وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ تعد الشعائر الحسينية من أهم الموروثات في عدد من البلدان العربية حيث تخلق أجواء دينية وثقافية، وهي إلى جانب ذلك تراث أصيل له خصوصية في العالم العربي.
وقد ارتبطت هذه الشعائر كونها جزءاً من التاريخ الديني والاجتماعي ارتباطاً وثيقاً بالحاضر المعيشي وتجذّرت في الذاكرة الشعبية فكوّنت وعياً جماهيرياً لا ينضب وإرثا فكرياً وثورياً لا يهدأ.
وتعد لبنان البلد العربي الثاني بعد العراق في إقامة هذه الشعائر خلال الأيام العشرة الأولى من شهر محرم من كل عام، وتشير المصادر التاريخية إلى أن بداية إقامة هذه المراسيم في لبنان تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر حين أخذت بعض العوائل اللبنانية تقيم مجالس العزاء الحسيني في العشرة الأولى من شهر محرم من كل عام، وخاصة في مدينتي النبطية وبنت جبيل، مركزَي التشيع الاثني عشري في الجنوب اللبناني.
وقد تعرّضت هذه الشعائر إلى المنع من قبل السلطة العثمانية فاضطر أهالي النبطية إلى إقامة مراسيم عاشوراء سراً بسبب رقابة الدوريات العسكرية العثمانية التي كانت تدور في الشوارع والطرقات أيام عاشوراء من أجل منع الاجتماعات وإقامة التظاهرات.
وكان حاكم نابلس آنذاك قد أصدر أمراً بوضع حراسة دائمة على مدخل حسينية المدينة منعاً لأية تجمّعات أو إقامة أية شعائر حسينية، وقد كانت الشعائر في ذلك الوقت مقتصرة على قراءة سيرة الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وما جرى عليهم من مآسٍ في كربلاء.
وفي اليوم العاشر من محرم عام (1299 هـ/1921 م) قامت مجموعة من الشباب اللبناني بتمثيل واقعة الطف لأول مرة في النبطية وقد استمرت مسرحية عاشوراء تقام على مسرح خشبي شعبي وبسيط في ساحة البيدر في النبطية حتى عام (1971)، وكانت تحت إشراف النادي الحسيني في النبطية.
وبعد هذا التاريخ أصبحت تقام على مسرح شعبي كبير نُصب أمام النادي الحسيني في النبطية.
وإلى جانب إقامة هذه المسرحية عن واقعة الطف تقام مجالس التعزية من اليوم الأول من شهر محرم وحتى اليوم العاشر منه في أحد النوادي أو الجمعيات الخيرية أو في بيت أحد الوجهاء، حيث يفتتح المجلس خطيب يتحدث عن واقعة من وقائع معركة الطف مبيّناً ما جرى على الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه من ظلم وقتل، مستنداً في ذلك على كتب المقاتل والتاريخ والحديث النبوي الشريف يتخلل حديثه قصائد شعرية في مدح ورثاء الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه من الشهداء ثم تطوّر العزاء الحسيني في النبطية.
فبعد إقامة مجلس العزاء الذي يُقام في النادي الحسيني صار يُقام عزاء اللطم على الصدور ثم يتبعه عزاء ضرب السلاسل الحديدية على الظهر والتي تقام عادة بعد الظهر مباشرة ماعدا يوم عاشوراء.
أما في يوم عاشوراء فتبدأ المراسيم منذ الصباح الباكر في النادي الحسيني حيث يقام عزاء اللطم وضرب السلاسل أولاً، ثم يتبعهما عزاء التطبير, وفي الساعة العاشرة صباحاً يُقام مجلس عزاء حيث يقوم الخطيب الشيخ جعفر الصادق الذي كان له دور مهم في تشكيل مواكب اللطم على الصدور وضرب السلاسل وتمثيل واقعة الطف، بقراءة قصة استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه في كربلاء وهي ما تدعى بقراءة المَقتَل، التي تشرح واقعة الطف بشكل مفصل، وتتخلل قراءة المقتل قصائد شعرية ملحمية ومرثيات شعبية حزينة.
