ابنا: يوافق 25 من شهر رجب الأحب ذكرى وفاة ناصر رسول الله وكافله أبي طالب (ع) والد أمير المؤمنين (ع)؛ بهذه الذكرى الأليمة نقدم لكم ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام حول أيمان أبي طالب (ع).
أما أهل البيت «عليهم السلام» وشيعتهم ، فإنهم مجمعون على إيمانه وإسلامه «عليه السلام» 1 ، بل في بعض الأحاديث عنهم «عليهم السلام» : أنه من الأوصياء 2 ، وأن نوره يطغى في يوم القيامة على كل نور ، ما عدا نور النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، والأئمة «عليهم السلام» ، والسيدة فاطمة الزهراء «عليها السلام» 3 .
أهل البيت عليهم السلام أدرى
والأحاديث الدالة على إيمانه ، والواردة عن أهل بيت العصمة «عليهم السلام» لا تنحصر بما في هذه الدراسة الوجيزة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة 4 .
وقد ذكر العلامة المجلسي في كتابه العظيم «بحار الأنوار» والطبسي في كتاب «منية الراغب» وكذلك الخنيزي في كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» وصاحب كتاب : «مواهب الواهب» وغيرهم الشيء الكثير جداً مما يدل على إيمانه صلوات الله وسلامه عليه . .
ونحن سوف نقتصر في هذا المعرض على أقل القليل من ذلك ونحيل من أراد التوسع إلى كتاب البحار الآنف الذكر ، وإلى غيره . .
غير أننا نقول هنا : إن هذه الأخبار هي من الكثرة والصراحة بحيث تعطي الانطباع الحاسم عما لأبي طالب من شأن عظيم ، ومقام كريم عند الله تعالى .
وواضح : أن أهل البيت أدرى بما فيه من كل أحد .
يقول ابن الأثير : «وما أسلم من أعمام النبي «صلى الله عليه وآله» غير حمزة والعباس ، وأبي طالب عند أهل البيت» 5 .
تآليف في إيمان أبي طالب عليه السلام
وعدا عن ذلك ، فما أكثر الأدلة الدالة على إيمانه ، وقد أُلف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب من السنة والشيعة على حد سواء .
وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : «أبو طالب مؤمن قريش» للأستاذ عبد الله الخنيزي ، الذي كاد أن يدفع مؤلفه حياته ثمناً له ، حين حاول الوهابيون اتخاذ ذلك ذريعة للتخلص منه ، فتداركه الله برحمته ، وتخلص من شرهم .
هذا عدا عن البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخص بالذكر هنا ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الأميني قدس سره . . 6 .
وقد نقل العلامة الأميني عن جماعة من أهل السنة : أنهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في أسنى المطالب 7 والأجهوري ، والإسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : شهاب الأخبار ، والتلمساني في حاشية الشفاء ، والشعراني ، وسبـط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم .
بل لقد حكم عدد منهم ـ كابن وحشي والأجهوري ، والتلمساني ـ بأن من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر 8 .
من أدلة إيمان أبي طالب عليه السلام
ونحن نذكر فيما يلي طرفاً من الأدلة على إيمان أبي طالب ، فنقول :
أهل البيت عليهم السلام أعرف :
وقد تقدم بعض ما روي عن الأئمة «عليهم السلام» ، والنبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» مما يدل على إيمانه ، وقد قلنا :
إن أهل البيت أدرى بما فيه ، وأعرف بأمر كهذا من كل أحد .
التضحيات والمواقف :
ويدل على ذلك أيضاً : ما تقدم من مناصرته للنبي «صلى الله عليه وآله» ، وتحمله المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته بمكانته في قومه ، وحتى بولده ، وتوطينه نفسه على خوض حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس في سبيل هذا الدين . .
ولو كان كافراً ؛ فلماذا يتحمل كل ذلك؟!
ولماذا لم نسمع عنه ولو كلمة عتاب أو تذمر مما جرَّه عليه النبي محمد «صلى الله عليه وآله»؟! .
واحتمال : أن يكون قد طمع بمقام دنيوي أعظم .
