ابنا: بعث الله الأنبياء هداية للناس ثم جعل الإمامة امتداداً وإكمالاً لدعوة النبوة وبموازاة هذا الطريق الإلهي هناك من يدعى الكذب ليضل الناس عن سبيل الله.
و"المعجزة" و"الكرامة" طريقان لمعرفة الأنبياء والأئمة عن غيرهم ممن يدعي الكذب.
إنّ الاِتيان بالعَمَل الخارق للعادة الذي يقترن مع دعوى النبوة، ويتّفق مع الادّعاء، يسمى معجزة.
وأمّا إذا صدر العملُ الخارقُ للعادة من عبدٍ للهِ صالحٍ لم يَدَّعِ النبوّةَ سُمِيّ "كرامة".
وممّا يشهد بأنّ عباد الله الصالحين من غير الاَنبياء قادرون أيضاً على الاِتيان بالاَعمال الخارقة للعادة، نزول مائدة سماويّة على السيدة مريم أُم النبي السيد المسيح ـ عليه السلام ـ وانتقال عرش بلقيس ملكة سبأ في سرعة خاطفة من اليمن إلى فلسطين على يد فردٍ بارزٍ من أنصار النبي سليمان (آصف بن برخيا) وقد أخبرَ القرآنُ الكريم بكلا الحَدَثين إذ قال في شأن مريم: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَريّا الِمحْرابَ وَجَد عِنْدَها رِزْقاً.
وفيما يرتبط بقضية بلقيس قال عز ذكره: وقالَ الّذي عِنْدَهُ علْمٌ مِنَ الِكتابِ أَنا آتِيكَ بِهِ قبْلَ أنْ يرتَدَّ إليْكَ طرفُك.
وبمناسبة ذكرى استشهاد الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام نقدم للقراء الكرام كرامتين لهذا الإمام عليه السلام.
ـــــــــــــــــــــ
الكرامة الأولى
روى الشيخ المفيد عن محمد بن حسان، عن علي بن خالد قال:
كنت بالعسكر [سامراء] فبلغني أن هناك رجلا محبوسا أتي به من ناحية الشام مكبولا، وقالوا: إنه تنبأ.
قال: فأتيت الباب وداريت البوابين حتى وصلت إليه، فإذا رجل له فهم وعقل، فقلت له: يا هذا ما قصتك؟
فقال: إنئي كنت رجلا بالشام أ عبد الله في الموضع الذي يقال: إنه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام، فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله تعالى، إذ رأيت شخصا بين يدي، فنظرت إليه.
فقال لي: " قم "، فقمت معه فمشى بي قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: أتعرف هذا المسجد؟
فقلت: نعم هذا مسجد الكوفة، قال: فصلى فصليت معه ثم انصرف وانصرفت معه، فمشى قليلا فإذا نحن بمسجد الرسول عليه السلام فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى وصليت معه، ثم خرج وخرجت فمشى قليلا فإذا أنا بمكة، فطاف بالبيت وطفت معه، ثم خرج فمشى قليلا فإذا أنا بموضعي الذي كنت أ عبد الله تعالى فيه بالشام، وغاب الشخص عن عيني، فبقيت متعجبا حولا مما رأيت.
فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به، ودعاني فأجبته، ففعل كما فعل في العام الماضي، فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت منك إلا أخبرتني من أنت؟
فقال: " أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر ". فحدثت من كان يصير إلي بخبره، فرقي ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيات، فبعث إلي فأخذني وكبلني في الحديد وحملني إلى العراق وحبست كما ترى، وادعي علي المحال.
فقلت له: فأرفع عنك قصة إلى محمد بن عبد الملك الزيات. فقال: افعل. فكتبت عنه قصة شرحت أمره فيها ورفعتها إلى محمد بن عبد الملك الزيات، فوقع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة وردك من مكة إلى الشام، أن يخرجك من حبسك هذا.
قال علي بن خالد: فغمني ذلك من أمره ورققت له وانصرفت محزونا عليه. فلما كان من الغد باكرت الحبس لاعلمه بالحال وآمره بالصبر والعزاء، فوجدت الجند وأصحاب الحرس وأصحاب السجن وخلقا عظيما من الناس يهرعون، فسألت عن حالهم فقيل لي: المحمول من الشام المتنبئ افتقد البارحة من الحبس، فلا يدرى أخسفت به الارض أو اختطفته الطير ! وكان هذا الرجل - أعني علي بن خالد - زيديا، فقال بالامامة لما رأى ذلك وحسن اعتقاده.
المصادر: الإرشاد المفيد: 288 ـ 291، بصائر الدرجات: 422 / 1، الكافي 1: 411 / 1، دلائل الامامة: 214، الاختصاص: 320، اعلام الورى: 332، الخرائج والجرائح 1: 380 / 10، واخرج نحوه ابن الصباغ في الفصول المهمة: 271، ومختصرا في مناقب آل ابي طالب 4: 393، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 40. (مكتبة الفقاهة)
ــــــــــــــــــ
الكرامة الثانية
روى الشيخ الكليني في كتابه الكافي باب باب ما يضل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة عن محمد بن أبي العلاء قال:
سمعت يحيى بن أكثم - قاضي سامراء بعدما جهدت به وناظرته وحاورته وواصلته وسألته عن علوم آل محمد - فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرأيت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يطوف به، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلي.
فقلت له: والله إني أريد أن أسألك مسألة وإني والله لأستحيي من ذلك، فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام، فقلت: هو والله هذا.
فقال: أنا هو، فقلت: علامة! فكان في يده عصا فنطقت، وقالت: إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة.
المصدر: اصول الكافي 2/199 طبعة دار الحديث.(مكتبة الفقاهة)
..................
انتهى / 278