وفي الساعة الحادية عشرة تبدأ تمثيلية مقتل الحسين على مسرح شعبي في الساحة المقابلة للنادي الحسيني في النبطية.
ومن الجدير بالاهتمام إن هناك كثير من المشاركين في هذه التمثيلية من الفلسطينيين السُنّة، وهذا يدل دور الشعائر في توحيد الصفوف وعلى التقارب والتضامن الاجتماعي ــ السياسي الذي أفرزه الصراع العربي الإسرائيلي ولعب دوراً توحيدياً بين المذاهب والأديان .
أما في بيروت فتقام سنوياً في الكلية العاملية مراسيم كبيرة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين ولمدة عشرة أيام متواصلة، تتضمن هذه المراسيم إلقاء المواعظ الدينية وإقامة الندوات الفكرية والثقافية والسياسية وإلقاء الخطب الحماسية حول استشهاد الإمام الحسين في كربلاء وبيان مواقفه البطولية وأهدافه النبيلة وتضحياته في سبيل الإسلام والإنسانية.
وتتوالى إلقاء هذه الخطب من قبل عدد كبير من علماء الدين ورجال الأدب والسياسة وغيرهم، كما وتحضرها شخصيات دينية وسياسية كبيرة من المسلمين وغيرهم وتنقل مباشرة من الإذاعة اللبنانية، وخلال السنوات الأخيرة تطوّرت مراسيم العزاء الحسيني في لبنان.
ففي عام (1995) أقيمت مجالس التعزية ومسيرات شعبية عمّت أغلب المناطق اللبنانية وقد أغلقت في بيروت كثير من المؤسسات والمدارس والأسواق وأقيم احتفال كبير في الكلية العاملية.
أما في صيدا فقد أقيم مجلس عزاء حضره كبار الشخصيات من الأديان والمذاهب المختلفة كما أحيت مدينة النبطية ذكرى عاشوراء بإقامة مجالس العزاء ومسيرات شعبية شارك فيها عشرات الألوف وقد قُرئ المقتل وأقيمت مسرحية عاشوراء على بيدر النبطية عدد من النواب والشخصيات الدينية والاجتماعية.
وفي عام (1996) عمّت لبنان مراسيم عزاء جماهيرية واسعة وخاصة في مدينة النبطية حيث أقام أهالي صير الغربية مسيرة شعبية كبيرة تتقدمها الطبول والنقارات والصنجات ويتصدرها موكب تشابيه أهل بيت الرسول وهم بلباس أخضر يتبعهم أنصار الحسين وهم يحملون السيوف والرماح والأقواس وأمام كل واحد منهم لافتة كتب عليها اسم واحد من أهل بيت الحسين أو أنصاره.
وتخترق هذه المسيرة شوارع مدينة النبطية لتتجه نحو ساحة كبيرة في الضواحي تشكّل مسرحاً شعبياً طبيعياً لتُقام فيه مسرحية عاشوراء في الهواء حيث يعسكر الحسين وأنصاره في جانب منها ويعسكر ابن سعد بجيشه في الجانب الآخر المقابل في حين توضع كراسي عديدة في الساحة لجلوس رجال الدين وأعيان المدينة والمشرفين على هذه المراسيم.
محمد طاهر الصفار
.........
انتهى/ 278
المصدر : العتبة الحسينية المقدسة
الأحد
٢٠ أكتوبر ٢٠١٩
٤:٤٢:١٤ م
983704
تعد لبنان البلد العربي الثاني بعد العراق في إقامة هذه الشعائر خلال الأيام العشرة الأولى من شهر محرم من كل عام، وتشير المصادر التاريخية إلى أن بداية إقامة هذه المراسيم في لبنان تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر