ابنا: يوافق 5 شعبان الذكرى العطرة لميلاد سيد الساجدين وزين العابدين الإمام علي بن الحسين (ع)، فبهذه المناسبة نلقي الضوء على بعض ما ورد في مكارم أخلاق وعبادته.
وقف على الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) رجل فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: «قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه».
فقالوا له: نفعل ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول.
قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (1)، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً، فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به فقال: «قولوا له هذا علي بن الحسين».
قال: فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه.
فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): «يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنت قلت ما فيَّ فاستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك».فقبّل الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به(2).
وورد أيضاً أنه قد انتهى الإمام (عليه السلام) ذات يوم إلى قوم يغتابونه، فوقف عليهم فقال: «إن كنتم صادقين فغفر الله لي، وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم»(3).
عفو وموعظة
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «كان بالمدينة رجل بطال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه، يعني علي بن الحسين(عليه السلام).
قال: فمرّ علي (عليه السلام) وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته ثم مضى، فلم يلتفت إليه علي(عليه السلام)، فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه، فقال لهم: من هذا؟
فقالوا له: هذا رجل بطّال يضحك أهل المدينة.
فقال: قولوا له: إن لله يوماً يخسر فيه المبطلون»(4).
خدمة الرفقة
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «كان علي بن الحسين (عليه السلام) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم: أتدرون من هذا؟
قالوا: لا.
قال: هذا علي بن الحسين (عليهما السلام).
فوثبوا فقبلوا يده ورجله وقالوا: يا بن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم، لو بدرت منا إليك يد أو لسان، أما كنا قد هلكنا آخر الدهر، فما الذي يحملك على هذا؟
فقال: إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله (صلى الله عليه و آله)
ما لا أستحق، فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحب إليّ»(5).
مع الفقراء
روي: أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي باباً باباً، فيقرعه، ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه.
فلما توفي (عليه السلام) فقدوا ذلك، فعلموا أنه كان علي بن الحسين (عليه السلام).
ولما وُضع (عليه السلام) على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين»(6).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال: «لقد كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان لهم منهم عيال حمله إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله»(7).
الرفق بالحيوان
قال الإمام الباقر (عليه السلام): «لقد حج الإمام زين العابدين (عليه السلام) على ناقة
له عشرين حجة فما قرعها بسوط، فلما توفت أمر بدفنها لئلا تأكلها
السباع»(8).
في عبادته (عليه السلام)
أفلا أكون عبداً شكورا
أتت فاطمة بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلى جابر بن عبد الله فقالت له: يا صاحب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إن لنا عليكم حقوقاً، ومن حقنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهاداً أن تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين (عليه السلام) بقية أبيه الحسين (عليه السلام) قد انخرم أنفه ونقبت جبهته وركبتاه وراحتاه، أذاب نفسه في العبادة.
فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه، قد أنصبته العبادة، فنهض علي (عليه السلام) فسأله عن حاله سؤالاً خفياً، أجلسه بجنبه.
ثم أقبل جابر يقول: يا بن رسول الله، أما علمت أن الله خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟
فقال له علي بن الحسين(عليه السلام): «يا صاحب رسول الله، أما علمت أن جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبّد هو بأبي وأمي حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً!».
فلما نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول، قال: يا بن رسول الله، البقيا على نفسك، فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء، وتستكشف اللأواء، وبهم تستمسك السماء.
فقال: «يا جابر، لا أزال على منهاج أبوي مؤتسياً بهما حتى
ألقاهما».
فأقبل جابر على من حضر فقال لهم: ما رئي من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين (عليه السلام) إلا يوسف بن يعقوب(عليه السلام)، والله، لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف(9).
من يقوى على عبادة علي (عليه السلام)
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لقد دخل ابنه أبو جعفر (عليه السلام) عليه
ـ أي على الإمام السجاد (عليه السلام) ـ فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر (عليه السلام): فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة له، وإذا هو يفكر، فالتفت إليّ بعد هنيهة من دخولي وقال:
يا بنيّ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأعطيته فقرأ فيها شيئاً يسيراً، ثم تركها من يده تضجراً وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام)»(10).
خوفاً من الله
وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا قام في الصلاة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً»(10).
ألف ركعة
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة...
وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لونا آخر.
وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل.
كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله.
وكان يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً»(11).
سيد الساجدين
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إن أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد.
ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا سجد.
ولا دفع الله تعالى عنه سوءً يخشاه أو كيد كايد إلا سجد.
ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد.
ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد.
وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمي السجاد لذلك»(11).
أين زين العابدين؟
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين زين العابدين؟ فكأني انظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) يخطر بين الصفوف»(13).
ذو الثفنات
عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال: «لقد كان يسقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده؛ لكثرة صلاته وكان يجمعها فلما مات دفنت معه»(14).
وقال الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): «كان لأبي (عليه السلام) في موضع سجوده آثار ناتية، وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذا الثفنات لذلك»(15).
بين يدي الله عزوجل
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لقد صلى ـ علي بن الحسين(عليه السلام) ـ ذات يوم، فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته، فسأله بعض أصحابه عن ذلك؟
فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت، إن العبد لا تقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه.
فقال الرجل: هلكنا.
فقال: كلا إن الله عز وجل متمم ذلك بالنوافل»(16).
سيد الزاهدين
عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «ولقد سألت عنه ـ الإمام السجاد (عليه السلام) ـ مولاة له، فقالت: أطنب أو اختصر؟
فقيل: بل اختصري.
فقالت: ما أتيته بطعام نهاراً، ولا فرشت له فراشاً ليلاً قط»(17).
بين السجاد والخليل (عليهما السلام)
عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «قال علي بن الحسين(عليه السلام) مرضت مرضاً شديداً فقال لي أبي (عليه السلام): ما تشتهي؟
فقلت: أشتهي أن أكون ممن لا أقترح على الله ربي سوى ما يدبره لي.
فقال لي: أحسنت، ضاهيت إبراهيم الخليل (عليه السلام) حيث قال له جبرئيل(عليه السلام): هل من حاجة؟ فقال: لا أقترح على ربي بل حسبي الله ونعم الوكيل»(18).
في صحراء عرفات
عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «نظر علي بن الحسين (عليهما السلام) يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس، فقال: ويحكم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم؟!، إنه ليرجى في مثل هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن يكون سعيداً»(19).
الحب في الله
قال له رجل: إني لأحبك في الله حباً شديداً، فنكس (عليه السلام) رأسه ثم قال: «اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض» ثم قال له: «أحبك للذي تحبني فيه»(20).
ــــــــــــــ
1- سورة آل عمران: 134.
2- الإرشاد: ج2 ص145-146 باب ذكر طرف من الأخبار لعلي بن الحسين (عليهما السلام).
3- الخصال: ج2 ص518 ح4 ذكر 23 خصلة من الخصال المحمودة التي وصف بها علي بن الحسين(عليه السلام).
4- أمالي الشيخ الصدوق: ص220-221 المجلس 39 ح6.
5- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص145 ب40 ح13.
6- علل الشرائع: ج1 ص231-232 ب165 ح8.
7- وسائل الشيعة: ج9 ص398 ب13 ح12325.
8- الخصال: ج2 ص518 ح4 ذكر 23 خصلة من الخصال المحمودة التي وصف بها علي بن الحسين(عليه السلام).
9- المناقب: ج4 ص148-149 فصل في زهده (عليه السلام).
10- كشف الغمة: ج2 ص85 ذكر الإمام الرابع علي بن الحسين (عليهما السلام).
20- الكافي: ج3 ص300 باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث ح5.
11- الخصال: ج2 ص517 ح4 ذكر 23خصلة من الخصال المحمودة التي وصف بها علي بن الحسين(عليه السلام).
12- علل الشرائع: ج1 ص232-233 ب166 ح1.
13- أمالي الشيخ الصدوق: ص331 المجلس 53 ح12.
14- وسائل الشيعة: ج11 ص542 ب51 ح15489.
15- علل الشرائع: ج1 ص233 ب167 ح1.
16- بحار الأنوار: ج46 ص61-62 ب5 ح19.
17- المناقب: ج4 ص155 فصل في زهده (عليه السلام).
18- دعوات الراوندي: ص168 ب3 ح468.
19- مستدرك الوسائل: ج10 ص35 ب20 ح11391.
20- تحف العقول: ص282 ما روي منه (عليه السلام) في قصار المعاني.
.......
انتهى / 278
المصدر : مواقع شيعية
الاثنين
١ مايو ٢٠١٧
١:٢٢:٢٥ م
827141
5 شعبان ولادة الإمام السجاد (ع)؛
من أخلاق الإمام زين العابدين عليه السلام الكريمة وعبادته
يوافق 5 شعبان الذكرى العطرة لميلاد سيد الساجدين وزين العابدين الإمام علي بن الحسين (ع)، فبهذه المناسبة نلقي الضوء على بعض ما ورد في مكارم أخلاق وعبادته.