ابنا: غزوة بدر، أو غزوة بدر الكبرى، هي أولى معارك المسلمين ضد مشركي قريش بعد هجرة الرسول إلى المدينة المنورة وبقيادته (ص)، وكانت الوقعة في 17 من شهر رمضان للسنة الثانية للهجرة في منطقة بدر. وقد انتصر المسلمون في هذه الوقعة على قلتهم مقارنة بجيش المشركين، إضافة إلى قتلهم وأسرهم عددا من كبار جيش العدو. ولقد ثبّت هذا النصر مكانة المسلمين في المدينة. ويذكر التاريخ أن من أهم أسباب انتصار المسلمين هو البطولات والتضحيات التي قدمها المسلمون وعلى رأسهم الإمام علي (ع) وحمزة سيد الشهداء. تعد هذه الغزوة إحدى الغزوات اللاتي ذُكرت في القرآن الكريم واعتبرها القرآن نموذجا للإمدادات الإلهية.
غزوة بدر .. متى وأين؟
تقع بدر على بعد 153 كيلو مترا جنوب غربي المدينة المنورة، كما وتقع في شمال مكة المكرمة وتبعد عنها 300 كيلو مترا تقريبا.وتتمتع بدر بمصادر المياه وبتبعها أراض خضراء، وكان فيها ـ قبل الإسلام وصدره ـ سوق من أسواق العرب، وتمر بها القوافل التجارية، إضافة لبعض المناسبات الشعرية، مما أكسب المكان شهرة.
ومدينة بدر اليوم هي مركز وادي الصفراء وتقع على مفترق الطرق بين مكة المكرمة و جدة وينبع. ويمر بها طريق المدينة المنورة القديم، وهي منطقة مهمة للمسافرين إلى شمال الحجاز. ومن معالم المدينة مسجد العريش الذي بني في نفس المكان الذي كان به عريش رسول الله.وفي قربه مقابر شهداء بدر.
وبحسب أغلب المؤرخين كانت المعركة في صباح الجمعة، 17 شهر رمضان، وقال بعضهم بأنها كانت يوم الاثنين 17 أو 19 من شهر رمضان، في السنة الثانية للهجرة.
أسباب وقعة بدر
لقد تعرض المسلمون في مرحلة ما قبل الهجرة النبوية لأشكال مختلفة من الظلم والتعسف والتعذيب والتشريد من قبل المشركين، كما ومُنعوا من أداء واجب الحج، ورغم ذلك لم يُسمَح لهم بمقابلة مشركي قريش والحرب معهم، ودائما ما كان الله تعالى يدعوا المسلمين للصبر، فكان المسلمون يلتزمون الهدوء والسلام، ويدعون إلى الله بالحسنى، ولكن بعد الهجرة أنزل الله تعالى آيات عدّ فيها ما تعرض له المسلمون من ظلم وأذن لهم بالقتال.ومنها ما نزل في سورة الحج: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"
كان للمسلمين قبل بدر الكبرى عدة سريات وغزوات، وكان الهدف منها قصم ظهر قريش والسيطرة على قوافلها، فكان المسلمون يخرجون أحيانا لاعتراض عير قريش، ويُذكر أن ما عدا سرية نخلة لم تصل أي من السرايا والغزوات إلى المبتغى المطلوب. ففي هذه السرية التي كانت بقيادة عبد الله بن جحش والتي وقعت قبل شهر ونصف من بدر وفي شهر رجب، قُتل عمرو بن الحضرمي أحد المشركين وأسر شخصان آخران إضافة إلى أخذ ممتلكات القافلة التجارية كغنيمة حربية.واعتبرت قريش هذه الخسارة عاراً عليها بين سائر القبائل العربية، الأمر الذي دعاها للمطالبة بثأر عمرو، وكان لهذه الوقعة الأثر البارز في غزوة بدر.
ومن القوافل التي لم يتمكن المسلمون أن يسيطروا عليها كانت تلك القافلة التي تقصد غزة بزعامة أبي سفيان، فلاحقها الرسول ولما وصل مكانا يسمى "ذا العشيرة" (على مسافة 5 منازل من المدينة) وجد بأن العير قد فاتته. فاضطر إلى العودة.