يرده : أن الطامع إنما يسعى للحفاظ على حياته لينال ما طمع به ، أما أبو طالب فكان على استعداد لأن يقتل هو وجميع أولاده ، وعشيرته في سبيل هذا الدين .
تشنيع الأعداء :
وقد استدل سبط ابن الجوزي على إيمانه بأنه لو كان أبو الإمام علي «عليه السلام» كافراً لكان شنع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعدائه «عليه السلام» ، مع أنه «عليه السلام» كان يذمهم ، ويزري عليهم بكفر الآباء والأمهات ، ورذالة النسب 9 .
أشعاره الصريحة بالإيمان
أما تصريحاته وأقواله الكثيرة جداً؛ فإنها كلها ناطقة بإيمانه وإسلامه .
ويمكننا أن ندَّعي : أن هذه التصريحات قد جاءت بعد قضية إسلام حمزة ، أو بعد الهجرة إلى الحبشة .
أما قبل ذلك فكان «عليه السلام» يعمل بالتقية أمام قريش على الخصوص .
ويكفي أن نذكر نموذجاً من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : إن كل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، من حيث مجموعها 10 .
فمن الشواهد على توحيده ، قوله :
مليك الناس ليس له شريك *** هو الوهاب ، والمبدي المعـيد
ومن تحت السـماء له بحق *** ومن فوق الـسماء لـه عبيد
ومن الشواهد على إيمانه بنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، نذكر :
1ـ ألم تعلموا : أنا وجـدنا محمداً *** نبياً كمـوسى خط في أول الكتب
2 ـ نبي أتاه الوحي مـن عند ربه *** ومن قال : لا ، يقرع بها سن نادم
3 ـ يا شاهد الله عـلي فـاشهد *** إني عـلـى ديـن النـبي أحمـد
4 ـ أنت الرسول رسول الله نعلمه *** علـيك نـزل من ذي العزة الكتب
5 ـ أنت الـنبي محمد *** قـرم أغـر مـسـوَّد
6 ـ أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب *** على نبي كمـوسى أو كـذي النون
7 ـ وظـلم نبي جاء يدعو إلى الهدى *** وأمر أتى من عند ذي الـعرش قيم
8 ـ لقد أكرم الله النـبـي محـمداً *** فـأكرم خلق الله في الناس أحمـد
9 ـ وخـيـر بنـي هاشـم أحمـد *** رسـول الإله عـلـى فـتـرة 11
10ـ والله لا أخـذل الـنــبي ولا *** يـخـذلـه من بني ذو حسـب
11 ـ وقال «رحمه الله» يخاطب ملك الحبشة ، ويدعوه إلى الإسلام :
أتعلـم ملك الحبش أن محمـداً نبياً *** كـمـوسى و المسيح ابن مـريـم
أتى بالهدى مثل الذي أتيـا بــه *** فكـل بأمـر الله يهــدي ويعصـم
وإنـكـم تتلـونـه في كتـابكم *** بصدق حـديث لا حـديث الترجـم
فــلا تجعلوا لله نـداً فـأسلموا *** فــإن طـريــق الحـق ليس بمظلم
12 ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة «رحمه الله» :
فـصـبراً أبا يعلى على دين أحمد *** وكن مظهراً للـديـن وفـقت صابرا
وحط من أتى بالحق من عنـد ربه *** بصدق وعـزم لا تكن حمز كـافـرا
فقـد سرني أن قلت : إنـك مؤمن *** فكن لـرسول الله في الله نــاصرا
و باد قريشـاً في الذي قد أتـيـته *** جهـاراً ، وقل : ما كان أحمد ساحرا
13 ـ نصرت الرسول رسول المليك *** ببيض تـلالاً كـلـمع الـبـروق
أذب و أحمـى رسـول الإلـــه *** حمايــة حـام علـيـه شفـيق
14 ـ لقد علموا : أن ابننا لا مكذب *** لدينـا ولا نعبـأ بقـول الأباطـل
15 ـ أقـيم على نصـر النبي محمد *** أقاتـل عنه بـالقنـا والقـنـابـل
16 ـ أنت ابن آمنـة النبي محمـد *** عـندي بمـثـل مـنــازل الأولاد
17 ـ ألا إن أحمد قد جــاءهم *** بحق ولـم يـأتـهــم بـالـكـذب
18 ـ أوصي بنصر نبي الخير مشهده *** علياً ابني وشيخ القوم عبــاســـا
19ـ ودعوتني وعلمت أنك صادق *** ولـقــد صدقت وكنت ثـم أمينـا
ولـقـد عـلمت بأن دين محمد من *** خـيـر أديـان الـبريـة ديـنــا
وأشعار أبي طالب «عليه السلام» الناطقة بإيمانه كثيرة ، وقد اقتصرنا منها على هذا القدر؛ لنفسح المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل ، ويقال في هذا الموضوع .
