وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : الكفيل
الجمعة

١٨ ديسمبر ٢٠١٥

٤:٠٥:٥٨ ص
725567

البكاء يستمر على الحسين (ع) بعد وصول الظعن إلى المدينة

قال بشير بن حذلم لما طلب مني الإمام السجاد أن أنع أباه (ع):ركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة، فلمّا بلغت مسجد النبي(ص) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:يا أهل يثرب لا مقام لكم به قتل الحسين فادمعي مدرار

ابنا: دخول بشير إلى المدينة
قال بشير بن حذلم: لمّا قربنا من المدينة نزل علي بن الحسين(عليهما السلام) فحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه، وقال: «يا بشير، رحم الله أباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شي‏ء منه»؟ فقلت: بلى يابن رسول الله إنّي لشاعر، فقال(عليه السلام): «أُدخل المدينة، وانع أبا عبد الله(عليه السلام)».
قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة، فلمّا بلغت مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها ** قتل الحسين فادمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرّج ** والرأس منه على القناة يدار
ثمّ قال: هذا علي بن الحسين(عليه السلام) مع عمّاته وأخواته، قد حلّوا بساحتكم، ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.
قال: فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزن من خدورهنّ، مكشوفة شعورهنّ، مخمّشة وجوههنّ، ضاربات خدودهنّ، يدعون بالويل والثبور، فلم أرَ باكياً وباكية أكثر من ذلك اليوم، ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه.

جارية تنعى الحسين(عليه السلام)
قال بشير: وسمعت جارية تنوح على الحسين(عليه السلام) فتقول:
نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا ** وأمرضني ناع نعاه فأفجعا
فعيني جودا بالدموع وأسكبا ** وجودا بدمعٍ بعد دمعكما معا
على من دهى عرش الجليل فزعزعا ** فأصبح هذا المجد والدين أجدعا
على ابن نبي الله وابن وصيه ** وإن كان عنا شاحط الدار أشسعا
ثمّ قالت: أيّها الناعي، جدّدت حزننا بأبي عبد الله(عليه السلام)، وخدشت منا قروحاً لما تندمل، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت: أنا بشير بن حذلم، وجّهني مولاي علي بن الحسين(عليهما السلام)، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) ونسائه.
قال: فتركوني مكاني وبادروني، فضربت فرسي حتّى رجعت إليهم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع، فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس، حتّى قربت من باب الفسطاط، وكان علي بن الحسين(عليه السلام) داخلاً، فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه خادم معه كرسي، فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك عن العَبرة، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء، وحنين النسوان والجواري، والناس يعزّونه من كلّ ناحية، فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.

خطبة الإمام زين العابدين(عليه السلام)
ثمّ خطب الإمام(عليه السلام) بالناس فقال: «الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العُلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأُمور، وفجائع الدهور، وجليل الرزء، وعظيم المصائب.
أيّها القوم، إنّ الله له الحمد وله الشكر، قد ابتلانا بمصائب جليلة، ومصيبتنا ثلمة عظيمة في الإسلام، ورزية في الأنام، قُتل أبي الحسين وعترته وأنصاره، وسُبيت نساؤه وذرّيته، وطيف برأسه في البلدان على عالي السنان، فهذه الرزية تعلو على كلّ رزية، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، والسبع الطباق لفقده، وبكت البحار بأمواجها، والأرضون بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والطيور بأوكارها، والحيتان في لجج البحار، والوحوش في البراري والقفار، والملائكة المقرّبين، والسماوات والأرضين.
أيّها الناس، أيّ قلب لا ينصدع لقتله ولا يحزن لأجله؟ أيّها الناس، أصبحنا مشرّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ولا فاحشة فعلناها، فوالله لو أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها، وأفجعها وأكظها وأفظعها، وأمرّها وأفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا فإنّه عزيز ذو انتقام».

شعر السيّدة أُمّ كلثوم(عليها السلام)
قالت السيّدة أُمّ كلثوم حين دخولها المدينة المنوّرة:
مدينة جدّنا لا تقبلينا ** فبالحسرات والأحزان جينا
خرجنا منك بالأهلين جمعاً ** رجعنا لا رجال ولا بنينا
ألا فأخبر رسول الله عنّا ** بأنّا قد فُجعنا في أخينا
وإنّ رجالنا بالطفّ صرعى ** بلا رؤوس وقد ذبحوا البنينا
ورهطك يا رسول الله أضحوا ** عرايا بالطفوف مُسلّبينا
وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا ** جنابك يا رسول الله فينا
فلو نظرت عيونك للأسارى ** على قتب الجمال محمّلينا
رسول الله بعد الصون صارت ** عيون الناس ناظرة إلينا
وكنت تحوطنا حتّى تولّت ** عيونك ثارت الأعدا علينا
أفاطم لو نظرت إلى السبايا ** بناتك في البلاد مشتّتينا
أفاطم لو نظرت إلى الحيارى ** ولو أبصرت زين العابدينا
أفاطم لو رأيتينا سهارى ** ومن سهر الليالي قد عمينا
أفاطم ما لقيت من عداك ** ولا قيراط ممّا قد لقينا
فلو دامت حياتك لم تزالي ** إلى يوم القيامة تندبينا
وعرّج بالبقيع وقف وناد ** أين حبيب ربّ العالمينا

محاورة بشير مع أُمّ البنين
لمّا دخل بشير المدينة لينعى الحسين(عليه السلام)، التقى بأُمّ البنين ـ وهي أُمّ العباس ـ فقال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله الأجر بولدك جعفر، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك عثمان، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك العباس، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، فقال: عظّم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسين، فصاحت ولطمت خدّها، وشقّت جيبها ونادت: وا حسيناه وا سيّداه.

تاريخ الوصول
2 ربيع الأوّل 61ﻫ، وصلت السبايا إلى المدينة، ووجدوا ديار أهلها خالية تنعى أهلها، وتندب سكّانها، ولنعم ما قال الشاعر:
مررت على أبيات آل محمّد ** فلم أرها أمثالها يوم حلّت
فلا يبعد الله الديار وأهلها ** وإن أصبحت منهم برغم تخلّت
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: اللهوف في قتلى الطفوف: 115.

بقلم : محمد أمين نجف