وعند عودة القافلة، علم النبي الأكرم بعودة القافلة من غزة وقيل بأنّ جبرائيل هو من أخبر الرسول بذلك. وعلم أبو سفيان بأن النبي أرسل بعض رجاله لقافلته، فأرسل رسولا إلى مكة ليستنفر قريشا إلى أموالهم.
إجراءات الجيشين قبل المعركة
قبل بداية المعركة كانت هناك بعض الاجراءات التي قام بها الجيشان ابتداء من خروجهما من مكة والمدينة ومرورا باستقرارهما في بدر.
خروج المسلمين من المدينة
مع رجوع قافلة أبي سفيان من غزة إلى مكة المكرمة، أمر الله تعالى الرسول بالخروج من المدينة وبشره بالانتصار: "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ" وبعد إعلان الرسول لأمر الله بالخروج، خرج مع مجموعة من أصحابه من المدينة المنورة، في 12 أو 13 من شهر رمضان. وفي إحدى المنازل ضرب الرسول عسكره وعرض المقاتلة، وردّ بعض الأصحاب إلى المدينة بسبب صغر سنهم.
إجراءات أبي سفيان وقريش
لقد اطلع أبي سفيان حين عودته من الشام على نوايا المسلمين لصد طريق قافلته، لذا استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وأرسله من تبوك إلى مكة وطلب من أهلها النجدة لانقاذ أموالهم، وحيث أن أكثر أهالي مكة كانوا مساهمين في القافلة التجارية، جهزوا جيشا من جميع القبائل وبمشاركة جميع أشراف مكة ـ سوى أبي لهب الذي خاف أن يظفر به الرسول فأرسل العاص بن هشام ليسد مسده ـ في ألف مقاتل وبقيادة عمرو بن هشام المخزومي (أبي جهل)، ووجهوا الجيش نحو منطقة بدر، ومن الجدير بالذكر أن بعض أشراف قريش ومن الذين قُتلوا في المعركة كعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف، لم يوافقوا على الحرب بل أجبروا عليها بضغوط من أبي جهل.كما وإن بني عدي وبني زهرة عادوا ولم يحاربوا في بدر.
بعد العبور من منازل عدة في الخامس عشر من رمضان وصل الرسول إلى منطقة "روحا"، وصلّى بالقرب من بئرها ولعن كل من أبي جهل وزمعة بن الأسود.
وتحرك بعد ذلك باتجاه بدر، وبالقرب منها أخبر جبرائيلُ النبيَ باقتراب جيش قريش، فأرسل النبي الأكرم رسلا فيهم الإمام علي (ع) إلى إحدى الآبار بالقرب منهم ليطلع على الأخبار، وقد اصطدموا ببعض سقاة قريش واسّروا شخصين منهم. وبعد التحقيق معهما تبين أن عدد جيش قريش من 900 إلى 1000 مقاتل، وقد قدموا إلى بدر بمعية أغلب أشرافهم، واستقروا خلف التلال الرملية في العدوة القسوى. فقال الرسول الأكرم: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
وطلب الرسول أصحابه للشورى، فأبدى كل منهم رأيه، وينقل التاريخ عن مقداد ـ أحد المهاجرين ـ بأنه قال: "يَا رَسُولَ اللهِ، امْضِ لِأَمْرِ اللهِ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِنَبِيّهَا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ."
وايضا تكلم سعد بن معاذ زعيم اوس وحامل لواء الأنصار، وأعرب عن كون الأنصار تحت إمرة الرسول في ما يأمر ومهما حصل، فسُرَّ النبي من كلام مقداد وسعد وقال: "سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم." وقد جاء في بعض الرويات الإسلامية أن النبي (ص) قال للمسلمين: "إحدى الطائفتين لكم، إما العير وإما النفير" أي إما ستحصلون على القافلة وإما تنتصرون على الجيش.
