وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

٢٣ يونيو ٢٠١٦

٧:٤٨:٥٨ ص
761914

إنّ بعض الموت كبرياء تسجد عند عتباتها كل كبرياء

سعادة السفير الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي شخصية دبلوماسية أظهرت خلال مساره الوظيفي التفاعلي مقدرة وإرادة كبيرتين في العبور بين مختلف الخطوط والوقائع في أبعادها السياسية الاجتماعية.

د. زينب محمد عيسى مسؤولة مؤسسة السيدة "زينب" (ع)  في لبنان

ابنا: سعادة السفير الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي شخصية دبلوماسية أظهرت خلال مساره الوظيفي التفاعلي مقدرة وإرادة كبيرتين في العبور بين مختلف الخطوط والوقائع في أبعادها السياسية الاجتماعية. لقد كان رحمه الله في حياته دبلوماسيا أميناً، وبعد مماته هو أمثولة رائعة فيها من كل عناصر الخلود والسمو والعظمة. وقد قيل تاريخ كل أمة إنّما هو في الحقيقة تاريخ عظمائها؛ فأمة لا عظيم فيها لا تاريخ لها أو ليست جديرة بالتاريخ .

الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي هو من القلة الذين خرجوا من دائرة "الأنا" وهذا ما أعطى لشخصيته الدبلوماسية معنى آخر . ونحن إذا قدمنا الدكتور غضنفر ركن آبادي فإننا لا تقدم فيه شخصية الدبلوماسية لها تمايزها فحسب، إنّما تقدم فهي شخصية إنسانية نستوحيها على الدوام. لقد تميزت دبلوماسية بدينامية الانفتاح والقدرة على الحوار مع الآخر، والعقلانية في اتخاذ المواقف والقرارات؛ وهذا بدوره يشكل بعدا ديناميا للقيمة الانسانية على مستوى العلاقات التبادلية كونها تمثل حالة دينامية جماعية تندرج ضمن دائرة متفاعلة الاثر والتأثير والفعل وردود الفعل بين أقطاب العلاقة .

الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي كان من دُعاة ثقافة السلم والسلام، التي من طبيعتها تُشكل البُعد الدينامي الايجابي للتواصل الانساني، وتؤدي الى الترابط والتآلف والود والنُصرة والتعاون. إنّ ثقافة السلم والسلام ترفض المركزية الحضارية التي تعمل على إلغاء الآخر وتأطيره وتدجينه ضمن ثقافة الهيمنة والسيطرة والاحتواء والاستلاب المُنظم من خلال عملية اختزال تخضع لها المجتمعات الانسانية كما نشهده في الوقت الراهن .

لقد أثبتت التجربة والوظيفية الدبلوماسية مقدرة الشهيد الدكتور غنضفر ركن آبادي في المرونة التبادلية على كافة الاطراف، من خلال التقدير الموضوعي للمواقف والتقارب في الرؤى بين الاقطاب المتعددة. وهنا تكمن الجدارة العملية لثقافة السلم والسلام في ترسيخ العلاقات التبادلية بين الافراد على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم وطوائفهم وبالتالي تجسيد ديمقراطية العلاقات نحو التعاطف والتعاضد بين الجماعة .

الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي شكلت شخصيته صورة نموذجية للعلاقات الدبلوماسية، لقد جمعت شخصيته كمّا هائلا من تنوع السلوك والديناميات النفسية التي تتصف بالنماء المستمر وتفتح الامكانات وتحقيق الاهداف.

شخصية دبلوماسية تميّزت بالانسجام المتكامل بين قواه النفسية ودوافعه، والتكيّف النشط مع الظروف السياسية والاجتماعية بتحولاتها وانعكاساتها والانفتاح معها والاسهام البناء في نموّها. وهو مع ذلك كان يتمتع بنظام قيم سامية توجّه مشروعة الوجودي الانساني تمثلت بفاعلية التواصل الانساني الاجتماعي، فكان يُشعر قلبه بالرحمة والمحبة واللطف ملبيا ايجابيا لكل من يلتقي به. وهذا تجسيد عملي لوصية امير المؤمنين الامام علي (ع) "الناس صنفان: أخ لك في الدين ونظير لك في الخلق". وهذا شكّل بدوره مفتاحا للنمو الاجتماعي الايجابي وحصانة من الوقوع في المواقف المؤذية للذات والآخر .

