ابنا: وبعد تقلّد الوليد أزمّة الملك بعد أبيه عبد الملك بن مروان، وقد وصفه المسعودي بأنّه كان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً(1)، حتّى طعن عمر بن عبد العزيز الأموي في حكومته، فقال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً(2).
وفي عهد هذا الطاغية الجبّار استشهد العالم الإسلامي الكبير سعيد بن جبير على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي أعتى عامل أموي.
وقد كان الوليد من أحقد الناس على الإمام زين العابدين(عليه السلام) لأنّه كان يرى أنّه لا يتمّ له الملك والسلطان مع وجود الإمام زين العابدين(عليه السلام).
فقد كان الإمام(عليه السلام) يتمتّع بشعبية كبيرة، حتّى تحدّث الناس بإعجاب وإكبار عن علمه وفقهه وعبادته، وعجّت الأندية بالتحدّث عن صبره وسائر ملكاته، واحتلّ مكاناً كبيراً في قلوب الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، ويتشرّف بمقابلته والاستماع إلى حديثه ، وقد شقّ على الأمويين عامّة هذا الموقع المتميّز للإمام(عليه السلام) وأقضّ مضاجعهم، وكان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك(3) الذي كان يحلم بحكومة المسلمين وخلافة الرسول(صلَّى الله عليه وآله).
وروى الزهري: عن الوليد أنّه قال : لا راحة لي وعليّ بن الحسين موجود في دار الدنيا(4).
فأجمع رأيه على اغتيال الإمام زين العابدين(عليه السلام) حينما آل إليه الملك، فبعث سمّاً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسّه للإمام(عليه السلام)(5) ونفّذ عامله ذلك، فسَمَتْ روح الإمام العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعباداتها وجهادها وتجرّدها من الهوى.
وقام الإمام أبو جعفر محمد الباقر(عليه السلام) بتجهيز جثمان أبيه، وبعد تشييع حافل لم تشهد المدينة نظيراً له; وجيء بجثمانه الطاهر إلى بقيع الفرقد، فحفروا قبراً بجوار قبر عمّه الزكيّ الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ـ وأنزل الإمام الباقر(عليه السلام) جثمان أبيه زين العابدين وسيّد الساجدين(عليه السلام) فواراه في مقرّه الأخير.
ولقد حضر الإمام زين العابدين عليه السلام واقعة كربلاء، وشاهد مصارع أبيه وإخوته وأعمامه، وقد أقعده المرض في تلك الاَيام عن القتال ليبقيه الله تعالى مناراً للإسلام بعد أبيه ويكمل مسيرة جده وأبيه، حتى لا تخلو الأرض من حجة .
وكان دور الإمام عليه السلام إكمال عملية التغيير التي سعى فيها أبيه الحسين عليه السلام، فلم يترك مناسبة دون أن يذكّر بالمصائب التي حلّت بأهل البيت، حملة الاِسلام المخلصين، ممّا أدّى إلى تحفيز وإلهاب الشعور بالاِثم الذي أحسّه المسلمون عقب استشهاد الحسين - عليه السّلام- ، لتقاعسهم عن نصرته، وموقفهم المتخاذل منه. فتوالت الثورات حتى زعزعت أركان الحكم الاَموي، وأسقطته في نهاية المطاف.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مروج الذهب : 3 / 96.
(2) تأريخ الخلفاء : 223.
(3) هناك من المؤرّخين من يرى أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي دسّ السمّ للإمام (عليه السلام)، راجع بحار الأنوار: 46/153، ويمكن الجمع بين الرأيين فيكون أحدهما آمراً والآخر منفّذاً للجريمة.
(4) راجع : حياة الإمام زين العابدين : 678 .
(5) بحار الأنوار : 46 / 153 عن الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 194 .
...................
انتهى / 232
المصدر : ابنا
السبت
٧ نوفمبر ٢٠١٥
٣:١٣:١٨ م
718925
وبعد تقلّد الوليد أزمّة الملك بعد أبيه عبد الملك بن مروان، وقد وصفه المسعودي بأنّه كان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً(1)، حتّى طعن عمر بن عبد العزيز الأموي في حكومته، فقال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً(2).