وعقد رسول الله، يومئذ الألوية، وكان لواء رسول الله الأعظم بين الألوية، وفي نفس الليلة لقد هطلت الأمطار، الأمر الذي شل حركة المشركين حيث أصبحت منطقة سيرهم أشبه بالمستنقعات، ومن جهة أخرى سببت الأمطار استحكام الأراضي الرملية التي استقر عليها المسلمون، فلذا تحركوا باتجاه بدر حتى وصلوها مساء السابع عشر من رمضان، واستقروا أدنى بدر.وباستشارة من الحباب بن المنذر ـ بحسب أغلب الروايات ـ بنوا على البئر جدارا وحبسوا ماءه لكي لا يتسنى للمشركين الوصول للماء.
في الجهة الأخرى، نزل أبو سفيان بالقرب من بدر، وبعد البحث والاستفسار أدرك بأن المسلمين يتواجدون في تلك المنطقة، فلذا غير مسار القافلة مباشرة واتجه نحو مكة عن طريق ساحل البحر، ومن ثم أرسل رسالة إلى قريش وطلب منهم العودة إلى مكة. فلذا عاد طالب بن أبي طالب وبنو زهرة وأيضا وبنو عدي إلى مكة. وأراد أن يرجع الآخرون أيضا ولكن بسبب الحاح أبي جهل ـ الذي كان ينوي أن يظهر قوة قريش أمام المسلمين وسائر العرب ـ اُجبروا على الاستمرار في طريقهم إلى بدر.
وصل جيش قريش بعد المسلمين إلى بدر ويعود تأخر وصول المشركين بسبب الأمطار التي صعبت مسيرهم، وكُلّف عمير بن وهب الجمحي بدراسة وضع المسلمين، وجاء بالخبر اليقين، وأكد على أن عدد المسلمين قليل ولكنهم قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، فلا يُقتل منهم رجل قبل أن يقتل رجلا من قريش. فهم على أتم الاستعداد للحرب والقتل.ويذكر الواقدي أن الرسول محمد (ص) بعد نزول أهل مكة في بدر أرسل رسالة لهم وحذرهم من القتال، وأعلن عدم ميله للحرب مع قريش.
ذكر القرآن لمحل استقرار الجيشين
لقد وصف القرآن الكريم محل استقرار المسلمين والمشركين بدقة حيث يذكر في الآية 42 من سورة الأنفال:
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْۚ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِۙ وَلَٰكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
وقائع الغزوة
كانت غزوة بدر من الغزوات القصيرة، حيث لم تستمر أكثر من نصف نهار.
قبل بداية المعركة أرسل النبي رسالة وأعلن عدم ميله للحرب مع قريش وحذرهم من المعركة. بعض المشركين من أمثال حكيم بن حزام اعتبروا رسالة الرسول منصفة وطلبوا العودة إلى مكة، ولكن تشدُد أبي جهل وغطرسته منعهم من العودة.
باقتراح من سعد بن معاذ بُني لرسول الله عريش في منطقة مشرفة على مكان المعركة ويعد العريش مركز القيادة في المعركة، وكُلّف بعض الأصحاب بحماية العريش، ولكن بحسب الروايات رغم وجود العريش كان لرسول الله حضور مميز في المعركة فينقل احمد بن حنبل في مسنده عن الإمام علي (ع) قوله: "رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا".وفي صباح يوم الغزوة عدّل النبي الأكرم صفوف أصحابه وحينها أقبلت قريش من خلف العقنقل ـ التل المتدرج من الرمل ـ فلما رآهم الرسول (ص) قال: اللَّهمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهمّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتنِي، اللَّهمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ.بعد اصطفاف الجيشين، كانت الشمس خلف جيش الإسلام وفي وجه جيش قريش.دفع رسول الله راية القيادة المسماة بـ"العقاب" ـ والتي لا تُرفع الاّ من قبل كبار القوم وبعض المميزين ـ إلى علي (ع).
بداية المعركة
من أجل تحريك المشاعر، قبل بداية المعركة أمر أبو جهل عامر الحضرمي بأن يحلق راسه ويلطخه بالتراب مطالبا بدم أخيه. يُقال أن عامر كان أول من هجم على معسكر المسلمين ليفرّق صفوفهم، ولكن جيش الرسول أثبتوا استقامتهم. ومن جهة أخرى كان أبو جهل يوبخ عتبة، وأجبره أن يبدأ بالمبارزة في حرب كان يحاول اطفاء نارها، وهكذا بارز هو وولده الوليد إضافة إلى شيبة وبدؤوا الحرب.