مدائح أبي طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله
قال المعتزلي : «قلت : كان صديقنا علي بن يحيى البطريق «رحمه الله» يقول : لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب ، وهو شيخ قريش ، ورئيسها ، وذو شرفها ، يمدح ابن أخيه محمداً وهو شاب قد ربي في حجره ، وهو يتيمه ومكفوله ، وجارٍ مجرى أولاده بمثل قوله :
وتـلقوا ربيـع الأبطحين محمـداً *** على ربـوة في رأس عـنقـاء عيطل
وتـأوي إلـيه هـاشم إن هاشماً *** عرانين كـعـب آخـر بـعـد أول
ومثل قوله :
وأبـيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثـمال اليـتـامى عصمـة للأرامـل
يـطيف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عـنـده في نـعمة وفـواضـل
فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابى من الناس ، وإنما هو من مديح الملوك والعظماء .
فإذا تصورت : أنه شعر أبي طالب ، ذاك الشيخ المبجل العظيم في النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، وهو شاب مستجير به ، معتصم بظله من قريش ، قد رباه في حجره غلاماً ، وعلى عاتقه طفلاً ، وبين يديه شاباً ، يأكل من زاده ، ويأوي إلى داره ، علمت موضع خاصية النبوة وسرها ، وأن أمره كان عظيماً» 12 .
كما أن قصيدته اللامية تلك التي يقول فيها :
وأبـيـض يـسـتـسـقى . . الخ . . . . . . . .
وهي طويلة ، وكان بنو هاشم يعلمونها أطفالهم 13 ، فيها الكثير مما يدل على إيمانه العميق الصادق ، وقد ذكرها ابن هشام وابن كثير ، وغيرهما .
وهي ظاهرة الدلالة على عظمة الرسول «صلى الله عليه وآله» في نفس أبي طالب «عليه السلام» ، وهي عظمة أوجبت خضوع قلبه له «صلى الله عليه وآله» ، وتعامله معه تعامل التابع ، المؤمن المصدق ، والمسرور بهذا الإيمان ، والمبتهج بذلك التصديق ، والملتذ بذلك الانقياد .
النار محرمة على أبي طالب عليه السلام
ومما يدل على إيمانه ما روي عنه «صلى الله عليه وآله» : أن الله عز وجل قال له على لسان جبرائيل : حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك .
أما الصلب فعبد الله ، وأما البطن فآمنة ، وأما الحجر فعمه ، يعني أبا طالب «عليه السلام» ، وفاطمة بنت أسد ، وبمعناه غيره مع اختلاف يسير 14 .
النبي صلى الله عليه و آله يحب عقيلاً حبين
ومما يدل دلالة واضحة على إيمانه : حب النبي «صلى الله عليه وآله» إياه ، حتى لقد روي عن ابن عباس؛ قال : قال علي «عليه السلام» للنبي «صلى الله عليه وآله» : إنك لتحب عقيلاً .
قال : إي والله إني لأحبه حبين ، حباً له ، وحباً لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك . . الخ . . 15 .
ورسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحب أعداء الله سبحانه ، ولا يحب إلا من يحبه الله .
كان على دين الله
وكان الإمام علي «عليه السلام» يعجبه أن يروى شعر أبي طالب «عليه السلام» ، وأن يدوَّن ، وقال : تعلموه ، وعلموه أولادكم ، فإنه كان على دين الله ، وفيه علم كثير 16 .
المسلم المؤمن
وعن أبي بصير عن الإمام الباقر «عليه السلام» ، قال : مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً 17 .
