وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء – ابنا ـ على امتداد الاف الكيلومترات عبر المحافظات الجنوبية والوسطى وبغداد وغيرها تنصب على الشوارع عشرات الالاف من المواكب الحسينية، ومعها تفتح بيوت كثيرة ومساجد وحسينيات تخدم الزائرين السائرين الى مدينة كربلاء على مدار الساعة، تمتلئ موائدهم بكل ما لذ وطاب وتنفق ملايين الدنانير سنويا عبر صندوق مخصص لهذا الغرض من اموال اشخاص ميسورين، لكن هناك مواكب بسيطة جدا وخدمتها قليلة جدا واصحابها متواضعون وبسطاء، انها مواكب لاناس فقراء الحال لا يملكون من حطام الدنيا الا النزر اليسير، لكنهم قرروا ان يكونوا خداما للحسين (عليه السلام).
ماعون الخير
من بعيد يشاهد الماشي "مكيه منصور" العجوز الطاعنة بالسن التي تجاوزت عتبة الثمانين بقليل وهي تقف مرة وتجلس اخرى على الشارع العام تحمل بيدها ماعون فيه (هيل وعلك مر) تقدمه للزوار، كانت سابقا تسير في الزيارة الاربعينية فاعاقها المرض في رجليها وضعف نظرها، فتحولت للزيارة بالسيارات لكن فقرها الشديد وعيشة الكفاف وقفتا حائلا امام غايتها، وكذلك لانها عزيزة النفس فامتنعت ان تأخذ اي مبلغ حتى لو كان من ولدها للذهاب الى زيارة الإمام الحسين عليه السلام بواسطة السيارات، وتوصلت اخيرا الى حل يريح نفسها ويرفع عنها هاجس التقصير مع سيد الشهداء، فأخذت تضغط نفقات معيشتها اليومية وتجمع كل يومين خمسة الاف دينار لتشتري بها الهيل والعلك المر وتقف في طريق الزائرين لتوزعه عليهم وقوفا وجلوسا واستقطبت الكثير منهم الذي يتعاطفون معها لكبر سنها، ومن شدة فرحها سمت الماعون الذي تحمله بيدها وتوزع به الهيل والعلك المر بماعون الخير لانه يطعم زائري ابي عبد الله الحسين عليه السلام.
خدام متعففون
نصب منضدة وكرسيين في طريق ترابي زراعي في العام 2005 ووقف ووجهه الاسمر يقطر عرقا ليقدم الماء البارد الى المشاية، التعب والمرض بادي عليه ما جعله يتعكز على عمره البالغ خمسة وخمسون عاما، ووقفت زوجته المريضة التي اصبحت بطيئة الحركة تساعده، يقول حجي كريم هلوب من قضاء الخضر بمحافظة المثنى لوكالة نون الخبرية، كان المشاية يمرون من الجهة الاخرى لسكة الحديد التي تشطر المنطقة الزراعية لنصفين، بعدما غيروا خط سيرهم من الطريق الرئيس المبلط الى الترابي لاختزال مسافة تصل الى نحو 13 كيلومترا، وكان الزوار يعانون من قلة الخدمات فنصب اهالي تلك القرى المتباعدة مواكب بسيطة لتقديم الخدمات الى الزائرين، لاسيما الطعام والشراب.
ويتابع كنت اخدم في موكب لاحد اقربائي لعشرة ايام في كل عام ومن ثم اذهب الى الزيارة، وكان اكثر من ينفق في الموكب او يتبرع هم الفقراء ومنهم من يصر على دفع مبلغ خمسة الاف دينار للمشاركة رغم حاجتهم الملحة للمال بل هناك من يقدم عدد معتد به من الخرفان التي يربيها للمتاجرة او الاستخدام الشخصي.
كان هاجسه ان يقدم الخدمة بمفرده ولضيق اليد وقلة الحيلة قرر ان يقدم اقل شيء عسى ان يسجل في سجل الخدام للإمام الحسين عليه السلام، فتخصص بتقديم الماء البارد لمدة 12 ساعة تقريبا، مشددا انه رفض الكثير من العروض لمشاركته في نصب موكب وانفاق اموال لانه على قناعة تامة ان القليل مسجل عند الله وفيه بركات، ونحن نقدم الماء البارد وهو كان مطلب الحسين لعياله ونفسه واصحابه.
وجلست والدته التي تصر على مشاركته رغم مرضها الشديد لانها تريد ان تلقى الله بوجه ابيض، وتتواجد من الاول من شهر صفر ولمدة عشرة ايام فتملأ بيدها اكواب الماء وهي تردد (اشرب يا زاير.. اتهنه يا بعد ارويحتي... برد كلبك يمه)، وهي تقول مهما قدمنا للحسين بنية خالصة فهو ربح لا خسارة به، ولا ينال تلك الجائزة الا من اختاره الله.
خبز وماء
لا ينطبق عليه توصيف الموكب، لكنه مفعم بخدمة قليلة جدا على قدر المستوى المعيشي الذي تعيشه العائلة، التي تقدم الخبز والماء من نفوس طيبة محبة لأبي الاحرار عليه السلام، انها عائلة علي غالب من قضاء علي الشرقي، حيث وقف الاب والزوجة وبناته الثلاثة وولده الصغير وامه العجوز يتناوبون على تقديم الخبز الحار والماء البارد للزوار السائرين على الاقدام، تلك الخدمة مارسها منذ خمسة اعوام حيث يأتي مع عائلته من القرى المحيطة بطريق الزائرين قاطعا 15 كيلومترا لينصب طاولتين اعتاد على استخدامهن، احداهن للماء والاخرى للخبز مستغلا بناية غير مكتملة على شكل هيكل وضعت فيها زوجته التنور لصنع الخبز الحار باستخدام كيس طحين واحد يوميا ولمدة عشرة ايام وحدد الكمية بكيس واحد لانه يدفع لصاحب محل بيع الطحين اجرة كيس واحد كل شهر لاستلامها في موعد الزيارة الاربعينية عشرة اكياس، يحمد الله كثيرا على رزقه الشحيح وخدمته الكبيرة، واختيار الله الذي جعله وجميع افراد عائلته خادما للحسين عليه السلام، مقتنعا بالقليل القليل الذي يقدمه.
.................
انتهى / 232