وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء – ابنا ـ اعترفت إسرائيل بإقدامها على إرسال عشرات الأطفال المسلمين من أصول فلسطينية للتبني بدول أوروبية في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ليس فقط بشكل يتنافى مع المواثيق الدولية، وإنما مع قوانين التبني المعمول بها في إسرائيل التي تواصل التكتم على الملف وحيثياته.
واستعرض القاضي أحمد ناطور، الذي شغل لسنوات طويلة منصب رئيس محكمة الاستئناف الشرعية العليا في البلاد تفاصيل القضية، إذ وصلته عام 1998 معلومات مفادها أن إسرائيل تقوم بإرسال الأطفال الفلسطينيين المسلمين للتبني في أوروبا وخاصة إلى السويد وهولندا.
وكشف القاضي ناطور -في حديث للجزيرة نت- النقاب عن مواصلة إسرائيل -حتى بعد التوقيع على اتفاق أوسلو- إرسال أطفال مسلمين من مناطق فلسطين التاريخية كافة للتبني في أوروبا، محذرا من إمكانية أن تكون إسرائيل -التي ما زالت تتكتم على التفاصيل وكواليس التبني- ضالعة بالمتاجرة بالأطفال الفلسطينيين.
وأكد ناطور وجود ترتيبات إسلامية بالداخل الفلسطيني منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي التي تعنى بموضوع التبني بحسب ما ينص عليه القانون الإسرائيلي أيضا، إذ تنشط بترتيب الإطار لإيجاد عائلات حاضنة لاستيعاب هؤلاء الأطفال بحسب الشرعية الإسلامية، وعلى أساس نظام الكفالة الإسلامية المنصوص بميثاق الأمم المتحدة واتفاقية حقوق الطفل من عام 1989 وبعد تحديثها بعام 1991، حيث وقعت إسرائيل عليها.
اعتراف وتكتم
وبحكم منصبه الديني رئيسا لأعلى هيئة إسلامية بإسرائيل وكونه بروفيسورا بالقانون والقضاء الإسرائيلي، توجه ناطور في عام 1998 برسالة رسمية إلى المستشار القضائي للحكومة في حينه، إلياكيم روبنشتاين، وكشف عما لديه من معلومات، مؤكدا أن أي جهة إسرائيلية لم تتشاور معه ولا مع أي جهة إسلامية بالبلاد حيال موضوع التبني.
وفي رده على رسالة ناطور قلل روبشتاين من المعلومات، واكتفى بالرد أن إرسال أطفال مسلمين للتبني لدى عائلات أوروبية تم لعدم وجود أطر إسلامية حاضنة، الأمر الذي فنده ناطور وأكد وجود مشروع الكفالة والعائلات العربية الحاضنة بالداخل الفلسطيني، وهي البدائل التي كان من المفروض أن تتوجه إليها المؤسسات الإسرائيلية لتحويل الأطفال لا إرسالهم إلى أوروبا للتبني.
وينص قانون التبني الإسرائيلي المعدل من عام 1981 على حظر نقل أطفال للتبني خارج البلاد وضرورة تحويل الطفل المتبنى إلى عائلة من الديانة والقومية نفسيهما، ويقول ناطور "إسرائيل تعاملت مع قضية التبني التي اعترفت بتحويل 192 طفلا مسلما إلى أوروبا، حالة من المتاجرة بالأطفال بشكل يتنافى والقوانين الإسرائيلية والمواثيق الدولية".
وردا على سؤال إذا ما كانت إسرائيل ما زالت ترسل أطفالا فلسطينيين للتبني بأوروبا، لم يستبعد القاضي ناطور الأمر، خاصة أن المستشار القضائي في حينه اعترف أيضا أنه بين الأعوام 1995 و1998، تم إرسال 22 طفلا مسلما للتبني إلى السويد.
كشف وتحقيق
وأوضح القاضي الشرعي أن إسرائيل تعترف بشكل رسمي بإرسال 214 طفلا مسلما للتبني إلى أوروبا، وقد يكون المخفي أعظم، حيث لا يستبعد إمكانية تحويل أطفال من مناطق فلسطين التاريخية كافة سواء الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة إلى خارج البلاد للتبني.
