وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : العتبة الحسينية المقدسة
الاثنين

٢١ نوفمبر ٢٠١٦

٥:٠٥:٥٢ م
793369

سبي بنات النبي (ص) أكبر منعطف تاريخي في الإسلام

إن ظاهرة السبي منعطف تاريخي في حياة الانسان المسلم، إذ لم يسجل لنا التاريخ الاسلامي مسلماً سبى امرأة من المسلمين قبل حادثة كربلاء الاليمة، فظاهرة السبي لم يعيشها المسلمون فيما جرى من حروب بينهم

ابنا: إن ظاهرة السبي منعطف تاريخي في حياة الانسان المسلم، إذ لم يسجل لنا التاريخ الاسلامي مسلماً سبى امرأة من المسلمين قبل حادثة كربلاء الاليمة، فظاهرة السبي لم يعيشها المسلمون فيما جرى من حروب بينهم، وانما اقتصرت تلك الحادثة على غيرهم. فسجلت السيدة زينب -عليها السلام- أول ذلك المنعطف في التاريخ الاسلامي يخص المرأة وكيانها، خطه عبيد الله بن زياد بأمر من يزيد بن معاوية عليهم اللعنة.

 إن زينباً عليها السلام هي من الذين تجاوزوا الذات نحو العام لتجعل من مسيرتها نبراسا ينير الدرب امام الاخرين، فتحولت حياتها الى ابعاد كلها تصب في خدمة الاسلام، وفي خدمة تلك القضية التي آمنت بها.

 لقد عاشت وحملت السيدة زينب بنت الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام قضية كربلاء بكل مأساتها، فكانت بحق وبلا منازع بطلة كربلاء الاولى. لقد ضحت بالاخ وبالابن، وتحملت ما تحملت فكانت الشاهد الاول على مأساة كربلاء، فعاشت تلك المأساة بكل جوارحها، مأساة يعجز القلم عن وصفها، والالمام بتفاصيلها وظروفها.

 إن ما تعرضت له عقيلة الطالبيين الهاشميين لم يكن بالشيء الذي يعرفه الاسلام من قبل على الاطلاق؛ بل لم تألفه حتى الجاهلية من قبل.

 موقف وتاريخ: سجل تاريخها صفحة مشرقة يأبى الزمن مهما طال والظروف مهما تشابكت ان تزول او تخمد شعلتها. لقد اختارها الامام الحسين عليه السلام لتقوم بمهام صعبة بعد استشهاده، فكانت كما ارادها الامام عليه السلام، فأدت كل مطالبه بكل عزم وارادة، وهي المرأة الوحيدة المثكلة، فحفظت العيال والاطفال ودافعت عنهم في ليلة غاب فيها المدافع والحامي عنهم. ومع تلك المسؤولية فقد حافظت على بقيت الله في الارض ابن اخيها الامام زين العابدين -عليه السلام-. وهي القائلة: (تقبل منا هذا القربان، اللهم ان كان هذا يرضيك خذ حتى ترضى) هذا هو الموقف البطولي الذي هو امتدادا لعظمة النبوة وعمق الرسالة. موقف تنهار فيه قوى الرجال وتتخاذل فيه العزائم، موقف صانت به وصيت اخيها الامام الحسين -عليه السلام-، حينما قال لها: (يا اختاه لا يذهبن حلمك ان اهل الارض يموتون، واهل السماء لا يبقون، وكل شيء هالك الا وجه الله تعالى...)