فأخرج لهم الرسول الأكرم، حمزة والإمام علي (ع) وعبيدة بن الحارث لساحة القتال، فقتل حمزة شيبة، وقتل علي (ع) الوليد، ولكن عبيدة لم يتمكن من هزيمة عتبة فكرّ حمزة وعلي (ع) عليه وقتلاه.
مصير المعركة
بعد مقتل عتبة وشيبة والوليد، اشتدت نيران الحرب ولكن بالامدادات الهية واستقامة المسلمين، غُلب المشركون.ويُذكر بأن الرسول (ص) أخذ قبضة من الحصى والتراب أثناء المعركة ورمى بها على قريش وقال: "شاهت الوجوه، اللهم أرعب قلوبهم وزلزل أقدامهم"، ثم قال لأصحابه: "شدوا" وهذا العمل لقد سبب هزيمة المشركين وفرارهم. حيث تركت قريش عدتها في أرض المعركة ولاذوا بالفرار وانتشر خبر هزيمتهم حتى وصل إلى أهل مكة.
وهكذا انتهت معركة بدر باستشهاد 14 شخصا من المسلمين (6 شهداء من المهاجرين و8 من الأنصار) ومصرع 70 شخصا من المشركين إضافة إلى أسر 70 آخرين. ويُذكر أن 21 شخصا من قتلى قريش قُتلوا علي يد الإمام علي (ع). هذا وتفرق عدد كبير من المشركين في الصحارى والوديان، بانتظار الليل ليهربوا من قبضة المسلمين.[٤٩]
وأما أبو جهل الذي كان قائد جيش قريش فقد لحقه معاذ بن عمرو وأبني عفراء وأصابوه بجروح قاتلة، وضرب ابن مسعود عنقه في آخر رمق، وفرح رسول الله (ص) من مقتل أبي جهل وقال: "إن الله قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل، فالحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده، اللهم قد أنجزت ما وعدتني فتمم عليَّ نعمتك"، وحينما وقف على مصرع ابني عفراء قال (ص): "يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد شاركا في قتل فرعون هذه الأمة، ورأس أئمة الكفر".
كان نوفل بن خويلد من الذين لعنهم الرسول الأكرم وقال فيه "اللهم اكفني نوفل بن خويلد" وقد قتله الإمام علي (ع) بسبب مواقفه السيئة من الرسول وتحريض المشركين على القتال، وعندما وصل خبر مقتله لرسول الله كبّر وقال: "الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه".
لم تستمر غزوة بدر سوى بضع ساعات، أي أقل من نصف نهار ولكنها تُعد إحدى أهم حوادث صدر الإسلام، حيث قال الرسول فيها: "ما أري الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، [...] إلا ما أري يوم بدر".
أحداث بعد المعركة
أهم الأحداث التي يذكرها التاريخ بعد معركة بدر هي: صدى الوقعة في مكة والمدينة إضافة إلى مصير الأسرى والقتلى وما يخص الغنائم.
بأمر من رسول الله جُمعت الأموال والغنائم في مكان واحد وبعد دفن الشهداء من المسلمين، رُميت أجساد المشركين في القليب (البئر)، وخاطبهم الرسول (ص) قائلا: "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا". وعندما قيل له كيف تخاطب الأموات قال: "لقد سمعوا ما قلت غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئا". عاد المسلمون مع الأسرى والغنائم إلى المدينة، وفي الطريق نزل المسلمون في الصفراء، حيث قُسّمت الغنائم
أوصى الرسول بحسن معاملة الأسرى إلاّ أسيرين منهم، حيث أمر الرسول بقتلهما. وأيضا أمية بن خلف ـ الذي كان له دور بارز في محاربة المسلمين في مكة وبالتحديد تعذيب بلال بن رباح ـ قتله بلال بعد أسره، فرغم عدم سماح قتل الأسير، ولكن قد اعتُبر كل من هؤلاء مجرمي حرب، بسبب ارتكابهم لجرائم وفضائع في مكة قبل هجرة المسلمين.
