ابنا: الحب هو انجذاب قلب الحبيب الى المحبوب، وهو شعور ينبع من الفطرة التي اودعها الله في الانسان بسبب كمالات يملكها المحبوب.
وكلما كانت هذه الكمالات أعلى كان الحب اكبر وأعظم لدى الحبيب نحو محبوبه.
ولكن حين نصل الى الحب الذي كان يكنه النبي الأكرم (ص) لفاطمة الزهراء (ع) نصبح عاجزين عن الوصول الى تمام حقيقته وماهيته ولسنا مغالين إن قلنا انه خارج عن قدرة القلم واللسان والتحليل والبيان.
لأنَّ كمالات وفضائل المحبوب ـ وهي السيدة الزهراء ـ لا يمكن حصرها ولا حتى بلوغ غاية حقيقتها، حب النبي الاكرم للزهراء (ع) لم يكن حبَّ أبٍ لابنته فقط بل كان حباً ممزوجاً بالتعظيم والتقديس والفناء فيها صلوات الله عليها.
إنَّ الزهراء (ع) بلغت في قلب النبي الأكرم مبلغاً الى الحد الذي جعله يصرح مراراً وتكراراَ "فداها أبوها" (1).
فأية منزلة عظمة ودرجة سامية تلك التي بلغتها (ع) ليفتديها خير خلق الله بنفسه وصرح بذلك في اكثر من مناسبة.
وهنا يمكننا ان نستعرض القليل من كمالات السيدة العظيمة فاطمة الزهراء علناً بذلك نصل الى درجة من فهم ومعرفة هذا الحب العظيم.
رضا فاطمة رضا الله وغضبها غضبه:
قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد اغضبني
وقال (صلى الله عليه وآله): يرضى الله لرضا فاطمة ويغضب لغضبها (2).
ولو تأملنا في الحديثين الشريفين لوجدنا أن النبي الأكرم ربط بين رضا الزهراء ورضا الله فأحدهما متوقف على الاخر ولربما هي صلوات الله عليها الوحيدة بين الخلائق التي عُرفت بهذه الخصوصية ولو اخذنا هذا الحديث وحده لتبين لنا أن الزهراء وجود لا يمكن ان يصل الى منتهى معناه انسان.
وفي إشارة ثانية هي أن النبي الأكرم يربط بين غضب الزهراء وغضب الله عز وجل ومن هذا المنطلق جعلها النبي الأكرم مقياساً لغضب الله تعالى وبين انها لن يصل لمكانتها سواها
ولعل تأكيده الكثير على هذا الأمر كان بسبب علمه بما سيجري عليها من بعده فأراد ان يتم الحجة على الناس ويبين لهم أن الزهراء وجود فوق سائر الموجودات أو كما عبر الامام الحسن العسكري (ع): (نحن حجج اللَّه على خلقه وجدّتنا فاطمة حجة اللَّه علينا) (3)
الزهراء أفضل الخلق بعد النبي الأكرم (ص)
ولقد صرح النبي الأكرم وائمة أهل البيت عليهم السلام بأفضلية الزهراء على جميع الانبياء والائمة ـ ما خلا الامام علي الذي يساويها فضلا ومنزلة ومكانة ـ.
نذكر بعض الروايات الدالة على هذا الأمر
فعن سلمان (رض) أنه سأل النبي (صلى الله عليه وآله): (من أفضل خلق الله؟ فأشار النبيّ إلى الحسنين وقال: جدّ هذين، قال سلمان: فمن بعد جدّهما؟ قال: أبو هذين و أمّ هذين، قال سلمان: فمن بعد أمّهما؟ قال: هذان (4).
وعن أمير المؤمنين (ع) في حديث طويل قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إنّ الله أشرف إلى الدنيا، فاختارني على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثم اطلع الثالثة فاختار فاطمة على نساء العالمين، ثم اطلع الرابعة فاختار الحسن والحسين والأئمة من ولدها (5).
وكذا جاء عن سلمان في حديث طويل ينقله عن السيدة الزهراء قال فيه.... قالت فاطمة (ع): يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل؟
فقال رسول الله: أخي علي: أفضل أمتي، و حمزة و جعفر هذان أفضل أمتي بعد علي و بعدك، وبعد ابني: و سبطي الحسن و الحسين (6).
وهنالك الكثير والكثير من الروايات إلا اننا سنكتفي بهذا القدر
وكما هو واضح ان النبي والامام علي كانا قد صرحا بأن فاطمة الزهراء أفضل وأسبق من الائمة ـ الذين هم أفضل وأسبق من الأنبياء السابقين ـ والائمة جميعا خلقوا من نورها، وهذا الكمال ـ وكمالات الزهراء لا تعد ـ الذي تحظى به الزهراء الذي يجعل النبي الأكرم ينحني ليقبِّل يديها ورأسها إكراماً وتعظيماً.
وقد يقال إنِّ الامامةَ موجبة لتفضيل الإمام على الزهراء نقول إنَّ الاستنتاج يأتي بعد النص لا قباله والنصوص تصرح بأفضليتها.
وثانياً لو قلنا إنَّ الامام أفضل لكان ابراهيم أفضل من الزهراء وهو امامة مذكورة في القران وثابتة وهذا باطل لأنَّ الإمام الصادق قال إنه بلغ ما بلغ بعد الإقرار والتوسل بها عليها السلام (7).
