وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ تتوفّر في إيران "سلّة خيارات" للردّ على العدوان الأميركي السافر ضدّ ثلاثٍ من منشآتها النووية، لم يترك الباحثون والمحلّلون واحداً منها من دون ذكره واستحضاره، من بينها: توجيه ضربات مباشرة للأصول والقواعد الأميركية في الإقليم من حولها، ترك المهمة لحلفائها من أطراف "المحور" والاحتفاظ بمسافة أمان عن المواجهة المباشرة مع واشنطن، تفعيل ورقة مضيق هرمز، وربما بإضافة ورقة مضيق باب المندب إليها، وتفعيل دور قواتها البحرية الكبيرة لهذا الغرض وغيره، الانسحاب من اتفاقية منع الانتشار والوكالة الدولية للطاقة النووية، ابتلاع الضربة وكظم غيظها على قاعدة استنقاذ النظام وما تبقّى لها من أصول استراتيجية، التركيز على استهداف "إسرائيل" على اعتبار أنّ ثمّة "وحدة حال" بينها وبين الولايات المتحدة، ومن يضرب الأولى كأنما يضرب الأخيرة في مقتل.
في الحياة الواقعية، ليس ثمّة "خيار واحد" يمكن أن يقيّد الفاعلون أنفسهم به... غالباً ما يؤتى على ذكر "السيناريو الآخر"، حين يجري تناول الخيارات المحتملة والسيناريوهات المقبلة، هو في واقع الحال، مزيج بين عدد منها، وهذا ما نحسب أنّ طهران مقبلة عليه.
لكلّ خيار من الخيارات السابقة محاذيره، بعضها قد يأخذ منحى "انتحارياً" فيما بعضها الآخر لا قيمة له في استحداث تغيير في مجرى الأحداث، ولا يفضي إلى استرداد بعض من التوازن والمكانة والدور.... إيران، وهي تصوغ خياراتها اليوم، وفي الشرط الإقليمي المتشكّل منذ السابع من أكتوبر، لا تبحث عن "نصر مطلق"، بل عن تكريس صورة الصمود والثبات، ورفض محاولات تجريعها كأس الاستسلام المرّة، على أمل النهوض من جديد.
بهذا المعنى، أحسب أنّ سيناريو الصدام المباشر مع الوجود الأميركي العسكري والبحري والدبلوماسي في المنطقة، ينطوي على مجازفة غير محسوبة، بل ويمكن القول إنه خيار "انتحاري" بامتياز، ليس لأنّ إدارة ترامب ستردّ بقوة "مميتة"، أقلّه لتفادي الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، لا يريدها ترامب ويسعى تيار الـ"MAG"، قاعدة حكمه وجمهور مؤيّديه، لتفاديها، بل لأنّ خياراً كهذا، سيشكّل "هدية مجانية" لبنيامين نتنياهو، التي عمل بفارغ الصبر لـ"جرجرة" الولايات المتحدة إلى "حرب المفاعلات"، ويتوق لرؤية القوة الأعظم في العالم، تقاتل أمامه ونيابة عنه.
خيار كهذا من شأنه، أن يلحق أفدح الضرر باستراتيجية إيرانية عملت طهران بدأب وطول نفس عليها، خلال السنوات الفائتة، وأقصد بها "تطبيع" علاقاتها مع دول الجوار، بالذات دول الجوار العربي على الضفة الأخرى للخليج... في هذه الدول، وغيرها، تتركّز القواعد والأصول الأميركية، ومن شأن استهدافها، أن يثير حفيظة هذه الدول، بصرف النظر عن الجانب الحقوقي والأخلاقي للمسألة، وأن يعيد العلاقات الإيرانية العربية إلى عهود الصراع والانقسام، وهذا آخر ما تريده الدبلوماسية الإيرانية.
استبعاد هذا السيناريو المكلف، لا يعني أن تقف طهران صامتة حيال الضربة الأميركية الغادرة، يمكن التفكير ببدائل محسوبة، تماماً مثلما فعلت طهران في إثر اغتيال الجنرال قاسم سليماني عام 2020، فضرباتها لقاعدة عين الأسد، أغلقت جولة من المواجهة المباشرة، ولم تفتح باب حرب واسعة وشاملة، والسبب "دقة الحسابات" وتفادي الانصياع لنداءات الثأر والغريزة.
تعليقك