إن النفس هي الذات، والكيان الداخلي للإنسان، الذي يتفاعل مع الجسد ويتحكَّم في سلوكه وتصرفاته، ويقبل ويرفض، ويُحبُّ ويكره، وصلاحها وسلامتها هما الغاية الكُبرى للدين.

٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ - ١٠:٤٤
نفس الإنسان؛ ونبذة من أسرارها

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ ذَمَّ نَفْسَهُ فَقَدْ مَدَحَها، ومَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ فَقَدْ ذَبَحَها".

ومعادلة أخرى يكشف عنها الإمام (ع) وهي نافذة واسعة لفهم النفس البشرية وسلوكها، والنفس الإنسانية هي محور رئيسي في فلسفة الدين، ورؤيته للعلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان وذاته، وقد بالغ الإسلام -باعتباره آخر رسالات الله إلى البشر- في الاهتمام بالنفس البشرية، وأولاها عناية خاصَّة، فكشف عن طبيعتها، ومكنوناتها، وعَمَّا فطرها الله عليه، وما أودع فيها من إلهامات، وطاقات، وقُدُرات، وكشف عن الأمراض التي يمكن أن تُصيبها، ووصف الأدوية والعلاجات اللازمة لها، ودعا بل أوجَب تهذيبها وتزكيتها وتنمية فضائلها، والامساك بغرائزها وشهواتها وميولها، وأوجب إكرامها وصَونها من كل ما يُسيء إليها، وغايته من كل ذلك صناعة نفس بشرية سليمة مطمئنة، لأن النفوس البشرية إذا صلحت واطمأنت صلح الفرد المجتمع الذي يتشكَل، واستقرت الحياة الإنسانية واطمأنَّت، وعاش الناس في رغَدٍ وأمانٍ. وجعلوا من حياتهم في هذه الأرض جنَّة مملوءة بالسعادة والرَّفاه.

والنفس هي الذات، والكيان الداخلي للإنسان، الذي يتفاعل مع الجسد ويتحكَّم في سلوكه وتصرفاته، ويقبل ويرفض، ويُحبُّ ويكره، وصلاحها وسلامتها هما الغاية الكُبرى للدين.

وتتكون النفس من أبعاد متعددة، ذكرها القرآن الكريم وهي:

النفس الأمّارة: وهي التي تدفع الإنسان نحو الشهوات والأهواء، وتُزيِّن له المعاصي والذنوب، قال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴿53/ يوسف﴾.

النفس اللَّوّامة: ويصطلح عليها عند فلاسفة الأخلاق المعاصرين بالضمير، وهي التي تؤنِّب الإنسان عند ارتكابه الخطأ، وتسعى لإعادته إلى الطريق الصحيح، قال تعالى: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴿2/ القيامة﴾.

النفس المُطمَئِنَّة: وهي التي بلغت مقام السكينة والطمأنينة والرضا عن الله. قال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿27﴾ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴿28/ الفجر﴾.

وقد أودع الخالق الخبير الحكيم في النفس البشرية غرائز شَتّى، مثل غريزة حُبِّ البقاء، وحُبِّ التَّملُّك، وحُبِّ الكمال، وحُبِّ الجمال، والغاية من خلقها فيها أن تكون دوافع ومُحرِّكات تدفع الإنسان وتحرِّكه نحو ما يريده الله منه، وأوجد الله لكل غريزة ما يُلبّي حاجتها، ويريد من الإنسان أن يستفيد منها وأن يُلبي حاجاتها، ولا يرضى منه أن يقمعها، بل يريد منه أن يسيطر عليها ويتحكَّم بها وحسب، خصوصاً تلك الغرائز الشهوانية لأنها جَموح طموح إذا لم يلجمها الإنسان أردته وصرعته، ونزلت به من مرتبة الإنسانية السامية إلى مرتبة الحيوانية بل أدنى من ذلك.

كما أودع في الإنسان قِيَماً فِطرية تهذِّب الغرائز، وتوجِّهها نحو الخير والصلاح، مثل، العدل، والصدق، والإحسان، والشُّكر، والتمييز بين الحُسنِ والقُبح...، ومع ذلك، فقد تفسد الفطرة إذا تُركت النفس دون تهذيب أو إذا استسلمت للغرائز والشهوات.

من هنا يأتي الأمر الإلهي بضرورة تهذيب النفس، وتزكيتها، وتنمية فضائلها، وذلك من أهم واجبات الإنسان لتحقيق التكامل الروحي والأخلاقي، وذلك يقتضي أن يتجنَّب الإنسان الغفلة عن نفسه، لأن ذلك يقوده إلى الهلاك الأخلاقي، وتالياً الهلاك في عموم حياته.

ويقتضي ذلك ألا يرضى الإنسان عن نفسه، لأن الرضى عن النفس يؤدي إلى الغرور، والغرور يحجب الإنسان عن إدراك عيوبه، والسعي لإصلاحها، أما إذا أدرك الإنسان عيوبه، واعترف بها، وذَمَّ نفسه بصدق، فسيسعى في إصلاحها وتهذيبها، أما لو لم يُدرك عيوب نفسه، واعتبرها كاملة زاكية، فإنه يذبحها لأنه غفل عن أخطائها وسلبياتها، وهذا يؤدي إلى هلاكه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

........

انتهى/ 278