جيل من أجيال الأمة أن ينقل المعرفة الإسلامية الصحيحة للجيل الذي بعد حفاظاً على الإسلام وصيانة له عن التحريف وأداءً للأمانة التي يتحملها لإبقاء هذا النور في الأرض لهدى الإنسان.

 ويُلفت نظر المؤمنين جميعاً إلى خطر غياب التربية الدينية علماً وعملاً في مخطط المدارس الرسمية، وتخلل ما يضعف الدين ويُضادّ معرفته في أجواء هذه المدارس على حاضر الإسلام ومستقبله. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، إلى تيّسر مشاريع التعليم الديني وانتشارها بمقدار من النوع المأمون، وإلى عدم قيام الأسر بواجب التعليم الديني لأبنائها وحتى على مستوى الصلاة وقراءة القرآن وإهمال الدور التربوي بسلوك الناشئة مع كثافة عوامل الانحراف والضلال والفساد وازدحام مساحة المجتمعات هذه الأيام بها من جهة أخرى، وذلك ما يفرض على كل مكلف من الشباب والشابات أن يسعى لتحصيل المعرفة الدينية الضرورية وكذلك المحصنة له من خسارة الدين بالالتحاق بهذه المشاريع المباركة.

وعلى كل أسرة مؤمنة أن تدفع بأبنائها وبناتها بكل جدية إلى هذه المراكز من مراكز الإشعاع الديني تحمّلاً لمسؤوليتها في تعليمهم دينهم وتربيتهم التربية الصالحة، وأن يضيفوا إلى اهتمامهم بتحصيلهم العلمي للحياة الدنيا والذي فيه قوة تحتاجها الأمة اهتماماً عالياً جداً ورئيساً لتحصليهم بمعرفة الدين وتبصيرهم بأحكام شريعته وشدّهم إلى أخلاقه وقيمه، ولا وسيلة إلى ذلك اليوم إلا بحثهم على التلّقي من هذه المشاريع الأهلية الدينية للتعليم والتربية.

أنت تقصر في تربية ولدك تقف الموقف مسئولاً أمام الله يوم القيامة أنك لم تعلّمه علم دينه المطلوب لتصحيح اعتقاده وعمله، ولم تُلحقه بمشروعٍ متيّسر يقوم بهذه الوظيفة.

علينا أيها المؤمنون أن لا يضيع الدين على أيدينا وهو النعمة الكبرى الذي رزقنا الله إياها، والذي يأخذ وجودنا وحياتنا منها، ولو فرطنا في أمر أولادنا وبناتنا وأسلمناهم للجهل بالدين والتربية البعيدة عنه لكنّها قد خنّاهم أكبر خيانة وضاع الدين على أيدينا.

هل يعود الربيع ربيعاً؟

تقدم من الكلام حول هذا الموضوع الحديث عن مقومات ما يصحّ أن نسميه ربيع شعبٍ أو أمة، وعن خيبة الأمل التي أصابت الكثيرين من تحقق هذا الربيع بما شهده الواقع من مآسٍ في أعقاب الثورات العربية التي تحقق لها أن تُسقِط عدداً من سلطات النظام العربي الذي رأت فيه نظاماً لا يليق به مستوى هذه الأمة الكريمة.

ويجري الكلام الآن بشأن بعض الأسباب التي تقف وراء تدهور الحالة في الساحة العربية بعد النجاح المذكور الذي حققته هذه الثورات.

- ما خلّفه النظام العربي القديم وما زال يخلّفه في بقاياه، والذي حكم الساحة طويلاً من آثار تدميرية على الأرض والثروة والإنسان وعقليته وحسّه الأخروي والاجتماعي وعقيدته وأخلاقه وهدفه وإرادة الأمة، هي آثارٍ لم تُبقي من هذه الأمة شيئاً إلا ونالت منه وأضرّت به، ودخلت عليه بدرجة وأخرى من الفساد العميق، آثارٍ شملت خاصة الأمة وعامتها.

- الدور التحريفي المُحارب لتلك الثورات التي صارت تمارسه دول من الدول العربية القائمة التابعة للنظام العربي التقليدي انتصاراً لوجودها، ومنعاً لوصول الطوفان الثوري إليها بالدرجة التي تكتب نهاية لها.

ومن وسائل هذا الهدف تشويه التوجه الثوري بإفشال نتائج انتصاراته وتحويلها إلى كارثة تستوجب في نظر جماهير الأمة التوّقي منها وعدم التورط من جديد في تجربتها والصبر على مآسي النظام الرجعي لهول مأساة نتائج تلك الثورات كما تريد تلك الأنظمة المُعادية.

فليس سهلاً ما أسهم فيه هذا الدور المفسد المحارب للثورات من تحوّل الساحة العربية إلى ساحة قتالٍ مستمرٍ خارجٍ عن القيم والدين والخلق والضمير الإنساني وكلّ شيم النُبل والكرامة.. ساحة رعبٍ وفزعٍ ودمٍ وأشلاء ودمارٍ شامل، ساحةٍ مشلولة الحركة إلا من حركة القتل والقتال.

- اعتماد أكثر الثورات في مرحلة الثورة والدولة على الدعم الخارجي المُعادي للأمة المُتربص بها الطامع في استمرار قبضته الظالمة عليها وعلى خيرات أرضها والسيطرة على دينها وتفكيرها وميراث حضارتها، وذلك مما يمكن لأصحاب ذلك الدعم من تخريب نتائج الثورات العربية وإقلاق الوضع وإشغاله بالمتاعب لتحسيس الكثير من الأطراف المتصارعة بالحاجة إلى تواصل الدعم الخارجي تعزيزاً لموقفه في الصراع ولو كان الثمن هو تدخل الأجنبي في شؤون الوطن والشعب والحكم والأمة بدرجة أكبر مما كان عليه تدخله قبل الثورة.

- وجودُ مدخلٍ جاهزٍ لتدخل الدول المتضررة من الدول العربية من تيار الثورات وانتصارها، والدول الأجنبية الطامعة في الأمة لانقسامات متعددةٍ طائفيةٍ وحزبيةٍ وقومية ومناطقية وقبلية وطبقية، ومن ذممٍ رخيصة باحثة عن المال الحرام ولو كان فيه ذهاب الدين وهلاك الأمة والتمكين لأعدائها في التحكم في وجودها.

- وأربح ورقة وجدتها القوى المعادية للأمة لإنجاح دورها التخريبي هي ورقة الطائفية المقيتة، فهي قوة هائلة في قدرتها التفجيرية وعلى نطاقٍ واسع في صفوف الأمة ومُحرّكة للروح الفدائية غير الواعية والواصلة إلى حد الجنون.

-  نوع الحكومات التي وجدت سبيلها للسلطة على اثر هذه الثورات ومارست الحكم باسم الإسلام على بُعدٍ بعيدٍ عنه فهماً ورحمة وحكمة وبصيرة مما شوّه الإسلام في نظر من لا يعرفه، وفارق بين هذا النوع من الحكم وبين من يعرف الإسلام.

..................

انتهى/212

سمات