بأمر الرسول قد أعفي أبو البختري بن هشام مع شخصين أو ثلاثة من القتل، وذلك بسبب ما قدمه من خدمات للمسلمين إبان الحصر الاقتصادي في شعب أبي طالب وأيضا حضوره في الحرب مكرها.وسائر الأسرى قد قُسّموا بين المسلمين فكل من أسر أسيرا أصبح له، وأكثرهم من أمثال العباس بن عبد المطلب ـ عم الرسول ـ أطلق سراحه بدفع الفدية، وبعض علّم أبناء الأنصار والمهاجرين الكتابة والقرآءة فأطلق سراحهم، وآخرون حصلوا على حريتهم دون أي فدية.
صدى المعركة في المدينة
بقي رسول الله ثلاثة أيام في بدر ومن ثم أرسل زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من أثيل إلى المدينة لكي يوصلا نبأ انتصار المسلمين إلى أهلها.
كان لمعركة بدر صدى واسع بين المسلمين واليهود والمنافقين في المدينة فمكانة هذا الانتصار وعظيم شأنه سبّب عدم تصديق كلام زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من قبل اليهود والمنافقين وحتى بعض المسلمين، واعتبروا كلامهما هذيانا. ولكن من لم يشك بصحة النبأ فخرج إلى روحا مستقبلا الرسول وكان من بينهم أشراف خزرج، وباركوا للمسلمين الانتصار في بدر، ومن لم يحضر الغزوة قدم اعتذاره للرسول. ورغم هذا الانتصار الذي أعلى من شأن المسلمين ما بين القبائل ولكن بقيت هذه الوقعة تحز في نفوس بعض المسلمين، حيث عندما كان يشرب بعضهم الخمر وصولا إلى حد السكر ـ وذلك قبل ان يُحرّم الخمر ـ كانوا ينشدون أشعارا ترثي قتلى المشركين من أهل بدر وقيل أن ممن رثى قتلى قريش كان أبو بكر، ويقول الزمخشري أن عمر قعد ينوح على قتلى بدر بشِعر الأسود بن عبد يغوث، قائلا:
وكائن بالقليب قليب بدر من الفتيان والشرب الكرام
وكائن بالقليب قليب بدر من الشيزى المكلل بالسنام
فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله، فخرج مغضبا يجر رداءه، فرفع شيئا كان في يده ليضربه، فقال عمر: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله.
ومما حصل بعد غزوة بدر ومن تأثيراتها على الشارع المدني كان خوف الأنصار تجاه علاقاتهم مع متحديهم من اليهود، فلذا قالوا لهم بأن يؤمنوا قبل يحصل لهم ما حصل لقريش.
صدى المعركة في مكة
كان صدى بدر في مكة أكثر اتساعا من صداه في المدينة، فأهل مكة أيضا أنكروا الخبر في بادئ الأمر واعتبروه هذيانا.
منع أبو سفيان المشركين من البكاء والنوح والرثاء على القتلى كما حذرهم من أي مظهر من مظاهر الفرح، وذلك لكي تبقي نار الغضب مشتعلة. ولكن بقيت مكة شهرا كاملا في الحزن والمأتم ولم يبقى بيت إلا وكان يرثى قتلاه. ونثرت النساء شعرها. ورثت قريش القتلى بأشعار عديدة نجد أغلبها في الكتب التاريخة والأدبية.