السبايا في الكوفة: عندما سيقت العقيلة زينب عليها السلام ومعها سبايا بيت النبوة والامامة الى الكوفة وفي مقر الوالي الاموي عبيد الله بن زياد (ابن ابيه)، عليه اللعنة، سأل عن السيدة زينب -عليها السلام- فقيل له: هذه بنت علي بن ابي طالب تسمى زينب. فقال: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأكذب احاديثكم!!! منكراً لما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه واله-، من احاديث الوحي واحكام الشريعة. فهو منكر للرسالة التي جاء بها النبي -صلى الله عليه واله، وهنا نطقت بنت الرسالة مدافعة عن رسالة جدها قائلة: (الحمد لله الذي اكرمنا بمحمد صلى الله عليه واله، وطهرنا تطهيرا - اشارة لقوله تعالى: ( (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)) - انما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر). مبينة بذلك نسبها ونسب عبيد الله بن زياد للجمهور الحاضر والمغفل. فقالت بكل بلاغة وجرأة: (هو انت الكاذب الفاسق) ولما سمع هذا الرد القوي منها عليها السلام، اغتاظ فقال وهو الشامت: كيف رأيت صنع الله بكم اهل البيت؟! وكان جوابها يحمل التسليم لامر الله تعالى وما يكون لهم وله في قادم الايام، فقالت: (كتب عليهم القتل، فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاكمون عنده، فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك امك يا ابن مرجانه ). فاشتاط غضبا وهم بقتلها، فسكن منه عمرو بن حريث، فبدأ يشتم ويظهر حقده علانية امام الناس ليكشف عن واقعه وكفره بالرسالة حتى قال لها: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصابة المردة من اهل بينك!!! وهنا رق قلبها عليها السلام ودمعت عينها فقالت: (يا ابن زياد، حسبك ما ارتكبت منا، لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت اصلي، وابحت حريمنا، وسبيت نساءنا وذرارينا، فان كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت).

الموقف في الشام: لقد وصلت العقيلة زينب عليها السلام مع السبايا بعد مسيرة طويلة مضنية الى ديوان يزيد بن معاوية عليه اللعنة، وكان السبايا منهمكين متعبين يبدو للعيان وكأنهم لا يستطيعون النطق. وبعد استقرارهم اخذ يزيد يتغنى في ابيات شعرية يقول بها: ليت اشياخي ببدر شهدوا... جزع الخزرج من وقع الاسل. لأهلوا واستهلوا فرحا... ثم قالوا: يا يزيد لا تشل. وهنا اخذ الحزن يعتلي السبايا عند ضرب يزيد ثنايا الامام الحسين عليه السلام، فقامت العقيلة زينب عليها السلام، وكأنها العاصفة التي لا تنذر بالويل قائلة: (أمن العدل يا ابن الطلقاء تخدير حرائرك وامائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن، تحدوا بهن الاعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن اهل المناهل والمناقل، ويتصفح وحوههن القريب والبعيد، والدنيء والشريف، ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي... ولا غرو منك ولا عجب من فعلك وكيف يرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه اكباد الازكياء الشهداء!!!).

هكذا كانت كلمة العدل، كلمة الحق، كلمة النبوة، والامامة، فذكرت (تشديد الكاف) بها العقيلة زينب عليها السلام، يزيد وبكل شجاعة، بان ابيه وجده لم يدخلوا الاسلام الا بالسيف حينما قال لهم النبي صلى الله عليه واله، ( (اذهبوا فانتم الطلقاء)) وذكرته ايضا بجدته (هند) عليها اللعنة، ام معاوية، كيف انها علكت كبد الشهيد حمزة رضوان الله تعالى عليه عم النبي ثم لفظته. وبهذه الكلمات القوية وبكل جرأة وبلاغة اظهرت حقيقة يزيد بن معاوية عليهما اللعنة وتاريخه وتاريخ ابيه وجدته لمن يستمع اليها من الشاميين، ثم قالت: (ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لاستصغر قدرك، واستعظم تقريعك واستكبر توبيخك... فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك امدنا، ولا ترحض عنك عارها...) نعم كيف يمحى ذكر من نزل الوحي في بيته وارتفعت مآذن المساجد تتشهد بجدهم ورسالته. اما يزيد فيبقى العار يلاحقه وهو يعيش لعنات التاريخ الى يوم القيامة. وتبقى العقيلة زينب عليها السلام، مشعلا للحرية، وصوتا للعدالة من خلال الاعلام الصادق، وهي الصادقة في القول والفعل. والحمد لله رب العالمين.*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بقلم: السيد زكي الموسوي
......
انتهى / 278