وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : العتبة الحسينية المقدسة
الثلاثاء

٢٦ نوفمبر ٢٠١٩

١١:٥٩:٥٦ ص
989459

أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث الراوية للحديث الشريف

أمّ المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية العامريّة آخر زوجات النبي محمد (ص) والتي اقتبست من آثار التعاليم الإلهية ونهلت من فيوض الرسالة المحمدية فنالت درجات رفيعة في الإيمان والتفقه في الدين وحفظ الحديث الشريف.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــــ ابنا ــ هِيَ من اللواتي سرنَ على نهج الإسلام المحمدي الأصيل وتبعنَ الحق وأصحابه فكنَّ من الذين قال فيهنَّ الله تعالى: (وَاْلٌمُؤْمِنُونَ وَالْمؤمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَوْلِيآءُ بَعْضٍ يَأمُروُنَ بِالَمْعروفِ وَيَنْهِونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَلاةَ وَيُؤْتُونَ الزٌكاةَ وَيُطِيعُون اللهَ وَرَسُولهُ أُوْلَئِكَ سَيٌرحَمُهُم اللهُ إن اللهَ عَزيِزُ حَكِيمُ).

هيَ من النساء المؤمنات الفاضلات من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) من اللواتي لم يغيرنَ ولم يبدلنَ من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم ينكثنَ بيعتهنَّ لأمير المؤمنين بالولاية، وتمسكنَ بالقرآن الكريم، وحافظنَ على دينهنَّ الذي ارتضاه الله لهنَّ، ورضين بقضاء الله وحكمه، ولم يعصينَ الله (جل وعلا) حيث يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤمِنً وَلا مُؤمِنَةٍ إذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراٍ أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخَيَرَةُ مِنْ أَمرِهِمُ وَمَن يَعصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَل ضَلالا مُبينا).

هيَ من النسوة اللاتي آلينَ على أنفسهنَّ قول الحق ولو كره المبطلون، ولم تأخذهنَّ في الله لومة لائم، فبقيت أصداء مواقفهنَّ يرددها الزمان والتاريخ رغم بغي الظالمين وكيد الحاسدين ليسطع منها النموذج الأرقى للمرأة المسلمة المؤمنة.

الأخوات المؤمنات

إنها أمّ المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية العامريّة آخر زوجات النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والتي اقتبست من آثار التعاليم الإلهية ونهلت من فيوض الرسالة المحمدية فنالت درجات رفيعة في الإيمان والتفقه في الدين وحفظ الحديث الشريف.

وهيَ من أفضل أمهات المؤمنين زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): أفضل زوجات النبي خديجة بنت خويلد, ثم اُمّ سلمة بنت أبي أمية, ثم ميمونة بنت الحارث. (1) وهذا التصنيف هو على مدى درجتهن من الإيمان بالله والإخلاص له والثبات على العقيدة والولاء لأهل البيت (عليهم السلام)

أمها: هند بنت عوف بن زهير التي وصفت بأنها: (أكرم النساء أصهاراً) فهي أمُّ الأخوات المؤمنات اللاتي شهد لهن رسول الله بالجنة بقوله (صلى الله عليه وآله): (رحم الله الأخوات المؤمنات من أهل الجنة), وهنّ:

1ــ أمِّ المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية العامرية: زوجة النبي, وكانت تسمى أم المساكين لعطفها على الفقراء والمحتاجين وكانت قبل أن يتزوجها النبي متزوجة من عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب أول شهيد في الإسلام، فلما استشهد في بدر تزوجها بعده رسول الله.

2 ــ أسماء بنت عميس الخثعمية: كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وبعد استشهاده في مؤتة تزوجها أبو بكر فولدت له محمداً ربيب أمير المؤمنين والمستشهد على ولايته وطاعته، فلما مات تزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

3ــ سلمى بنت عميس الخثعمية: زوجة حمزة بن عبد المطلب.

4 ــ أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث الهلالية: زوجة العباس بن عبد المطلب وكانت من أوائل المؤمنات بالبعثة النبوية الشريفة, وكان لها موقف في الإسلام دل على عميق إيمانها في الدفاع عن المسلمين المستضعفين وذلك عندما أسلم أبو رافع خادم العباس بن عبد المطلب جاء أبو لهب فضربه ضرباً مبرحاً فجاءت أم الفضل فرأت أبا لهب وهو يضرب أبا رافع فحملت عموداً وشجّت به رأس أبي لهب وخلصت أبا رافع منه.

تزوج النبي ميمونة عام (7 هـ) بعد أن بعث بجعفر بن أبي طالب لخطبتها فوكلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب زوج أختها فنالت شرف لقب (أم المؤمنين) وشهد لها رسول الله بالإيمان, كما كانت من أفضل زوجاته بعد الصديقة خديجة الكبرى (ع), وأم سلمة وعُرفت بالتقوى والعبادة، فعندما سمعت عائشة بوفاة ميمونة قالت: (أما إنها كانت والله من أتقانا لله، وأوصلنا للرحم). (2)

مثال الولاء والعقيدة

لم تكن السيدة ميمونة تتوقّع أن تؤول أمور المسلمين إلى هذا الوضع المزري من التشتت والفوضى والفرقة والتناحر وسلب الحقوق وسفك الدماء وإثارة الفتن بعد أن غُصبت الخلافة من أهلها حتى تطاول بنو أمية الطلقاء إليها، فكانت تراقب الأحداث عن كثب بحرقة ممزوجة بالحزن والأسى.