كان وقع هذه الخسارة ثقيل على قريش، حيث سببت في غزوة أحد في العام التالي، إضافة إلى الحقد الذي بقي في قلب القريشين وبالتحديد في قلب الأمويين، وحتى بعد إسلامهم حاولوا عدة مرات أن يظهروا هذا الحقد، وأكثر من تأذى من الحقد القرشي كانوا أهل البيت وأمير المؤمنين (ع) بالتحديد، وفي حوار دار بين عثمان وعلي (ع) تطرق عثمان لهذا الحقد والكراهية وخاطب الإمام علي (ع) قائلا: وَ اللَّهِ لَا تُحِبُّكُمْ قُرَيْشٌ أَبَداً بَعْدَ سَبْعِينَ رَجُلًا قَتَلْتُمُوهُمْ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ كَأَنَّهُمْ شُنُوفُ الذَّهَبِ. وبحسب بعض الباحثين أن كل ما حدث في التاريخ الإسلامي ضد شيعة أهل البيت له علاقة بما حدث في بدر وظهر أوج هذا العداء في واقعة كربلاء، حيث صرح يزيد بأن المعركة كانت للأخذ بثأر بدر، واستشهد بشعر لـابن الزبعري:
قد قتلنا القوم من ساداتهم وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
غزوة بدر في القرآن
تطرق القرآن الكريم لغزوة بدر تحت عنوان يوم الفرقان، وذلك في سورة آل عمران الآيات: 12ـ13 و123ـ127، وأيضا في سورة النساء، الآيات: 77و78، وفي سورة الأنفال، الآيات: 1ـ19 و36ـ51 و67ـ71. وقد شبه القرآن الكريم عمل المشركين بعمل الأقوام الماضية كآل فرعون وغيرهم، كما واعتبر مشاركتهم في هذه الغزوة مكرا من الشيطان.
يذكر القرآن في الآيات أعلاه بأن بعض المسلمين تخلفوا من المشاركة في الجهاد، ولكن الله حمى المؤمنين وجعل في قلوب الكفار الرعب، حيث قلّ عددهم في نظر المسلمين، إضافة إلى هطول المطر وغيرها من المعجزات التي سببت النصر للمسلمين. ومن المعاجز المذكورة هي نزول الملائكة لنصرة المسلمين.
إضافة للنص القرآني، يشهد بوجود الملائكة بعض الحاضرين في بدر، فمن المسلمين، ذكر الإمام علي (ع) هذا الأمر، كما أن أبي سفيان بن الحارث من جيش قريش أيضا ذكره، وقد ذُكرت تفاصيل الحادثة نقلا عن الرسول الأكرم وسائر الصحابة في الروايات التفسيرية والتاريخية.
ـــــــــــــــــــــــ
المصادر:
*القرآن الكريم.
*ابن الأثير، علي، الكامل في التاريخ، ج2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987.
*الأصفهاني، ابو الفرج، الأغاني، ج1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت.
*إبن حنبل، أحمد، مسند أحمد، ج2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2001.
*حماد، جمال، غزوة بدر، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1888.
*الزمخشري، محمود، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1992.
*ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، ج2، دار صادر، بيروت، 1968.
*ابن سعد، محمد، كتاب الطبقات الكبير، ج2، مكتبة الخانج، القاهرة، 2001.
*الشبراوي، عبد الله، شرح الصدر بغزوة بدر، المطبعة المحمودية، مصر، 1315هـ.
*إبن أبي شيبة، أبو بكر، المصنف في الأحاديث والآثار، ج7، مكتبة الرشد، الرياض، 1409هـ.
*الصالحي الشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة سيرة خير العباد، ج4، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993.
* الطبرسي، فضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج3، ناصر خسرو، طهران.
*الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، ج2، دار المعارف، القاهرة، 1968.
* العاملي، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم، ج5، دار الحديث للطباعة والنشر، 1426هـ.
*القمي، علي بن ابراهيم، تفسير القمي، دار الكتاب، قم، 1363هـ.
*ابن كثير، اسماعيل، البداية والنهاية، ج3، دار الريان للتراث، القاهرة، 1408هـ.
*المفيد، محمد، الجمل، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.
*المقريزي، تقي الدين، إمتاع الأسماع، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999.
* مكارم شيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج5، مدرسة الإمام علي، قم، 1421هـ.
*النجار، محمد الطيب، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، دار الندوة الجديدة، بيروت، د.ت.
*ابن هشام، عبد الملك، السيرة النبوية، ج2، مطبعة مصطفى سقا، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت.
*الواقدي، محمد بن عمر، كتاب المغازي،ج1، مطبعة مارسدن جونز، لندن، 1966.
*يعقوب، أحمد حسين، المواجهة مع رسول الله وآله، مركز الغدير، بيروت، 1996.
*يماني، محمد عبده، بدر الكبرى .. المدينة والغزوة، المجلة العربية، الرياض، 1431هـ.
........
انتهى / 278