دبلوماسية الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي تجلّت إشراقاتها من انبناءات القرآن الكريم والرسالة المحمدية ومدرسية آل البيت (ع). وهذا ما أعطى شخصيته كاريزما معينة تنفرد في بُنيتها وخصائصها، فالكاريزمي هو لا يتمتّع بالحكمة والصقل الاجتماعي فحسب، وإنما بإمكانه أن يتكيف مع مجموعة عريضة من المواقف الاجتماعية. لقد جسّد الدكتور غضنفر ركن آبادي في مساره الحياتي والوظيفي معاني الآيات الكريمة (وإن كنت فظاً غليظ القلب لانفضوّا من حولك فاعفوا عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر). (وادعو الى ربك بالموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، ( يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم)، (إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا).

الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي ترجم عمليا في وسلوكياته نهج الرسالة المحمدية التي تؤكد على تنبي قيم اجتماعية والتواصل والتلاقي الانساني مع كافة الاطياف والمذاهب والطوائف. وهذه بحد ذاتها دبلوماسية قادرة على صيانة مسيرة الانسان التكاملية في جميع أبعادها. حتى في مجال دراسته فكانت أطروحة الدكتوراه التي أعدّها تحت عنوان "الاسلام والنظام السياسي في الجمهورية الاسلامية الايرانية ".

الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي استحوذ في حسه وجدان مثالي وهو معرفة الله تعالى والنبي الأعظم (ص) والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام. هذا الوجدان كنا نستشفه بقوة من خلال التعاطي الايجابي البناء في تعزيز ثقافة أهل البيت عليهم السلام، وتشجيع إحياء ذكراهم وسيرتهم. فكان للسيدة الكريمة زوجته حضور دائم ومشاركة في كل مناسبة تقيمها جمعية السيدة زينب الخيرية، حتى أن حضرة السيدة والدته عندما كانت في لبنان تشرّفت الجمعية بزيارتها لنا، وكذلك اخته السيدة الدكتور ايران ركن آبادي شرّفتنا بزيارتها الكريمة. وهذا كله تاكيدا ومصداقا للوعي الرسالي لهذه الاسرة الكريمة ولمستوى اليقين والثبات على نهج العقيدة المقدسة بإخلاص وبصيرة. فالحس الايجابي العقائدي في هذه الأسرة الكريمة ليس مجرد سمة من سمات شخصيتهم بمقدار ما هو بعد بنيوي له فرادته وتمايزه.

لقد رسم الدكتور غضنفر ركن آبادي في استشهاد كلمات ومواقف خالدات، ستدور مع الفلك ثم تنتشر، لتبقى في وعي الخُلد ملء عين الخُلد. فالحياة وإن كانت حركة دائمة والموت سكون دائم إلا أنّه في سكونه بالنسبة للعظماء والشهداء يُعطي معنا آخر. فموت الدكتور غضنفر ركن آبادي ليس سكونا هامداً بل هو خروج الحركة لتنتشر في أحياء آخرين .

الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي استحال قيمة في وعي الحياة، نجده فينا في الخلجة، في النبضة، في السعي المنشىء، في العمل الباني. إن الشهيد غضنفر ركن آبادي لم أرَ في موته كما زعموا، يداً تمشي بالفناء، بل رأيت فيه يدا كريمة تعمل بها الحياة عملا آخر. أبرزته بين أحيائنا أرجحم قيمة، أرجحهم حياة. فيا سعادة السفير نحن الذين هنا في الضياء ضيائك، وهيهات أن يُخالطنا حس بفقدك .

وأقولها كلمة بعزّ وكبرياء: إنّ بعض الموت كبرياء تسجد عند عتباتها كل كبرياء. فالمجد ليس غمرا وإنما هو اختصار عمر. وبين هذا وذا أقول : إلهي على كل الأمور لك الحمدُ إذا شئت أمرا ليس من كونه بُدٌّ. استشهد سعادة السفير الدكتور غضنفر ركن آبادي ومن مثله موته نقلة لأعلى فأعلى فكل علياء فوقها علياء. فسلام على روحه الطاهرة وعلى ضريحه ما أسفرت شمس وأشرق كوكب وما سارت سحاب عليه وما هبت الريح فاهتزت بها القضب وما طلعت شمس وما لاح نجم ثم يحتجب .

...................

انتهى / 232