ابنا: اليوم السادس عشر للإضراب.... باستهتارٍ شديدٍ ولا مبالاةٍ وقحةٍ، وقلة أدبٍ فجةٍ، وسوءُ خلقٍ أصيلٍ، وعدم مسؤوليةٍ عاقلةٍ، تتعاطى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مع إضراب الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجونها ومعتقلاتها، وتقابل معاناتهم بسخريةٍ شديدةٍ، وترد على مطالبهم بتهكمٍ مرٍ، وتلقي على مسامعهم كلماتٍ نابيةٍ، وتعلق على إضرابهم بردودٍ قاسيةٍ وغير مؤدبةٍ، وتتوعد قادة الإضراب فيهم بالعقاب وسوء المصير، وتقوم بعقابهم وعزلهم، وتصادر مقتنياتهم وأغراضهم، ولا تعير بقية الأسرى في ظروفهم الصعبة وواقعهم البئيس أي اهتمامٍ، بل تهددهم بالأسوأ، وتتوعدهم بالأخطر، ولا تبدي أسفها تجاه جوعهم، ولا ندمها على ما آلت إليه أوضاعهم، بل إنها تفرح لألمهم وتتمنى موتهم، ويدعو حاخاماتهم ورجال دينهم ربهم أن يعجل بموتهم، وأن ينهي حياتهم، وأن يخلص شعبه المختار من شرورهم.
ولعل وزير حربهم أفيغودور ليبرمان خير من يعبر عن هذه السياسة الرعناء، وأفضل من يبدي مشاعر الحقد والكراهية تجاه الفلسطينيين عموماً، فهو رجلٌ لا يخفي أفكاره، ولا يتردد في الإعلان عن مواقفه، التي اشتهر فيها بعدوانيته وعنصريته، وهو المعروف في الأوساط الإسرائيلية والدولية بفجاجته وصفاقته، وافتقاره إلى الحكمة والمسؤولية، وعدم تمتعه بأصول اللباقة واللياقة والدبلوماسية والأدب، فقد أبدى فرحه بإضراب الأسرى والمعتقلين وتمنى موتهم جميعاً، ودعا النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي إلى أن يضربوا مثلهم تضامناً معهم، وتمنى على الشيخ رائد صلاح أن يلحق بهم أيضاً، وكأنه يتمنى الموت لهم جميعاً.
واعتبر الوزير الإسرائيلي تساحي هنغبي، أن "الأسرى المضربين عن الطعام هم مجموعة من القتلة القساة المجرمين، ويحظر أن تستلم دولة إسرائيل لهؤلاء الوقحين"، ووصف مسؤولون رسميون إسرائيليون الأسرى الفلسطينيين بالإرهابيين، ودعوا حكومة كيانهم إلى عدم الاعتراف بشرعية احتجاجهم، بل طالبوا بإعدامهم وقتلهم، ورشهم بالغاز السام لضمان موتهم، أو فتح معسكرات إبادةٍ لهم للتخلص منهم.
أما المستوطنون فهم لا يختلفون عن أفيغودور ليبرمان تطرفاً وعنصريةً، وفجاجةً وقلة أدب، فقد أعلن كبارهم وصرح مسؤولوهم أنه لا علاقة لحكومتهم بهذا الإضراب ولا شأن لهم به، فالمعتقلون هم الذين قرروا بأنفسهم أن يموتوا جوعاً، وعلى الحكومة أن تلبي أمنيتهم، وأن تستجيب إلى رغبتهم، فلا تتدخل في قرارهم، ولا تدفعهم للتخلي عن إضرابهم، ولا تحرضهم لإنهاء احتجاجهم، ولا تحاول إدخال الطعام إليهم، فهم الذين أخرجوه من غرفهم عمداً، وامتنعوا عن تناوله قصداً، وحذروا حكومتهم من الخضوع لابتزازهم والاستجابة إلى مطالبهم ولو أدى الأمر إلى موتهم جميعاً.
