ابنا: سبحان الله ، أ يبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ، فلو أتيته فسمعت كلامه" هذا ما قالت زوجة لزوجها عندما جاء رسول الحسين عليه السلام إليهم حاملاً صك الجنة وبراءة من النار والفوز في الدارين، داعياً إياه الالتحاق بركبه، وذلك لنصرته، حتى يسلّمه إحدى الرايات يوم عاشوراء، لكن زوجته كانت مؤمنة عاقلة عارفة بهذا المصير، والعاقل يكفيه الإشارة.
فيعرف عقل الانسان السليم في المشكلات والمواقف الصعبة والحرجة التي بعازة لاتخاذ قرار مصيري كهذا القرار، فلا بد أن يحدد الطريق الصحيح وهو على مفترق الطرق، ولعل اختيار الطريق الخطأ يؤدى إلى الهواية ولا رجوع له، فنبهت دلهم بنت عمرو زوجها زهير بن القين عن نومة الغافلين، ليحظى بالسعادة الأبدية، والحياة السرمدية، وإن كان ثمنها فقده وفراقه، ولكن ما قيمة هذه الدنيا الدنية بأيامها القليلة وتقابلها جنة ورضوان وجوار للرسول والآل.
وهكذا التاريح يحدثنا عن حكايتهم فكان جماعة من بني فزارة و بجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين لما خرجنا من مكة باتجاه العراق، فكنا نساير الحسين عليه السلام ، وكانت مسايرته أمر لا نرغب به؛ لأنه كان معه عائلته ، فكان إذا أراد النزول في منزل ابتعدنا عنه، ونزلنا في منطقة أخرى.
في أثناء مسيرنا وطريقنا نزل الإمام الحسين (ع) في مكان ليس لنا بد إلا نزول فيه، فنزلنا بذلك المنزل حتى حان وقت الطعام فكنا على المائدة نتغدى، إذ أقبل رسول الحسين (ع) علينا، فسلّم وقال:
يا زهير بن القين إن أبا عبدالله عليه السلام بعثني إليك لتأتيه ، فوقع منا ما في أيدينا حتى كأنما على رؤوسنا الطير.
فقالت له زوجته ـ وهي دلهم بنت عمروـ : سبحان الله ، أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ، فلو أتيته فسمعت كلامه.
فمضى إليه زهير ، فما لبث الا أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقوض وبثقله ومتاعه فحوّل إلى الحسين عليهالسلام.
وقال لامرأته : أنت طالق ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليهالسلام والالتحاق بركبه؛ لأفديه بروحي وأقيه بنفسي ، ثم أعطاها مالها وسلّمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها.
فقامت إليه وودعته وبكت ، وقالت : اختار الله لك الفوز بالنعيم، ولكن أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام.
ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يأتي معي ، وإلا فهذا فراق بين وبينكم.
إذا أمعنا النظر في ما تقدم من هذه الحكاية نجد أن هذه الزوجة الصالحة تريد أن يكون زوجها زهير حسينياً سعيداً شهيداً وجيهاً في يوم القيامة لتحظى بشفاعة النبي الأعظم (ص)، وإن كان ثمنها أن تصبح وحيدة، فريدة، أرملة ..........
ما هذا الإيمان والمعرفة والعقل! فما أعظمها من زوجة اشترت فراق زوجها الذي يبغي لها الصلاح والخير؟
فما كانت إلا لحظات حتى رجع زهير من عند الحسين عليه السلام، وقد تحول من حال إلى حال مستبشراً بلقاء سيد شباب أهل الجنة، فحينها قال لزوجته: "فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير"، ولعله لهذا طلّقها.
امرأة مؤمنة عارفة بإمام زمانها من ذوات العقل والنهى، وإن لم ينقل لنا التاريخ جميع مواقفها بالتفصيل، ولكن هذا النزر القليل من توعيتها لزوجها يكشف عن معرفتها وولائها ومودتها لقربى النبي (ص) وأهل بيته الكرام(ع).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر: اللهوف في قتلى الطفوف، للسيد ابن طاووس ص132.
...........
انتهى / 278