وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وكالة أنباء الحوزة
الجمعة

٧ أكتوبر ٢٠١٦

٧:٠١:٢٧ م
784091

رحلة الشهادة ـ 2؛

الموت الكريم زينة للإنسان والحياة الرذيلة مرفوضة له

اهتم الامام موسی الصدر منذ بدایات عمله في لبنان بإحیاء ذکری عاشوراء، وبإلقاء الخطب في هذه المناسبة للتحدث عن مفاهیم عاشوراء والقیم التي تمثلت فیها.

ابنا: اهتم الامام موسی الصدر منذ بدایات عمله في لبنان بإحیاء ذکری عاشوراء، وبإلقاء الخطب في هذه المناسبة للتحدث عن مفاهیم عاشوراء والقیم التي تمثلت فیها، فمن هذه الخطب محاضرة ألقاها في کلیة العاملیة ببیروت تحت عنوان "رحلة الشهادة"  تحدث فیها عن اسباب حادثة کربلاء و عظم المأساة و أبعاد المعرکة و عن أهداف الإمام الحسین (عليه السلام) وطریقته في الوصول الی هذه الاهداف، وذلك  في الاول من شهر شباط/فبرایر1974، نقدم لکم فیما یلي مقتطفات من هذه المحاضرة:


بسم الله الرحمن الرحیم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

....فإذًا، «الحسين» في المدينة عُرضت البيعة عليه، رفض. ثم عرف أنهم لا يسمحون له بالابتعاد عن البيعة فيقتلونه، لا يريد أن يقتل مغدورًا، خرج من المدينة وأعلن بشعار واضح أنه يريد الإصلاح، وانتقل إلى مكة وهناك التقى مع جماهير المسلمين فأوضح لهم الأمر وبيّن لهم الحقيقة. وكان يعرف أن حملة التشكيك والتضليل والأباطيل والشبهات تملأ العالم الإسلامي فسوف يتهم «الحسين» بكل شيء.

أراد أن يوضح حتى يكشف الحقيقة ويلقي أضواء كاشفة على هذه الرحلة لكي تكون رحلة نموذجية يمكن الاقتداء بها في جميع مراحل التاريخ.

وانتظر إلى يوم التروية ـ يوم الثامن من ذي الحجة ـ عندما يكتمل العقد ويصل كل حاج إلى مكة من كل فج عميق. اجتمع الآلاف وعشرات الألوف ومئات الألوف في مكة، واستغربوا عندما وجدوا «الحسين» وحده مع قلة من أصحابه وكثرة من أطفاله ونسائه يخرجون بعكس الطريق، يتركون الكعبة، مقصد الجميع وهدف الجميع، يتركونها يوم التروية دون أن يكملوا حجهم، فيحوّلون إحرام الحج إلى العمرة المفردة ثم يخرجون، استغربوا ذلك فسألوه: وما هو السبب يا ابن رسول الله؟

قال: إني لا أبايع، ولكن «يزيد» قد أرسل جماعة حملوا السيوف تحت ملابسهم وتحت إحرامهم، يريدون أن يريقوا دمي وأنا لا أريد أن تهتك المشاعر، حرم الله، أريد أن أخرج ...

خرج وألقى كلمته المشهورة: «خُط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة»، أنا غير خائف من الموت، فالموت قلادة وزينة وفي نفس الوقت محيط بالإنسان: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} [النساء، 78]، لا مناص ولا مفر منه. والموت الكريم زينة الإنسان كما أن الحياة اللئيمة الرذيلة غير مناسبة للإنسان: «وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف».

ثم يشرح: «واختير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشًا جوفًا، وأجربة سغبًا، لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ونوفَّى أجره أجر الصابرين. ألا ومن كان منكم باذلًا مهجته متشوقًا إلى لقاء الله فليرحل معنا فإني راحل غدًا إن شاء الله».

