وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ بعد بروز مجموعة "فتية التلال" عام 1998، التي أسسها مستوطنون متطرفون بتشجيع مباشر من وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون -حين دعاهم إلى اعتلاء قمم الجبال وفرض السيطرة بالقوة- ظهرت نسخة جديدة بوجه أنثوي تحت اسم "فتيات التلال".
هذه المجموعات تقدم الاستيطان بوجه مغاير: لا أسلحة بارزة ولا دوريات عسكرية، بل فتيات يتركن التعليم والحياة المدنية ليعشن في خيام ومساكن بدائية، يروجن لهذا النمط المصطنع باعتباره تضحية من أجل "الأرض الموعودة". لكن خلف هذا المظهر "الناعم"، يتواصل سلب الأرض من الفلسطينيين في فصل جديد من فصول الاحتلال القسري.
في هذا التقرير، يتتبع فريق "الجزيرة تحقق" الواقع الحقيقي وراء حملة "فتيات التلال"، محاولا الإجابة عن أسئلة محورية: ما أهداف هذه المجموعة؟ كيف تستخدم أدوات الترويج الرقمي لتسويق مشروعها الاستيطاني؟ ما طبيعة الدعم الذي تحظى به من الحكومة والشرطة الإسرائيلية؟ وكيف تواصل التوسع في الضفة رغم الإدانات الدولية؟
حلم "إسرائيل الكبرى"
لم يعد الاستيطان مقتصرا على الذكور وحدهم، كما صعد "فتية التلال" في أواخر التسعينيات بدعم رسمي لتثبيت البؤر على المرتفعات، جاءت "فتيات التلال" لتقدم الاستيطان كخيار "ناعم"، لكنه يستهدف الهدف ذاته وهو الوصول إلى ما يسمونه "إسرائيل الكاملة"، التي لا تقف جغرافيتها -وفق عقيدتهم- عند حدود فلسطين، بل تمتد إلى مصر والأردن ولبنان وسوريا.
خيام على رؤوس الجبال، مساكن مؤقتة، حياة قاسية تعتمد على الرعي والتنقل، عزلة عن المجتمع وقطيعة مع مظاهر التمدن.. هذه هي البيئة التي يقدّمها المستوطنون من الذكور والإناث معا كقالب "تضحية"، بينما في حقيقتها وسيلة لترسيخ السيطرة على أراض فلسطينية خاصة، وتحويلها إلى بؤر استيطانية جديدة.
ومن أبرز النماذج التي تكشف دور "فتيات التلال" في توسيع الاستيطان، بؤرتا "ماعوز إستير" و"أور أهوفيا" قرب رام الله، حيث اختارت مجموعات من الفتيات الانسحاب من التعليم والحياة المدنية، والتفرغ كليا لمشروع الاستيطان، بهدف فرض السيطرة الكاملة على الأرض، وتحويل نقاط رعوية بدائية إلى مستوطنات إسرائيلية متكاملة، بغض النظر عن قانونيتها أو عدمها.
تلة الفتيات
قبل نحو 17 عاما، أُقيمت بؤرة "ماعوز إستير" شمال شرق رام الله كنقطة استيطانية شبابية صغيرة، لكن هذه البؤرة سرعان ما تحولت مع مرور السنوات إلى ما يشبه مستوطنة متكاملة، تسكنها اليوم 17 عائلة ويعيش فيها أكثر من 50 طفلا، حتى باتت تُعرف باسم "تلة الفتيات".
وفي أواخر مايو/أيار الماضي، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن البؤرة شهدت توسعا غير مسبوق خلال أسابيع قليلة، لتصبح مساحتها ضعف مساحة مستوطنة "كوخاف هشاحر" المجاورة، التي تبلغ نحو 950 دونمًا.
ويأتي هذا التوسع بعد 6 سنوات فقط على عودة مجموعات من المستوطنات الإسرائيليات لإحياء تلك البؤرة.
ومع وجود منازل جديدة قيد البناء، يجري التحضير لاستقبال مزيد من السكان، حيث يعمل معظمهم في مجالات التعليم والزراعة، كما أنشأت الفتيات فرعا محليا للأطفال، فيما يظهر أن المستوطنين هناك يسعون إلى تحويل البؤرة إلى تجمع استيطاني كبير يستوعب آلاف العائلات في المستقبل.
ولم يقتصر الأمر على البناء فقط، بل حمل أيضا بعدا رمزيا ودينيا، إذ شهدت البؤرة مطلع العام الجاري مراسم إدخال سفر توراة وتدشين كنيس باسم "شيرات يونداف"، تخليدا للمستوطن يونداف هيرشفيلد الذي قُتل في عملية استهدفت مدرسة "مركاز هراف" في القدس "حسبما نشرت منصات إسرائيلية".
من داخل بؤرة ماعوز إستير، تعكس كلمات المستوطِنة أورا عوديا عقلية "فتيات التلال" وتصورهن لمشروع الاستيطان، فهي واحدة من مجموعة فتيات تتراوح أعمارهن بين 13 و18 عاما، تركن منازلهن والمدارس الدينية لينتقلن إلى بيت جماعي على التلة.
تعليقك