ابنا: ونشر الموقع المذكور ثلاث روايات تم السكوت عنها من قبل القيادة الأمريكية لأسباب سياسية بحتة تتعلق بسرية تعاطي أمريكا مع أزمات الدول، والتي كنا نقول عنها دائماً بأنها “سياسة عدوانية” لا تقدّم أي خدمة أو منفعة للمنطقة بل على العكس تساهم إلى حدّ كبير في تفتيتها وتقسيمها من مبدأ “فرق تسد”.
وعلى هذا النهج بُنيت السياسة الأمريكية التي خدعت الكثير من الأنظمة ومن عارض سياستها دفع الثمن باهظاً؛ العراق وسوريا نموذجاً لذلك، ولم يسلم هذان البلدان من سياسة واشنطن العدوانية، إذ دمّرت الأخيرة البنى التحتية لهاتين الدولتين بوسائل عدة وبحجج مختلفة كـ “إرساء الديمقراطية، أسلحة دمار شامل، محاربة الإرهاب، القضاء على داعش” وفي النهاية اتضح أن كل الشعارات التي غزت عبرها الشعوب كانت “ملفقة” ولا دليل على وجودها، سوى تنظيم “داعش” الإرهابي الذي اتضح فيما بعد أنها تدعمه في كثير من الأماكن، وتقضي على بعض مقاتليه عندما تقتضي الضرورة لإيصال رسالة للعالم بأنها تحارب الإرهاب.
هذه الإزدواجية ليست بالجديدة على واشنطن وليست مستغربة منها، ولكن ما يدعو للاستغراب هو وجود دول وحركات وأحزاب ما زالت تؤمن بالأيادي البيضاء لواشنطن في المنطقة وتبني آمالاً على تقديم الأخيرة كل وسائل الدعم لها، قد انخدع الأكراد على سبيل المثال مؤخراً في كل من سوريا والعراق بسياسة أمريكا التي لا تبدي حرجاً بالتخلي عن حلفائها عندما تجد ما يدعو لذلك.
الرواية الأولى
في الرواية الأولى للوثائق السرية يتحدث الموقع الأمريكي عن مقتل ثلاثة جنود كبار من “غزاة البحرية” في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني حتى يوليو/تموز 2016، خلال تنفيذهم عمليات داخل الأراضي السورية والعراقية، تلك الحقبة التي كانت خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، وهذا يتنافى مع تصريحاته العلنية مراراً وتكراراً هو وكبار قادة وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، حول عدم تورط أي من القوات الأمريكية في أي عمليات مباشرة على الأرض ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وكشفت الوثائق أيضاً عن “العمليات القذرة” بحسب ما وصفها الموقع الآنف الذكر، التي نفذها “غزاة البحرية” في تلك الفترة من تنظيم مفاوضات وتواصل مباشر مع عدد من قادة “داعش” الإرهابي.
عندما كنا نتحدث عن ذلك كان البعض يعتقد بأننا نبالغ ويتهمنا بأننا نحمّل أمريكا المسؤولية في دمار المنطقة، وهل أثبتت واشنطن عكس ما كنا نتكلم عنه حتى اللحظة، لم نجد لهذه الدولة العملاقة أي أيادٍ بيضاء في هذا الشرق سوى تلك التي تمسح بها “جبين نتنياهو” وتبارك له في قتل الفلسطينيين وإخراجهم من بيوتهم وزيادة الاستيطان، وما فتح السفارة الأمريكية إلا خير دليل على ما نقول.
الرواية الثانية
تقول الوثائق الصادرة عن “ببزنس انسايدر” في روايتها الثانية إن أمريكا كانت تقوم بعمليات “قذرة” ظاهرها محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، لكن باطنها تنفيذ عمليات دعم لجماعات موالية لأمريكا أو التفاوض مع قيادات التنظيم الإرهابي، وهذا وفقاً للوصف الذي استخدمته الوثائق وأيّده الموقع.
وتحدّث الموقع عن دعم قوات البشمركة، حيث نفّذ مشاة البحرية الأمريكية عمليات سرية تؤكد دعمهم لقوات “البشمركة” الكردية في العراق بأنواع مختلفة من الأسلحة الآلية الدقيقة وقذائف الهاون، وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية، لمساعدتها في صراعها المرتقب مع القوات التابعة للحكومة العراقية، على الرغم أن الموصل حينها كانت محاصرة من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي، وهو ما أسفر عن مقتل أحد الجنود، بسبب اشتعال قذيفة هاون فيه.
ورغم دعم واشنطن لهذه القوات الكردية إلا أنها تخلّت عنها عند أول مفترق طرق، وتركتها وحدها تواجه الغزو التركي في سوريا، علماً بأنها كانت تدّعي بأنها “الأب الروحي” للأكراد ولن تتخلى عنهم أبداً، ولكن ما حدث على أرض الواقع كان مخالفاً تماماً للادعاءات الأمريكية ومن حسن حظ الأخيرة أن الأكراد جددوا ثقتهم بها في أكثر من مناسبة، ومن سوء حظ الأكراد أن واشنطن خذلتهم في جميع هذه المناسبات.
الرواية الثالثة
كشف الموقع الأمريكي في الرواية الثالثة مقتل أحد جنود “غزاة البحرية”، خلال تعامل القوات مع قناصة تابعين لـ “داعش”، واجههم خلال عملية دعم وتدريب قوات تابعة للمعارضة السورية.
وهذا يوضح للمرة المليون الدور التخريبي الذي مارسته وتمارسه واشنطن في سوريا، ومن المؤسف أن بعض الأطراف في هذه البلاد تثق بالأمريكي وفي النهاية تكتشف أن بلادها دُمّرت بالكامل من أجل أوهام خدعتها بها أمريكا.
وفي نهاية تقرير موقع “بيزنيس انسايدر” نكتشف وجهاً جديداً من سياسة واشنطن في طمس الحقائق، حيث تقول الوثائق بأن قيادة العمليات الخاصة التابعة لمشاة البحرية الأمريكية “المارينز”، قد أزالت أسماء كل الجنود من الوثائق، حفاظاً على سريتها وخصوصيتهم، كما رفضت القيادة التعليق على طبيعة تلك العمليات، وعما إذا كان من ورائها أي مخطط “سري” تدبره أمريكا في سوريا والعراق.
..................
انتهى/185