وكذا ان إجماع الامة ان آدم ويونس وغيرهم من الانبياء عليهم السلام توسلوا بالخمسة الذين منهم فاطمة الزهراء.
وثالثاً ان القول هذا يشبه من يقول ان المرأة اكثر حياءً لأنها ترتدي الحجاب وهذا باطل لأن الرجل لم يخاطب بالحجاب ولا هي من مختصاته فالإمامة هي التبليغ والقيادة والجهاد وهذا لم تخاطب به المرأة ليكون سببا للأفضلية فالتفاضل بالإمامة يكون بين الرجال لا بين الرجل والمرأة والتفاضل بينهما يكون على اساس النص وما يشببهه. وكذلك حينما سُئل الإمام علي عليه السلام أنت أفضل أم النبي آدم او ابراهيم وهكذا يجيب: أنا، ولم يصرح قط انه أفضل من فاطمة عليها السلام لأنها تساويه فضلا ومنزلة.
وقد روى سلمان الفارسي رواية طويلة مفادها: كيف ان الامام علي لم يولِّ ظهره ناحية الزهراء قط وكان يجلس بين يديها لتحكي له علم ما كان وما يكون.
وكذا يروى عن الامام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: لمّا حضرت فاطمة الوفاة بكت الزهراء
فقال لها أمير المؤمنين: يا سيدتي ما يبكيك؟
قالت: أبكي لما تلقى بعدي.
الزهراء حوراء انسية:
روى الإمام العسكري عن أبائه عن الامام علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما خلق الله آدم وحواء، تبخترا في الجنة، فقال آدم لحواء: ما خلق الله خلقاً هو أحسن منا ـ كانا يظنان أنهما أفضل ما خلق الله ـ فأوحى الله إلى جبرائيل أئت بعبدي الفردوس الأعلى ـ ويعني آدم وحواء حيث كانا في الجنة ولم يريا الفردوس الأعلى ـ
فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوكٍ من درانيك الجنة، وعلى رأسها تاج من نور، وفي أذنيها قرطان من نور، قد أشرقت الجنان من نور وجهها.
فقال آدم: حبيبي جبرائيل من هي هذه الجارية التي أشرقت الجنان من حسن وجهها؟
قال جبرائيل: هذه فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)، وتكون من نبي من ولدك يكون في آخر الزمان.
قال آدم: فما هذا التاج الذي على رأسها؟
قال جبرائيل: بعلها علي بن أبي طالب،
قال آدم: فما القرطان اللذان في أذنيها؟
قال: ولداها الحسن والحسين،
فقال آدم: حبيبي جبرائيل أخلقوا قبلي؟
قال: هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تُخلق ـ يعني قبل أن تُخلق أنت يا آدم ـ بأربعة آلاف سنة (8).
إنما الزهراء حوراء من الفردوس الأعلى نزلت الى الارض بصورة إنسية حين أكل النبي الاكرم من تفاح الجنة، ولذلك كان يقول دوما حين اشتاق الى الجنة أشمُّ ابنتي فاطمة لأنها خلقت ـ أي جسدها الآدمي ـ من الجنة.
وبعد أن بينا بعض كمالات الزهراء عليها السلام يمكننا أن نعرف جزءً يسيراً من مدى الحب الذي يكنه النبي الأكرم لها وكم كان يجلها ويعظمها ويبين علو منزلتها و جلالة قدرها عند الله تعالى.
ويمكن أن نعرف مدى الضلال الذي استحكم بالأمة في الحقبة التي تلت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت بحق الأسوء والاشنع في تاريخ الانسانية كلها، إن الارتداد الذي حصل بعد وفاة النبي الأكرم كان كفيلاً باقتلاع كل ما أفنى به النبي حياته في زرعه في الناس من قيم ومبادئ واخلاق، هذا الإرتداد كان السبب الرئيس الذي جعل الامة التي بين ظهرانيهم فاطمة عليها السلام يهجم على بيتها وهم ينظرون ويؤخذ منها حقها وهم صامتون.
فالسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية.
الكاتبة: نور المياحي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اشارة الى حديث سوار الفضة و وهو ورد في مقتل الحسين للخوارزمي وكتب أخرى
(2) والحديث بهذه الالفاظ ورد عن اكثر من خمسين من رجال الحديث والسنن من الفريقين كالبخاري وسنن احمد والكافي والبحار.
(3) اطيب البيان في تفسير القرآن / المجلّد 13 / الصفحة 225.
(4) الخصائص الفاطمية ج 1 ص 562.
(5) أمالي الطوسي ص50 / - الخصال- الشيخ الصدوق ص 207).
(6) كتاب سليم بن قيس ص565 ح1. كمال الدين ج1ص263ب24ح10.
(7) رواها الشيخ الطوسي في مصباح الأنوار.
(8)السند من السلسلة الذهبية وهي خير الاسناد وأقواها رواها العلامة المجلسي في البحار. والإربلي في كشف الغمة.
وكذا استدللنا من مصادر اخرى كملتقى البحرين ومعاني الاخبار والارشاد وغيرها.
المصدر : موقع العتبة الحسينية المقدسة
الخميس
١٣ يوليو ٢٠١٧
٤:١٤:٢٧ م
842083
لسنا مغالين إن قلنا ان الحب الذي كان يكنه النبي الأكرم (ص) لفاطمة الزهراء (ع) خارج عن قدرة القلم واللسان والتحليل والبيان.