ابنا: قال الإمام الحسين عليه السلام: (إنَّ النّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيا وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلى ألسِنَتهم، يَحُوطُونَهُ ما دَرَّت مَعائِشُهُم، فَإذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانُونَ).
هذا المقطع الشريف من إحدى خطب الإمام الحسين عليه السلام يصور لنا الفريق الذي يتظاهر بالدين ويطلق الشعارات وينادي بالاستقامة والانقياد لله تعالى، فإذا تعرض للاختبار في طاعة ما نراه يتكاسل أو يتهرب مبررا ذلك بتبريرات كثيرة، وإذا فتن بمعصية ما سرعان ما يسقط فيها متناسيا الورع والتقوى، يخالف قوله عمله ويأمر الناس بالبر وينسى نفسه.
وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس من التلبس بالدين لتحصيل الدنيا، فيظهرون بصورة المؤمنين الخائفين الذين إذا تكلموا أحبهم الناس فيقول: «وَيْلٌ لِلّذينَ يَجْتَلِبُونَ الدُّنْيا بِالدّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنّاسِ جُلودَ الضَّأنِ مِنْ لِينِ ألْسِنَتِهِمْ، كَلامُهُمْ أحْلى مِنَ العَسَلِ وَقُلوبُهُمْ قُلوبُ الذِّئابِ، يَقولُ اللهُ تعالى: أبي يَغْتَرُّونَ؟!» ([1]).
كما صرّح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بكلام يفضح هؤلاء المرائين فيقول: «وَمِنْهُمْ ــ أيْ مِنَ النّاسِ ــ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيا، قَدْ طامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَقارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلأمانَةِ واتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً إلى المَعْصِيَةِ» ([2]).
ولذا حثّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس على الحفاظ على الدين وأمرهم أن يقووه بأموالهم وأنفسهم كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنْ عَرَضَ لَكَ بَلاءٌ فاجْعَل مالَكَ دونَ دَمِكَ، فَإنْ تَجاوَزَكَ البَلاءُ فاجْعَلْ مالَكَ وَدَمَكَ دونَ دِينِكَ، فَإنَّ المَسْلوبَ مَنْ سُلِبَ مَنْ سُلِبَ دِينُهُ، والمَخْروبَ مَنْ خَرِبَ دِينُهُ» ([3]).
ويظهر من الآيات الكريمة الأحاديث والروايات الشريفة أن الذين يؤثرون الدنيا على الدين ستكون عاقبتهم وخيمة كما ورد ذلك في قوله تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) ([4]).
وقول الإمام الصادق عليه السلام: «إيّاكُمْ وَالتَّهاوُنَ بِأمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإنَّهُ مَنْ تَهاوَنَ بِأمْرِ اللهِ أهانَهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ» ([5]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أعلام الدين: ص292. ميزان الحكمة: ج4، ص1371، ح6776.
([2]) نهج البلاغة: الخطبة 32. ميزان الحكمة: ج4، ص3171، ح6777.
([3]) كنز العمال: 43601. ميزان الحكمة: ج3، ص1272، ح6243.
([4]) سورة الأعراف، الآية: 51.
([5]) بحار الأنوار: ج72، ص227، ح3.
*بقلم: الشيخ علي الفتلاوي
.......
انتهى / 278