لكن غيرهم من غلاة المستوطنين ودهاقنته المتطرفين، الذين يشبهون الشياطين في تفكيرهم، ولا يختلفون عن السفهاء في أفعالهم، فقد رأوا أن يغيظوا الأسرى والمعتقلين، وأن يستفزوا شهيتهم ويحركوا غريزتهم، فتداعوا من كل مكانٍ ليحيوا في محيط السجون والمعتقلات وحولها حفلاتِ شواءٍ صاخبة، حتى تصل رائحة شواء اللحم إلى الأسرى والمعتقلين، فتضعف عزيمتهم، وتؤثر في شهيتهم، وتوقع الخلافات بينهم، وتدفعهم للتفكير جدياً في كسر الإضراب والعودة إلى تناول الطعام.
وقد سمح جيش العدو وأجهزته الأمنية لهم بالاقتراب كثيراً من أسوار السجون، بينما يمنع أهالي المعتقلين والمتضامنين معهم من الاقتراب من السجون، والاعتصام أو التظاهر السلمي أمامها، حيث تطلق عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، أو تطلق الرصاص الحي عليهم، بينما تخصص فرقاً عسكرية لحماية المستوطنين والعمل على راحتهم، في الوقت الذي يقومون فيها باستفزاز المعتقلين وإلحاق الأذى بهم.
أما الكتاب والصحفيون والمراسلون الإعلاميون فإنهم يشككون في مطالب الأسرى والمعتقلين، وينفون عنها الصفة الإنسانية، ويدعون بأن أوضاعهم في السجون عادية، وأنهم لا يشكون من سوء معاملةٍ أو نقصٍ من حاجةٍ أو تقصيرٍ في عنايةٍ، وأنهم لا يتعرضون في سجونهم لشئٍ من التضييق أو الإهانة، ويتهمونهم بأنهم يطالبون بامتيازاتٍ سياسية، ويصفون إضرابهم عن الطعام بأنه سياسي، وأن له أهدافاً وغاياتٍ غير إنسانيةٍ، ولهذا فلا ينبغي التعاطف معهم أو الاستجابة إليهم، ويحاول الكتاب والإعلاميون التأثير على الرأي العام الإسرائيلي بوجوب إهمال المضربين عن الطعام حتى يعودوا بأنفسهم عنه ويتراجعوا عن المواصلة فيه، وإلا فإنهم سيبتزون مصلحة السجون، وسيتعودون على هذه الوسيلة.
أما سلطات الاحتلال الإسرائيلي العسكرية والأمنية فإنها لا تتوقف عن عمليات مداهمة التجمعات الفلسطينية، وفض الاعتصامات والاجتماعات، وتقويض الخيام وإزالة سرادقات التضامن، وتمنع أي محاولة شعبية للتضامن مع الأسرى والمعتقلين، وتجبر المواطنين على إزالة الصور وشطب الشعارات وإنزال الرايات، كما لا تتوقف عن عمليات الاعتقال والمداهمة، إذ لا تمضي ليلة واحدة دون قيام جيش الاحتلال ومخابراته العسكرية باعتقال العشرات من سكان القدس الشرقية والضفة الغربية، كما تعقد المحاكمات العسكرية، وتصدر بحق المعتقلين أحكاماً قاسية، وتحول أعداداً كبيرة منهم إلى الاعتقال الإداري، بينما تجدد لآخرين أحكامهم، في محاولاتٍ محمومةٍ منهم لوقف كرة الإضراب الآخذة في التدحرج والازدياد، وكأنها تقول للفلسطينيين أن إضراب أبنائكم عن الطعام سينقلب سوءاً عليهم، وسيعود بالضرر على الكثير منكم.
ينبغي على المجتمع الدولي وقادة العالم الحر أن يوقفوا سلطات الاحتلال عن غيها، وأن يضعوا حداً لاستهتارها، وأن يحملوها كامل المسؤولية عن حياة وصحة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وأن يدفعوها لتطبيق اتفاقيات جنيف والقوانين الدولية التي تحفظ حقوق الأسرى وتتعهد بحمايتهم، وإلا فإن المجتمع الدولي شريكٌ لسلطات الاحتلال الإسرائيلي في جريمته، ويتحمل كامل المسؤولية معه، ويرتكب جرماً كبيراً في الصمت عنه والسكوت عن سياسته.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 2/5/2017
....
انتهى / 278