ابنا: "ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَاله وسَلَّمَ" قالت هذة العبارة، زوجة الامام الحسين (عليه السلام) المحترمة المخدّرة عندما خطبها أشراف وأثرياء المدينة بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام، فمن تكن هذة السيّدة الجليلة غير الرباب بنت امرئ القيس بن عدي التي كانت تحبّ الحسين عليه السلام حبّا جماً؟ كما أن عائلتها كانت تحمل الولاء والمحبة والتفاني لأهل البيت سلام الله عليهم، ولم يكن هذا الولاء ولائاً اعتباطياً، يكفيك أن تلقي نظرة إلى حكاية اسلام امرئ القيس عند ما اتى الى المسجد وكان خليفة الثاني عمر فيه فسأله عمر ماذا تريد وما هو مطلبك ومن أين انت؟
فقال: أنا امرئ القيس الشامي من بني القضاعة وأريد الأسلام _ليس صاحب المعلقات لان دينه وثنيّة وكان من اليمن_.
فطرده عمر من المسجد وكان هذا بمنظر من الناس، فخرج هايماً متحيراً في أمره، ولكن يهدي الله من يشاء إلى سواء السبيل، وحالفه الحظ، فحينها التقى بصهر المصطفى علي المرتضى (ع) فعرّفه بنفسه وقال له: أنا ابن عم الرسول وزوج البتول وهذان الحسن والحسين ابناها، فما رأيك أن تكون بيننا قرابة، فقال امرئ القيس لي ثلاث بنات، وقد أنكحتك يا علي الحياة، وأنكحتك يا حسن سلمى، وأنكحتك يا حسين الرباب. وتزّوجت الرباب من الحسين عليه السلام، وولدت له (سكينة) عقيلة قريش، و(عبدالله الرضيع)، وكان الإمام الحسين (ع) يحبها، ويحب ابنتها سكينة مصرحاً ذلك في شعره حيث يقول :
لعمركَ أنّني لأحبّ داراً تحلُّ بها سكينةُ والربابُ
أحبّهمـاوأبذلُ جُـلَّ مالـي ولـيس لعاتب عندي عتابُ
ولستُ لهم وإنْ عَتبوا مطيعاً حياتي أو يغيّبني التراب
وكانت امرأة نموذجية في مودة القربى، وخرجت مع الامام في أخطر لحظات حياته من المدينة إلى كربلاء، وشاهدت بأم عينها قربانها مذبوح من الوريد إلى الوريد، وذلك عندما أخذ الامام عليه السلام رضيعها على يده ونادى: يا قوم قد قتلتم شيعتي واهل بيتي، وقد بقي هذا الطفل يتلظّى عطشا، فاسقوه شربة من الماء. فبينما هو يخاطبهم اذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه، ولما رجع بالرضيع مذبوحاً إلى الخيام، رأى الأطفال والبنات ـ ومعهن رباب أم الرضيع ـ واقفات بباب الخيمة ينتظرن رجوع الإمام. فلما رأى الإمام الحسين ذلك، غيّر طريقه، وذهب وراء الخيام، ونادى أخته زينب لتأتي وتمسك جثمان الرضيع لكي يخرج الإمام ذلك السهم المشؤوم من نحر الطفل !!
فيا له من قلب تمكن من إخراج السهم من ذلك النحر، ويا لها من عيون تمكنت أن تنظر إلى إخراج ذلك السهم من نحر رضيعها، ولم تفارق الحياة!!!
ثم أخذت الى الشام مع السبايا، وصبرت صبرا جميلا؛ لأنها كانت من مخدرات الرسالة معروفة بولائها ومحبتها لإمامها في حياته وبعد مماته، وعندما رجعت إلى المدينة خطبها أشرافها وأثريائها، ولكنها كانت تحمل بين جنبيها روحاً متافنياً في الرسول وآل الرسول فرفضتهم، بهذا الكلام: ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَاله وسَلَّمَ، فلم تتزوج.
فجلست في بيتها لم تستظل تحت سقف، فرفعت سقف دارها مواساة للإمام الحسين (ع) الذي بقى ثلاثة أيام تصهره الشمس، وحزناً على رضيعها المفطوم بسهم المنايا، وبقيت تذرف الدموع إثر الدموع تبكي ليلها ونهارها، فاستلسم البكاء لعظم مصابها، وجفت عينها، فطلبت ما يساعده ويسعفه على هذا الأمر، فنعت لها السويق ليدر دموعها.
يقول صاحب أعلام النساء: إنها كانت شاعرة من شاعرات العرب كانت من خيرة نساء عصرها وأفضلهن وينسب إليها رثاء تعبر فيه عن مشاعرها بقلب كئيب وعاطفة صادقة تجاه الإمام الحسين (ع) فتقول:
إنّ الذي كان نوراً يُستضاءُ به بكربـلاءَ قتيـلٌ غيـرُ مدفونِ
سبطُ النبيّ جزاكَ الله صـالحةً عنّـا وجُنّبتَ خسران الموازينِ
قد كنتَ لي جبلاً صلدً ألوذُ بهِ وكـنتَ تصحبنا بالرحمِ والدينِ
فمن يجيبُ نداء المستغيثِ ومن يغنـي ويؤوي إليه كلّ مسكينِ
تا الله لا أبتغي صهـراً بصهركـم حتى اُوسّدَ بين اللحد والطينِ
وفي تذكرة الخواص : إن الرباب بنت امرىء القيس زوجة الحسين أخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبّلته وقالت:
وا حسيناً فـلا نـسيتُ حُسيناً أقصدتـه أسنّـة الأعــداءِ
غـادروه بكـربلاء صـريعاً لاسقى الله جانبي كربلاءِ
ألى أن انتقلت إلى رحمة الله بعد سنة من استشهاد الامام الحسين عليه السلام ودفنت في المدينة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ اعيان الشيعة ٦ص٤٤٩
2ـ الملهوف
3ـ تراجم اعلام النساء موسسة الرسالة ص ١٣٢
4ـ اعلام النساء في اعلامي العرب والاسلام عمر رضا كحّاله موسسة الرسالة ج ١ ص ٤٣٨
.............
انتهى / 278