وحيال هذه التطورات دعا ناطور النواب العرب في الكنيست إلى متابعة القضية، كما طالب الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة تحقيق رسمية والكشف عن جميع التفاصيل وتقديم المتورطين إلى المحاكمة، وذلك على غرار لجنة التحقيق الرسمية بملف تبني الأطفال اليهود من أصول يمينة داخل البلاد في ستينيات القرن الماضي.
وحث ناطور جميع الفعاليات الفلسطينية إلى ممارسة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، وإجبارها على الكشف عن حجم الظاهرة وقوائم الأطفال الذين حولوا إلى التبني بأوروبا وإلزامها بمنحهم جميعا المواطنة الإسرائيلية وحق العودة إلى البلاد، علما أن غالبيتهم العظمى اليوم بالثلاثينيات وحتى الأربعينيات من العمر، مؤكدا حقهم القانوني والأخلاقي في الحفاظ على الانتماء الديني، والقومي، والثقافي، والحضاري واللغوي.
آليات ودوافع
وأقرت الحكومة الإسرائيلية بإقدامها على إرسال عشرات الأطفال الفلسطينيين للتبني إلى دول أوروبية وخاصة إلى السويد وهولندا، وذلك في ردها على الاستجواب المستعجل الذي قدمه النائب العربي في الكنيست، أحمد الطيبي، إلى وزارة الرفاه الاجتماعي.
ورغم اعتراف المؤسسة الإسرائيلية بتسليم أطفال مسلمين من أصول فلسطينية من مراكز للتبني والرعاية بإسرائيل إلى منظمات سويدية، فإنها واصلت التكتم على الآليات والوسائل والدوافع لإرسال الأطفال الفلسطينيين إلى أوروبا، ورفضت الإفصاح عن الأساليب التي انتهجتها أو المقابل الذي حصلت عليه.
واعترف الوزير يريف لفين، الوزير المنسق بين الحكومة والكنيست، بإقدام إسرائيل خلال سنوات السبعينيات وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي بإرسال أطفال مسلمين للتبني بأوروبا، زاعما أن تل أبيب قامت بذلك لعدم توفر عائلات حاضنة ومؤسسات لهؤلاء الأطفال، وذلك على الرغم أن الفعاليات الفلسطينية بالداخل فعّلت نظام الكفالة الإسلامية الذي همشته إسرائيل ورفضت التعامل معه.
ولتبرير هذا الإجراء الذي يتعارض والقوانين الدولية وحتى قانون التبني المعمول به في إسرائيل، قال الوزير الإسرائيلي في رده على الاستجواب إن "نية الوزارة كانت ضمان حياة عائلية لهم، وإن القرار بنقلهم إلى السويد كان بسبب عدم قانونية الخطوة في إسرائيل، إذ يلزم القانون أن تكون العائلة الحاضنة أو المتبنية من الدين نفسه".
وردا على مزاعم وطعون الوزير الإسرائيلي تساءل الطيبي الذي عبر عن صدمته من جواب الوزير واعترافه الصريح، "كيف يُرسل الأطفال المسلمون لأوروبا للتبني وهناك عشرات آلاف العائلات الفلسطينية المسلمة بالداخل؟!".
وأكد الطيبي أنه بحسب المعلومات التي وردت فإن هؤلاء الأطفال قد تم تحويل دينهم الإسلامي إلى المسيحية أو اليهودية، وأن المسؤولية تقع على الحكومة ومختلف المؤسسات والوزارات الإسرائيلية، مبينا أنه لو كانوا يهودا لما استسهلت الوزارات الحكومية هذه الخطوة وما كانت لتتم.
..................
انتهى / 232
المصدر : الجزيرة
السبت
٢١ ديسمبر ٢٠١٩
٦:٣٠:٤٥ م
995371
اعترفت إسرائيل بإقدامها على إرسال عشرات الأطفال المسلمين من أصول فلسطينية للتبني بدول أوروبية في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ليس فقط بشكل يتنافى مع المواثيق الدولية، وإنما مع قوانين التبني المعمول بها في إسرائيل التي تواصل التكتم على الملف وحيثياته.