لقد سمعت كما سمع غيرها من المسلمين حديث زوجها سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير وهو يرفع يد علي (عليه السلام) قائلا: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه, اللهم والِ من ولاه, وعاد من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله). ولكن الأمة عملت بعكس ما أراده الرسول فقد حاربت علياً من بعده وسلبته حقه وها هو معاوية بن أبي سفيان عدو الله وعدو رسوله يحارب أمير المؤمنين وينصب نفسه للخلافة

كان مما يزيد حرقتها وألمها أن ليس بمقدورها عمل شيء فطاعة الله ورسوله ووليه تحتّم عليها البقاء في منزلها كما أمرها الله بذلك بقوله: (وقَرْنَ في بيوتكن), لكن سلوتها أنها أدّت واجبها الشرعي وبذلت جهدها وجهادها بالنصيحة والدعوة إلى الالتزام بوصية النبي في علي والتمسك به وطاعته وكانت في كل ذلك ترجو الهدى لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) والتوجّه لما يرضي الله ورسوله بما استطاعت إليه سبيلا. لقد مات رسول الله وهو عنها راضٍ كأحسن ما تكون عليه الزوجة المخلصة الناصحة، وشهد لها بالإيمان والجنة

ميمونة .. مثال التقوى والإيمان

بعد وفاة رسول الله (ص) التزمت ميمونة بوصية الرسول بالتمسك بأمير المؤمنين حبل الله المتين ولازمت ولاءه فلم تزجّ نفسها في أحداث وفتن تغضب الله ورسوله، بل أدّت ما عليها من النصح والإرشاد فكانت مثلاً سامياً للمرأة الصالحة.

كانت ترى أن من واجبها الموعظة وخاصة في ذلك الوقت الذي أثار فيه بنو أمية الفتن وحاولوا إرجاع الجاهلية الأولى بنبذ تعاليم الإسلام ومحاربة الله ورسوله حيث آل الأمر إلى العمل بالمنكر والنهي عن المعروف على يد معاوية، فكانت وهي في المدينة المنورة تشير ببوصلة الهدى إلى اتباع طريق الحق المتمثل بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). وقد نصحت ميمونة عائشة لما أرادت الخروج لقتال أمير المؤمنين وذكرتها بحديث النبي (ص): يا حميراء إنك لتقاتلين علياً وأنت ظالمة له). (3)

النصيحة

في تلك الفترة الحرجة التي تموج بالفتن والصراعات يستأذن عليها أحد المسلمين لمعرفة رأيها في ما يحدث ومن يجب اتباعه في خضمّ هذا الواقع المرير..  جاء شقير بن شجرة العامري إلى المدينة، فاستأذن عليها فقالت: من أين أقبل الرجل ؟ قال: من الكوفة. فقالت: فمن أي القبائل أنت ؟ فقال: من بني عامر فقالت. حييت. فما أقدمك ؟ فقال: يا أم المؤمنين، رهبت أن تكبسني الفتنة لما رأيت من اختلاف الناس، فخرجت.

فقالت: فهل كنت بايعت علياً ؟ فقال: نعم.

قالت: فارجع فلا تزولن عن صفِّه ، فوالله، ما ضلّ، ولا ضلّ به.

ولكن الرجل أراد أن يطمئن قلبه بأن رأيها هذا هو من رسول الله وليس منها فقال: يا أمّاه، فهل أنتِ محدثتي في علي بحديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟

قالت: اللهم نعم ، سمعت رسول الله يقول: (علي آية الحق، وراية الهدى، علي سيف الله يسله على الكفار والمنافقين، فمن أحبه فبحبي أحبه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه، ومن أبغضني أو أبغض علياً لقي الله (عز وجل) ولا حجة له. (4)

وتتكرر نفس الحادثة مع جرير بن كليب العامري كما يروي ما نصه: لما سار عليّ (ع) إلى صفين، كرهت القتال فأتيت المدينة فدخلت على أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، فقالت: ممن أنت ؟ قلت: من أهل الكوفة، قالت: من أيِّهم ؟ قلت: من بني عامر، قالت: رحباً على رحب، وقرباً على قرب تجيء، ما جاء بك ؟ فقال: سار عليّ (ع) إلى صفين، وكرهت القتال فجئنا إلى ها هنا، فقالت: أكنت بايعته ؟ قال: نعم. قالت: فارجع إليه فكن معه، فوالله ما ضَلّ ولاضُلَّ به. (5)

الصديقة

شرّف رسول الله ميمونة بلقب (صدّيقة) إضافة إلى شهادته (صلى الله عليه وآله) لها ولإخواتها بالإيمان الخالص، فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: إن رسول الله (ص) قال: لا ينجو من النار وشدة تغيظها وزفيرها وقرنها وحميمها من عادى علياً وترك ولايته وأحب من عاداه

فقالت ميمونة زوج النبي: والله ما أعرف من أصحابك يا رسول الله من يحب علياً إلا قليلاً منهم  فقال لها رسول الله (ص): القليل من المؤمنين كثير، ومن تعرفين منهم ؟ قالت: أعرف أباذر والمقداد وسلمان، وقد تعلم أني أحب علياً بحبك إياه ونصيحته لك. فقال لها رسول الله (ص): صدقت، إنك صديقة، امتحن الله قلبك للإيمان. (6)

توفيت السيدة ميمونة بعد عودتها من الحج بـ (سرف) سنة (51هـ) ودفنت حيث أوصت في موضع زواجها من رسول الله وكان عمرها الشريف ثمانون سنة وصلى عليها ابن أختها عبد الله بن العباس.

محمد طاهر الصفار
......................................................
1 ــ وسائل الشيعة ج 20 ص 245

2 ــ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج 5 ص 42

3 ــ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ج 3 ص 180 / السيرة الحلبية للحلبي ج 3 ص 320

4 ــ أمالي الطوسي ص ٥٠٥

5 ــ المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 152

6 ــ وسائل الشيعة ج 20 ص 245
........
انتهى/ 278