بهذه الخطبة يكشف الأبعاد ويبين الأهداف، فهو غير خائف من الموت، وهو متشوق إلى لقاء آبائه، وهو لا يجوز له أن يتخلى عن مسؤولياته، وهو سالك هذا السبيل ويعلم أن عسلان الفلوات، ذئاب الصحراء، ستأكله. لماذا؟ «فيملأن مني أكراشًا جوفًا، وأجربة سغبًا»، الغاية من قتلي ليست إلا ملء البطون وملء الجيوب. في سبيل بطونهم وجيوبهم يفتكون ويفترسون ويتصرفون دون رادع ودون وازع من الدين أو من الإنسانية، وأراد أن يثبت ذلك «الحسين» في رحلته.

انتقل من مرحلة إلى مرحلة وفي كل مرحلة يرفع الشعار، ويكشف الحقيقة، ويوضح الأبعاد، حتى يجند أكبر قدر ممكن من الرأي العام ويوضح الحقيقة لأكبر عدد ممكن من الأمة جميعًا. يريد أن يهزهم، يريد أن يكشف لهم النتائج، يريد أن يقول للساكتين والمسايرين إلى متى أنتم جالسون؟ «يزيد» هذا، هذه صورته. لا تنظروا إلى أنه يحكم باسم أمير المؤمنين وخليفة المسلمين. لا تنظروا إلى شِعْره وليونته بل انظروا إلى هذه الواقعة التي هو «الحسين» بطلها.

فدخل إلى كربلاء وحاول أن يوضح لأصحابه من خلال الخطبة المعروفة: «ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن إلى لقاء الله محقًا».
هذه الكلمة تكشف هدف «الحسين» وطريقة «الحسين» وألم «الحسين». إنه متألم من عدم وصول الحق إلى صاحبه ومن طغيان الباطل على جميع الأجواء. هكذا خرج، وهكذا قُتِل، وهكذا استشهد، وهكذا كشف للعالم أنهم يقتلون الرجال، ويقتلون الأطفال، ويسحقون الأجسام، ويسبون النساء، ويحرقون الخيام، ويمنعون الماء عن الضحايا والشهداء أيضًا، ثم يدفنون أمواتهم ويتركون الأجساد الطاهرة تحت الشمس معرضة لكل خطر. بهذا المقياس أوضح «الحسين» واقع بني أمية وكشف القناع عن وجه «يزيد» وأكد أن هذا الرجل غير ملتزم برسالات الإسلام، بالقيم، بالإنسانية، غير ملتزم بشيء، ولذلك أنا خرجت، قربت لكم البعيد. لو لم يكن «الحسين» لما انكشف «يزيد» في ذلك الوقت.

فكان وجهه مغطىً بالكثير الكثير من الوسائل ومن الوجوه ومن الأساليب. وهو يتمكن من خلال هذه الأقنعة أن يقضي على الإسلام حكمًا بعد حكم، وأمرًا بعد أمر، وموقفًا بعد موقف. ولكن «الحسين» كشف كل ذلك ووضع «يزيد» عاريًا وبني أمية عراة أمام الأمة، ثم قال لهم: أيها المسلمون احكموا، هذا هو حاكمكم وهذا هو المسيطر عليكم، انظروا إلى وجهه كيف ترونه؟ هل تقبلون أن تخضعوا له؟ وأن تبايعوه؟ أم لا؟

بمجرد ما كشف، بمجرد ما استعمل هذه القنابل... الفرد عند «الحسين» لم يكن فردًا عنده، الفرد عند «الحسين» كان قنبلة، الطفل عند «الحسين» لم يكن طفلًا بل كان وسيلة تحرق الأقنعة وتكشف الحقائق.

الحضور، الخصوم، العسكر، رأوا بأم أعينهم أن ليل «الحسين» صلاة وابتهال ودعاء وتسبيح، وأن ليل خصومه خمر وفجور وتآمر وفسق؛ وجدوا أن حرب «الحسين» حرب شريفة مقدسة لا تخضع للفرد.
.......
انتهى / 278