خلاصة جامعة
وبعد كل ما تقدم نقول : إن إسلام أي شخص أو عدمه ، إنما يستفاد من أمور أربعة :
1 ـ من مواقفه العملية ، ومعلوم أن مواقف أبي طالب «عليه السلام» ، قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين .
2 ـ من إقراراته اللسانية بالشهادتين ، وقد تقدم قدر كبير من ذلك في شعره وفي غيره في المناسبات المختلفة .
3 ـ من موقف نبي الإسلام ورائد الحق الذي لا ينطق عن الهوى ، والموقف الرضي هذا أيضاً ثابت منه «صلى الله عليه وآله» تجاه أبي طالب «عليه السلام» على أكمل وجه .
4 ـ من إخبار المطلعين على أحواله عن قرب ، وعن حس ، كأهل بيته ، ومن يعيشون معه .
وقد قلنا : إنهم مجمعون على ذلك .
بل إن نفس القائلين بكفره لما لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية ، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية ، حاولوا : أن يخدعوا العامة بكلام مبهم ، لا معنى له؛ فقالوا : «إنه لم يكن منقاداً»!! 18 .
ـــــــــــــــــــــــ
1. روضة الواعظين ص138 ، وأوائل المقالات ص13 والطرائف لابن طاووس ص298 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص165 ، والبحار ج35 ص138 والغدير ج7 ص384 عنهم ، وعن : التبيان ج2 ص398 ، وكتاب الحجة لابن معد ص13 ، ومجمع البيان ج2 ص287 .
2. الغدير ج7 ص389 .
3. الغدير ج7 ص387 وكنز الفوائد للكراجكي ص80 وأمالي الطوسي ص305 و 702 ط مؤسسة البعثة والإحتجاج (ط مطبعة النعمان) ج1 ص341 والبحار ج35 ص69 و 110 وبشارة المصطفى لمحمد بن علي الطبري (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص312 وكشف الغمة للإربلي (ط دار الأضواء) ج2 ص42 ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص174 .
4. ومن هذه الكتب كتاب : منية الراغب في إيمان أبي طالب للشيخ الطبسي ومواهب الراهب في إيمان أبي طالب ، وغير ذلك .
5. البحار ج35 ص139 والغدير ج7 ص369 .
6. الغدير ج7 وج8 .
7. الغدير ج7 ص6 و 10 .
8. راجع : الغدير ج7 ص382 و 383 وغير ذلك .
9. راجع : أبوطالب مؤمن قريش (ط سنة 1398 هـ .) ص272 و 273 عن تذكرة الخواص .
10. شرح النهج ج14 ص78 والبحار ج35 ص165 .
11. وقيل : إن قائل هذا البيت هو طـالب بن أبي طالب ، راجع : شرح النهج للمعتزلي ج14 ص78 ، إلا أن يقال : إنه قاله على سبيل التمثل بشعر أبيه (رحمه الله) .
12. شرح النهج للمعتزلي ج14 ص63 وماذا في التاريخ ج3 ص196و 197 عنه .
13. مقاتل الطالبيين ص396 .
14. أصول الكافي ج1 ص371 والبحار ج35 ص109 والتعظيم والمنة للسيوطي ص27 وراجع : روضة الواعظين ص139 وشرح النهج ج14 ص67 والغدير ج7 ص378 عنهم ، وعن : كتاب الحجة لابن معد ص8 ، وتفسير أبي الفتوح ج4 ص210 .
15. البحار ج22 ص288 وج44 ص288 والعوالم للبحراني ص349 ومعجم رجال الحديث للخوئي ج19 ص166 عن أمالي الصدوق وقاموس الرجال ج6 ص322 عن أمالي الصدوق أيضاً .
16. راجع : البحار ج35 ص115 والغدير ج7 ص394 والكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ج1 ص109 .
17. البحار ج35 ص116 وأبو طالب حامي الرسول «صلى الله عليه وآله» لنجم الدين العسكري ص191 والغدير ج7 ص390 .
18. راجع : السيرة النبوية لدحلان ج1 ص44 و 47 ، والإصابة ج4 ص116 و 119 .
.....
انتهى / 278